نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate واق

الأربعاء، 10 أغسطس 2022

العلاج بالعسل النحل للدكتور حامد البدري الغوابي

 

فوزي الشتوي مجلة الرسالة - العدد 656 هذا العالم المتغير: [[مؤلف:|]] بعد الحرب
بتاريخ: 27 - 11 - 1950
للدكتور حامد البدري الغوابي

يقول الله سبحانه (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) صدق الله العظيم.

هذا هو إعجاز القرآن لا من جهة أسلوبه وما يملك من قوة ولسن وروعة فن؛ إنما هو إعجاز كشف الله به حجاب العلم.
فتأمل النحل وأحوالها، ومملكتها وأجنادها، وانظر إلى بيوتها وخلاياها مسدسة أشكالها، متقاربة أوضاعها، محكماً صنعها بنتها بغير مقياس أو آلة، إنما ألهمها ربها فنها، وأوحى لها أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون، فأطاعت أمر ربها، واتخذ فريق منها بيوتها في بعض الجبال سكنا، واتخذت طائفة أخرى الفجوات في الأشجار بيتا ومأوى، كما اتخذ فريق ثالث بيوت الناس حيث يعرشون أي حيث يبنون لها العروش.
ولكي نفهم هذه الآية حق الفهم، يجب أن نعرف شيئاً عن النحل ومملكته ونظامها فهي مملكة ذات نظام وتنسيق، وقد أولع بها العالم (مرالدي) فصنع خلية من الزجاج راقب فيها أفرادها فرأى عجبا أنطق لسانه بالإقرار بقدرة الخلاق.
كل فرد في هذه المملكة له عمل، لا تقاعد ولا كسل، وهذا النشاط في الخلية أصبح يضرب به الأمثال، مما دعا أحد الحكماء في نصحه لتلاميذه أن يقول (كونوا كالنحل في الخلايا فهي لا تترك عندها متبطلا إلا نفته وأبعدته وأقصته عن الخلية لأنه يضيق المكان ويفني العسل ويعلم النشيط الكسل) وهذا ما تفعله عاملات النحل بالذكور إذا أقبل الشتاء ببرده القارس واستعدت الخلية للبيات فتنقض على الذكور فتقتلها.
أجل!! ليت الإنسان قد أخذ من النحل في نشاطها المثل، فللنحل دوى ولكن يعمل؛ والإنسان قد تسمع له جعجعة ولا ترى طحنا.
وأفراد الخلية يطيعون الملكة ولا يعصون لها أمراً، وهي ملكة واحدة وظيفتها وضع البيض وتدبير العمل وتوزيعه على بقية الأفراد، ورحم الله شوقي حيث قال:
يا ما أقل ملكها ... وما أجل خطره قف سائل النحل به ... بأي عقل دبره
تجبك بالأخلاق وهي ... كالعقول جوهره
تغني قوي الأخلاق ما ... تغني القوى المفكره
ويرفع الله بها ... من شاء حتى الحشره
ثم يوجد في هذه المملكة بضع مئات من الذكور وظيفتها التلقيح، ثم توجد عدة آلاف من العاملات التي يدور عليها رحى العمل، فمنها التي تبني عيون الشمع بترتيب هندسي منظم يعجز عنه الفنان المعلم، وفي هذه العيون يخزن العسل وتضع الملكة البيض، ومنها التي تجمع الرحيق فيتحول بطريقة خاصة في معدتها عسلا ثم تلفظه شراباً فيه شفاء للناس، هو الشهد المصفى والسكر المكرر، ومنها التي تحمل الماء، ومنها المدافعات عن الخلية، فتلسع من يعتدي عليها سواء كان إنسانا أو حيوانا أو حشرة أو نحلة غريبة من خلية أخرى، ومنها ما تشتغل بتنظيف الخلية من الداخل، إلى آخر ما يرى من نظام في العمل بديع، وترتيب وتنسيق. والآن نتمم الكلام عن هذه الآية الكريمة، فبعد أن أوحى الله إليها بسكناها قال (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا) فالنحل تسلك في الوصول إلى الحقول حيث الثمرات طرقاً ملتوية، ولكنها لا تضل على بعدها السبيل إلى الخلية، بل هداها الله أدراجها، وآتاها أبراجها، وجعل سبلها سهلة ميسرة، فقد تسلك بضع كيلومترات ولكنها لا تستوعر طريقها، وبعد أن ترتشف من الأزهار رحيقها، ترده عسلاً صافياً يخرج من بطونها مختلفا ألوانه بين الأحمر والأصفر والأبيض، وذلك باختلاف الرحيق الذي ترتشفه، فإنها إن ارتشفت من أزهار البرسيم مثلا، كان العسل فاتح اللون، وإن وقعت على بعض أزهار الفاكهة كان العسل أغمق لونا.
العسل من وجهة الدين
قرر القرآن الكريم أن الشراب الذي يخرج من بطون النحل شفاء للناس من أدوائهم. وحدث رسول الله ﷺ عنه فقال (العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين العسل والقرآن) هذا وقد عالج رسول الله شكاة البطن بالعسل إذ جاءه رجل فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا؛ ثم أتاه الثالثة فقال اسقه عسلا؛ ثم أتاه فقال قد فعلت. قال صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا فسقاه فبرئ.
والآن سنرى أن الطب يرى في عسل النحل ما قرره القرآن من قبل، ويقر علاج الرسول لشكاة البطن.
العسل من وجهة الطب
وقبل أن نتكلم عن فوائد العسل الطبية نذكر طرفا عن تركيبه الكيماوي:
العسل به 16 ? ماء، ومن 30 - 45 ? سكر فواكه (ليفيلوز)، ومن 25 - 40 ? سكر العنب (جلوكوز)، و1 , 9 ? سكر قصب، وحديد وبوتاسيوم وصوديوم وكبريت ومغنيسيوم وحامض فسفوريك وحامض فورميك ومواد عطرية 3. 8 ?.
فنرى أن العسل يحتوي على مواد يحتاج إليها الجسم كالحديد والفوسفات وغيرها بخلاف ما فيه من سكريات.
أما الجلوكوز الموجود فيه فهو بيت القصيد، فهو يعطى الآن في الطب دواء وحقنا تحت الجلد وفي الوريد ويعطى حقناً شرجية أيضاً كمغذ ومقو، وهذه الحميات كالتيفود وغيرها، وهذه النزلات المعدية والمعوية وما يكتنفها من قيء وإسهال، وهذه الأمراض المزمنة كضعف القلب، وهذه التسممات من احتباس البول مثلا أو من مواد خارجية كالزرنيخ، كل هذه الأمراض يفيدها الجلوكوز ويسير بها إلى طريق الشفاء.
وكم رأينا من مريض منع في علاجه عن الأطعمة، فكان سكر الجلوكوز هو الغذاء والدواء، فهو سهل في امتصاصه سريع في فائدته.
وكم رأينا من طفل صغير أصابته الإسهالات التخمرية من استعمال المواد السكرية، فلما وضع له العسل في اللبن بدلاً من السكر، استفاد جسمه وتحسنت حالته، حيث أنه سهل هضمه، سريع امتصاصه، فلا يجهد الغدد في تحليلها، ولا الخمائر في تحويلها، كما أنه لا يسبب غازات بالأمعاء. وتلك ميزة عظيمة من ميزات العسل.
هذا فضلا عن أن العسل لا يتلف الأسنان كالمواد السكرية، بل أنه لتعالج به اللثة في الأطفال عند التسنين، وذلك بأن تمسح اللثة المحتقنة بالعسل، وما معظم الأدوية المسكنة للثة إلا ويدخل في تركيبها عسل النحل.
وكم رأينا من مريض بالبول السكري وهو من احتمى في غذائه من السكريات، إذا أصيب بغيبوبة من تسمم السكر كان الجلوكوز مع الأنسولين هو الدواء الوحيد المنقذ، وكأنما يسري عليه القول (وداوها بالتي كانت هي الداء).
حتى إن أولاد مرضى السكر عند بدء ولادتهم يعالجون بالجلوكوز، فإن الأم المريضة بالسكر يولد طفلها ونسبة السكر في دمه قليلة في الساعات الأولى من حياته، فيعطى سكر الجلوكوز فوراً لتعويض هذه القلة بمقدار خمس نقط في الفم من محلول جلوكوز خمسين في المائة كل نصف ساعة في الست ساعات الأولى من حياته، وإلا فإنه يكون عرضة للموت نتيجة قلة السكر في الدم.
وللعسل تأثير ملطف يزيد في إفرازات الفم فيفيد في حالات صعوبة الابتلاع وجفاف الزور وفي حالات السعال الجافة. ولذلك أدخل طبياً في تركيب كثير من الغراغر وأدوية السعال، وكان يصفه (جالينوس) في آلام الصدر، وسبق أن أرشد النبي ﷺ عن ذلك فقال (نعم الشراب العسل يرعى القلب ويذهب برد الصدر).
والعسل ملين لطيف، فابدأ صباح كل يوم بتناول ملعقة كبيرة منه تستفد غذاء وتجد فيه مليناً.
وقد أثبتت التجارب التي عملت بمعهد باستير أن كيلو العسل يفيد الجسم بما يوازي 3 ونصف كيلو لحم و12 كيلو خضروات.
والعسل معقم ومضاد للفساد لأن أي ميكروب لا يستطيع أن يعيش فيه طويلا إذ أن درجة تركيز العسل تجذب الماء من أجسام الجراثيم فتبيدها.
وقد يسأل سائل لماذا لا يكون في الفواكه التي تشبه العسل في طعمها، ما في العسل من الفائدة؟ فنقول إن السكر الذي بها هو سكر القصب أو أنواع أخرى ليس لها ما للجلوكوز من مميزات علاجية؛ كما أن الفواكه لا تحتوي من الجلوكوز إلا على نسبة ضئيلة لا تغني شيئا.
ولا يفوتني هنا أن أنوه بسائل آخر يخرج من بطون النحل من مؤخرة الجسم عن طريق آلة اللسع وهو سم النحل، جعل فيه شفاء لبعض الأمراض، إذ قد لسع النحل بطريق المصادفة مريضاً بالروماتيزم بجوار مفصله المريض وكان عجباً أنه شفي بعد اللسع، ذلك حدا بعض المعامل إلى إجراء أمثال هذه التجارب على مرضى الروماتيزم واللمياجو (روماتيزم في الجزء القطني من الظهر) والسياتيكا (عرق النسا).
ثم هناك الشمع الذي تفرزه النحلة من غدة خاصة بين حلقات بطنها، فيخرج أولا كصفائح رقيقة صلبة تتلعقها النحلة في فمها وتمضغها فتلين من صلابتها ويسهل بذلك تشكيلها في صنع الحجرات الصغيرة السداسية ذات الشكل الهندسي الرائع.
وقد استعمل الشمع قديما في صناعة شموع الإضاءة وحديثا في الطب كأساس في صنع المراهم والدهانات المرطبة (الكريم).
وأخيراً وليس أخرا جرب الدكتور الأمريكي (ايكارت) علاج لسعة النحل بمسها بالعسل فهدأ الورم وسكن الألم.
سبحانك اللهم، ألهمت مملكة النحل فدبرت ملكها ونظمت جندها، ألبستها الخيرات وأطعمتها الزهرات وسخرتها للناس بالعسل طاهيات، فهي إن دوت روت، وإن طعمت أطعمت وإن لسعت نفعت.
فهل رأيت النحل عن ... أمانة مقصره
ما اقترضت من بقلة ... أو استعانت زهره
أدت إلى الناس به ... سكرة بسكره
سبحانك ربي هذا كتابك شفاء نافع ودواء ناجع ولكن ما أقل المستشفين به، وهو علم ونور يقف أمامه الجامد المنكر وقفة الأخيذ الحيران. وإلا فهل كان عند نزول القرآن منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا يعرف ما في عسل النحل من مركبات وهي لم تعرف إلا حديثاً، أم كان يعرف الجلوكوز وأنه سيستعمل يوماً، دواء للأدواء ولكنه علم من هو فوق كل ذي علم عليم.
وإلى فرصة أخرى لنوالي أحاديثنا عن الطب والإسلام تذكرة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الدكتور حامد الغوالي
طبيب أول مستشفى رعاية الطفل بالجيزة
مجلة الرسالة - العدد 908
عسل النحل بين الطب والإسلام
[[مؤلف:|]] ========================
بتاريخ: 27 - 11 - 1950
للأستاذ حمدي الحسيني
الأمراض النفسية
- 8 -
في الإنسان قوة اختلف علماء النفس في تسميتها؛ فبعضهم يسميها قوة الحياة أو القوة الدافعة أو إرادة القوة أو اللبيد، وهذه القوة على كل حال تدفع الإنسان إلى الاحتفاظ بحياته وتحفزه إلى أن يعني بأركان الحياة من الغذاء والسلامة وتخليد النوع. وفي الأزمنة الغابرة كان سهلا على الإنسان أن يحصل على مطالبه الضرورية المحدودة كما تقتضيه غرائزه وميوله. أما بعد أن تقدمت الحضارة وأصبح المجتمع يقضي على الإنسان بالخضوع لآداب وقوانين وعادات وتقاليد كثيرة لم يعد الإنسان قادراً على أن يطلق الحرية لغرائزه ورغباته وميوله وأمانيه.
بل اضطر أن يقمع كثيراً منها ويكبتها في قرارة نفسه كلما حاولت الظهور بمظهر لا يرتضيه المجتمع أو يضر بحسن مركزه أو سلامته فيه، وبذلك قام في النفوس صراع شديد بين ما يتطلبه المجتمع وبين ما يتطلبه الفرد. إلا أن كل رغبة تكبت وكل غريزة تخمد لا تموت بل تنزل إلى قرارة النفس وتنحدر إلى أعماقها المظلمة. وتبقى هناك حية عاملة في الخفاء تحرك المرء وتدفعه فتوجه سلوكه أو تحدث له من العلل الشيء الكثير على غير علم منه ببواعث هذا السلوك أو هذه العلل. وقد تحاول هذه الدوافع أن تجد لها منفذاً إلى الشعور فيمنعها المرء بإرادته ويقيم عليها من نفسه رقيباً هو الضمير يردها إلى اللاشعور فترجع خاسئة مهزومة ولكنها لا تلبث حتى تتحفز إلى الظهور ثانية وثالثة.
فكأن هناك مصارعة نفسية مستمرة بين الهوى والعقل تنتهي غالباً بمرض عصبي أو شذوذ في السلوك وهذه المغالبة والمصارعة بين ما تقتضيه أهواء الإنسان وميوله وبين ما تقتضيه البيئة تحدث كل يوم وفي كل إنسان من بداية نشأته إلى مماته.
وقد تنبه العالم الغزالي رحمه الله إلى هذه المعركة الهائلة في النفس الإنسانية وتتبع أسبابها وعللها وأهدافها ومراميها فعرف جلية أمرها وحقيقة حالها معرفة لا تقل قيمة وخطراً مدى واتساعاً عن المعرفة التي وصل إليها علماء العقل الباطن في زماننا هذا.
نرى الغزالي يشبه العقل بقبة مضروبة لها أبواب تنصب إليه الأحوال من كل باب، أو بهدف تنصب إليه السهام من الجوانب، أو مرآة منصوبة تجتاز عليها الصور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة، أو بحوض تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه وإنما مداخل هذه الأنهار المتجددة في العقل في كل حال. أما من الظاهر فالحواس الخمس، وأما من الباطن فالخيال والشهوات والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان فإنه إذا أدرك بالحواس شيئاً حصل منه على أثر في العقل وإن كف عن الإحساس فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء، وبحسب انتقال الخيال ينتقل العقل من حال إلى حال آخر. والمقصود أن العقل في تغير وتأثر دائمين من هذه الأسباب. وأخص الآثار الحاصلة في العقل هو الخواطر وأعني بالخواطر ما يحصل في العقل من الأفكار وأعني به إدراكاته علوماً. إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر فإنها تسمى خواطر من حيث أنها تخطر بعد أن كان العقل غافلا عنها. والخواطر هي المحركات للإرادات فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنوي بالبال لا محلة. فمبدأ الأفعال الخواطر ثم الخاطر يحرك الرغبة والرغبة تحرك العزم والعزم يحرك النية والنية تحرك الأعضاء. والخواطر المحركة للرغبة تقسم إلى ما يعدو إلى الشر أي إلى ما يضر وإلى ما يدعو إلى الخير أي إلى ما ينفع، فهما خاطران مختلفان فافتقرا إلى اسمين مختلفين. فالخاطر المحمود يسمى إلهاماً والخاطر المذموم أعني، الداعي إلى الشر يسمى وسواساً إلى أن يقول: ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة. ثم إن كل حادث لا بد له من محدث. ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب. ومهما استنارت حيطان البيت بنور الدار وأظلم سقفه واسود بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الإنارة وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان.
فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا، وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطاناً. واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهام الخير يسمى توفيقاً والذي يتهيأ لقبول وساوس الشيطان يسمى إغواء وخذلاناً.
هذه صورة واضحة الأجزاء بينة الجوانب زاهية الألوان بين الغزالي بها في صراحة ووضوح وترتيب واتساق الرغبات المتصارعة في النفس الإنسانية من جراء القيود الكثيرة التي تقيدها بها النية الاجتماعية وهو يعنى ولا شك العقل، العقل بجزأيه اللاشعوري والشعوري، معتبراً خواطر العقل الباطن خواطر شر أو هي الشياطين التي تغري الإنسان بتحقيق رغباته الغريزية الإيجابية المتضاربة مع مقتضيات المجتمع. ومعتبراً خواطر العقل الواعي خواطر خير أو هي الملائكة التي توفقه لما فيه خيره ونفعه. وليس غريباً أن يعتبر الغزالي الرغبات الغريزية والميول الفطرية التي تتنافى مع مقتضيات المجتمع - ولا سيما من الوجهة الدينية - شروراً وآثاماً ضارة وشياطين موسوسة ومغرية، وأن يعتبر تحفظات العقل الواعي أو الضمير الاجتماعي ملائكة تلهم التوفيق وتدعو إلى الخير والنفع العميم.
ولم يفت الغزالي في هذا المعرض الخدع النفسية التي تحاول فتح باب الشعور لرغبات العقل الباطن المكبوتة. وقد أدرك ما في هذه الناحية من حياة الإنسان النفسية من غموض وصعوبة فهم قال - ينبغي أن يعلم أن الخواطر تنقسم إلى ما يعلم قطعاً أنه داع إلى الشر فلا يخفى كونه وسوسة، وإلى ما يعلم أنه داع إلى الخير فلا يشك في كونه إلهاماً وإلى ما يتردد فيه فلا يدرى أنه من الملك أم من الشيطان. فإن من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معرض الخير والتمييز في هذا غامض إلى أن يقول وأغمض أنواع علوم المعاملة الوقوف على خدع ومكايد الشيطان. ولنر الآن هذا التشبيه الجميل الذي وضعه الغزالي للعقل الواعي بالنسبة للخواطر اللاشعورية أو رغبات العقل الباطن يقول - العقل مثال حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثلمه، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه. فحماية العقل عن وسواس الشيطان واجبة.
أما الأبواب التي يذكرها الغزالي أنها مداخل الشيطان إلى العقل فهي الغرائز، يقول: من أبواب الشيطان العظيمة إلى العقل الغضب والهم والطمع والحقد.
ويعجبنا تنبيه الغزالي إلى تأثير كبت الرغبات الغريزية في اللاشعور كبتاً يحدث مرضاً عصبياً أو تسامياً، ويعجبنا أيضا من الغزالي هذا السؤال الذي طرحه على نفسه ليجيب عليه وهو هل يتصور أن ينقطع الوسواس بالكلية عند الذكر أم لا.
لاشك أن الغزالي عرف جيداً أن الرغبات الغريزية المكبوتة في اللاشعور لا تنقطع عن العمل بل تظل تعمل في صميم النفس وقرارة العقل الباطن أعمالاً تسبب أمراضاً نفسية وعصبية منها الوسواس، أو تسبب تسامياً تنفس به النفس ألم الكبت ومضاضة الحرمان. ويجمل بما أن نورد هنا ما يقوله الغزالي جواباً عن هذا السؤال يقول:
إن العلماء المراقبين للعقول من صفاتها وعجائبها اختلفوا في مسألة انقطاع الوسوسة بالذكر؛ فقالت فرقة: الوسوسة تنقطع، وقالت أخرى: لا ينعدم أصل الوسوسة ولكن تجري في العقل ولا يكون لها أثر لأن العقل إذا صار مستوعباً للذكر كان محجوباً عن التأثر بالوسوسة، وقالت فرقة لا تسقط الوسوسة ولا أثرها ولكن تسقط غلبتها على العقل. والوسواس أصناف فقد يكون بتلبيس الباطل ثوب الحق، وقد يكون بتحريك الشهوات، وقد يكون بمجرد الخواطر.
ومن هذا يتبين لنا جليا أن الغزالي يعرف جيداً أن الوسوسة مرض نفسي لا يزول بذلك النوع من العلاج وهو الذكر، وكل ما يفعله الذكر في هذه المشكلة النفسية أو الوسوسة هو تخفيف وقعها وتقليل شرها. ونحن نرى الغزالي في هذه القطعة محللاً نفسيا أكثر منه واعظاً دينيا أو عالماً أخلاقيا.
وكأن الغزالي قد عز عليه أن يعرف أسرار النفس البشرية ولا يعرف العقد النفسية أو المركبات العاطفية فقد وضع يده على هذه العقد والمركبات وضع الخبير العارف قال - إن القلب تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليه الآثار والأحوال من الأبواب التي وصفناها فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب.
فإذا أصابه شيء يتأثر به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتغير وضعيته، فإن نزل به الشيطان فدعاه إلى الهوى نزل به الملك وصرفه عنه، وإن جذبه شيطان إلى شر جذبه شيطان آخر إلى غيره، وإن جذبه ملك إلى خير جذبه آخر إلى غيره. فتارة يكون متنازعاً بين ملكين وتارة بين شيطانين وتارة بين ملك وشيطان. وأي قول أبلغ في وصف العقد النفسية والمركبات العاطفية من هذا القول وسنبسط هذا الموضوع في المقالات القادمة إن شاء الله.
حمدي الحسيني
===========================
بتاريخ: 17 - 07 - 1939
الفوهرر (فوزي القاوقجي)
(عن مجلة الباريسية)
نشرت مجلة الباريسية عدة فصول ممتعة عن بلاد العرب والرجال الذين يقودون الحركة العربية في هذه الأيام. وقد قدمت تلك الفصول بكلمة قالت فيها: إن هذه الحركة ذات الأثر الفعال في مركز الإمبراطورية البريطانية يقودها سبعة أشخاص كل منهم يعد نفسه أولى بالملك والزعامة في بلاد العرب. وقد نقلنا عنها في عددين سابقين ما كتبته عن الملك ابن السعود بعنوان (نابليون العرب). وما كتبته عن الأمير عبد الله بعنوان (هل يظفر الأمير عبد الله بملك فلسطين؟). واليوم ننقل عنها كلمة عن الثائر العربي فوزي القاوقجي حتى تكون لدى القارئ فكرة وافية عن هؤلاء الرجال الذين يتطلع إليهم العالم كلما ذكرت المشكلة العربية:
ليس في فلسطين من يجهل اسم فوزي القاوقجي. فهذا الرجل الذي تروى عنه القصص والأخبار العجيبة يعرفه كل عربي وكل يهودي، بل وكل بريطاني يمشي على أرض فلسطين، بأنه ذلك البطل الوطني والثائر العربي الذي يخشى بأسه في تلك البلاد
وتدل الأخبار المستقاة من قسم المخابرات البريطانية على أن فوزي القاوقجي يقود جيشاً يتراوح عدده من ثلاثة إلى أربعة آلاف رجل. وهذا الجيش يهدد مواصلات الصحارى والجبال في فلسطين، ويقطع الطريق على من تحدثه نفسه بعبورها
ويعد أتباع هذا القائد من أشجع الرجال وأصبرهم على تحمل المشقات، وهم يستميتون في مقاومة عدوهم اللدود ما دام القاوقجي يشعل في نفوسهم نيران الحقد، ويتجنب كل موقعة مع القوى البريطانية من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة
وقد استولت على نفسه عقيدة بأن القوة التي يقودها في فلسطين سيكون لها أثر في يوم من الأيام في رفع شأن الأمة المحمدية، أو إحياء مجد العرب، لذلك لا تطاوعه نفسه على استباق الحوادث والمخاطر بالظروف التي هي في انتظاره يوماً من الأيام.
ويعد القاوقجي مسئولاً عن إثارة حرب العصابات في فلسطين فيتسلل هؤلاء البدو الذين يقودهم في ظلام الليل إلى المدن، ويختفون كالأشباح عند ظهور الفجر تاركين ورائ المنازل المشتعلة بالنيران والأراضي المخربة، والجثث المضرجة بالدماء. وتعد هذه المظاهر المرعبة شاهداً صامتاً على أن القاوقجي ورجاله قد مروا بهذه المنطقة في المساء.
والقاوقجي رجل متوسط الطول عريض الأكتاف ملتف الساعدين جميل الصورة في كوفيته البيضاء والعقال الذي يلفه على رأسه هو وأتباعه، ولكن الملابس الإفرنجية قد تقلل من مظهره وتعطيه صورة أخرى.
ولقد قضى القاوقجي أيام شبابه في سوريا، وأرسل منها إلى القسطنطينية ليتدرب على الأعمال العسكرية بها. ولقد كان نشاطه وأعماله الحربية في إبان الحرب العالمية من الأعاجيب. ويقال إنه كان يقود فيلقاً من الجيش التركي. ويقال كذلك إنه انضم إلى الحلفاء وحارب مع الكولونيل لورنس. وسواء أكان هذا صحيحاً أو غير صحيح، فمما لا شك فيه أنه ما كادت الحرب تضع أوزارها حتى كان زعيم ثورة في تلك البلاد. وقد قبض عليه الفرنسيون ووضعوه في سجن جبل الدروز وقد حكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام، ولكنه فر بأعجوبة قبل التنفيذ بساعات معدودات.
والقاوقجي يؤلف قوة منظمة تمثل الجهة الشمالية من فلسطين. وهو يعتقد ككل فوهرر في الشرق والغرب أنه وحده من دون ملوك العرب وأمرائها وشيوخها أحق الناس وأقدرهم على أن يكون الحاكم الأعظم للعرب بل ولعامة المسلمين
هتلر ليس نابليون
(بقلم المؤرخ الإنجليزي فيليب جواديللا)
في هتلر بعض مظاهر وصفات تدعوا إلى المقارنة بينه وبين نابليون. ولكن هل تصح المقارنة بين هتلر ونابليون؟
لقد كانت مواهب ذلك القائد الكورسيكي وانتصاراته الحربية جديرة بأن ترفعه إلى حيث يسود الأمة الفرنسية. ولم يظهر هتلر بعد شيئاً من مواهبه الحربية إذا كانت له مواهب في هذا الشأن. وهو ولا شك سيكون القائد المسئول في ألمانيا إذا نشبت نيران الحرب.
إن هذا الرجل الذي يتظاهر أمام العالم بعبادة القوة، لم يظهر كفاية حربية من أي نوع في أيام الحرب العظمى التي يمتحن بها الرجال. وكل ما هنالك أنه ارتقى فجأة إلى رتبة جاويش
إن مواهب هتلر ولا شك تظهر في كثير من الشئون الاجتماعية والمدنية. ويزعم الألمان أنه خطيب لا يشق له غبار وأن لديه مقدرة عظيمة على استهواء الجماهير، وإن كان غيرهم لا يطيق تلك الخطب التي تبدو فيها صرخاته العصبية المزعجة وهو يتكلم عن معاهدات السلم أو يتعرض للاشتراكية أو اليهود
لم يكن نابليون فرنسياً خالصاً، وهو ولا شك من عنصر أقوى صلابة من العنصر الإيطالي، إلا أنه عاش لاتينياً طول حياته. لقد كان سريعاً نحو غايته طموحاً مدرباً على الحروب، منطقياً إلى أبعد حد، ميالاً إلى الانتقام، عصبيَّاً في بعض الظروف ولكنه على الرغم من ذلك كان مسلحاً بدروع سميكة من الصبر وضبط النفس عند الملمات - فهل توجد فروق أكثر من هذه بينه وبين ذلك الرجل المفتون بطبيعته، الذي يتولى زمام الأمور في ألمانيا؟ وشتان بين خيالات العزلة والانفراد على القمم والجنون العجيب بمسألة الدم والنشأة وحياة العزوبة - وبين تلك الحياة التي أخرجت قانون نابليون العتيد، وقادت الجيوش المنتصرة في شتى الميادين، ولم يشغلها كل ذلك عن الحب والمرح في أخطر الظروف
إننا لا نجد وسيلة للمقارنة بين تينك الشخصيتين المتناقضتين إلا في شئ واحد: وهو استعمال القسوة التي تفرضها الضرورة على كل مستبد يساق إلى معاداة العالم. لقد محا هتلر تشيكوسلوفاكية واجتاحها بغير رأفة، وذلك يذكرنا بما فعله نابليون في أسبانيا، ولكن أسبانيا قد عاشت بعد نابليون
الحق أن نابليون أزعج العالم بمحاولته التوسع في الامتلاك ولكنه وقف عند حده. وهذه نتيجة تنتظر كل من تحدثه نفسه بمثل ذلك العمل. لقد كانت جميع الأمم تنظر إلى نابليون بعين الاحترام وهو إمبراطور لفرنسا؛ إلا أنه حينما أراد أن يضع يده على الأرض الأوربية أخذت أوربا تجمع قواها شيئاً فشيئاً واستعدت لأن تقهر أكبر جيش في العالم وأقدر جندي عرفه التاريخ. وعبر الأيام تحثنا بأن كل من تحدثه نفسه بأن يلعب دور نابليون لابد أن يلاقيه في النهاية حظ نابليون.
لا جديد تحت الشمس - العالم منذ ألفي سنة (عن مجلة دتش أندشو التي تصدر في برلين)
كان للإِغريق والرومان مدفعية يرجع عهدها إلى أربعمائة سنة قبل الميلاد، وقد تقدموا في رمي القذائف والنبال، فأصبحت تلقى إلى مئات الأمتار، واخترع ديونسيس آلة لرمي النبال تستطيع أن تدور باستمرار فتلقي ما فيها بغير انقطاع.
واستطاع البيزنطيون أن يخترعوا طريقة لقذف النار، ولم يكن البارود قد اخترع بعد، ولكنهم استطاعوا أن يسخروا القوِى والآلات الموجودة في ذلك العهد لهذا الغرض، وقد صنع قدماء الإغريق والرومان كل ما صنعوه في آماد طويلة، إذ أن السرعة التي هي من سمات هذا العصر لم تكن معروفة في تلك العهود. ولم يكن أهلوها يعرفون المثل القائل إن الوقت من ذهب، ولم يكن عندهم عمال ومصالح كما هو معهود الآن
وإذا كان القدماء لم يعرفوا الساعة كما نعرفها الآن فإنه كان لديهم الذكاء الكافي لتقدير الوقت، ومع ذلك فقد استعمل قدماء المصريين ساعة الرمل والماء، وكان الأطباء يحملونها عند فحص المرضى ليقدروا دقات القلب وسرعة النبض. واستطاعوا كذلك أن يخترعوا ساعة تدق ساعات النهار جميعها مبتدئة من الساعة السادسة في الصباح إلى السادسة بعد الظهر
وقد ألف كتاب في الجراحة لأطباء الجيش في مصر منذ ألفين وثمانمائة سنة قبل الميلاد. وعرف الهنود في طب العيون عمليات القدح (إزالة الماء)، وعرفوا خياطة المصران وإزالة الحصوة وذلك منذ سنة ألفين قبل الميلاد
وفي سنة ألفين قبل الميلاد وضع حمورابي قانوناً لتقدير أجر الأطباء وتحديد مسئولياتهم. وكانوا يعرفون كثيراً من الكلمات المألوفة الآن مثل فن تدبير الصحة والفيزيقيا والصيدلة والباثولجي والجراحة والسوداء والإسهال والروماتيزم وكثيراً غير هذه الأسماء
أما أسماء العقاقير والأدوية فقد أخذنا أكثرها عن اللاتينيين كما هو معروف
وإلى اليوم يعتبر هيبوقراط رمزاً لعلم الطب. وإذا كان القدماء لا يعرفون الميكروسكوب فقد كانوا يهتدون إلى كل شئ بفطنتهم ودقة حسهم
أما الأطعمة فقد كان ينقصهم الكثير من الأصناف المعروفة الآن كالبرتقال والليمون والموز والشاي والقهوة والسكر، وكانوا يستعملون عسل النحل بدل السكر ويستعملون الزيت عوضاً عن الزبد. لكن قدماء المصريين كانوا يعرفون صناعة الجعة (البيرة) ويشربونها ومن العادات المألوفة عند القدماء الاهتمام بحديث المائدة، حتى أن أغنياء روما كانوا يدعون العلماء والكتاب إلى موائدهم لتوجيه الحديث إلى ناحية الصواب
هل نحن عرب؟
(محاضرة ألقاها السيد فؤاد مفرج في أحد الأندية العربية
بمدينة نيويورك)
الأمة مجموع من الناس مرتبطون بشعور واحد، ويجمعهم تاريخ مشترك، ومطمح مشترك غايته إيجاد دولة واحدة والاحتفاظ بها ليعيشوا في ظلها ويحققوا أفضل ما ينطوون عليه. . .
وهكذا فإن كل من يشعر بإخلاص أنه عربي، وفي صدره ولاء صادق للمثل العربية العليا، فهو عربي بقطع النظر عن الدم والعنصر. . .
ثم إنه ليس في العالم أمة لم تختلط أصولها. فإنكلترا مؤلفة من النورسيين، والأنجلو، والسكسونيين، والنورمنديين. ومثلها فرنسا. وناهيك بأمريكا. . .
ونحن مثل هؤلاء لا فرق عندنا بين السوري والعراقي والمصري واللبناني والفلسطيني والنجدي
لا جدال في أن شعوباً كثيرة مرت بسورية والعراق ومصر، وتركت في هذه الأقطار آثارها العنصرية. ولكن جميع هذه البقايا البشرية صهرت في بوتقة العروبة، وذابت في الأمة العربية الحديثة. . .
فالأمة العربية - ككل أمة سواها على وجه الغبراء - أصابها الامتزاج، ولكن هذا المزيج عربي، لأن لسانه عربي، وثقافته عربية، وعنصره الغالب السائد عربي. . .
وجميع أجزاء الأمة العربية مترابطة المصالح والفوائد اقتصادياً وسياسياً، وثقافياً، ودفاعياً: -
فاقتصادياً، ليس كاتحاد هذه الدول ما يوفر لها التبادل الحر، وإزالة الفواصل الجمركية، ومنع الإنتاج الصناعي المستغني عنه والحماية السياسية الكافية التي هي شرط جوهري للفلاح والرخاء
وسياسياً، فالاتحاد وحده هو الذي يمنع الاحتكاك بينها، ويغنيها عن الإكثار من المصالح والنفقات التي لا لزوم لها. . .
ودفاعياً، نحن في غنى عن القول بأن الاتحاد العربي، على غرار الاتحاد الأمريكي، هو وحده يحمي ويضمن بقاء الأجزاء التي تؤلفه، والوحدات التي تكونه، ونظرة واحدة إلى حوادث السنين - بل الشهور - الأخيرة تدلنا دلالة كافية على أنه لا أمان للأمم الصغيرة. فنعمة وجودنا أمة مؤلفة من سبعين مليوناً يجب أن تستقر في أذهاننا. . .
إن كثيرين منا لم يتح لهم الإلمام بتاريخ العرب المجيد. ألا إنه لولا ثقافة العرب العالية وتراثهم العلمي لكان وجود الحضارة الحاضرة مستحيلاً. . .
إنه لشرف أن ننتمي إلى العنصر العربي
ويبدأ عمل الحركة العربية في القلوب والأرواح، فمتى تم اتحاد القلوب والأرواح، أصبح الاتحاد السياسي والجغرافي نتيجة طبيعية. . .
فالعروبة حركة قومية فيها الأمن والرخاء والفلاح لجميع العرب وبواسطتهم للإنسانية جمعاء!
مجلة الرسالة - العدد 315 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] البريد الأدبي
=========================
========================
بتاريخ: 28 - 01 - 1946
هل يكشف الفيتامين عن سره؟
للأستاذ فوزي الشتوي
الفيتامين والأكسوجين:
يسجل الفيتامين في هذه الأيام صفحة جديدة في تاريخ الصحة البشرية وعلاج العقم الإنساني والروماتيزم ووجع الظهر وكل ما له صلة بتليف العضلات وتصلبها. وهو يطرق اليوم وادياً جديداً غير الوادي الذي عرفناه فكلنا يدرك أهمية الفيتامين للاحتفاظ بالصحة ولكننا لم نعرف السبب.
ويدور الآن بأذهان العلماء سؤال: ما هي العلاقة بين كمية الفيتامينات في الجسم والتفاعل الأكسوجيني مع أعصابه وعضلاته؟
ولا يجول هذا السؤال في أذهانهم عن مجرد تخمين أو فرض خيالي، بل تدعمه حقائق واكتشافات علمية. وله قصة طويلة بدأت عام 1922 حين اكتشف فيتامين وخلاصتها أن حيوانات التجارب تصاب بالشلل إذا حرمت منه. فإذا استخرجت عضلاتها الملتهبة وجدتها مخرمة كقطعة جبن نخرها الدود.
وقيست كميات الأكسوجين التي يستنشقها حيوان التهبت عضلاته فوجد أنها تتضاعف مرتين ونصفاً عن الكمية التي يستهلكها وهو في صحته، ومن ثم نبت الفرض العلمي بأن فيتامين يحفظ أنسجة الجسم من الاحتراق بالأكسوجين ويمنعه من التأثير عليها. ويقصر عمل الأكسوجين على مهمته الأساسية التي نعبر عنها بالتنفس.
تأثيره على العقم:
ظنّ العلماء على أثر اكتشاف هذه المادة أنهم وفقوا إلى علاج يشفي حالات العقم في الإنسان ويزيل الأسباب التي تقضي على الأجنة وهم في بطون أمهاتهم أو بعد ولادتهم بفترة معينة. واحتضن البحث عالم دانمركي اسمه فويت موللر.
واختار العالم 74 امرأة يلدن الأطفال أصحاء، فلا يلبثون أن يقضوا نحبهم بعد سنة أو بضعة شهور. واتبع في علاجهن إعطاءهن مقادير وافرة من زيت الحنطة الكريه الط وهو أغنى مصدر لفيتامين ونجحت تجربته ولكن إلى حد، فإن 59 امرأة فقط تيسر لهن القدرة على ولادة أطفال أصحاء لا تتأثر حياتهم بالعوامل الخارجية. وظلت الباقيات محتفظات بسيرتهنّ الأولى يعانين الحمل والوضع ويرين أطفالهنّ في شعورهم الأولى ثم يوارينهم التراب.
وجربه العالم مراراً فكانت النتيجة واحدة ولم يصل إلى حل حاسم لجميع أطراف الموضوع بل وجد العلم سبيله إلى اتجاه آخر يؤدي إلى فكرة جديدة، فلوحظ أن حيوانات التجارب إذا منع عنها فيتامين تصاب بالشلل، كما لوحظ أن نشاط القردة في تسلقها الأغصان يقل كلما قل نصيبها منه حتى إذا وصل النقص إلى حد معين رقدت مشلولة بدون حراك.
وكان من الطبيعي أن تشرح فإذا بعضلاتها كالمصفاة بتناوبها الثقوب، وإذا العلم يلمس ناحية من المرض المعروف بتصلب العضلات فأية علاقة بين الفيتامين وبين العضلات؟
اتجاه جديد:
والمعروف أن تصحيح العضلات والأعصاب إن انتابتها مثل هذه الأعراض من المسائل التي يعجز الطب عن إرجاعها إلى حالتها الأولى، فهي في عالم العلاج بمثابة ساق يفقدها الإنسان ولن يفيد لإعادتها أية جرعة أو أي دواء ولكن فيتامين أرسل في العلماء بصيصاً جديداً من الضوء.
فهل آلام العضلات إنذار ينقص كميات فيتامين
إننا نسمي التهاب العضلات بأسماء مختلفة فأن كانت في الظهر سميناها لومباجو وإن كانت في الساق سميناها روماتزما، ومنشؤها واحد. وهي بأنواعها وأسمائها المختلفة منتشرة بين الناس.
وتوافر الدكتور شارلس ستينبرج من أمريكا على البحث فاختار 60مريضاً وغذاهم بجرعات كبيرة من فيتامين فبرئ منهم 55 من أمراضهم في مدة تراوحت بين ثمانية أسابيع وثلاثة وثلاثين ولكن آلامهم توقفت عقب الأسبوع الأول.
من ذكريات الطفولة:
وصادف الأطباء عقبة تحول دون استخدام فيتامين على نطاق واسع فأن الحصول عليه بالطرق الصناعية التي اكتشفت عام 1938 كانت باهظة التكاليف فيساوى الرطل الواحد منه 360 جنيهاً إلى أن ظهر كيماوي اسمه هكمان كان يشتغل في تجارب تجفيف الأفلام في مصانع كوداك. وكان يجرب إحدى طرق التجفيف في أنبيق مفرغ من الهواء للحصول على ضغط منخفض يساعد على سرعة الغليان بدون ارتفاع كبير في درجة الحرارة.
وفي أحد الأيام كان هكمان يسير الهوينا في طريقه فوقف قبالة أحد الحوانيت يرقب معروضاته، وهناك شهد زجاجات زيت كبد الحوت، فأحس بالقيء يتولاه، إذ ذكر طفولته حينما كانت أمه تجرعه مادته الكريهة التي عافت نفسه طعمها ورائحتها فسأل نفسه:
- لماذا لا يستخرج الفيتامين الحيوي من هذا الزيت المؤلم؟ لماذا لم يجمعه العلماء في أقراص صغيرة يبتلعها الإنسان فلا تتلوى أمعاؤه؟
وشغلت الفكرة باله، فما كاد يرى الأنبيق المفرغ من الهواء حتى طرأت على ذهنه تجربة: فلماذا لا يغلي ذلك الزيت في الأنبيق فيتيسر له الحصول على مبتغاه دون أن يقتل الفيتامينات؟ وهرع إلى الحانوت ثانية، فأشترى زجاجة من زيت كبد الحوت، وعاد بها إلى أنبيقه لينفذ فكرته.
ونجحت التجربة وولدت صناعة جديدة، وافتتح مصنع كوداك فرعاً جديداً لتقطير الزيوت، فلما أعلنت الحرب وحرمت الولايات المتحدة من حيتان النرويج وزيتها غذت المصانع الشعب بالفيتامين المستخرج من أسماك المياه الأمريكية.
من مخلفات المصانع:
وتحول (هكمان) إلى فيتامين يجرب استحضاره، وكان هدفه الإنتاج الرخيص الهين. وكان من اليسير أن يستخرجه من زيوت الحنطة، ولكنها كانت غالية الثمن مما يتعذر معه إنتاج الفيتامين بأثمان ميسورة للفقراء ورقيقي الحال.
وفكر في زيوت النباتات وأهمها حبوب الصويا والفول السوداني وبذرة القطن. والمعروف أنها تحتوي على واحد في الألف من فلما مرت في عمليات الحزم والضغط، وجد أن فيتامينها قل إلى النصف، فأين ذهب النصف الآخر؟
ووجه همه وهم أتباعه إلى مهملات المصانع التي تستغل هذه الزيوت، فوجد النصف الباقي قد تسرب إلى قاذوراته ومهملات من أوراق لف ونباتات حزم. وإلى كل مكان انتقلت إليه الحبوب أو زيوتها.
ومن هذه المخلفات التي تعودت أن تلقيها المصانع (كزبالة) استخرج مادته الثمينة بتقطيرها بالأنبيق المفرغ، فهبط ثمن رطل الفيتامين من 360 جنيهاً إلى عشرة جنيهات. ووجد الناس وفرة من مادته كما تيسر للأطباء ومعامل التجارب ما يساعدهم على الاستمرار في أبحاثهم.
ويحتاج جسم الإنسان من هذا الفيتامين في كل يوم إلى كمية تتراوح بين 10 - 30 ملليجرام أي ما لا يتجاوز ثمنه بضعة مليمات.
وكثير من آلام الظهر والمفاصل تنتج من تأثير أمراض أخرى ليست وحدها كفيلة بإلقاء المريض في فراشه، ولكن إحداثها للألم يلزم المريض الفراش شهوراً وسنين، فكان من المباحث الرائعة أن عولج أولئك المرضى بحبوب فيتامين فزالت آلامهم وعادوا إلى أعمالهم.
ويكثر فيتامين في ردة القمح والخضراوات، ولاسيما أوراقها والإكثار من التغذية بها مفيد جداً للحوامل وأطفالهن. ويعد حيوياً لصحة الأعصاب والعضلات، ولعل هذا البحث يفسر عادة المرضعات عندنا من الإكثار من أكل الفجل والجرجير.
قلم حبر لسنة كاملة:
سجلت إحدى شركات صناعة أقلام الحبر، قلماً عادياً جديداً يستطيع الكتابة في الماء على عمق خمسين ألف قدم فلا يؤثر الماء على الحروف ولا يزيل المداد.
ويتغذى سن هذا القلم بنوع جديد من المداد يجف بمجرد ملامسته لورقة أو قطعة قماش أو أي مادة صالحة للكتابة. ويصلح خزانة لتغذية القلم مدة سنة كاملة يتغير بعدها بخزان جديد.
ولهذا القلم أهميته في اكتشافات أعماق البحار، فكثيراً ما كان الغواصون يفقدون حياتهم نتيجة لحوادث تحدث لهم وهم في الأعماق فلا يدري أحد ماذا حدث أو الأسرار التي رأوها في الأعماق وبواسطته يدونون ملاحظاتهم فيستطيع زملاؤهم معرفتها.
ومن الطبيعي أن فائدته قد تعم المدنيين، فكثير من مستخدمي أقلام الحبر يتضايقون من عمليات ملئه بين يوم وآخر، ولكن مثل هذا القلم سيوفر عليهم ملأه عاماً كاملاً لا يخشون فيه نفاد مداده.
عصر الطيران يبدأ:
بدأت المطارات الأمريكية تهتم بتنظيم حركة مرور الطائرات المدنية فتضع في طرقها علامات لسير الطائرات والسيارات. فالمعروف أن الطائرات تحتاج إلى طرق خاصة لهبوطها ولوضعها في حظائرها.
وتنتظر شركات أمريكا أن يقبل شعبها على الطيران إقباله على السيارات فيصبح لكل فردين من السكان طائرة كما هي الحال في السيارات. وتصمم مصانع الطائرات أنواعاً من ذات الراكبين، منها يصعد عمودياً وما يحتاج إلى مسافة لسيره.
وقد وضع مطار لاجارديا لافتات يديرها رجال البوليس كما يفعلون مع السيارات. وهذه اللافتات مؤلفة من جزأين أحدهما يأمر بسير الطائرات والآخر يوقف الطائرات ويسمح للسيارات بالمسير.
14مليما للميل بالطائرة
وتنتج شركات الطيران البريطانية طائرات صغيرة تصلح لنقل 12 راكباً أو حمولة طن من البضائع ولكن عملها سيقتصر على المسافات القصيرة.
ومدى طيران هذا السفن الهوائية 450 ميلاً تسيرها بسرعة 125 ميلاً في الساعة ويتكلف مسيرها 14 مليما في الميل الواحد.
ويقول غواة الرحلات الخلوية إن هذا النوع صالح جداً للرحلات الخلوية وأعمال الكشافة لأنها مصنوعة مثل سيارة نقل كبيرة يسهل تحويلها لشتى الأغراض.
فوزي الشتوي مجلة الرسالة - العدد 656 هذا العالم المتغير: [[مؤلف:|]] بعد الحرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني