نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate واق

الثلاثاء، 7 مارس 2023

تفسير سورة الشعراء من الي.208الي227. والاخر

تفسير سورة الشعراء من الي.208الي227.

 

مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)

 
الشعراء - تفسير ابن كثير
 مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)
{ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) } .
يقول تعالى: كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد، أي: أدخلناه في قلوب المجرمين.
{ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: بالحق { حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } أي: حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
{ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } أي: عذاب الله بغتة، { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ } ؟ أي: يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلا ليعملوا [من فزعهم] (1) بطاعة الله، كما قال تعالى: { وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } [إبراهيم:44]، فكل ظالم وفاجر وكافر إذا شاهد عقوبته، ندم ندمًا شديدًا هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله: { رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [ فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ] } (2) [يونس:88 ، 89]، فأثرت هذه الدعوة في فرعون، فما آمن حتى رأى العذاب الأليم، { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [يونس:90 ، 91 ]، وقال: { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } [غافر: 84 ، 85] الآية .
وقوله تعالى: { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } : إنكار عليهم، وتهديد لهم؛ فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيبًا واستبعادًا: { ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ } [العنكبوت : 29 ] ، كما قال تعالى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } الآية.[العنكبوت : 53 ] .
ثم قال: { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } أي: لو أخرناهم وأنظرناهم، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم، { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [النازعات:46]، وقال تعالى: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ } [البقرة:96]، وقال تعالى: { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } [الليل:11] ؛ ولهذا قال: { مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } .
وفي الحديث الصحيح: "يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة (3) ، ثم يقال له: هل رأيت
__________
(1) زيادة من ف، أ.
(2) زيادة من ف، أ.
(3) في ف: "فيغمس غمسة في النار".
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
خيرًا قط؟ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا [والله يا رب] (1) . ويؤتى بأشد الناس بؤسًا كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب" أي: ما كأن شيئًا كان (2) ؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:
كأنَّك لَمْ تُوتِر من الدّهْر لَيْلَةً ... إذا أنْتَ أدْرَكْتَ الذي كنتَ تَطْلُبُ ...
ثم قال الله تعالى مخبرًا عن عدله في خلقه: أنَّه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم وبعثة الرسل إليهم وقيام الحجج عليهم؛ ولهذا قال: { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ. ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } كما قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } [الإسراء:15]، وقال تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا (3) ] وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [القصص:59] .
{ وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) }
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد: أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله، { وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } . ثم ذكر أنه يمتنع عليهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ما (4) ينبغي لهم، أي: ليس هو من بُغْيتهم ولا من طلبتهم؛ لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة؛ ولهذا قال تعالى: { وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ } .
وقوله: { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } أي: ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، قال الله تعالى: { لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [الحشر:21] .
ثم بين أنه لو انبغى (5) لهم واستطاعوا حمله وتأديته، لما وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرسًا شديدًا وشهبا في مُدّة إنزال القرآن على رسوله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه، لئلا يشتبه الأمر. وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله؛ ولهذا قال: { إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } ، كما قال تعالى مخبرًا عن الجن: { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } [الجن:8-10] .
{ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) }
__________
(1) زيادة من ف، أ، والمسند.
(2) رواه أحمد في مسنده (3/203) من حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه.
(3) زيادة من ف، أ. وفي هـ: "إلى قوله".
(4) في ف: "لا".
(5) في ف: "ابتغى".
يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده لا شريك له، ومخبرًا أنّ مَنْ أشرك به عذبه.
ثم قال تعالى آمرًا لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه (1) أن ينذر عشيرته الأقربين، أي: الأدنين إليه، وأنه لا يُخَلِّص أحدًا منهم إلا إيمانهُ بربه عز وجل، وأمره أن يلين جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين. ومن عصاه من خلق الله كائنًا مَنْ كان فليتبرأ منه؛ ولهذا قال: { . فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } . وهذه النِّذارة الخاصة لا تنافي العامة، بل هي فرد من أجزائها، كما قال: { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } [يس:6]، وقال: { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } [الشورى:7]، وقال: { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ } [الأنعام:51 ] ، وقال: { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } [مريم : 97] ، وقال: { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [الأنعام:19] ، كما قال: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [هود : 17].
وفي صحيح مسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار".
وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الآية الكريمة، فلنذكرها:
الحديث الأول:
قال الإمام أحمد، رحمه الله: حدثنا عبد الله بن نُمَيْر، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله، عز وجل: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه، ثم نادى: "يا صباحاه". فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل، تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟" . قالوا: نعم. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ المسد: 1] .
ورواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي، من طرق، عن الأعمش، به (2) .
   الحديث الثاني:
قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما نزلت: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم". انفرد بإخراجه مسلم (3) .
__________
(1) في ف، أ: "صلوات الله عليه وسلامه".
(2) صحيح البخاري برقم (4801) وصحيح مسلم برقم (208) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11714) وسنن الترمذي برقم (3363).
(3) المسند (6/187) وصحيح مسلم برقم (205).
   الحديث الثالث:
قال أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، حدثنا عبد الملك بن عُمَير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم [قريشا] (1) ، فعمَّ وخصَّ، فقال: "يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني كعب، أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار. [يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار] (2) ، فإني -والله -ما أملك لكم من الله شيئا، إلا أن لكم رَحمًا سأبُلها بِبلالها" .
ورواه مسلم والترمذي، من حديث عبد الملك بن عمير، به (3) . وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه. ورواه النسائي من حديث موسى بن طلحة مرسلا لم يذكر فيه أبا هريرة (4) . والموصول هو الصحيح. وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة (5) .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق -عن أبي الزنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب، اشتروا أنفسكم من الله. يا صفية عمة رسول الله، ويا فاطمة بنت رسول الله، اشتريا أنفسكما من الله، لا أُغني عنكما من الله شيئًا، سلاني من مالي ما شئتما".
تفرد به من هذا الوجه (6) . وتفرد به أيضا، عن معاوية، عن زائدة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه (7) . ورواه أيضًا عن حسن، ثنا ابن لَهِيعة، عن (8) الأعرج: سمعت أبا هريرة مرفوعا (9) .
وقال أبو يعلى: حدثنا سُوَيد بن سَعيد، حدثنا (10) ضِمَام بن إسماعيل، عن موسى بن وَرْدَان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بني قُصَي، يا بني هَاشم، يا بني عبد مناف. أنا النذير والموت المغير. والساعة الموعد" (11) .
الحديث الرابع:
قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا التيمي، عن أبي عثمان، عن قَبِيصة بن مُخَارق
__________
(1) زيادة من ف، أ، والمسند.
(2) زيادة من ف، أ، والمسند.
(3) المسند (2/360) وصحيح مسلم برقم (204) وسنن الترمذي برقم (3185).
(4) سنن النسائي (6/248).
(5) صحيح البخاري برقم (4771) وصحيح مسلم برقم (206).
(6) المسند (2/448).
(7) المسند (2/398).
(8) في ف: "ثنا".
(9) المسند (2/350).
(10) في ف: "عن".
(11) مسند أبي يعلى (11/10) وسويد بن سعيد متكلم فيه.
وزُهَير بن عمرو قالا لما نزلت: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } صَعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رَضْمَةً من جبل على أعلاها حجر، فجعل ينادي: "يا بني عبد مناف، إنما أنا نذير، إنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو، فذهب يربأ أهله، يخشى أن يسبقوه، فجعل ينادي ويهتف: يا صباحاه".
ورواه مسلم والنسائي، من حديث سليمان بن طِرْخان التيمي، عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مُل النَّهْديّ، عن قَبِيصة وزُهيَر بن عَمْرو الهلالي، به (1) .
الحديث الخامس:
قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شَرِيك عن الأعمش، عن المْنهَال، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي، رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا قال: وقال لهم: "من يَضْمَنُ عَني ديني ومواعيدي، ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي؟". فقال رجل -لم يسمه شريك -يا رسول الله، أنت كنت بحرًا (2) من يقوم بهذا؟ قال: ثم قال الآخر، قال: فعرض ذلك على أهل بيته، فقال عَليٌ: أنا (3) .
طريق أخرى بأبسط من هذا السياق: قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عَوَانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن علي، رضي الله عنه، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -أو دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم -بني عبد المطلب، وهم رَهْطٌ، كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفّرَق -قال: وصنع (4) لهم مدًا من طعام فأكلوا حتى شبعوا -قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس. ثم دعا بغُمَرٍ (5) فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يمس -أولم يشرب -وقال: "يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟". قال: فلم يقم إليه أحد. قال: فقمتُ إليه -وكنت أصغر القوم -قال: فقال: "اجلس". ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: "اجلس". حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي (6) .
طريق أخرى أغرب وأبسط من هذا السياق بزيادات أخر: قال الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة": أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يُونُس بن بُكَيْر، عن محمد بن إسحاق قال: فحدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل -واستكتمني اسمه -عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفت أنّي إن بادأتُ بها قومِي، رأيت منهم ما أكره،
__________
(1) المسند (5/60) وصحيح مسلم برقم (207) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11379).
(2) في أ: "تجري".
(3) المسند (1/111) وقال الهيثمي في المجمع (8/302) "رجال أحمد رجال الصحيح، غير شريك وهو ثقة".
(4) في ف، أ: "فصنع".
(5) في ف، أ: "بعس".
(6) المسند (1/159) وقال الهيثمي في المجمع (8/302) "رجاله ثقات".
فَصَمَتُّ. فجاءني جبريل، عليه السلام، فقال: يا محمد، إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك ربك". قال علي، رضي الله عنه: فدعاني فقال: "يا علي، إن الله قد أمرني [أن] (1) أنذر عشيرتي الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فَصَمت عن ذلك، ثم جاءني جبريل فقال: يا محمد، إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك. فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام، وأعدّ لنا عُسَّ لبن، ثم اجمع لي (2) بني عبد المطلب". ففعلتُ فاجتمعوا له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا. فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث. فقدّمت إليهم تلك الجَفْنَةَ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حِذْيَة فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها، وقال: "كلوا بسم الله". فأكل القومُ حتى نَهلوا عنه ما يرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقهم يا علي". فجئت بذلك القَعب فشربوا منه حتى نَهِلُوا جميعًا، وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم، بَدَره أبو لهب إلى الكلام فقال: لَهَدّ ما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان الغدُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي، عُدْ لنا بمثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجلّ قد بَدَرني إلى ما سمعتَ قبل أن أكلم القوم". ففعلت، ثم جمعتهم له، فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نَهِلُوا عنه، وايم الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقهم يا علي". فجئت بذلك القَعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعًا. وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بَدَره أبو لهب بالكلام فقال: لَهَدَّ ما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي، عُدْ لنا بمثل الذي كنت صنعتَ لنا بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجل قد بَدَرني إلى ما سمعتَ قبل أن أكلم القوم". ففعلت، ثم جمعتهم له فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم [كما صنع] (3) بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وايم الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ويشرب مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب، إني -والله -ما أعلم شابًا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة".
قال أحمد بن عبد الجبار: بلغني أن ابن إسحاق إنما (4) سمعه من عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث (5) .
وقد رواه أبو جعفر بن جرير، عن ابن حميد، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، فذكر مثله، وزاد بعد قوله: "إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة". "وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني (6) على هذا الأمر على أن يكون أخي، وكذا وكذا"؟ قال: فأحجم
__________
(1) زيادة من ف، أ، ودلائل النبوة.
(2) في ف: "لنا".
(3) زيادة من ف، أ، ودلائل النبوة.
(4) في ف: "لما".
(5) دلائل النبوة (2/178).
(6) في ف: "وازرني".
القوم عنها جميعًا، وقلت -وإني لأحدثهم سنًا، وأرمصُهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا. أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ يَرْقُبُني ثم قال: "إن هذا أخي، وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا". قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (1) .
تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، وهو متروك كذاب شيعي، اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث، وضعّفه الأئمة رحمهم الله.
طريق أخرى: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسين بن عيسى بن مَيْسَرة الحارثي، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث قال: قال علي رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبنا". قال: ففعلت، ثم قال: "ادع بني هاشم". قال: فدعوتهم وإنهم يومئذ لأربعون غير رجل -أو: أربعون ورجل -قال: وفيهم عشرة كلهم يأكل الجذَعَة بإدامها. قال: فلما أتوا بالقصعة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرْوَتها ثم قال: "كلوا"، فأكلوا حتى شبعوا، وهي على هيئتها (2) لم يرزؤوا منها إلا يسيرًا، قال: ثم أتيتهم بالإناء فشربوا حتى رَوُوا. قال: وفَضَل فَضْلٌ، فلما فرغوا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، فبدرُوه الكلام، فقالوا: ما رأينا كاليوم في السحر. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "اصنع [لي] (3) رجل شاة بصاع من طعام". فصنعت، قال: فدعاهم، فلما أكلوا وشربوا، قال: فبدروه فقالوا مثل مقالتهم الأولى، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: "اصنع [لي] (4) رجل شاة بصاع من طعام. فصنعت، قال: فجمعتهم، فلما أكلوا وشربوا بَدَرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام فقال: "أيكم يقضي عني دَيني (5) ويكون خليفتي في أهلي؟". قال: فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله، قال: وسكتُّ أنا لسِنّ العباس. ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس، فلما رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله. [فقال: "أنت"] (6) قال: وإني يومئذ لأسوأهم هيئة، وإني لأعمش العينين، ضخم البطن، حَمْش الساقين .
فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن علي، رضي الله عنه. ومعنى سؤاله، عليه الصلاة والسلام (7) لأعمامه وأولادهم أن يقضوا عنه دينه، ويخلفوه في أهله، يعني إن قتل في سبيل الله، كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل، ولما أنزل الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67] ، فعند ذلك أمِن .
وكان أولا يحرس حتى نزلت هذه الآية: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } . ولم يكن في بني هاشم إذ ذاك أشد إيمانا وإيقانا وتصديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من علي، رضي الله عنه؛ ولهذا (8) بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان بعد هذا -والله أعلم -دعاؤه الناس جَهرًة على الصفا، وإنذاره لبطون قريش عموما وخصوصا، حتى سَمّى مَنْ سَمَّى من أعمامه وعماته وبناته، لينبه بالأدنى على الأعلى، أي: إنما أنا نذير، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
__________
(1) تفسير الطبري (19/40).
(2) في ف: "وهي كهيئتها".
(3) زيادة من ف.
(4) زيادة من ف.
(5) في ف: "ديني عني".
(6) زيادة من ف.
(7) في ف: "صلى الله عليه وسلم".
(8) في ف: "فلهذا".
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي -غير منسوب -من طريق عمرو بن سَمُرَةَ، عن محمد بن سُوقَةَ، عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء، رضي الله عنه، يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون، فقيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أزهد الناس في الدنيا الأنبياء، وأشدهم عليهم الأقربون". وذلك فيما أنزل الله، عز وجل: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } ، ثم قال: "إن أزهد الناس في العالم أهله حتى يفارقهم". ولهذا قال [الله تعالى] : (1) { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ . وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } (2) .
وقوله: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } أي: في جميع أمورك؛ فإنه مؤيدك وناصرك وحافظك ومظفرك ومُعْلٍ كلمتك.
وقوله: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } أي: هو معتن بك، كما قال تعالى: { وَاصْبِرْ (3) لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور:48] .
قال ابن عباس: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } يعني: إلى الصلاة.
وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده.
وقال الحسن: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } : إذا صليت وحدك.
وقال الضحاك: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. } أي: من فراشك أو مجلسك.
وقال قتادة: { الَّذِي يَرَاكَ } : قائما وجالسا وعلى حالاتك.
وقوله: { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } : قال قتادة: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } قال: في الصلاة، يراك وحدك ويراك في الجَمْع. وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراساني، والحسن البصري.
وقال مجاهد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أمامه؛ ويشهد لهذا ما صح في الحديث: "سَوّوا صفوفكم؛ فإني أراكم من وراء ظهري" (4) .
وروى البزار وابن أبي حاتم، من طريقين، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي، حتى أخرجه نبيا.
وقوله: { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم، كما قال تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } الآية. [يونس:61] .
__________
(1) زيادة من أ.
(2) تاريخ دمشق (10/587 المخطوط).
(3) في جميع النسخ: "فاصبر". والصواب ما أثبتناه.
(4) رواه البخاري في صحيحه برقم (723).
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) } .
يقول تعالى مخاطبًا لِمَنْ زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول ليس حقا، وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه، أو أنه أتاه به رئيّ من الجن، فنزه الله، سبحانه، جناب رسوله عن قولهم وافترائهم، ونبه أن ما جاء به إنما هو [الحق] (1) من عند الله، وأنه تنزيله ووحيه، نزل به ملك كريم أمين عظيم، وأنه ليس من قَبيل الشياطين، فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم، وإنما ينزلون (2) على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة؛ ولهذا قال الله: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } أي: أخبركم. { عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ. تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } أي: كذوب في قوله، وهو الأفاك الأثيم، أي (3) الفاجر في أفعاله. فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين كالكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة، فإن الشياطين أيضا كذبة فسقة.
{ يُلْقُونَ السَّمْعَ } أي: يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس فيتحدثون بها، فيصدقهم الناس في كل ما قالوه، بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء، كما صح بذلك الحديث، كما رواه البخاري، من حديث الزهري: أخبرني يحيى بن عُروَةَ بن الزبير، أنه سمع عُرْوَةَ بن الزبير يقول: قالت عائشة، رضي الله عنها: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال: "إنهم ليسوا بشيء". قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يخطفها (4) الجني، فَيُقَرقرِها في أذن وليه كقَرْقَرة الدجاجة، فيخلطون معها أكثر من مائه كذبة" (5) .
وقال البخاري أيضا: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعانًا لقوله، كأنها (6) سلسلة على صَفْوان، حتى إذا فُزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع، هكذا بعضهم فوق بعض". ووصف سفيان بيده فَحَرفها، وبَدّدَ بين أصابعه "فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر -أو الكاهن -فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة. فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمع (7) من السماء". انفرد به البخاري (8) .
__________
(1) زيادة من ف، أ.
(2) في أ: "يتنزلون".
(3) في ف: "وهو".
(4) في ف، أ: "يحفظها".
(5) صحيح البخاري برقم (7561).
(6) في ف: "كأنه".
(7) في هـ، ف، أ: "سمعت" والصواب ما أثبتناه من البخاري.
(8) صحيح البخاري برقم (4800).
وروى مسلم من حديث الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار قريبًا من هذا. وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } الآية [سبأ:23] ، [إن شاء الله تعالى] (1) .
وقال البخاري: وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال: أن أبا الأسود أخبره، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الملائكة تَحَدّث في العَنَان -والعَنَان: الغَمَام -بالأمر [يكون] (2) في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة، فتقرُّها في أذن الكاهن كما تُقَرّ القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة" (3) .
وقال البخاري في موضع آخر من كتاب "بدء الخلق" عن سعيد بن أبي مريم، عن الليث، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن عائشة، بنحوه (4) .
وقوله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن. وكذا قال مجاهد، رحمه الله، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهما.
وقال عكرمة: كان الشاعران يتهاجيان، فينتصر لهذا فِئَامٌ من الناس، ولهذا فئَامٌ من الناس، فأنزل الله: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } .
وقال الإمام أحمد: حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا لَيث، عن ابن الهاد، عن يُحَنَّس (5) -مولى مصعب بن الزبير -عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعَرْج، إذ عَرَض شاعر يُنشد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا الشيطان -أو امسكوا الشيطان -لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا" (6) .
وقوله: { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: في كل لغو يخوضون.
وقال الضحاك عن ابن عباس: في كل فن من الكلام. وكذا قال مجاهد وغيره.
وقال الحسن البصري: قد -والله -رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها، مرة في شتمة (7) فلان، ومرة في مدحة (8) فلان.
وقال قتادة: الشاعر يمدح قومًا بباطل، ويذم قومًا بباطل.
وقوله: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } قال العوفي، عن ابن عباس: كان رجلان على عهد رسول الله، أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وإنهما تهاجيا، فكان (9) مع كل
__________
(1) زيادة من ف، أ.
(2) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(3) صحيح البخاري برقم (3288) وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه، كما في الفتح (6/432).
(4) صحيح البخاري رقم (2210).
(5) في ف: "محنش".
(6) المسند (3/8).
(7) في ف: "شتيمة".
(8) في ف: "مديحة".
(9) في ف: "وكان".
واحد منهما غواة من قومه -وهم (1) السفهاء -فقال الله تعالى: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } .
. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أكثر قولهم يكذبون فيه.
وهذا الذي قاله ابن عباس، رضي الله عنه، هو الواقع في نفس الأمر؛ فإن الشعراء يتَبجَّحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم، فيتكثرون بما ليس لهم؛ ولهذا اختلف العلماء، رحمهم الله، فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب حَدًّا: هل يقام عليه بهذا الاعتراف أم لا لأنهم يقولون ما لا يفعلون؟ على قولين. وقد ذكر محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في الطبقات، والزبير بن بَكَّار في كتاب الفكاهة: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، استعمل النعمان بن عدي بن نَضْلَة على "ميسان" -من أرض البصرة -وكان يقول الشعر، فقال:
ألا هَل أتَى الحَسْنَاءَ أنّ حَليِلَها ... بِمَيْسَانَ ، يُسقَى في زُجاج وَحَنْتَم ...
إذَا شئْتُ غَنَّتْني دَهاقينُ قَرْيَة ... وَرَقَّاصَةٌ تَجذُو على كل مَنْسم (2)
فإنْ كُنتَ نَدْمانِي فَبالأكْبر اسْقني ... وَلا تَسْقني بالأصْغَر المُتَثَلم (3)
لَعَل أميرَ المؤمنينَ يَسُوءه ... تَنادُمُنا بالجَوْسَق المُتَهَدَم ...
فلما بلغ [ذلك] (4) أمير المؤمنين قال: أي والله، إنه ليسوءني ذلك، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته. وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم { حم. تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [غافر:1-3] أما بعد فقد بلغني قولك:
لَعَلَّ أمير المُؤمنينَ يَسُوُءه ... تَنَادُمُنَا بالجَوْسق (5) المُتَهَدّم ...
وايم الله، إنه ليسوءني وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بَكَّتَه بهذا الشعر، فقال: والله -يا أمير المؤمنين -ما شربتها قَطّ، وما ذاك الشعر إلا شيء طَفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي على عمل أبدًا، وقد قُلتَ ما قلتَ (6) .
فلم يُذكر أنه حَدّه على الشراب، وقد ضمنه شعره؛ لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه (7) ذمَّه عمر، رضي الله عنه، ولامه على ذلك وعزله به. ولهذا جاء في الحديث: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا، يَرِيه خير له من أن يمتلئ شعرًا" (8) .
والمراد من هذا: أن (9) الرسول صلى الله عليه وسلم (10) الذي أنزل عليه (11) القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر؛
__________
(1) في ف: "فهم".
(2) في ف، أ: "مبسم".
(3) في ف: "المتلثم".
(4) زيادة من ف، أ.
(5) في ف، أ: "في الجوسق".
(6) الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (2/266) والطبقات الكبرى لابن سعد (4/140).
(7) في ف: "ولكن".
(8) رواه مسلم في صحيحه برقم (2257) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9) في ف، أ: "أن هذا الرسول".
(10) في ف، أ: "صلوات الله وسلامه عليه".
(11) في ف، أ: "عليه هذا القرآن".
لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة، كما قال تعالى: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس:69] وقال تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ. تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الحاقة:40-43] ، وهكذا قال هاهنا: { وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } إلى أن قال: { وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } إلى أن قال: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ. تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ. وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } .
وقوله: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } : قال محمد بن إسحاق، عن يزيد (1) بن عبد الله بن قُسَيْط، عن أبي الحسن سالم البَرّاد -مولى تميم الداري -قال: لما نزلت: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } ، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء. فتلا النبي صلى الله عليه وسلم: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } قال: "أنتم"، { وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } قال: "أنتم"، { وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } قال: "أنتم".
رواه ابن أبي حاتم. وابن جرير، من رواية ابن إسحاق (2) .
وقد روى ابن أبي حاتم أيضا، عن أبي سعيد الأشج، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي الحسن مولى بني نوفل؛ أن حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } يبكيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرؤها عليهما: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } حتى بلغ: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } ، قال: "أنتم" (3) .
وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة (4) حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عُرْوَة، عن عروة قال: لما نزلت: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } إلى قوله: { يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، قد علم الله أني منهم. فأنزل الله: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إلى قوله: { ينقلبون } .
وهكذا قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وزيد بن أسلم، وغير واحد أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء، ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآية [في] (5) شعراء الأنصار؟ في ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم، ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم، حتى يدخل فيه مَنْ كان متلبسًا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله، ثم تاب وأناب، ورجع وأقلع، وعمل صالحًا، وذكر الله كثيرًا في
__________
(1) في ف: "زيد".
(2) تفسير الطبري (19/79).
(3) ورواه الحاكم في المستدرك (3/488) من طريق أبي أسامة به.
(4) في ف، أ: "أبو مسلم".
(5) زيادة من ف.
مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كذب (1) بذمه، كما قال عبد الله بن الزبَعْرَى حين أسلم:
يَا رَسُولَ المَليك ، إنّ لسَاني ... رَاتقٌ مَا فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ ...
إذْ أجَاري الشَّيْطانَ في سَنن الغَيْ ... يِ وَمَن مَالَ مَيْلَه مَثْبُورٌ ...
وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عمه، وأكثرهم له هجوًا، فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما كان يهجوه، ويتولاه بعدما كان قد عاداه. وهكذا روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس: أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال: يا رسول الله، ثلاث أعطنيهن قال: "نعم". قال: معاوية تجعله كاتبا بين يديك. قال: "نعم". قال: وتُؤمرني حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". وذكر الثلاثة (2) .
ولهذا قال تعالى: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } قيل: معناه: ذكروا الله كثيرًا في كلامهم. وقيل: في شعرهم،وكلاهما صحيح مُكَفّر لما سبق.
وقوله: { وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين. وكذا قال مجاهد، وقتادة، وغير واحد. وهذا كما ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: "اهجهم -أو قال: هاجهم -وجبريل معك" (3) .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله، عز وجل، قد أنزل في الشعّر ما أنزل، فقال: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده، لكأن ما ترمونهم به نَضْح النبْل" (4) .
وقوله: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } ، كما قال تعالى: { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [غافر:52] وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" (5) .
وقال قتادة بن دِعَامَة في قوله: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } يعني: من الشعراء وغيرهم.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا إياس بن أبي تميمة، قال: حضرت الحسن وَمُرَّ عليه بجنازة نصراني، فقال الحسن: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .
وقال عبد الله بن رَبَاح، عن صفوان بن مُحْرز: أنه كان إذا قرأ هذه الآية -بكى حتى أقول: قد اندق قَضِيب زَوره -{ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .
__________
(1) في ف، أ: "ما كان".
(2) صحيح مسلم برقم (2501).
(3) صحيح البخاري برقم (6153) وصحيح مسلم برقم (2486) من حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه.
(4) المسند (6/387).
(5) صحيح مسلم برقم (2578) من حديث جابر، رضي الله عنه، ولفظه: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".

وقال ابن وهب: أخبرني (1) ابن سُرَيج الإسكندراني، عن بعض المشيخة: أنهم كانوا بأرض الروم، فبينما هم ليلة على نار يشتوون (2) عليها -أو: يصطلون -إذا بركاب (3) قد أقبلوا، فقاموا إليهم، فإذا فضالة بن عبُيد فيهم، فأنزلوه فجلس معهم -قال: وصاحب لنا قائم يصلي -قال حتى مَرّ بهذه الآية: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } قال فضالة بن عبيد: هؤلاء الذين يخربون البيت.
وقيل: المراد بهم أهل مكة. وقيل: الذين ظلموا من المشركين. والصحيح أن هذه الآية عامة في كل ظالم، كما قال ابن أبي حاتم: ذُكر عن زكريا بن يحيى الواسطي: حدثني الهيثم بن محفوظ أبو سعد (4) النهدي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المجير (5) حدثنا هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كتب أبي وصيته سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قُحَافة، عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر، وينتهي الفاجر، ويَصدُق الكاذب: إني استخلفت عليكم عُمَر بن الخطاب، فإن يعدل فذاك ظني به، ورجائي فيه، وإن يَجُر ويبدل فلا أعلم الغيب، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .
آخر تفسير سورة "الشعراء" والحمد لله رب العالمين.
__________
(1) في ف، أ: "حدثنا".
(2) في أ: "يشوون".
(3) في ف، أ: "بركبان".
(4) في ف، أ: "أبو سعيد".
(5) في أ: "الحبر".
......الشعراء - تفسير القرطبي
الآية: [207] {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}
الآية: [208] {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ}
الآية: [209] {ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ}
قوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} قال مقاتل: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتي به! فنزلت: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} . {أَفَرَأَيْتَ
إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} يعني في الدنيا والمراد أهل مكة في قول الضحاك وغيره. {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} من العذاب والهلاك {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} {مَا} الأولى استفهام معناه التقرير، وهو في موضع نصب بـ {أَغْنَى} و {مَا} الثانية في موضع رفع، ويجوز أن تكون الثانية نفيا لا موضع لها. وقيل: {مَا} الأولى حرف نفي، و {مَا} الثانية في موضع رفع بـ {أَغْنَى} والهاء العائدة محذوفة. والتقدير: ما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه. وعن الزهري: إن عمر بن عبدالعزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} ثم يبكي ويقول:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ... ولا أنت في النوام ناج فسالم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى ... كما سر باللذات في النوم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} {مِنْ} صلة؛ المعنى: وما أهلكنا قرية. {إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ} أي رسل. {ذِكْرَى} قال الكسائي: {ذِكْرَى} في موضع نصب على الحال. النحاس: وهذا لا يحصل، والقول فيه قول الفراء وأبي إسحاق أنها في موضع نصب على المصدر؛ قال الفراء: أي يذكرون ذكرى؛ وهذا قول صحيح؛ لأن معنى {لاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ} إلا لها مذكرون. و {ذِكْرَى} لا يتبين فيه الإعراب؛ لأن فيها ألفا مقصورة. ويجوز {ذِكْرَى} بالتنوين، ويجوز أن يكون {ذِكْرَى} في موضع رفع على إضمار مبتدأ. قال أبو إسحاق: أي إنذارنا ذكرى. وقال الفراء: أي ذلك ذكرى، وتلك ذكرى. وقال ابن الأنباري قال بعض المفسرين: ليس في {الشعراء} وقف تام إلا قوله {إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ} وهذا عندنا وقف حسن؛ ثم يبتدئ {ذِكْرَى} على معنى هي ذكرى أي يذكرهم ذكرى، والوقف على {ذِكْرَى} أجود. {ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم:
الآية: [210] {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ}
الآية: [211] {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}
الآية: [212] {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}
الآية: [213] {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}
قوله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} يعني القرآن بل ينزل به الروح الأمين. {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} أي برمي الشهب كما مضى في سورة {الحجر} بيانه. وقرأ الحسن ومحمد بن السميقع: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِونُ} قال المهدوي: وهو غير جائز في العربية ومخالف للخط. وقال النحاس: وهذا غلط عند جميع النحويين؛ وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: هذا غلط عند العلماء، إنما يكون بدخول شبهة؛ لما رأى الحسن في آخره ياء ونونا وهو في موضع رفع اشتبه عليه بالجمع المسلم فغلط، وفي الحديث: "احذروا زلة العالم" وقد قرأ هو مع الناس: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة: 14] ولو كان هذا بالواو في موضع رفع لوجب حذف النون للإضافة. وقال الثعلبي: قال الفراء: غلط الشيخ - يعني الحسن - فقيل ذلك للنضر بن شميل فقال: إن جاز أن يحتج بقول رؤبة والعجاج وذويهما، جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه. مع أنا نعلم أنهما لم يقرأ بذلك إلا وقد سمعا في ذلك شيئا؛ وقال المؤرج: إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه. وقال يونس بن حبيب: سمعت أعرابيا يقول دخلنا بساتين من ورائها بساتون؛ فقلت: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.
قوله تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} قيل: المعنى قل لمن كفر هذا. وقيل: هو مخاطبة له عليه السلام وإن كان لا يفعل هذا؛ لأنه معصوم مختار ولكنه خوطب بهذا والمقصود غيره. ودل على هذا قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} أي لا يتكلون على نسبهم وقرابتهم فيدعون ما يجب عليهم.
الآية: [214] {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}
الآية: [215] {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
الآية: [216] {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}
الآية: [217] {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}
الآية: [218] {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}
الآية: [219] {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}
الآية: [22] {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} خص عشيرته الأقربين بالإنذار؛ لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك. وعشيرته الأقربون قريش. وقيل: بنو عبد مناف. ووقع في صحيح مسلم: " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين". وظاهر هذا أنه كان قرآنا يتلى وأنه نسخ؛ إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر. ويلزم على ثبوته إشكال؛ وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته؛ فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حب النبي صلى الله عليه وسلم لا المشركون؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم صلي الله عليه وسلم؛ فلم يثبت ذلك نقلا ولا معنى. وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال: "يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها".
الثانية- في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته؛ لقوله: "إن لكم رحما سأبلها ببلالها" وقوله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الآية، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله.
قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} تقدم في سورة {الحجر} و{سبحان} يقال: خفض جناحه إذا لان. {فَإِنْ عَصَوْكَ} أي خالفوا أمرك. {فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} أي بريء من معصيتكم إياي؛ لأن عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي فوض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه. وقرأ العامة: {وَتَوَكَّلْ} بالواو وكذلك هو في مصاحفهم.
وقرأ نافع وابن عامر: {فَتَوَكَّلْ كل} بالفاء وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام. {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين: ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: يعني حين تقوم حيثما كنت. {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} قال مجاهد وقتادة: في المصلين. وقال ابن عباس: أي في أصلاب الآباء، آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا. وقال عكرمة: يراك قائما وراكعا وساجدا؛ وقاله ابن عباس أيضا. وقيل: المعني؛ إنك ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك. وروي عن مجاهد، ذكره الماوردي والثعلبي. وكان عليه السلام يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وذلك ثابت في الصحيح وفي تأويل الآية بعيد {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} تقدم.
الآية: [221] {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}
الآية: [222] {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}
الآية: [223] {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}
قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}
إنما قال: {تَنَزَّلُ} لأنها أكثر ما تكون في الهواء، وأنها تمر في الريح. {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} تقدم في {الحجر}.فـ {ـيُلْقُونَ السَّمْعَ} صفة الشياطين {وأكثرهم} يرجع إلى الكهنة. وقيل: إلى الشياطين.
الآية: [224] {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}
الآية: [225] {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}
الآية: [226] {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}
الآية: [227] {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}
قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فيه ست مسائل:
الأولي- قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ} جمع شاعر مثل جاهل وجهلاء؛ قال ابن عباس: هم الكفار {يَتَّبِعُهُمُ} ضلال الجن والإنس. وقيل {الْغَاوُونَ} الزائلون عن الحق، ودل بهذا أن الشعراء أيضا غاوون؛ لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك. وقد قدمنا في سورة {النور} أن من الشعر ما يجوز إنشاده، ويكره، ويحرم. روي مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء" قلت: نعم. قال: "هيه" فأنشدته بيتا. فقال: "هيه" ثم أنشدته بيتا. فقال: "هيه" حتى أنشدته مائة بيت. هكذا صواب هذا السند وصحيح روايته. وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم: عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه؛ وهو وهم؛ لأن الشريد هو الذي أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم أبي الشريد سويد. وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعا وطبعا، وإنما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية؛ لأنه
كان حكيما؛ ألا ترى قوله عليه السلام: "وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" فأما ما تضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه فذلك مندوب إليه، كقول القائل:
الحمد لله العلي المنان ... صار الثريد في رؤوس العيدان
أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مدحه كقول العباس:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم ... نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفضض الله فاك". أو الذب عنه كقول حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
وهي أبيات ذكرها مسلم في صحيحه وهي في السير أتم. أو الصلاة عليه؛ كما روى زيد بن أسلم؛ خرج عمر ليلة يحرس فرأى مصباحا في بيت، وإذا عجوز تنفش صوفا وتقول:
على محمد صلاة الأبرار ... صلى عليه الطيبون الأخيار
قد كنت قواما بكا بالأسحار ... يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل يجمعني وحبيبي الدار
يعني النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجلس عمر يبكي. وكذلك ذكر أصحابه ومدحهم رضي الله عنهم؛ ولقد أحسن محمد بن سابق حيث قال:
إني رضيت عليا للهادي علما ... كما رضيت عتيقا صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفص وشيعته ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة عندي قدوة علم ... فهل علي بهذا القول من عار
إن كنت تعلم إني لا أحبهم ... إلا من أجلك فاعتقني من النار
وقال آخر فأحسن:
حب النبي رسول الله مفترض ... وحب أصحابه نور ببرهان
من كان يعلم أن الله خالقه ... لا يرمين أبا بكر ببهتان
ولا أبا حفص الفاروق صاحبه ... ولا الخليفة عثمان بن عفان
أما علي فمشهور فضائله ... والبيت لا يستوي إلا بأركان
قال ابن العربي: أما الاستعارات في التشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد وتجاوزت المعتاد؛ فبذلك يضرب الملك الموكل بالرؤيا المثل، وقد أنشد كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول
فجاء في هذه القصيدة من الاستعارات والتشبيهات بكل بديع، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا ينكر في تشبيهه ريقها بالراح. وأنشد أبو بكر رضي الله عنه:
فقدنا الوحى إذ وليت عنا ... وودعنا من الله الكلام
سوى ما قد تركت لنا رهينا ... توارثه القراطيس الكرام
فقد أورثتنا ميراث صدق ... عليك به التحية والسلام
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه وأبو بكر ينشده، فهل للتقليد والاقتداء موضع أرفع من هذا. قال أبو عمر: ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهي، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر، أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله؛ وروي أبو هريرة قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: "أصدق كلمة - أو أشعر كلمة - قالتها العرب قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
أخرجه مسلم وزاد: "وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" وروي عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه: مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر. فقال: ويلك يا لكع! وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي، فحسنه حسن وقبيحه قبيح! قال: وقد كانوا يتذاكرون الشعر. قال: وسمعت ابن عمر ينشد:
يحب الخمر من مال الندامى ... ويكره أن يفارقه الغلوس
وكان عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة العشرة ثم المشيخة السبعة شاعرا مجيدا مقدما فيه. وللزبير بن بكار القاضي في أشعاره كتاب، وكانت له زوجة حسنة تسمى عثمة فعتب عليها في بعض الأمر فطلقها، وله فيها أشعار كثيرة؛ منها قوله:
تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
أكاد إذا ذكرت العهد منها ... أطير لوان إنسانا يطير
وقال ابن شهاب: قلت له تقول الشعر في نسكك وفضلك! فقال: إن المصدور إذا نفث برأ.
الثانية- وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم، فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحهم على حاتم، وإن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي، وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء؛ رغبة في تسلية النفس وتحسين القول؛ كما روي عن الفرزدق أن سليمان بن عبدالملك سمع قوله:
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
فقال: قد وجب عليك الحد. فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} . وروي أن النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:
من مبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقي في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر أسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه. وقال: إي والله إني ليسوءني ذلك. فقال: يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا مما قلت؛ وإنما كانت فضلة من القول، وقد قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} فقال له عمر: أما عذرك فقد درأ عنك الحد؛ ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت. وذكر الزبير بن بكار قال: حدثني مصعب بن عثمان أن عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة لم يكن له هم إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة: إني قد عرفت عمر والأحوص بالشر والخبث فإذا أتاك كتابي هذا فاشدد عليهما وأحملهما إلي. فلما أتاه الكتاب حملهما إليه، فأقبل على عمر، فقال: هيه!
فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
أما والله لو اهتممت بحجك لم تنظر إلى شيء غيرك؛ فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون! ثم أمر بنفيه. فقال: يا أمير المؤمنين! أو خير من ذلك ؟ فقال: ما هو ؟ قال: أعاهد الله أني لا أعود إلى مثل هذا الشعر، ولا أذكر النساء في شعر أبدا، وأجدد توبة، فقال: أو تفعل ؟ قال: نعم، فعاهد الله على توبته وخلاه؛ ثم دعا بالأحوص، فقال هيه!
الله بيني وبين قيمها ... يفر مني بها وأتَّبع
بل الله بين قيمها وبينك! ثم أمر بنفيه؛ فكلمه فيه رجال من الأنصار فأبى، وقال: والله لا أرده ما كان لي سلطان، فإنه فاسق مجاهر. فهذا حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه، فلا يحل سماعه ولا إنشاده في مسجد ولا غيره، كمنثور الكلام القبيح ونحوه. وروي إسماعيل بن عياش عن عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام" رواه إسماعيل عن عبدالله الشامي وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره. وروى عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام" .
الثالثة- روي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا" وفي الصحيح أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا الشيطان - أو أمسكوا الشطان - لان يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا" قال علماؤنا: وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع هذا الشاعر لما علم من حاله، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتخذ الشعر طريقا للتكسب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذم إذا منع، فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم. ولا خلاف في أن من كان على مثل هذه الحالة فكل ما يكتسبه بالشعر حرام. وكل ما يقوله من ذلك حرام عليه، ولا يحل الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه؛ فإن لم يكن ذلك لمن خاف من لسانه قطعا تعين عليه أن يداريه بما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحل له أن يعطي شيئا ابتداء، لأن ذلك عون على المعصية؛ فإن لم يجد من ذلك بدا أعطاه بنية وقاية العرض؛ فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة. قلت: قوله: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه" القيح المدة يخالطها دم. يقال منه: قاح الجرح يقيح وتقيح وقيح. و"يريه" قال الأصمعي: هو من الوري على
مثال الرمي وهو أن يدوي جوفه، يقال منه: رجل موري مشدد غير مهموز. وفي الصحاح: وروي القيح جوفه يريه وريا إذا أكله. وأنشد اليزيدي:
قالت له وريا إذا تنحنحا
وهذا الحديث أحسن ما قيل في تأويله: إنه الذي قد غلب عليه الشعر، وامتلأ صدره منه دون علم سواه ولا شيء من الذكر ممن يخوض به في الباطل، ويسلك به مسالك لا تحمد له، كالمكثر من اللغط والهذر والغيبة وقبيح القول. ومن كان الغالب عليه الشعر لزمته هذه الأوصاف المذمومة الدنية، لحكم العادة الأدبية. وهذا المعنى هو الذي أشار إليه البخاري في صحيحه لما بوب على هذا الحديث "باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر". وقد قيل في تأويله: إن المراد بذلك الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره. وهذا ليس بشيء؛ لأن القليل من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وكثيره سواء في أنه كفر ومذموم، وكذلك هجو غير النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين محرم قليله وكثيره، وحينئذ لا يكون لتخصيص الذم بالكثير معني.
الرابعة- قال الشافعي: الشعر نوع من الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيح كقبيح الكلام، يعني أن الشعر ليس يكره لذاته وإنما يكره لمضمناته، وقد كان عند العرب عظيم الموقع. قال الأول منهم:
وجرح اللسان كجرح اليد
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الشعر الذي يرد به حسان على المشركين: "إنه لأسرع فيهم من رشق النبل" أخرجه مسلم. وروى الترمذي وصححه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبدالله بن رواحة يمشي بين يديه ويقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر: يا ابن رواحة! في حرم الله وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خل عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل" .
الخامسة- قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} لم يختلف القراء في رفع {وَالشُّعَرَاءُ} فيما علمت. ويجوز النصب على إضمار فعل يفسره {يَتَّبِعُهُمُ} وبه قرأ عيسى بن عمر؛ قال أبو عبيد: كان الغالب عليه حب النصب؛ قرأ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] و {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] و {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1]. وقرأ نافع وشيبة والحسن والسلمي: {يَتَّبِعُهُمُ} مخففا. الباقون {يَتَّبِعُهُمُ} . وقال الضحاك: تهاجى رجلان أحدهما أنصاري والآخر مهاجري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل واحد غواة قومه وهم السفهاء فنزلت؛ وقاله ابن عباس. وعنه هم الرواة للشعر. وروى عنه علي بن أبي طلحة أنهم هم الكفار يتبعهم ضلال الجن والإنس؛ وقد ذكرناه. وروى غضيف عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه" وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة رن إبليس رنة وجمع إليه ذريته؛ فقال ايئسوا أن تريدوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا ولكن أفشوا فيهما - يعني مكة والمدينة - الشعر.
السادسة- قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} يقول: في كل لغو يخوضون، ولا يتبعون سنن الحق؛ لأن من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت، ولم يكن هائما يذهب على وجهه لا يبالي ما قال. نزلت في عبدالله بن الزبعرى ومسافع بن عبد مناف وأمية بن أبي الصلت. {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} يقول: أكثرهم يكذبون؛ أي يدلون بكلامهم على الكرم والخير ولا يفعلونه. وقيل: إنها نزلت في أبي عزة الجمحي حيث قال:
ألا أبلغا عني النبي محمدا ... بأنك حق والمليك حميد
ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله ... تأوه مني أعظم وجلود
ثم استثنى شعر المؤمنين: حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن كان على طريقهم من القول الحق؛ فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً} في كلامهم {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} وإنما يكون الانتصار بالحق،
وبما حده الله عز وجل، فإن تجاوز ذلك فقد انتصر بالباطل. وقال أبو الحسن المبرد. لما نزلت: {والشعراء} جاء حسان وكعب بن مالك وابن رواحة يبكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: يا نبي الله! أنزل الله تعالى هذه الآية، وهو تعالى يعلم أنا شعراء ؟ فقال: "اقرؤوا ما بعدها {إِلاِّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} - الآية - أنتم { وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } أنتم" أي بالرد على المشركين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "انتصروا ولا تقولوا إلا حقا ولا تذكروا الآباء والأمهات" فقال حسان لأبي سفيان:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
وإن أبي ووالدتي وعرضي ... عرض محمد منكم وقاء
أتشتمه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء
لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدره الدلاء
وقال كعب يا رسول الله! إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت فكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل". وقال كعب:
جاءت سخينة كي تغالب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد مدحك الله يا كعب في قولك هذا" . وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} منسوخ بقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . قال المهدوي: وفي الصحيح عن ابن عباس أنه استثناء. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} في هذا تهديد لمن انتصر بظلم قال شريح سيعلم الظالمون كيف يخلصون من بين يدي الله عز وجل؛ فالظالم ينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصرة. وقرأ ابن عباس: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} بالفاء والتاء ومعناهما واحد ذكره الثعلبي. ومعنى: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} أي مصير يصيرون وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى
النار، وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العقاب وهو شر مرجع. والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها فصار كل مرجع منقلبا، وليس كل منقلب مرجعا؛ والله أعلم؛ ذكره الماوردي. و {أَيُّ} منصوب بـ {يَنْقَلِبُونَ} وهو بمعنى المصدر، ولا يجوز أن يكون منصوبا بـ {سيعلم} لأن أيا وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها فيما ذكر النحويون؛ قال النحاس: وحقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض.
...الشعراء - تفسير الطبري

مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)
القول في تأويل قوله تعالى : { مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) }
يقول تعالى ذكره: ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون على كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم رسولنا.( مَا أَغْنَى عَنْهُمْ ) يقول: أي شيء أغنى عنهم التأخير الذي أخرنا في آجالهم، والمتاع الذي متعناهم به من الحياة، إذ لم يتوبوا من شركهم، هل زادهم تمتيعنا إياهم ذلك إلا خبالا؟، وهل نفعهم شيئا؟، بل ضرهم بازديادهم من الآثام، واكتسابهم من الإجرام ما لو لم يمتعوا لم يكتسبوه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ) إلى قوله( مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) قال: هؤلاء أهل الكفر.
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) }
يقول تعالى ذكره:( وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ) من هذه القرى التي وصفت في هذه السور( إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ ) يقول: إلا بعد إرسالنا إليهم رسلا ينذرونهم بأسنا على كفرهم وسخطنا عليهم.( ذكرى ) يقول: إلا لها منذرون ينذرونهم، تذكرة لهم وتنبيها لهم على ما فيه النجاة لهم من عذابنا. ففي الذكرى وجهان من الإعراب: أحدهما النصب على المصدر من الإنذار على ما بيَّنْتُ، والآخر: الرفع على الابتداء (1) كأنه قيل: ذكرى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد:( وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ . ذِكْرَى ) قال: الرسل. قال ابن جُرَيج: و قوله:( ذكرى ) قال: الرسل.
قوله:( وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ) يقول: وما كنا ظالميهم في تعذيبناهم وإهلاكهم، لأنا إنما أهلكناهم، إذ عتوا علينا، وكفروا نعمتنا، وعبدوا غيرنا بعد الإعذار عليهم والإنذار، ومتابعة الحجج عليهم بأن ذلك لا ينبغي أن يفعلوه، فأبوا إلا التمادي في الغيّ.
وقوله:( وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ) يقول تعالى ذكره: وما تنزلت بهذا القرآن الشياطين على محمد، ولكنه ينزل به الروح الأمين.( وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ) يقول: وما ينبغي للشياطين أن ينزلوا به عليه، ولا يصلح لهم ذلك.( وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ) يقول: وما يستطيعون أن يتنزلوا به، لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء.( إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) يقول: إن الشياطين عن سمع القران من المكان
__________
(1) يجوز أن يكون قوله تعالى (ذكرى) مرفوعًا على الابتداء والخبر محذوف، أي ذكرى لهم. ويجوز أن يكون مرفوعًا على أنه خبر عن مبتدأ، تقديره: "هم" أي المنذرون، ذكرى لهم.
فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)
الذي هو به من السماء لمعزولون، فكيف يستطيعون أن يتنزلوا به.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:( وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ) قال: هذا القرآن. وفي قوله( إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) قال: عن سمع السماء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، بنحوه، إلا أنه قال: عن سمع القرآن.
والقرّاء مجمعة على قراءة( وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ) بالتاء ورفع النون، لأنها نون أصلية، واحدهم شيطان، كما واحد البساتين بستان. وذُكر عن الحسن أنه كان يقرأ ذلك: "وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ"بالواو، وذلك لحن، وينبغي أن يكون ذلك إن كان صحيحا عنه، أن يكون توهم أن ذلك نظير المسلمين والمؤمنين، وذلك بعيد من هذا.
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:( فَلا تَدْعُ ) يا محمد( مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) أي لا تعبد معه معبودا غيره( فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ) فينزل بك من العذاب ما نزل بهؤلاء الذين خالفوا أمرنا وعبدوا غيرنا. وقوله:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك من قومك الأقربين إليك قرابة، وحذّرهم من عذابنا أن ينزل بهم بكفرهم.
وذُكر أن هذه الآية لما نزلت، بدأ ببني جده عبد المطلب وولده، فحذّرهم وأنذرهم.
*ذكر الرواية بذلك:
حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما نزلت هذه الآية:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا صَفِيَّةُ بِنْتَ عِبْدِ المُطَّلِبِ، يا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئا، سَلُوني مِنْ مالي ما شِئْتُمْ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي ويونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: لما نزلت( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قام النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، ويا صَفِيَّةُ ابْنَةَ عَبْدِ المُطَّلِبِ"ثم ذكر نحو حديث ابن المقدام.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سلامة، قال: قال عقيل: ثني الزهري، قال: قال سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ): "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، يا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا، يا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ الله لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا، سَلِينِي ما شِئْتِ، لا أُغْني عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا".
حدثني محمد بن عبد الملك، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قال: "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله"ثم ذكر نحو حديث يونس، عن سلامة; غير أنه زاد فيه "يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا"ولم يذكر في حديثه فاطمة.
حدثني يونس، قال: ثنا سلامة بن روح، قال: قال عقيل: ثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) جمع قريشا،
ثم أتاهم، فقال لهم: "هَلْ فِيكُمْ غرِيبٌ؟ "فقالوا: لا إلا ابن أخت لنا لا نراه إلا منا، قال: "إنَّهُ منْكُمْ"، فوعظهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لهم في آخر كلامه: "لا أعْرِفَنَّ مَا وَرَدَ عليَّ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَسُوقُونَ الآخِرَةَ، وجِئْتُمْ إليَّ تَسُوقُونَ الدُّنْيا".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزل عليه( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) : "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، يا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا، يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رسُولِ الله لا أغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا، يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا".
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت الحجاج يحدث، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما أنزل الله:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أنْقِذُوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، ألا إنَّ لَكُمْ رَحِمًا سأبلُّها ببلالها".
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة، قال: لما نزلت هذه الآية:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فعم وخصّ، فقال: "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله، يا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، يا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يا مَعْشَرَ بِنِي هاشم، يا مَعْشَرَ بني عَبْدِ المُطَّلِبِ"، يقول لكلهم: "أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فإني وَاللهِ ما أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، ألا إنَّ لَكُمْ رَحِمًا سأبلُّها بِبلالها".
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا أبو عثمان، عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق: أنهما قالا أنزل الله على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ )، فحدثنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه علا صخرة من
جبل، فعلا أعلاها حجرا، ثم قال: "يا آل عَبْدِ مَنافاه، يا صَباحاه، إنّي نَذِيرٌ، إنَّ مَثَلِي وَمَثَلَكُمْ مَثَل رَجُلٍ أتى الجَيْشُ، فَخَشِيَهُمْ على أهْلِهِ، فَذَهَبَ يَرْبَؤُهم (1) فَخَشِيَ أنْ يَسْبِقُوهُ إلى أهْلِهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِهِمْ: يا صَبَاحَاهُ"! أو كما قال.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن قسامة بن زهير، قال: بلغني أنه لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) جاء فوضع أصبعه في أذنه، ورفع من صوته، وقال: "يا بَنِي عَبْدِ مَناف وَاصَبَاحَاهُ"!
قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عوف، عن قسامة بن زهير، قال: أظنه عن الأشعري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا أبو زيد الأنصاري سعد بن أوس، عن عوف، قال: قال قسامة بن زهير، حدثني الأشعري، قال: لما نزلت، ثم ذكر نحوه; إلا أنه قال: وضع أصبعيه في أذنيه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن نُمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، ثم نادى: "يا صَباحاهُ"، فاجتمع الناس إليه، فبين رجل يجيء، وبين آخر يبعث رسوله، فقال: "يا بَنِي هَاشِمٍ، يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي يا بَنِي، أرَأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلا بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ صَدَّقْتُمُونِي؟ "قالوا: نعم، قال: "فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"فقال أبو لهب: تبا لكم سائر اليوم، ما دعوتموني إلا لهذا؟ فنزلت:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) .
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال: "يا صباحاهُ!"فاجتمعت إليه قريش، فقالوا له:
__________
(1) يقال ربأ القوم يربؤهم، وربأ لهم إذا وقف على مكان عال، ونظر بعيدًا، يرقب عدوا أو جيشًا مغيرًا، أو نحو ذلك
مالك؟ فقال: "أرَأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمُسِّيكُمْ ألا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ "قالوا: بلى، قال: "فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد". قال أبو لهب: تبا لك، ألهذا دعوتنا أو جمعتنا!، فأنزل الله:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ )... إلى آخر السورة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: "يا صَباحاهُ!" فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: "يا بَنِي فُلان، يا بَنِي فُلان، يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، يا بَنِي عَبْدِ مَنَاف"، فاجتمعوا إليه، فقال: " أرَأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلا تَخْرُج بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ؟ "قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: "فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيدٍ"، فقال أبو لهب: تبا لك، ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) و قد تب، كذا قرأ الأعمش، إلى آخر السورة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية بن هشام، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما نزلت( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام على الصفا، فقال: "يا صَباحاهُ"!
قال ثنا خالد بن عمرو، قال: ثنا سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ )، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، فقال: "يا صباحاه !"فجعل يعددهم: "يا بَنِي فُلان، وَيا بَنِي فُلان، ويا بَنِي عَبْدِ مَنَاف".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عمرو بن مرّة الجَمَليّ، قال: لما نزلت:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قال: أتى جبلا فجعل يهتف: "يا صَباحاهُ"، فأتاه من خف من الناس، وأرسل إليه المتثاقلون من الناس رسلا فجعلوا يجيئون يتبعون الصوت ; فلما انتهوا إليه قال: "إنَّ مِنْكُمْ مَنْ جَاءَ لِيَنْظُرَ، وَمِنكُمْ مَنْ أرْسَلَ لينظر مَنِ الهاتف"، فلما اجتمعوا وكثروا قال: "أرَأيتَْكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلا مُصَبِّحَتُكُمْ مِنْ هَذَا الجَبَلِ، أكُنْتُمْ مُصَدِّقيّ؟ "قالوا: نعم، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ
الآيَاتِ التي أُنزلْنَ، وأنذرهم كما أمر، فَجَعَلَ ينادي: "يا قُرَيْشُ، يا بَنِي هاشِمٍ"حتى قالَ: "يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، إنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بينَ يَدَيْ عَذَاب شَدَيد".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عمرو: أنه كان يقرأ:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) ورهطك المخلصين.
قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عباس، عن عليّ بن أبي طالب: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: "يا عليُّ، إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أُنْذِرْ عَشِيرَتِي الأقْرَبِين"، قال: "فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أنى متى ما أنادهم بهذا الأمر أَرَ منهم ما أكره، فصمتُّ حتى جاء جبرائيل، فقال: يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربك. فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب، حتى أكلمهم، وأبلغهم ما أمرت به"، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب; فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به. فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حِذْية من اللحم (1) فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، قال: "خذوا باسم الله"، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلا مواضع أيديهم; وايم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: "اسْقِ النَّاسَ"، فجِئْتُهُمْ بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله; فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لَهَدَّ (2) ما سحركم به صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "الغد يا عليّ، إن هَذَا الرَّجُل قدْ سَبَقَنِي إلى ما
__________
(1) في (اللسان: حذا): أعطيته حذية من لحم، وحذة وفلذة، كل هذا إذا قطع طولا. ا ه. وقيل: هي القطعة الصغيرة.
(2) في (اللسان: هد) وفي الحديث "أن أبا لهب قال: لهد ما سحركم صاحبكم" قال لهد: كلمة يتعجب بها، يقال: لهد الرجل: أي ما أجلده. قلت: وهو كقولنا لشد ما قال فلان، أي ما أشد
قَدْ سَمِعْتَ مِنَ القَوْلِ، فَتفرّق القوم قبلَ أنْ أُكَلِّمَهُمْ فأعِدَّ لَنا مِنَ الطَّعَامِ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ، ثُمَّ اجْمَعْهُمْ لِي"، قال: ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام، فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة، قال: "اسقهم"، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعًا، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، إنِّي والله ما أعْلَمُ شابا فِي العَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بأفْضَلَ ممَّا جئْتُكُمْ بِهِ، إنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَقَدْ أمَرَنِي الله أنْ أدْعُوكُمْ إلَيْهِ، فَأيُّكُمْ يُؤَازِرُني عَلى هَذَا الأمْرِ، عَلى أنْ يَكُونَ أخِي"وكَذَا وكَذَا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأخمشهم ساقا. أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك، فأخذ برقبتي، ثم قال: "إن هذا أخي"وكذا وكذا، "فاسمعوا له وأطيعوا"، قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح، ثم قال: "يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، يا بَنِي عَبْدِ مَناف، يا بَنِي قُصَيّ"، قال: ثم فخَّذ قريشا قبيلة قبيلة، حتى مرّ على آخرهم،"إنّي أدْعُوكُمْ إلى اللهِ، وأُنْذِرُكُمْ عَذَابَهُ".
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قال: أمر محمد أن ينذر قومه، ويبدأ بأهل بيته وفصيلته، قال:( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ) .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ولما نزلت:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا فاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يا صَفِيَّهُ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) بدأ بأهل بيته وفصيلته.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لما نزلت:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) جمع النبيّ صلى الله عليه وسلم بني هاشم، فقال: "يا
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
بني هاشم، ألا لا ألْفِيَنَّكُمْ تأْتُونِي تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا، ويأتي النَّاسُ يَحْمِلُونَ الآخِرَةَ، ألا إنَّ أوْليائي مِنْكُمْ المُتَّقُونَ، فاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: لما نزلت هذه الآية بدأ بأهل بيته وفصيلته; قال: وشقّ ذلك على المسلمين، فأنزل الله تعالى:( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
وقوله:( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ ) يقول: وألن جانبك وكلامك( لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: يقول: لن لهم.
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) }
يقول تعالى ذكره: فإن عصتك يا محمد عشيرتك الأقربون الذين أمرتك بإنذارهم، وأبوا إلا الإقامة على عبادة الأوثان، والإشراك بالرحمن، فقل لهم:( إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) من عبادة الأصنام ومعصية بارئ الأنام.( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ ) فى نقمته من أعدائه( الرَّحِيمِ ) بمن أناب إليه وتاب من معاصيه.
( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ) يقول: الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك.
وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله:( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ) قال: أينما كنت.
( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ويرى تقلبك في صلاتك حين تقوم، ثم تركع، وحين تسجد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) يقول: قيامك وركوعك وسجودك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت أبي وعليّ بن بذيمة يحدّثان عن عكرمة في قوله:( يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: قيامه وركوعه وسجوده.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال عكرمة، في قوله:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: قائما وساجدا وراكعا وجالسا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ويرى تقلبك في المصلين، وإبصارك منهم من هو خلفك، كما تبصر من هو بين يديك منهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد :( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) كان يرى من خلفه، كما يرى من قدّامه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: المصلين كان يرى من خلفه في الصلاة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: المصلين، قال: كان يرى في الصلاة من خلفه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتقلبك مع الساجدين: أي تصرفك معهم في الجلوس والقيام والقعود.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس، قال:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: يراك وأنت مع الساجدين تقلب وتقوم وتقعد معهم.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: في المصلين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَتَقَلُّبَكَ
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)
فِي السَّاجِدِينَ ) قال: في الساجدين: المصلين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ويرى تصرّفك في الناس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: سألت الحسن عن قوله:( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قال: في الناس.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون في قول قائل هذا القول: الأنبياء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله:( الَّذِي يَرَاكَ )... الآية، قال: كما كانت الأنبياء من قبلك.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بتأويله قول من قال تأويله: ويرى تقلبك مع الساجدين في صلاتهم معك، حين تقوم معهم وتركع وتسجد، لأن ذلك هو الظاهر من معناه. فأما قول من وجهه إلى أن معناه: وتقلبك في الناس، فإنه قول بعيد من المفهوم بظاهر التلاوة، وإن كان له وجه، لأنه وإن كان لا شيء إلا وظله يسجد لله، فإنه ليس المفهوم من قول القائل: فلان مع الساجدين، أو في الساجدين، أنه مع الناس أو فيهم، بل المفهوم بذلك أنه مع قوم سجود، السجود المعروف، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأغلب أولى من توجيهه إلى الأنكر.
وكذلك أيضا في قول من قال: معناه: تتقلب في أبصار الساجدين، وإن كان له وجه، فليس ذلك الظاهر من معانيه.
فتأويل الكلام إذن: وتوكل على العزيز الرحيم، الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، ويرى تقلبك في المؤتمين بك فيها بين قيام وركوع وسجود وجلوس.
وقوله:( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) يقول تعالى ذكره: إن ربك هو السميع تلاوتك يا محمد، وذكرك في صلاتك ما تتلو وتذكر، العليم بما تعمل فيها ويعمل فيها من يتقلب فيها معك مؤتما بك، يقول: فرتل فيها القرآن، وأقم حدودها، فإنك بمرأى من ربك ومسمع.
القول في تأويل قوله تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ
تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
(221) تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) }
يقول تعالى ذكره:( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ ) من الناس؟( تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ ) يعني كذّاب بهات( أثيم ) يعني: آثم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:( كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) قال: كل كذّاب من الناس.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد:( تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) قال: كذاب من الناس.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:( كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) قال: هم الكهنة تسترق الجن السمع، ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإنس.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: كنت عند عبد الله بن الزبير، فقيل له: إن المختار يزعم أنه يوحى إليه، فقال: صدق، ثم تلا( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ).
وقوله:( يُلْقُونَ السَّمْعَ ) يقول تعالى ذكره: يلقي الشياطين السمع، وهو ما يسمعون مما استرقوا سمعه من حين حدث من السماء، إلى( كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) من أوليائهم من بني آدم.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( يُلْقُونَ السَّمْعَ ) قال: الشياطين ما سمعته ألقته على كلّ أفَّاكٍ كذّاب.
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد:( يُلْقُونَ السَّمْعَ ) الشياطين ما سمعته ألقته( عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ ) قال: يلقون السمع، قال: القول.
وقوله:( وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) يقول: وأكثر من تنزل عليه الشياطين كاذبون فيما يقولون ويخبرون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، في قوله:( وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) عن عروة، عن عائشة قالت: الشياطين تسترق السمع، فتجيء بكلمة حقّ فيقذفها في أذن وليه; قال: ويزيد فيها أكثر من مائة كذبة.
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) }
يقول تعالى ذكره: والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى.
واختلف أهل التأويل في الذين وصفوا بالغيّ في هذا الموضع فقال بعضهم: رواة الشعر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسن بن يزيد الطحان، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا قيس، عن يعلى، عن عكرمة، عن ابن عباس; وحدثني أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن قيس; وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قيس، عن يعلى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عباس:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: الرواة.
وقال آخرون: هم الشياطين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) : الشياطين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:( يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: يتبعهم الشياطين.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عكرمة، في قوله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: عصاة الجنّ.
وقال آخرون: هم السفهاء، وقالوا: نزل ذلك في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ )... إلى آخر الآية، قال: كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وأنهما تهاجيا، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء، فقال الله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ).
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، تهاجيا، مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السُّفهاء.
وقال آخرون: هم ضلال الجنّ والإنس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس:
( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: هم الكفار يتبعهم ضلال الجنّ والإنس.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: الغاوون المشركون.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال فيه ما قال الله جلّ ثناؤه: إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الجنّ، وذلك أن الله عم بقوله:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) فلم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض، فذلك على جميع أصناف الغواة التي دخلت في عموم الآية. قوله:( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ألم تر يا محمد أنهم، - يعني الشعراء - في كلّ واد يذهبون، كالهائم على وجهه على غير قصد، بل جائرا على الحقّ، وطريق، الرشاد، وقصد السبيل.
وإنما هذا مثل ضربه الله لهم في افتنانهم في الوجوه التي يفتنون فيها بغير حق، فيمدحون بالباطل قوما ويهجون آخرين كذلك بالكذب والزور.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس:( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) يقول: في كلّ لَغْوٍ يخوضون.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:( فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) قال: في كلّ فنّ يَفْتَنُّون.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله:( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ ) قال: فن( يهيمون ) قال: يقولون.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:( فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) قال: يمدحون قوما بباطل، ويشتمون قوما بباطل.
وقوله:( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ) يقول: وأن أكثر قيلهم باطل وكذب.
كما حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس:( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ) يقول: أكثر قولهم يكذبون.
وعني بذلك شعراء المشركين.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: قال رجل لأبي: يا أبا أسامة، أرأيت قول الله جلّ ثناؤه:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ) فقال له أبي: إنما هذا لشعراء المشركين، وليس شعراء المؤمنين، ألا ترى أنه يقول:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )... إلخ. فقال: فَرَّجت عني يا أبا أسامة; فرّج الله عنك.
وقوله:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) وهذا استثناء من قوله( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ). وذكر أن هذا الاستثناء نزل في شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ثم هو لكلّ من كان بالصفة التي وصفه الله بها.
وبالذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة وعليّ بن مجاهد، وإبراهيم بن المختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط، عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري، قال: لما نزلت:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) قال: جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يبكون، فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبيّ صلى الله عليه وسلم:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) إلى آخر السورة في حسَّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة وطاوس، قالا قال:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ )، فنسخ من ذلك واستثنى، قال:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )... الآية.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس،
قال: ثم استثنى المؤمنين منهم، يعني الشعراء، فقال:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، فذكر مثله.
حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) قال: هم الأنصار الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي حسن البراد، قال: لما نزلت:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) ثم ذكر نحو حديث ابن حميد عن سلمة.
وقوله:( وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ) اختلف أهل التأويل في حال الذكر الذي وصف الله به هؤلاء المستثنين من الشعراء، فقال بعضهم: هي حال منطقهم ومحاورتهم الناس، قالوا: معنى الكلام: وذكروا الله كثيرا في كلامهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ) في كلامهم.
وقال آخرون: بل ذلك في شعرهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ) قال: ذكروا الله في شعرهم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الذين استثناهم من شعراء المؤمنين بذكر الله كثيرا، ولم يخص ذكرهم الله على حال دون حال في كتابه، ولا على لسان رسوله، فصفتهم أنهم يذكرون الله كثيرا في كلّ أحوالهم.
وقوله:( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) يقول: وانتصروا ممن هجاهم من شعراء المشركين ظلما بشعرهم وهجائهم إياهم، وإجابتهم عما هجوهم به.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس:( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) قال: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون المؤمنين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وانتصروا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ).
وقيل: عني بذلك كله الرهط الذين ذكرت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عليّ بن مجاهد وإبراهيم بن المختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداريّ، قال: لما نزلت:( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) جاء حسَّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبيّ صلى الله عليه وسلم:( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي حسن البراد، قال: لما نزلت( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) ثم ذكر نحوه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) قال: عبد الله بن رواحة وأصحابه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد:( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) قال: عبد الله بن رواحة.
وقوله:( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول تعالى ذكره: وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم بالله من أهل مكة( أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) يقول: أي مرجع يرجعون إليه، وأي معاد يعودون إليه بعد مماتهم، فإنهم يصيرون إلى نار لا يُطفأ سعيرها، ولا يَسْكُن لهبها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، وعليّ بن مجاهد، وإبراهيم بن المختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري:( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) يعني: أهل مكة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) قال: وسيعلم الذين ظلموا من المشركين أي منقلب ينقلبون.
آخر تفسير سورة الشعراء

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  اللهم تقبل واستجب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني