نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate واق

الاثنين، 6 مارس 2023

تفسير سورة لقمان الايات من 29 الي34.والاخر


تفسير سورة لقمان الايات من 29 الي34.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
===============
 لقمان - تفسير ابن كثير
 أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) }
يخبر تعالى أنه { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ } بمعنى: يأخذ منه في النهار، فيطولُ ذلك ويقصر هذا،
وهذا يكون زمن الصيف يطول النهار إلى الغاية، ثم يسرع في النقص فيطول الليل ويقصر النهار، وهذا يكون في زمن الشتاء، { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قيل: إلى غاية محدودة. وقيل: إلى يوم القيامة. وكلا المعنيين صحيح، ويستشهد للقول الأول بحديث أبي ذر، رضي الله عنه، الذي في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب هذه الشمس؟". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن ربَّها فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت" (1) .
وقال ابن أبي الحاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جُرَيْج، عن عَطَاء بن أبي رباح (2) ، عن ابن عباس أنه قال: الشمس بمنزلة الساقية، تجري بالنهار في السماء في فلكها، فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها، قال: وكذلك القمر. إسناده صحيح.
وقوله: { وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ، كقوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [الحج: 70]. (3) ومعنى هذا: أنه تعالى الخالق العالم بجميع الأشياء، كقوله: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12].
وقوله: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } أي: إنما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق، أي: الموجود الحق، الإله الحق، وأن كل ما سواه باطل فإنه الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه؛ لأن كل ما (4) في السموات والأرض الجميع خلقه وعبيده، لا يقدر أحد منهم على تحريك ذَرّة إلا بإذنه، ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك؛ ولهذا قال: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } أي: العلي: الذي لا أعلى منه، الكبير: الذي هو أكبر من كل شيء، فكل (5) شيء خاضع حقير بالنسبة إليه.
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4803) وصحيح مسلم برقم (159).
(2) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(3) في ت: "السموات" وهو خطأ.
(4) في ت: "من".
(5) في ت، ف: "وكل".
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) }
يخبر تعالى أنه هو الذي سَخَّر البحر لتجري فيه الفلك بأمره، أي: بلطفه وتسخيره؛ فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت؛ ولهذا قال: { لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ } أي: من قدرته، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي: صبار في الضراء، شكور في الرخاء.
ثم قال: { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ } أي: كالجبال والغمام، { دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ، كما قال تعالى: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [الإسراء: 67]، وقال { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [العنكبوت: 65].
ثم قال: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } قال مجاهد: أي كافر. كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد، كما قال تعالى: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت: 65].
وقال ابن زيد: هو المتوسط في العمل.
وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } [فاطر: 32]، فالمقتصد هاهنا هو: المتوسط في العمل. ويحتمل أن يكون مرادًا هنا أيضا، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر، ثم بعدما أنعم عليه من الخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات. فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه، والله أعلم.
وقوله: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } : فالختار: هو الغَدَّار. قاله مجاهد، والحسن، وقتادة، ومالك عن (1) زيد بن أسلم، وهو الذي كلما عاهد نقض عهده، والخَتْر: أتَم الغدر وأبلغه، قال عمرو بن معد يكرب:
وَإنَّكَ لَو رَأيتَ أبَا عُمَير ... مَلأتَ يَديْكَ مِنْ غَدْر وَخَتْر (2)
وقوله: { كَفُورٍ } أي: جحود للنعم لا يشكرها، بل يتناساها ولا يذكرها.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) } .
يقول تعالى منذرا للناس يوم المعاد، وآمرا لهم بتقواه والخوف منه، والخشية من يوم القيامة حيث { لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ } أي: لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه. وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يتقبل منه.
ثم عاد بالموعظة عليهم بقوله: { فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } [أي: لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة] (3) . { وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } يعني: الشيطان. قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة. فإنه يغر ابن آدم ويَعدهُ ويمنيه، وليس من ذلك شيء بل كما قال تعالى:
__________
(1) في أ: "و".
(2) البيت في تفسير الطبري (21/54).
(3) زيادة من ت، ف، أ.
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
{ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } [النساء:120].
قال وهب بن منبه: قال عزير، عليه السلام: لما رأيت بلاء قومي اشتد حزني وكثر همي، وأرق نومي، فضرعت (1) إلى ربي وصليت وصمت فأنا في ذلك أتضرع أبكي إذ أتاني الملك فقلت له: أخبرني هل تشفع أرواح المصدقين (2) للظلمة، أو الآباء لأبنائهم؟ قال: إن القيامة فيها (3) فصل القضاء وملك ظاهر، ليس فيه رخصة، لا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الرحمن، ولا يؤخذ فيه والد عن ولده، ولا ولد عن والده، ولا أخ عن أخيه، ولا عبد عن سيده، ولا يهتم أحد بغيره (4) ولا يحزن لحزنه، ولا أحد يرحمه، كل مشفق على نفسه، ولا يؤخذ إنسان عن إنسان، كل يَهُم همه ويبكي عَوله، ويحمل وزره، ولا يحمل وزره معه غيره. رواه ابن أبي حاتم.
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) } .
هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها؛ فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، { لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } [الأعراف: 187]، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومَنْ شاء الله من خلقه. وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [الله] (5) تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى، أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك، ومَنْ شاء الله من خلقه. وكذلك لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان، لا علم لأحد بذلك. وهذه شبيهة بقوله تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } الآية [الأنعام: 59]. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس: مفاتيح الغيب.
قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بُرَيدة، سمعت أبي -بُرَيدة - (6) يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (7) .
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجوه.
حديث ابن عمر: قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر (8) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (9) مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
__________
(1) في ف: "وتضرعت".
(2) في ت، ف: "الصديقين".
(3) في ت، ف، أ: "إن يوم القيامة فيه".
(4) في ت "ولا يهتم بهم أحدا".
(5) زيادة من ت، ف، أ.
(6) في ت: "ورى الإمام أحمد بإسناده عن بريدة".
(7) المسند (5/353) وقال الهيثمي في المجمع (7/90) "رجال أحمد رجال الصحيح".
(8) في ت: "وروى البخاري عن عبد الله بن عمر".
(9) في ت: "النبي".
انفرد بإخراجه البخاري، فرواه في "كتاب الاستسقاء" من صحيحه، عن محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان بن سعيد الثوري، به (1) . ورواه في التفسير من وجه آخر فقال:
حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا ابن وهب، حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتيح الغيب خمس". ثم قرأ: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } انفرد به أيضا (2) .
ورواه الإمام أحمد عن غُنْدَر، عن شعبة، عن عمر بن محمد؛ أنه سمع أباه يحدث، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (3) .
[حديث ابن مسعود، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سلمة قال: قال عبد الله (4) : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ] (5) (6) .
وكذا رواه عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، به. وزاد في آخره: قال: قلت له: أنت سمعته من عبد الله؟ قال: نعم. أكثر من خمسين مرة (7) .
ورواه أيضا عن وَكِيع، عن مِسْعَر، عن عمرو بن مرة به (8) .
وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه.
حديث أبي هريرة: قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا إسحاق، عن جرير، عن أبي حيان، عن أبي زُرْعَةَ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه (9) ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس، إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: "الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر". قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: "الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان". فقال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" . قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمَةُ رَبَّتَهَا، فذاك من أشراطها. وإذا كان الحفاة
__________
(1) المسند (2/24) وصحيح البخاري برقم (1035).
(2) صحيح البخاري برقم (4697).
(3) المسند (2/85).
(4) في ت: "وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال".
(5) زيادة من ف، أ.
(6) المسند (1/386).
(7) المسند (1/438).
(8) المسند (1/445).
(9) في ت: "وروى البخاري".
 العُرَاة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن (1) إلا الله. { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } ، ثم انصرف الرجل فقال: "ردُّوه عَلَيَّ". فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئًا، فقال: "هذا جبريل، جاء ليعلم الناس دينهم" (2) .
ورواه البخاري أيضا في "كتاب الإيمان"، ومسلم من طرق، عن أبي حيان، به (3) . وقد تكلمنا عليه في أول شرح البخاري. وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله، وهو من أفراد مسلم (4) .
حديث ابن عباس: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شَهْر، حدثنا عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا له، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) واضعا كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، [حدثني] (6) ما الإسلام؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله". قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: "إذا فعلت ذلك فقد أسلمت". قال: يا رسول الله، فحدِّثني ما الإيمان؟ قال: "الإيمان: أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، وتؤمن بالموت، وبالحياة بعد الموت، وتؤمن بالجنة والنار، والحساب والميزان، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره". قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: "إذا (7) فعلت ذلك فقد آمنت". قال: يا رسول الله، حدثني ما الإحسان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك". قال: يا رسول الله، فحدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله. في خمس لا يعلمهن إلا هو: (8) { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك؟". قال: أجل، يا رسول الله، فحدثني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الأمَة ولدت رَبَّتَها -أو: ربها -ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة [كانوا رؤوس الناس، فذلك من معالم الساعة وأشراطها". قال: يا رسول الله، ومَنْ أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: "العرب"] (9) (10) .
حديث غريب، ولم يخرجوه.
حديث رجل من بني عامر: روى الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور، عن رِبْعي بن حِرَاش، عن رجل من بني عامر؛ أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخرُجي إليه، فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له: فليقل: "السلام عليكم، أأدخل؟" قال: فسَمعتهُ يقول ذلك، فقلت: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن، فدخلت، فقلت: بم أتيتنا به؟ قال: "لم آتكم إلا بخير، أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن
__________
(1) في ت: "لا يعلمهم".
(2) صحيح البخاري برقم (4777).
(3) صحيح البخاري برقم (50) وصحيح مسلم برقم (9).
(4) صحيح مسلم برقم (8).
(5) في ف، أ: "بين يديه".
(6) زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(7) في ف: "فإذا".
(8) في أ: "الله".
(9) زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(10) المسند (1/318).
 تَدَعوا اللات والعزى، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات؛ وأن تصوموا من السنة شهرًا، وأن تحجوا البيت، وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم". قال: فقال: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: "قد عَلم الله عز وجل خيرًا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل: الخمس: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . (1) وهذا إسناد صحيح.
وقال ابن أبي نَجِيِح، عن مجاهد: جاء رجل من أهل البادية فقال: إن امرأتي حبلى، فأخبرني ما تلد؟ وبلادنا جَدبَةٌ، فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد عَلمتُ متى وُلدتُ فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [وَيُنزلُ الْغَيْثَ ] } (2) ، إلى قوله: { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . قال مجاهد: وهي (3) مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } [الأنعام: 59]. رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير.
وقال الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: مَنْ حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } (4) .
وقوله: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } : قال قتادة: أشياء استأثر الله بهن، فلم يُطلع عليهن مَلَكا مقربًا، ولا نبيا مرسلا { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } ، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر، أو ليل أو نهار، { وَيُنزلُ الْغَيْثَ } ، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أو نهارًا، { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } ، فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، وما هو، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } ، أخير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أم بر، أو سهل أو جبل؟
وقد جاء في الحديث: "إذا أراد الله قبض عبد بأرض، جعل له إليها حاجة"، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير، في مسند أسامة بن زيد:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن أيوب، عن أبي المليح، عن أسامة (5) بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جعل الله ميتَة (6) عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة" (7) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو داود الحَفَريّ، عن
__________
(1) المسند (5/368).
(2) زيادة من ت، ف، أ.
(3) في أ: "وهن".
(4) تفسير الطبري (21/56).
(5) في ت: "فروى أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير في مسند أسامة".
(6) في ت، ف، أ: "منية".
(7) المعجم الكبير (1/178) وقال الهيثمي في المجمع (7/196) "ورجاله رجال الصحيح" وفيها: "منية" بدل "ميتة".
 
سفيان، عن أبي إسحاق، عن مَطَر بن عُكَامِس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) : إذا قضى الله ميتة عبد بأرض، جعل له إليها حاجة".
وهكذا رواه الترمذي في "القدر"، من حديث سفيان الثوري، به (2) . ثم قال: "حسن غريب، ولا يعرف لمطر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. وقد رواه أبو داود في "المراسيل"، (3) فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي المليح بن أسامة (4) عن أبي عزة (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله قبض روح عبد بأرض جعل له فيها -أو قال: بها -حاجة".
وأبو عزة هذا هو: يَسَار (6) بن عبد الله، ويقال: ابن عبد الهُذَلي.
وأخرجه الترمذي من حديث إسماعيل [بن إبراهيم -وهو ابن عُلَيّة (7) ، وقال: صحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأصفهاني، حدثنا المؤمل بن إسماعيل] (8) ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح، عن أبي عزة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله قبض عبد بأرض، جعل له إليها حاجة، فلم ينته حتى يقدمها". ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (9) .
حديث آخر: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن ثابت الجَحْدَري ومحمد بن يحيى القُطَعي قالا حدثنا عُمَر بن علي، حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة". ثم قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرفعه إلا عُمَر بن علي المُقَدميّ. (10) وقال ابن أبي الدنيا: حدثني سليمان بن أبي مسيح (11) قال: أنشدني محمد بن الحكم لأعشى هَمْدان:
فَمَا تَزَوّدَ ممَّا كَانَ يَجْمَعُه ... سِوَى حَنُوط غَدَاةَ البَيْن مَع خرَق ...
وَغَيْرِ نَفْحة أعْوَاد تُشَبّ لَُه ... وَقلّ ذَلكَ مِنْ زَاد لمُنْطَلق! ...
لا تَأسَيَنّ عَلَى شَيْء فَكُلّ فَتَى ... إلَى مَنيّته سَيَّارُ في عَنَق (12)
وَكُلّ مَنْ ظَنّ أنّ الموتَ يُخْطِئهُ ... مُعَلَّلٌ بأعَاليل مِنَ الحَمق ...
بأيّمَا بَلْدَة تُقْدَر منيته ... إنْ لا يُسَيَّرْ إلَيها طَائعًا يُسَق ...
__________
(1) في ت: "روى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال".
(2) زوائد المسند (5/227) وسنن الترمذي برقم (2146).
(3) لم أجده في المطبوع من المراسيل.
(4) في ت: "وروى الإمام أحمد".
(5) في أ: "عن أبي عزة الهذلي".
(6) في ف: "بشار".
(7) المسند (3/429) وسنن الترمذي برقم (2147).
(8) زيادة من ت، ف، أ.
(9) ورواه الطبراني في الأوسط برقم (3248) "مجمع البحرين" من طريق عباد بن صهيب، عن عبيد الله بن أبي حميد به، وعباد ابن صهيب متروك.
(10) ورواه الحاكم في المستدرك (1/367) من طريق محمد بن خالد الوهبي، عن إسماعيل بن أبي خالد بنحوه.
(11) في ت، ف، أ: "شيخ".
(12) في ت: "يسير في غنق".
أورده الحافظ ابن عساكر، رحمه الله، في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث، (1) وهو أعشى هَمْدَان، وكان الشعبي زوجَ أخته، وهو مُزَوّج بأخت الشعبي أيضا، وقد كان ممن طلب العلم وتَفَقَّه، ثم عدل إلى صناعة الشعر فعُرف به.
وقد رواه ابن ماجه عن أحمد بن ثابت وعُمَر بن شَبَّة، كلاهما عن عمر بن علي (2) مرفوعا: "إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثَبَتْه (3) إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره (4) ، قبضه الله عز وجل، فتقول الأرض يوم القيامة: رب، هذا ما أودعتني" (5) .
قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي المليح، عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما جعل الله منية عبد بأرض، إلا جعل له إليها حاجة" (6) .
[آخر تفسير سورة "لقمان" والحمد لله رب العالمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل] (7)
__________
(1) لم أجد الأبيات فيما بين يدي من تاريخ دمشق ولا في المختصر لابن منظور.
(2) في ت، ف: "عكرمة".
(3) في ف: "أتت".
(4) في ت، ف: "أمره".
(5) سنن ابن ماجه برقم (4263) وقال البوصيري في الزوائد (2/264) : "هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات" . والكلام هنا متعلق برواية البزار ولم أستسغ تقديمها؛ لورودها هكذا في النسخ.
(6) المعجم الكبير (1/178) وقد مر ذكره.
(7) زيادة من ت، ف، أ.
=====================
 لقمان - تفسير القرطبي
الآية: [29] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
الآية: [30] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} تقدم. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللهما بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وإتماما للمنافع. {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} قال الحسن: إلى يوم القيامة. قتادة:
إلى وقته في طلوعه وأفوله لا يعدوه ولا يقصر عنه. {وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي من قدر على هذه الأشياء فلا بد من أن يكون عالما بها، والعالم بها عالم بأعمالكم. وقراءة العامة {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ السلمّي ونصر بن عاصم والدوري عن أبي عمرو بالياء على الخبر. {ذَلِكَ } أي فعل الله تعالى ذلك لتعلموا وتقروا {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} أي الشيطان؛ قاله مجاهد. وقيل: ما أشركوا به الله تعالى من الأصنام والأوثان. {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} العلّي في مكانته، الكبير في سلطانه.
الآية: [31] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ} أي السفن {تَجْرِي} في موضع الخبر. {فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} أي بلطفه بكم وبرحمته لكم في خلاصكم منه. وقرأ ابن هرمُز: {بِنِعْمَتِ اللَّهِ} جمع نعمة وهو جمع السلامة، وكان الأصل تحريك العين فأسكنت. {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} {مِنْ} للتبعيض، أي ليريكم جري السفن؛ قال يحيى بن سلام. وقال ابن شجرة: {مِنْ آيَاتِهِ} ما تشاهدون من قدرة الله تعالى فيه. النقاش: ما يرزقهم الله منه. وقال الحسن: مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي صبار لقضائه شكور على نعمائه. وقال أهل المعاني: أراد لكل مؤمن بهذه الصفة؛ لأن الصبر والشكر من أفضل خصال الإيمان. والآية: العلامة، والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء. قال الشعبّي: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله؛ ألم تر إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} وقال عليه السلام: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر"
الآية: [32] {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}
قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} قال مقاتل: كالجبال. وقال الكلبي: كالسحاب؛ وقاله قتادة: جمع ظلة؛ شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها. قال النابغة في وصف بحر:
يماشيهن أخضر ذو ظلال ... على حافاته فلق الدنان
وإنما شبه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع؛ لأن الموج يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا كالظلل. وقيل: هو بمعنى الجمع، وإنما لم يجمع لأنه مصدر. وأصله من الحركة والازدحام؛ ومنه: ماج البحر، والناس يموجون. قال كعب:
فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع
وقرأ محمد ابن الحنفية: {مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} جمع ظل. {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه؛ وقد تقدم. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} يعني من البحر. {إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قال ابن عباس: موف بما عاهد عليه الله في البحر. النقاش: يعني عدل في العهد، وفي في البر بما عاهد عليه الله في البحر. وقال الحسن: {مُقْتَصِدٌ} مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة. وقال مجاهد: {مُقْتَصِدٌ} في القول مضمر للكفر. وقيل: في الكلام حذف؛ والمعنى: فمنهم مقتصد ومنهم كافر. ودل على المحذوف قوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الختار: الغدار. والختر: أسوأ الغدر. قال عمرو بن معد يكرب:
فإنك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر
وقال الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير ختار
قال الجوهري: الختر الغدر؛ يقال: ختره فهو ختار. الماوردي: وهو قول الجمهور. وقال عطية: إنه الجاحد. ويقال: ختر يختِر ويختُر "بالضم والكسر" خترا؛ ذكره القشيري، وجحد الآيات إنكار أعيانها. والجحد بالآيات إنكار دلائلها.
الآية: [33] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} يعني الكافر والمؤمن؛ أي خافوه ووحدوه. {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} تقدم معنى {يَجْزِي} في البقرة وغيرها. فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحله القسم" . وقال: "من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهّن كّن له حجابا من النار" . قيل له: المعنّي بهذه الآية أنه لا يحمل والد ذنب ولده، ولا مولود ذنب والده، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر. والمعنّي بالأخبار أن ثواب الصبر على الموت والإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النار، ويكون الولد سابقا له إلى الجنة. {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي البعث {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ} أي تخدعنكم {الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزينتها وما تدعوا إليه فتتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للآخرة {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} قراءة العامة هنا وفي سورة الملائكة والحديد بفتح الغين، وهو الشيطان في قول مجاهد وغيره، وهو الذي يغّر الخلق ويمنيهم الدنيا ويلهيهم عن الآخرة؛ وفي سورة {النساء}: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميقع بضم الغين؛ أي لا تغتروا. كأنه مصدر غّر يغر غرورا. قال سعيد بن جبير: هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة.

الآية: [34] {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
زعم الفراء أن هذا معنى النفي؛ أي ما يعلمه أحد إلا الله تعالى. قال أبو جعفر النحاس: وإنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في قوله الله عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} : "إنها هذه" :
قلت: قد ذكرنا في سورة {الأنعام} حديث ابن عمر في هذا، خرجه البخاري. وفي حديث جبريل عليه السلام قال: "أخبرني عن الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، هن خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما تكسب غدا" قال: "صدقت" . لفظ أبي داود الطيالسّي. وقال عبدالله بن مسعود: كل شيء أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم غير خمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، الآية إلى آخرها. وقال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبّي مرسل؛ فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن؛ لأنه خالفه. ثم إن الأنبياء يعلمون كثيرا من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم. والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقي بالأنواء وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك؛ حسبما تقدم ذكره في الأنعام. وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده. وروي أن يهوديا كان يحسب حساب النجوم، فقال لابن عباس: إن شئت نبأتك نجم ابنك، وأنه يموت بعد عشرة أيام،
وأنت لا تموت حتى تعمى، وأنا لا يحول علّي الحول حتى أموت. قال: فأين موتك يا يهودّي؟ فقال: لا أدري. فقال ابن عباس: صدق الله. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فرجع ابن عباس فوجد ابنه محموما، ومات بعد عشرة أيام. ومات اليهودّي قبل الحول، ومات ابن عباس أعمى. قال علّي بن الحسين راوي هذا الحديث: هذا أعجب الأحاديث. وقال مقاتل: إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة، أتى النبّي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت، وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غدا، وأخبرني متى تقوم الساعة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ ذكره القشيري والماوردّي. وروى أبو المليح عن أبي عّزة الهذلي قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها - ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم – {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ - إلى قوله - بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} " ذكره الماوردّي، وخرجه ابن ماجة من حديث ابن مسعود بمعناه. وقد ذكرناه في كتاب "التذكرة" مستوفى. وقراءة العامة: {وَيُنَزِّلُ} مشددا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزه والكسائي مخففا. وقرأ أبي بن كعب: {بِأَيِّةِ أَرْضٍ} الباقون {بِأَيِّ أَرْضٍ} . قال الفراء: اكتفى بتأنيث الأرض من تأنيث أي. وقيل: أراد بالأرض المكان فذكر. قال الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
وقال الأخفش: يجوز مررت بجارية أي جارية، وأية جارية. وشبه سيبويه تأنيث {أَيِّ} بتأنيث كل في قولهم: كلتهن. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} {خَبِيرٌ} نعت لـ {عَلِيمٌ} أو خبر بعد خبر. والله تعالى أعلم.
==================
لقمان - تفسير الطبري
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) }
يقول تعالى ذكره:(ألَمْ تَرَ) يا محمد بعينك(أنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) يقول: يزيد من نقصان ساعات الليل في ساعات النهار(وَيُولجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار في ساعات اللَّيل.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله:( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) نقصان الليل في زيادة النهار(وَيُولجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) نقصان النهار في زيادة الليل.
وقوله:(وَسَخَّر الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أجَل مُسَمًّى) يقول تعالى ذكر: وسخر الشمس والقمر لمصالح خلقه ومنافعهم،(كلٌّ يجري) يقول: كلّ ذلك يجري بأمره إلى وقت معلوم، وأجل محدود إذا بلغه كوّرت الشمس والقمر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله:( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: لذلك كله وقت وحد معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه.
وقوله:(وَأنَّ اللهَ بمَا تَعْلَمُونَ خَبِيرٌ) يقول: وإن الله بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميع ذلك، وخرج هذا الكلام خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنيّ به المشركون، وذلك
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
أنه تعالى ذكره: نبه بقوله: ( أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) على موضع حجته من جهل عظمته، وأشرك في عبادته معه غيره، يدلّ على ذلك قوله:( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ).
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) }
يقول تعالى ذكر: هذا الذي أخبرتك يا محمد أن الله فعله من إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل، وغير ذلك من عظيم قُدرته، إنما فعله بأنه الله حقا، دون ما يدعوه هؤلاء المشركون به، وأنه لا يقدر على فعل ذلك سواه، ولا تصلح الألوهة إلا لمن فعل ذلك بقُدرته.
وقوله.(وأنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الباطِلُ) يقول تعالى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء المشركون من دون الله الباطل الذي يضمحلّ، فيبيد ويفنى(وأنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) يقول تعالى ذكره: وبأن الله هو العليُّ، يقول: ذو العلوّ على كلّ شيء، وكلّ ما دونه فله متذلل منقاد، الكبير الذي كل شيء دونه، فله متصاغر.
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أن السفن تجري في البحر نعمة من الله على خلقه(لِيُرِيكُمْ مِنْ آياتِهِ) يقول: ليريكم من عبره وحججه عليكم ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) يقول: إن في جري الفلك في البحر دلالة على أن الله الذي أجراها هو الحقّ، وأنّ ما يدعون من دونه الباطل(لكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) يقول: لكلّ من صبر نفسه عن محارم الله، وشكره على نعمه فلم يكفره.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: كان مطرف يقول: إنّ من أحبّ عباد الله إليه: الصبَّار الشَّكور.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله، ألم تر إلى قوله:(إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)،(إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُوقِنينَ)،(إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُؤْمِنينَ).
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن الشعبيّ(إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) قال: الصبر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله.
إن قال قائل: وكيف خصّ هذه الدلالة بأنها دلالة للصبَّار الشَّكور دون سائر الخلق؟ قيل: لأنّ الصبر والشكر من أفعال ذوي الحجى والعقول، فأخبر أن في ذلك لآيات لكلّ ذي عقل؛ لأن الآيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتمييز.
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) }
يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الآلهة والأوثان في البحر -إذا ركبوا في الفُلك- موج كالظُلل، وهي جمع ظُلَّة، شبَّه بها الموج في شدة سواد كثرة الماء، قال نابغة بني جعدة في صفة بحر:
يُماشِيهِنَّ أخْضَرُ ذُو ظلال... عَلى حافاتِهِ فِلَق الدّنانِ (1)
وشبه الموج وهو واحد بالظلل، وهي جماع، لأن الموج يأتي شيء منه بعد شيء، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. وقوله:(دَعَوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل، فخافوا الغرق، فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له الطاعة، لا يشركون به هنالك شيئا، ولا يدعون معه أحدا سواه، ولا يستغيثون بغيره. قوله:(فَلَمَّا نجَّاهُمْ إلى البَرّ) مما كانوا يخافونه في البحر من الغرق والهلاك إلى البرّ.(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) يقول: فمنهم مقتصد في قوله وإقراره بربه، وهو مع ذلك مضمر الكفر به.
__________
(1) البيت في (مجاز القرآن لأبي عبيدة الورقة 191 ب) قال عند تفسير قوله تعالى: (وإذا غشيهم موج كالظلل): واحدتها: ظلة. ومجازه: من شدة سواد كثرة الماء ومعظمه. قال النابغة الجعدي وهو يصف البحر: "يماشيهن ... فلق الدنان". يريد : أن البحر يمتد معهن في سيرهن. وظلال البحر: أمواجه، لأنها ترفع فتظل السفينة ومن فيها. والدنان بالدال المهملة: جمع دن بالفتح، هو راقود الخمر الكبير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: المقتصد في القول وهو كافر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: المقتصد الذي على صلاح من الأمر.
وقوله:( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) يقول تعالى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كلّ غدّار بعهده، والختر عند العرب: أقبح الغدر، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
وَإنَّكَ لَوْ رأيْتَ أبا عُمَيْرٍ... مَلأتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرٍ (1)
وقوله:(كَفُور) يعني: جحودا للنعم، غير شاكر ما أسدى إليه من نعمة.
وبنحو الذي قلنا في معنى الختار قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد(كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) قال: كلّ غَدّار.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:(كُلُّ خَتَّارٍ) قال: غدّار.
حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا ثنا ابن علية، عن أبي رجاء عن الحسن في قوله:( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: غدّار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله:( وَمَا يَجْحَدُ
__________
(1) البيت في (مجاز القرآن لأبي عبيدة، الورقة 191 ب) عند تفسير قوله تعالى: (كل مختار كفور) قال: الختر: الكبر والغدر، قال عمرو بن معد يكرب "وإنك لو رأيت" البيت وفي (اللسان ختر): الختر شبيه بالغدر والخديعة، وقيل: هو الخديعة بعينها، وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه، ختر يختر، فهو خاتر، وختار للمبالغة، والفعل من بابي ضرب ونصر.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) الختار: الغدار، كلّ غدار بذمته كفور بربه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: كلّ جحاد كفور.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: الختار: الغدّار، كما تقول: غدرني.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر، قال: سمعت قَتادة قال: الذي يغدر بعهده.
قال: ثنا المحاربي، عن جُوَيبر، عن الضحاك، قال: الغدّار.
قال: ثنا أبي: عن الأعمش، عن سمر بن عطية الكاهلي، عن عليّ رضي الله عنه قال: المكر غدر، والغدر كفر.
القول في تأويل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) }
يقول تعالى ذكره: أيها المشركون من قريش، اتقوا الله، وخافوا أن يحلّ بكم سخطه في يوم لا يغني والد عن ولده، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا؛ لأن الأمر يصير هنالك بيد من لا يغالب، ولا تنفع عنده الشفاعة والوسائل، إلا وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا. وقوله:(إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقّ) يقول: اعلموا أن مجيء هذا اليوم حقّ، وذلك أن الله قد وعد عباده ولا خلف لوعده(فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا) يقول: فلا تخدعنكم زينة الحياة الدنيا ولذّاتها، فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم. وقوله:(وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغَرُورُ) يقول: ولا يخدعنَّكم بالله خادع. والغَرور بفتح الغين: هو ما غرّ الإنسان من شيء كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا، أو دنيا، وأما الغُرور بضم الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله:(ولا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ) قال أهل التأويل.
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:(الغَرُور) قال: الشيطان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله:(وَلا يَغُرنَّكُمْ باللهِ الغَرُور) ذاكم الشيطان.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد المروزي، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:(الغَرُورُ) قال: الشيطان.
وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَير قوله:(وَلا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ) قال: إن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة.
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) }
يقول تعالى ذكره:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ) هو آتيكم؛ علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلا بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قبل لكم به. وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة. والمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال:(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره(وينزلُ الغيْثَ) من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره،(وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ) أرحام الإناث(وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا) يقول: وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد،(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ) يقول: وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها(إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) يقول: إن الذي يعلم ذلك كله هو الله دون كلّ أحد سواه، إنه ذو علم بكلّ شيء، لا يخفى عليه شيء، خبير بما هو كائن، وما قد كان.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قال: جاء رجل - قال أبو جعفر: أحسبه أنا، قال: - إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حُبلى، فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادنا محل جدبة، فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت، فأخبرني متى أموت، فأنزل الله:(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الغَيْثَ ...) إلى آخر السورة، قال: فكان مجاهد يقول: هنّ مفاتح الغيب التي قال الله( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ ).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ...) الآية، أشياء من الغيب، استأثر الله بهنّ، فلم يطلع عليهنّ ملَكا مقرّبا، ولا نبيا مرسلا(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أيّ سنة، أو في أيّ شهر، أو ليل، أو نهار(ويُنزلُ الغَيْثَ) فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أو نهارا ينزل؟(وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ) فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟(وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) خير أم شرّ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا؟(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبيّ، قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلم الغيب إلا الله فقد كذب، وأعظم الفرية على الله، قال الله:( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ).
حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن شُعيب أن رجلا قال: يا رسول الله، هل من العلم علم لم تؤته؟ قال: "لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْما
كَثِيرًا، وَعِلما حَسنًا"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الغَيْثَ ...) إلى(إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَفاتِحُ الغَيبِ خَمْسَةٌ" ثم قرأ هؤلاء الآيات(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة ...) إلى آخرها.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ،(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الغَيْثَ وَيعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ ...)" الآية، ثم قال: "لا يعْلَمُ ما فِي غَدٍ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى يَنزلُ الغَيْثَ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى قِيامُ السَّاعَةِ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ ما فِي الأرْحامِ إلا اللهُ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ."
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَفاتحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلا اللهُ: إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الغيْثَ وَيعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْري نَفْسٌ بأيّ أرضٍ تَمُوتُ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كلّ شيء أوتيه نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا علم الغيب الخمس:( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ).
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت:(وَما تَدْرِي
نَفْسٌ ماذَا تكْسبُ غَدًا).
قال: تنا جرير وابن علية، عن أبي خباب، عن أبي زُرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ:(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنزلُ الغَيْثَ ...) الآية".
حدثني أبو شُرَحبيل، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا إسماعيل، عن جعفر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: كلّ شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس، ثم قرأ هذه الآية(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَة ...) إلى آخرها.
وقيل:(بأيّ أرض تموت)، وفيه لغة أخرى:(بأيَّةِ أرْضٍ) فمن قال:(بأيّ أرْضٍ) اجتز بتأنيث الأرض من أن يظهر في(أيِّ) تأنيث آخر، ومن قال(بأيَّة أرْضٍ) فأنث،(أي) قال: قد تجتزئ بأي مما أضيف إليه، فلا بدّ من التأنيث، كقول القائل: مررت بامرأة، فيقال له: بأيةٍ، ومررت برجل، فيقال له بأيٍّ؟ ويقال: أي امرأة جاءتك وجاءك، وأية امرأة جاءتك.


آخر تفسير سورة لقمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني