نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate واق

الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

مجلد 11. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء-أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني

 

مجلد 11. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء-أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني

في كل شيء والرجوع إليه في كل أمر والاستعانة به في كل حال وثلاثة من أعمال الثقة بالله السخاء بالموجود وترك الطلب للمفقود والاستنابة إلى فضل الموجود وثلاثة من أعمال الشكر المقاربة من الإخوان في النعمة واستغنام قضاء الحوائج قبل العطية واستقلال الشكر لملاحظة المنة وثلاثة من أعلام الرضى ترك الاختيار قبل القضا وفقدان المرارة بعد القضا وهيجان الحب في حشو البلا وثلاثة من أعمال الإنس بالله استلذاذ الخلوة والاستيحاش من الصحبة واستحلاء الوحدة وثلاثة من أعلام حسن الظن بالله قوة القلب وفسحة الرجا في الزلة ونفي الإياس بحسن الإنابة وثلاثة من أعلام الشوق حب الموت مع الراحة وبغض الحياة مع الدعة ودوام الحزن مع الكفاية
حدثنا أبوعبدالله محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني ثنا أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري ثنا عبدالقدوس بن عبدالرحمن الشاشي قال سمعت ذا النون المصري يقول إلهي ما أصغىإلى صوت حيوان ولا حفيف شجر ولا خرير ماء ولا ترنم طائر ولا تنعم ظل ولا دوي ريح ولا قعقعة رعد إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك دالة على أنه ليس كمثلك شيئ وأنك غالب لا تغلب وعالم لا تجهل وحليم لا تسفه وعدل لا تجور وصادق لا تكذب إلهي فإني أعترف لك اللهم بما دل عليه صنعك وشهد لك فعلك فهب لي اللهم طلب رضاك برضاي ومسرة الوالد لولده يذكرك لمحبتي لك 1 ووقار الطمأنينة وتطلب العزيمة اليك لأن من لم يشبعه الولوع باسمك ولم يروه من ظمائه ورود غدران ذكرك ولم ينسه جميع الهموم رضاه عنك ولم يلهه عن جميع الملاهي تعداد آلائك ولم يقطعه عن الأنس بغيرك مكانه منك كانت حياته ميتة وميتته حسرة وسروره غصة وأنسه وحشة إلهي عرفني عيوب نفسي وافضحها عندي لأتضرع إليك في التوفيق للتنزه عنها وأبتهل إليك بين يديك خاضعا ذليلا في أن تغسلني منها واجعلني من عبادك الذين شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم

تجول في ملكوتك وتتفكر في عجائب صنعك ترجع بفوائد معرفتك وعوائد إحسانك قد ألبستهم خلع محبتك خلعت عنهم لباس التزين لغيرك إلهي لا تترك بيني وبين أقصى مرادك حجابا إلا هتكته ولا حاجزا إلا رفعته ولا وعرا إلا سهلته ولا بابا إلا فتحته حتى تقيم قلبي بين ضياء معرفتك وتذيقني طعم محبتك وتبرد بالرضى منك فؤادي وجميع أحوالي حتى لا أختار غير ما تختاره وتجعل لي مقاما بين مقامات أهل ولايتك ومضطربا فسيحا ف ميدان طاعتك إلهي كيف استرزق من لا يرزقني إلا من فضلك أم كيف أسخطك في رضى من لا يقدر على ضري إلا بتمكينك فيا من أسأله إيناسا به وإيحاشا من خلقه ويا من إليه التجائي في شدتي ورجائي ارحم غربتي وهب لي من المعرفة ما ازداد به يقينا ولا تكلني الى نفسي الأمارة بالسوء طرفة عين
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ثنا سعيد بن عثمان الخليط عن أبي الفيض ذي النون المصري قال إن لله صفوة من خلقه وأن لله لخيره من خلقه قيل له يا أبا الفيض فما علامتهم قال إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة قيل له يا أبا الفيض فما علامة إقبال الله عز و جل على العبد قال إذا رأيته صابرا شاكرا ذاكرا فذلك علامة إقبال الله على العبد قيل فما علامة إعراض الله عن العبد قال إذا رأيته ساهيا راهبا معرضا عن ذكر الله فذاك حين يعرض الله عنه ثم قال ويحك كفى بالمعرض عن الله وهو يعلم أن الله مقبل عليه وهوو معرض عن ذكره قيل له يا أبا الفيض فما علامة الأنس بالله قال إذا رأيته يؤنسك بخلقه فإنه يوحشك من نفسه وإذا رأيته يوحشك من خلقه فإنه يؤنسك بنفسه ثم قال أبو الفيض الدنيا والخلق لله عبيد خلقهم للطاعة وضمن لهم أرزاقهم ونهاهم وحذرهم وأنذرهم فحرصوا على ما نهاهم الله عنه وطلبوا الأرزاق وقد ضمنها الله لهم فلا هم في أرزاقهم استزادوا ثم قال عجبا لقلوبكم كيف لا تتصدع ولأجسامكم كيف لا تتضعضع إذا كنتم تسمعون ما أقول لكم وتعقلون
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر الدينوري ثنا محمد بن أحمد

الشمشاطي قال سمعت ذا النون المصري يقول بينا أنا سائر على شاطئ نيل مصر إذا أنا بجارية تدعو وهي تقول في دعائها يا من هو عند ألسن الناطقين يا من هو عند قلوب الذاكرين يا من هو عند فكرة الحامدين يا من هو على نفوس الجبارين والمتكبرين قد علمت ما كان مني يا أمل المؤملين قال ثم صرخت صرخة خرت مغشيا عليها قال وسمعت ذا النون يقول دخلت إلى سواد نيل مصر فجاءني اليل فقمت بين زروعها فإذا أنا بامرأة سوداء قد أقبلت إلى سنبلة ففركتها ثم امتنعت عليها فتركتها وبكت وهي تقول يا من بذره حبا يابسا في أرضه ولم يك شيئا أنت الذي صيرته حشيشا ثم أنبته عودا قائما بتكوينك وجعلت فيه حبا متراكبا ودورته فكونته وأنت على كل شيء قدير وقالت عجبت لمن هذه مشيئته كيف لا يطاع وعجبت لمن هذا صنعه كيف يشتكي فدنوت منها فقلت من يشكو أمل المؤملين فقالت لي أنت يا ذا النون إذا اعتللت فلا تجعل علتك إلى مخلوق مثلك واطلب دواءك ممن ابتلاك وعليك السلام لا حاجة لي في مناظرة الباطلين ثم أنشأت تقول ... وكيف تنام العين وهي قريرة ... ولم تدر في أي المحلين تنزل ...
حدثنا محمد بن أحمد بن الصباح ثنا أبو بكر محمد بن خلف المؤدب وكان من خيار عباد الله قال رأيت ذا النون المصري على ساحل البحر عند صخرة موسى فلما جن الليل خرج فنظر إلى السماء والماء فقال سبحان الله ما أعظم شأنكما بل شأن خالقكما أعظم منكما ومن شأنكما فلما تهور الليل لم يزل ينشد هذين البيتين إلى أن طلع عمود الصبح ... اطلبوا لأنسكم مثل ما وجدت أنا ... قد وجدت لي سكنا ليس هو في هواه عنا ... إن بعدت قربني أو قربت منه دنا ...
أنشدنا عثمان بن محمد ا لعثماني قال أنشدني العباس بن أحمد لذي النون المصري ... إذا ارتحل الكرام إليك يوما ... ليلتمسوك حالا بعد حال

فإن رحالنا حطت لترضي ... بحلمك عن حلول وارتحال ... أنخنا في فنائك يا إلهي ... إليك معرضين بلا اعتلال ... فسسنا كيف شئت ولا تكلنا ... إلى تدبيرنا ياذا المعالي ...
حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن عبيدالله ثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء ثنا أبو عثمان سعيد بن الحكم تلميذ ذي النون قال سئل ذو النون ما سبب الذنب قال اعقل ويحك ما تقول فإنها من مسائل الصديقين سبب الذنب النظرة ومن النظرة الخطرة فإن تداركت الخطرة بالرجوع الى الله ذهبت وإن لم تذكرها امتزجت بالوساوس فتتولد منها الشهوة وكل ذلك بعد باطن لم يظهر على الجوارح فإن تذكرت الشهوة وإلا تولد منها الطلب فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه العقل
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد ثنا أحمد بن عيسى الوشاء قال سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول سمعت أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم يقول بينما أنا أسير ذات ليلة ظلماء في جبال بيت المقدس إذ سمعت صوتا حزينا وبكاء جهيرا وهو يقول يا وحشتاه بعد أنسنا يا غربتاه عن وطننا وافقراه بعد غنانا واذلاه بعد عزنا فتبعت الصوت حتى قربت منه فلم أزل أبكي لبكائه حتى إذا أصبحنا نظرت إليه فإذا رجل ناحل كالشن المحترق فقلت يرحمك الله تقول مثل هذا الكلام فقال دعني فقد كان لي قلب فقدته ثم أنشأيقول ... قد كان لي قلب أعيش به ... بين الهوى فرماه الحب فاحترقا ... فقلت له ... لم تستكي ألم البلا ... وأنت تنتحل المحبة ... إن المحب هو الصبو ... ر على البلاء لمن أحبه ... حب الإله هو السرو ... ر مع الشفاء لكل كربه ...
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت أبا محمد الحسن بن علي بن خلف يقول سمعت إسرافيل يقول سمعت ذا النون يقول إن سكت

علم ما تريد وإن نطقت لم تنل بنطقك مالا يريد وعلمه بمرادك ينبغي أن يغنيك عن مسألته أو ينجيك عن مطالبته
حدثنا أحمد بن محمد قال سمعت أبا محمد يقول سمعت إسرافيل يقول سمعت ذا النون يقول سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام يقول ان لله عبادا عرفوه بيقين من معرفته فشمروا قصدا اليه احتملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب صحبوا الدنيا بالأشجان وتنعموا فيها بطول الأحزان فما نظروا اليها بعين راغب ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب خافوا البيات فأسرعوا ورجو النجاة فأزمعوا بذكره لهجت ألسنتهم في رضى سيدهم نصبوا الآخرة نصب أعينهم وأصغوا اليها بآذان قلوبهم فلو رأيتهم رأيت قوما ذبلا شفاههم خمصا بطونهم حزينة قلوبهم ناحلة أجسامهم باكية أعينهم لم يصحبوا العلل والتسويف وقنعوا من الدنيا بقوت طفيف لبسوا من للباس أطمارا بالية وسكنوا من البلاد قفارا خالية هربوا من الأوطان واستبدلوا الوحدة من الإخوان فلو رأيتهم لرأيت قوما قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب خمس لطول السرى شعث لفقد الكرا قد وصلوا الكلال بالكلال وتأهبوا للنقلة والارتحال
أخبرنا أحمد قال سمعت أبا محمد يقول سمعت إسرافيل يقول حضرت ذا النون في الحبس وقد دخل الجلواذ بطعام له فقام ذو النون فنفض يده فقيل له ان أخاك جاء به فقال إنه مر على يدي ظالم قال وسمعت رجلا سأل ذا النون فقال رحمك الله ما الذي أنصب العباد وأضناهم فقال ذكر المقام وقلة الزاد وخوف الحساب ثم سمعته يقول بعد فراغه من كلامه ولم لا تذوب أبدان العمال وتذهل عقولهم والعرض على الله أمامهم وقراءة كتبهم بين أيديهم والملائكة وقوف بين يدي الجبار ينتظرون أمره في الأخيار والأشرار ثم قال مثلوا هذا في نفوسهم وجعلوه نصب أعينهم قال وسمعت

ذا النون يقول قال الحسن ما أخاف عليكم منع الإجابة إنما أخاف عليكم منع الدعاء
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ثنا أحمد بن محمد بن سهل الصيرفي ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول إن الطبيعة النقية هي التي يكفيها من العظمة رائحتها ومن الحكمة إشارة اليها
حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن خلف قال سمعت إسرافيل يقول أنشدنا ذو النون بن إبراهيم المصري فقال ... توجع بأمراض وخوف مطالب ... وإشفاق محزون وحزن كئيب
ولوعة مشتاق وزفرة واله ... وسقطة مسقام بغير طبيب ... وفطنة جوال وبطأة غائص ... ليأخذ من طيب الصفا بنصيب ... ألمت بقلب حيرته طوارق ... من الشوق حتى ذل ذل غريب ... يكاتم لي وجدا ويخفى حمية ... ثوت فاستكنت في قرار لبيب ... خلا فهمه عن فهمه لحضوره ... فمن فهمه فهم عليه رقيب ... يقول إذا ما شفه الشوق واجدي ... بك العيش يا أنس المحب يطيب ... فهذا لعمري عبد صدق مهذب ... صفى فاصطفى فالرب منه قريب ...
حدثنا أحمد قال سمعت أبا محمد يقول سمعت إسرافيل يقول سعت ذا النون يقول كتب رجل إلى عالم ما الذي أكسبك علمك من ربك وما أفادك في نفسك فكتب إليه العالم أثبت العلم الحجة وقطع عمود الشك والشبهة وشغلت أيام عمري بطلبه ولم أدرك منه ما فاتني فكتب إليه الرجل العلم نور لصاحبه ودليل على حظه ووسيلة إلى درجات السعداء فكتب إليه العالم أبليت إليه في طلبه جدة الشباب وأدركني حين علمت الضعف عن العمل به ولو اقتصرت منه على القليل كان لي فيه مرشد إلى السبيل
حدثنا أحمد قال سمعت أبا محمد يقول سمعت إسرافيل يقول سأل رجل ذا النون المصري عن سؤال فقال له ذو النون قلبي لك مقفل فإن فتح لك

أجبتك وإن لم ينفتح لك فاعذرني واتهم نفسك
حدثنا عثمان بن محمد بن عثاما ثنا محمد بن أحمد الواعظ ثن العباس بن يوسف الشكلي ثنا سعيد بن عثمان قال كنت مع ذي النون في تيه بني إسرائيل فبينا نحن نسير إذا بشخص قد أقبل فقلت أستاذ شخص فقال لي أنظر فإنه لا يضع قدمه في هذا المكان إلا صديق فنظرت فإذا امرأة فقلت إنها امرأة فقال صديقة ورب الكعبة فابتدر إليها وسلم عليها فردت السلام ثم قالت ما للرجل ومخاطبة النساء فقال لها إني أخوك ذا النون ولست من أهل التهم فقالت مرحبا حياك اله بالسلام فقال لها ما حملك على الدخول إلى هذا الموضع فقالت آية في كتاب اله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فكلما دخلت إلى موضع يعصى فيه لم يهنني القرار فيه بقلب قد أبهلته شدة محبته وهام بالشوق إلى رؤيته فقال لها صفي لي فقالت يا سبحان الله أنت عارف تكلم بلسان المعرفة تسألني فقال يحق للسائل الجواب فقالت نعم المحبة عندي لها أول وآخر فأولها لهج القلب بذكر المحبوب والحزن الدائم والتشوق اللازم فإذا صاروا إلى أعلاها شغلهم وجدان الخلوات عن كثير من أعمال الطاعات ثم أخذت في الزفير والشهيق وأنشأت تقول ... أحبك حبين حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا ... فأما الذي هو حب الهوى ... فذكر شغلت به عن سواكا ... وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا ... فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا ذاكا ... ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الدنيا
حدثنا عثمان بن محمد بن أحمد ثنا العباس بن يوسف قال سمعت سعيد بن عثمان يقول سمعت ذا النون يقول وصف لي رجل بشاهرت فقصدته فأقمت على بابه أربعين يوما فلما كان بعد ذلك رأيته فلما رآني هرب مني فقلت له سألتك بمعبودك إلا وقفت على وقفة فقلت سألتك بالله بم عرفت

الله وبأي شيء تعرف إليك الله حتى عرفته فقال لي نعم رأيت لي حبيبا إذ قربت نه قربني وأدناني وإذا بعدت صوت بي وناداني وإذا قمت بالفترة رغبني ومناني وإذا عملت بالطاعة زادني وأعطاني وإذا عملت بالمعصية صبر علي وتأناني فهل رأيت حبيبا مثل هذا انصرف عني ولا تشغلني ثم ولى وهو يقول ... حسب المحبين في الدنيا بأن لهم ... من ربهم سببا يدنى إلى سبب ... قوم جسومهم في الأرض سارية ... نعم وأرواحهم تختال في الخجب ... لهفي على خلوة تسددني ... إذا تضرعت بالإشفاق والرغب ... يا رب يا رب أنت الله معتمدي ... متى أراك جهارا غير محتجب ...
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول مدح الله تعالى الشوق لنوره السموات وأني لوجه الظلمات وحجبه بجلالته عن العيون ووصل بها معارف العقول وأنفذ إليه أبصار القلوب وناجاه على عرشه ألسنة الصدور إلهي لك تسبح كل شجرة ولك تقدس كل مدرة بأصوات خفية ونغمات زكية إلهي قد وقفت بين يديك قدمي ورفعت إليك بصري وبسطت إلي مواهبك يدي وصرح إليك صوتي وأنت الذي لا يضجره الندا ولا تخيب من دعاك إلهي هب لي بصرا يرفعه إليك صدقه فإن من نعرف إليك غير مجهول ومن يلوذ بك غير مخذول ومن يبتهج بك مسرور ومن يعتصم بك منصور
قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله تعالى حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا سعيد قال سمعت ذا النون يقول إن لله خالصة من عباده ونجباء من خلقه وصفوة من بريته صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها في الملكوت معلقة أولئك نجباء الله منن عباده وأناء الله في بلاده والدعاة إلى معرفته والوسيلة إلى دينه هيهات بعدوا وفاتوأ ووارتهم بطون الأرض وفجاجها على أنه لا تخلو الأرض من قائم فيها بحجته على خلقه لئلا تبطل حجج الله ثم قال وأين أولئك قوم حجبهم الله من عيون خلقه وأخفاهم عن آفات الدنيا وفتنها ألا وهم

الذين قطعوا أودية الشكوك باليقين واستعانوا على أعمال الفرائض بالعلم واستدلوا على فساد أعمالهم بالمعرفة وهربوا من وحشة الغفلة وتسربلوا بالعلم لاتقاء الجهالة واحتجزوا عن الغفلة بخوف الوعيد وجدوا في صدق الأعمال لإدراك الفوت وخلوا عن مطامع الكذب ومعانقة ا لهوى وقطعوا عري الارتياب بروح اليقين وجاوزوا ظلم الدجا ودحضوا حجج المبتدعين باتباع السنن وبادروا إلى الانتقال عن المكروه قبل فوت الإمكان وسارعوا في الإحسان تعريضا للقعود عن الإساءة ولاقوا بالنعم بالشكر استجلالا لمزيده وجعلوه نصب أعينهم عند خواطر الهمم وحركات الجوارح من زينة الدنيا وغرورها فزهدوا فيها عيانا وأكلوا منها قصدا وقدموا فضلا وأحرزوا ذخرا وتزودوا منها التقوى وشمروا في طلب النعيم بالسير الحثيث والأعمال الزكية وهم يظنون بل لا يشكون أنهم مقصرون وذلك أنهم عقلوا فعرفوا ثم اتقوا وتفروا فاعتبروا حتى أبصروا فلما أبصروا استولت عليهم طرقات أحزان الآخرة فقطع بهم الحزن حركات ألسنتهم عن الكلام من غير عي خوفا من التزين فيسقطوا من عين الله فأمسكوا وأصبحوا في الدنيا مغمومين وأمسوا فيها مكروبين مع عقول صحيحة ويقين ثابت وقلوب شاكرة وألسن ذاكرة وأبدان صابر ةوجوارح مطيعة أهل صدق ونصح وسلامة وصبر وتوكل ورضى وإيمان عقلوا عن الله أمره فشغلوا الجوارح فيما أمروا به وذكر وحياء وقطعوا الدنيا بالصبر على لزوم الحق وهجروا الهوى بدلالات العقول وتمسكوا بحكم التنزيل وشرائع السنن ولهم في كل ثار منها دمعة ولذة وفكر وعيرة ولهم مقام عل المزيد للزيادة فرحمة الله علينا وعليهم وعلى جميع المؤمنين والصالحين قال وسمعت ذا النون يقول إياك أن تكون في المعرفة مدعيا وتكون بالزهد محترفا وتكون بالعبادة متعلقا فقيل له يرحمك الله فسر لنا ذلك فقال أما علمت أنك إذا أشرت في المعرفة إلى نفسك بأشياء وأنت معرى من حقائقها كنت مدعيا وإذا كنت في الزهد موصوفا بحالة وبك دون الأحوال كنت محترفا وإذا علقت بالعبادة قلبك وظننت أنك تنجو من الله بالعبادة لا بالله كنت بالعبادة متعلقا لا يوليها والمنان عليك قال وسمعت

ذا النون يقول معاشرة العارف كمعاشرة الله يحتمل عنك ويحكم عنك تخلقا بأخلاق الله الجميلة قال وسمعت ذا النون يقال أهل الذمة يحملون على الحال المحمودة والمباح من الفعل فما الفرق بين الذمي والحنيفي الحنيفي أولى بالحلم والصفح والاحتمال
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا أبو حامد أحمد بن محمد النيسابوري ثنا عبدالقدوس بن عبدالرحمن قال قيل لأبي الفيض ذي النون كيف أصبحت قال أصبحت تعبا إن نفعني تعبي والموت يجد في طلبي وقيل له كيف أصبحت فقال أصبحت مقيما على ذنب ونعمة فلا أدري من الذنب أستغفر أم على النعمة أشكر وقيل له كيف أصبحت قال أصبحت بطالا عن العبادة متلوثا بالمعاصي أتمنى منازل الأبرار وأمل عمل الأشرار وسمعت ذا النون يقول إلهي لو أصبت موئلا في الشدائد غيرك أو ملجأ في المنازل سواك لحق لي أن لا أعرض إليه بوجهي عنك ولا أختاره عليك لقديم إحسانك إلى وحديثه وظاهر منتك علي وباطنها ولوتقطعت في البلاء إربا إربا وانصبت علي الشدائد صبا صبا ولا أجد مشتكى غيرك ولا مفرجا لما بي عني سواك فيا وارث الأرض ومن عليها ويا باعث جميع من فيها ورث أملي فيك مني أملي وبلغ همي فيك منتهى وسائلي
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو الحسن أ مد بن محمد بن عيسى الرازي ثنا محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال سمعت ذا النون يقول يا خراساني إحذر أن تنقطع عنه فتكون مخدوعا قلت وكيف ذلك قال لأن المخدوع من ينظر إلى عطاياه فينقطع عن النظر إليه بالنظر إلى عطاياه ثم قال تعلق الناس بالأسباب وتعلق الصديقون بولي الأسباب ثم قال علامة تعلق قلوبهم بالعطايا طلبهم منه العطايا ومن علامة تعلق قلب الصدبق بولي العطايا انصباب العطايا عليه وشغله عنها به ثم قال ليكن اعتمادك على الله في الحال لا على الحال مع الله ثم قال أعقل فإن هذا من صفوة التوحيد
حدثنا عثمان بن محمد ثنا الحسن بن أبي الحسن ثنا محمد بن يحيى بن آدم

ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الخواص قال سمعت ذا النون يقول من أدرك طريق الآخرة فليكثر مساءلة الحكما ء ومشاورتهم وليكن أول شيء يسأل عن العقل لأن جميع الأشياء لا تدرك إلا بالعقل ومتى أردت الخدمة لله فاعقل لم تخدم ثم اخدم
حدثنا عثمان بن أحمد ثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسن يقول أتى رجل من أهل البصرة ذا النون فسأله متى تصح لي عزلة الخلق قال إذا قويت على عزلة نفسك قال فمتى يصح طلبي للزهد قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا من جميع ما يشغلك عن الله لأن جميع ما شغلك عن الله هي دنيا قال يوسف فذكرت ذلك لطاهر القدسي فقال هذا نزل أخبار المرسلين
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون المصري وسئل أي الحجاب أخفى الذي يحتجب به المريد عن الله فقال ويحك ملاحظة النفس وتدبيرها وقال ذو النون وقال بعضهم علم القوم بأن الله يراهم على كل حال فاحترزوا به عمن سواه فقال له غيره من أصحابه من الزهاد وكان حاضرا بمجلسه يقال له طاهر يا أبا الفيض رحمك الله بل نظروا بعين اليقين إلى محبوب القلب فرأوه في كل حالة موجودا وفي كل لمحة ولحظة قريبا وبكل رطب ويابس عليما وعلى كل ظاهر وباطن شهيدا وعلى كل مكروه ومحبوب قائما وعلى تقريب العبيد وتبعيد القريب مقتدرا ولهم في كل الأحوال والأعمال سائسا ولما يريدهم به موفقا فاستغنوا بسياسته وتدبيره وتقويته عن تدبير أنفسهم وخاضوا البحار وقطعوا القفار بروح النظر إلى نظره البهيج وخرقوا الظلمات بنور مشاهدته وتجرعوا المرارات بحلاوة وجوده وكابدوا الشدائد واحتملوا الأذى في جنب قربه وإقيان عليهم وخاطروا بالنفوس فيما يعلمون ويحملون ثقة منهم باجتيازه ورضوا بما يضعهم فيه من الأحوال محبة منهم لإرادته وموافقة لرضاه ساخطين على أنفسهم معرفة منهم بحقه واستعدادا للعقوبة

بعدله عليهم فأداهم ذلك إلى الابتلاء منه فلم تسع عقولهم ومفاصلهم وقلوبهم محبة لغيره ولم تبق زنة خردلة منه خالية منه ولا باقيا فيهم سواه فهم له بكليتهم وهو لهم حظ في الدنيا والآخرة وقد رضي عنهم ورضوا عنه وأحبهم فأحبوه وكانوا له وكان لهم وآثروه وآثرهم وذكروه فذكرهم اولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون فصاح عند ذلك ذو النون وقال أين هؤلاء وكيف الطريق إليهم وكيف المسلك فصاح به يا أبا الفيض الطريق مستقيم والحجة واضحة فقال له صدقت والله يا أخي فالهرب إليه ولا تعرج إلى غيره
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول ويحك من ذكر الله على حقيقة نسي في حبه كل شيء ومن نسي في حبه كل شيء حفظ الله عليه كل شيء وكان له عوضا في كل شيء قال وسمعت ذا النون وأتاه رجل فقال يا أبا الفيض دلني على طريق الصدق والمعرفة فقال يا أخي أد إلى الله صدق حالتك التي أنت عليها على موافقة الكتاب والسنة ولا ترق حيث لم ترق فتزل قدمك فإنه إذا زل بك لم تسقط وإذا ارتقيت أنت تسقط وإياك أن تترك ما تراه يقينا ترجوه شكا قال وسمعت ذا النون يقول وسئل متى يجوز للرجل أن يقول أراني الله كذ وكذا فقال إذا لم يطق ذلك ثم قال ذو النون أكثر الناس إشارة إلى الله في الظاهر أبعدهم من الله وأرغب الناس في الدنيا وأخفاهم لها طلبا أكثرهم لها ذما عند طلابها قال وسمعته يقول كلت ألسنة المحققين لك عن الدعاوى ونطقت ألسنة المدعين لك بالدعاوى قال وسمعت ذا النون يقول لا يزال العارف ما دام في دار الدنيا مترددا بين الفقر والفخر فإذا ذكر الله افتخر وإذا ذكر نفسه افتقر قال وسمعت ذا النون وسئل بم عرف العارفون ربهم فقال إن كان بشيء فبقطع الطمع والإشراف منهم على اليأس مع التمسك منهم بالأحوال التي أقامهم عليها وبذل المجهود من أنفسهم ثم إنهم وصلوا بعد إلى الله بالله
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن عيسى الرازي قال سمعت

يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون المصري وذكر يوما علو المراتب وقرب الأولياء وفوائد الأصفياء وأنس المحبين فأنشأ يقول ... ومحب الإله في غيب أنس ... ملك القدر خادم الزي عبد ... هو عبد وربه خير رب ... ما لقلب الفتى عن الله ضد ... وقال يوسف وسألت ذا النون ما علامة الآخرة في الله قال ثلاث الصفاء والتعاون والوفاء فالصفاء في الدين والتعاون في المواساة والوفاء في البلاء
حدثنا عثمان بن محمد حدثني أحمد بن عبدالله القرشي حدثني محمد بن خلف قال سمعت إبراهيم بن عبدالله الصوفي يقول سئل ذو النون عن سماع العظة الحسنة والنغمة الطيبة فقال مزامير أنس في مقاصير قدس بألحان توحيد في رياض تمجيد بمطربات الغواني في تلك المعاني المؤدية بأهلها إلى النعيم الدائم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ثم قال هذا لهم الخبز فكيف طمم النظر
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن محمد أبو الحسن الأنصاري قال سمعت يوسف بن الحسن يقول قال ذو النون المصري يوما وأتاه رجل فقال له أوصني فقال بم أوصيك إن كنت ممن قد أيد منه في علم الغيب بصدق التوحيد فقد سبق لك قبل أن تخلق إلى يومنا هذا دعاء النبيين والمرسلين والصديقين وذلك خير من وصيتي لك وإن يكن غير ذلك فن ينفعك النداء
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا أبو بكر الدينوري ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا سائر على شاطئ نيل مصر إذا أنا بجارية عليها دباء شعث الكلال وإذا القلب منها متعلق بحب الجبار وهي منقطعة في نيل مصر وهو يضطرب بأمواجه فبينا هي كذلك إذ نظرت إلى حوت ينساب بين الوجبتين فرمت بطرفها إلى السماء وبكت وأنشأت تقول لك تفرد المتفردون في الخلوات ولعظيم رجاء منك سبح الحيتان في البحور الزاخرات ولجلال هيبتك تصافقت الأمواج في البحور المستفحلات ولمؤانستك استأنست

بك الوحوش في الفلوات وبجودك وكرمك قصد إليك يا صاحب البر والمسامحات ثم ولت عني وهي تقول ... يا مؤنس الأبرار في خلواتهم ... يا خير من حطت به النزال ... من نال حبك لا ينال تفجعا ... العقلب يعلم أن ما يفنى محال ... ثم غابت عني فلم أرها فانصرفت وأنا حزين القلب ضعيف الرأي
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر ثنا محمد بن أحمد قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا سائر بين جبال الشام إذا أنا بشيخ على تلعة من الأرض قد تساقطت حاجباه على عينيه كبرا فتقدمت إليه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم أنشأ وهو يقول بصوت عليل يا من دعاه المذنبون فوجدوه قريبا ويا من قصد إليه الزاهدون فوجدوه حبيبا ويا من استأنس به المجتهدون فوجدوه سريعا مجيبا ثم أنشأ يقول ... وله خصائص مصطفين لحبه ... اختارهم في سالف الأزمان ... اختارهم من قبل فطرة خلقه ... فهم ودائع حكمة وبيان ... ثم صرخ صرخة فإذا هو ميت
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر بن محمد قال سمعت ذا النون يقول إن لله عبادا فتقوا الحجب وعلوا التجب حتى كشف لهمالحجب فسمعوا كلام الرب قال وسمعت ذا النون يقول إن لله عبادا على الأرائك يسمعون كلام الله إذا كلم المحبين في المشهد الأعلى لأنهم عبدوه سرا فأوصل إلى قلوبهم طرائف البر عملوا ببعض ما علموا فلما وقفوا في الظلام بين يديه هدى قلوبهم إلى ما يعلمون فحسرت ألبابهم لمعرفة الوقوف بين يديه
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيدالله ثنا أحمد بن عيسى الوشاء قال سمعت سعيد بن الحكم يقول سمعت ذا النون يقول لكل قوم عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه من ذكر الله
حدثنا محمد بن محمد قال سمعت أحمد بن عيسى يقول سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول سئل ذو النون من أدوم الناس عناء قال أسوؤهم

خلقا قيل وما علامة سوء الخلق قال كثرة الخلاف قال وسمعت ذا النون يقول سئل جعفر بن محمد عن السفلة فقال من لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه
حدثنا محمد بن محمد ثنا أحمد بن عيسى ثنا سعيد بن الحكم قال سمعت ذا النون يقول دخلت على متعبدة فقلت لها كيف أصبحت قالت أصبحت من الدنيا على فناء مبادرة للجهاز متأهبة لهول يوم الجواز أعترف لله على ما أنعم بتقصيري عن شكرها أقر بضعفي عن إحصائها وشكرها قد غفلت القلوب عنه وهو منشئها وأدبرت عنه النفوس وهو يناديها فسبحانه ما أمهله للأنام مع تواتر الأيادي والأنعام قال وسمعت ذا النون يقول بينا أنا أسير في بلاد الشام إذا أنا بعابد خرج من بعض الكهوف فلما نظر إلي استتر بين تلك الأشجار ثم قال أعوذ بك سيدي ممن يشغلني عنك يا مأوى العارفين وحبيب التوابين ومعين الصادقين وغاة امل المحبين ثم صاح واغماه من طول البكاء واكرباه من طول المكث في الدنيا ثم قال سبحان من أذاق قلوب العارفين به حلاوة الانقطاع إليه فلا شيء ألذ عندهم من ذكره والخلوة بمناجاته ثم مضى وهو يقول قدوس قدوس قدوس فناديته أيها العابد قف لي فوقف لي وهو يقول اقطع عن قلبي كل علاقة واجعل شغله بك دون خلقك فسلمت عليه ثم سألته أن يدعو الله لي فقال خفف الله عنك مؤن نصب السير إليه وذلك على رضاه حتى لا يكون بينك وبينه علاقة ثم سعى من بين يدي كالهارب من السبع
حدثنا عثمان بن محمد العثاني ثنا محمد بن أحمد المذكر عن بعض أصحابه قال قال ذو النون لفتى من النساك يا فتى خذ لنفسك بسلاح الملامة وأقمعها برد الظلامة تلبس غدا سرابيل السلامة واقصرها في روضة الأمان وذوقها مضض فرائض الإيمان تظفر بنعيم الجنان وجرعها كأس الصبر ووطنها على الفقر حتى تكون تام الأمر فقال له الفتى وأي نفس تقوى على هذا فقال نفس على الجوع صبرت وفي سربال الظلام خطرت نفس

ابتاعت الآخرة بالدنيا بلا شرط ولا ثنيا نفس تدرعت رهبانية القلق ورعت الدجا الى واضح الفلق فما ظنك بنفس في وادي الحنادس سلكت وهجرت اللذات فملكت وإلى الآخرة نظرت والى العيناء أبصرت وعن الذنوب أقصرت وعلى الذر من القوت اقتصرت ولجيوش الهوى قهرت وفي ظلم الدياجي سهرت فهي بقناع الشوق مختمرة وإلى عزيزها في ظلم الدجا مشتمرة قد نبذت المعايش ورعت الحشايش هذه نفس خدوم عملت ليوم القدوم وكل ذلك بتوفيق الحي القيوم
حدثنا عثمان بن محمد ثنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي ثنا أبو جعفر محمد بن عبدالملك بن هاشم قال قلت لذي النون صف لنا من خيار من رأيت فذرفت عيناه وقال ركبنا مرة في البحر نريد جدة ومعنا فتى من أبناء نيف وعشرين سنة قد ألبس ثوبا من الهيبة فكنت أحب أن أكلمه فلم أستطع بينما نراه قارئا وبينما نراه صائما وبينما نراه مسبحا الى أن رقد ذات يوم ووقعت في المركب تهمة فجعل الناس يفتش بعضهم بعضا الى أن بلغوا إلى الفتى النائم فقال صاحب الصرة لم يكن أحد أقرب الى من هذا الفتى النائم فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته فما كان حتى توضأ للصلاة وصلى أربع ركعات ثم قال يا فتى ما تشاء فقلت إن تهمة وقعت في المركب وإن الناس قد فتش بعضهم بعضا حتى بلغوا إليك فالتفت الى صاحب الصرة وقال أكما يقول فقال نعم لم يكن أحد أقرب إلي منك فرفع الفتى يديه يدعو وخفت على أهل المركب من دعائه وخيل إلينا أن كل حوت في البحر قد خرج في فم كل حوت درة فقام الفتى إلى جوهرة في في حوت فأخذها فألقاها الى صاحب الصرة وقال في هذه عوض مما ذهب منك وأنت في حل
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا احمد بن محمد بن حمدان ثنا عبدالقدوس بن عبدالرحمن الشاشي قال سمعت أبا الفيض ذا النون يقول إلهي من ذا الذي ذاق طعم حلاوة منا جاتك فألهاه شيء عن طاعتك ومرضاتك

من ذا الذي ضمنت له النصر في دنياه وآخرته فاستنصر بمن هو مثله في عجزه وفاقته أم من ذا الذي تكفلت له بالرزق في سقمه وصحته فاسترزق غيرك بمعصيتك في طاعته أم من ذا الذي عرفته آثامه فلم يحتمل خوفا منك مؤونة فطامه أم من ذا الذي أطلعته على ما لديك ثم انقطع إليك من كرامته فأعرض عنك صفحا إخلادا إلى الدعة في طلب راحته من ذا الذي عرف دنياه وآخرته فآثر الفاني على الباقي لحمقه وجهالته أم من ذا الذي شرب الصافي من كأس محبتك فلم يستبشر بقوارع محنتك أم من ذا الذي عرف حسن اختيارك لخلقك في قدرتك فلم يرض بذلك أم من ذا الذي عرف علمك بسره وعلانيته وقدرتك على نفعه وضره فلم يكتف بك عن علم غيرك به ولم يستغن بك عن قدرة عاجز مثله
حدثنا أبي ثنا احمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يدعو اللهم متع أبصارنا بالجولان في جلالك وسهرنا عما نامت عنه عيون الغافلين واجعل قلوبنا معقودة بسلاسل النور وعلقها بأطناب التفكر ونزه أبصارنا عن سر مواقف المتحيرين وأطلقنا من الأسر لنجول في خدمتك مع الجوالين أللهم أجعلنا من الذين استعملوا ذكر قطع اللذات وخالفوا متاع الغرة بواضحات المعرفة اللهم اجعلنا من الذين لخدمتك في أقطار الأرض لهم طلابا ولخصائص أصفيائك أصحابا وللمريدين المعتكفين ببابك أحبابا اللهم اجعلنا من الذين غسلوا أوعية الجهل بصفو ماء الحياة في مسالك النعيم حتى جالت في مجالس الذكر مع رطوبة ألسنة الذاكرين اللهم اجعلنا من الذين رتعوا في زهرة ربيع الفهم حتى تسامت أسنية الفكرة فوق سمو السمو حتى تسامى بهم نحو مسام العلويين براحات القلوب ومستنيطات عيون الغيوب بطول استغفار الوجوه في محاريب قدس رهبانية الخاشعين حتى لاذت أبصار القلوب بجواهر السماء وعبرت أفنية النواحين من مصاف الكروبين ومجالسة الروحانيين فتوهموا أن قد قرب احتراق بالقلوب عند إرسال الفكرة في مواقع الأحزان بين يديك

فأحرقت نار الخشية بصائر مناقب الشهوات من قلوبهم وسكنت خوافي ضلوع مضايق الغفلات من صدورهم فأنبت ذكر الصلوات رقاد قلوبهم
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرأ علي أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول بالعقول يجتني ثمر القلوب وبحسن الصوت تستمال أعنة الأبصار وبالتوفيق تنال الحظوة وبصحبة الصالحين تطيب الحياة والخير مجموع في القرين الصالح إن نسيت ذكرك وإن ذكرت أعانك
حدثنا عثمان بن محمد أخبرنا أحمد بن محمد قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول حرم الله الزيادة في الدين والالهام في القلب والفراسة في الخلق على ثلاثة نفر على بخيل بدنياه وسخي بدينه وسيء الخلق مع الله فقال له رجل بخيل بالدنيا عرفناه وسخي بدينه عرفناه صف لنا سيء الخلق مع الله قال يقضي الله قضاء ويمضي قدرا وينفذ علما ويختارلخلقه أمرا فترى صاحب سوء الخلق مع الله مضطربا في ذلك كله غير راض به دائما شكواه من الله إلى خلقه فما ظنك
حدثنا عثمان بن محمد أخبرنا أحمد بن محمد قال سمعت يوسف بن الحسين يقول قلت لذي النون دلني على الطريق الذي يؤديني اليه من ذكره فقال من أنس بالخلوة فقد استمكن من بساط الفراغ ومن غيب عن ملاحظة نفسه فقد استمكن من مقاعد الإخلاص ومن كان حظه من الأشياء هواه لم يبال ما فاته ممن هو دونه ثم قال المتضع يبدي غير الذي هو به والصادق لا يبالي على أي جنب وقع قال وسمعت ذا النون يقول العارف متلوث الظاهر صافي الباطن والزاهد صافي الظاهر متلوث الباطن قال وسمعت ذا النون يقول إن المؤمن إذا آمن بالله واستكحم إيمانه خاف الله فاذا خاف الله تولدت من الخوف هيبة الله فاذا سكن درجة الهيبة دامت طاعته لربه فاذا أطاع تولدت من الطاعة الرجاء فاذا سكن درجة الرجاء تولدت من الرجاء المحبة فاذا استحكمت معاني المحبة في قلبه سكن بعدها درجة الشوق فاذا

اشتاق أداه الشوق إلى الأنس بالله فاذا أنس بالله اطمأن الى الله فاذا اطمأن الى الله كان ليله في نعيم ونهاره في نعيم وسره في نعيم وعلانيته في نعيم
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا ابو بكر الدينوري ثنا محمد بن احمد الشمشاطي قال سمعت ذا النون المصري يقول إن لله عبادا أسكنهم دار السلام فأخمصوا البطون عن مطاعم الحرام وأغمضوا الجفون عن مناظر الآثام وقيدوا الجوارح عن فضول الكلام وطووا الفرش وقاموا جوف الظلام وطلبوا الحور الحسان من الحي الذي لا ينام فلم يزالوا في نهارهم صياما وفي ليلهم قياما حتى أتاهم ملك الموت عليه السلام
حدثنا محمد بن محمد بن عبيد الله ثنا احمد بن عيسى الوشاء ثنا سعيد بن الحكم قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا أسير في بعض سياحتي فاذا أنا بصوت حزين كئيب موجع القلب أسمع الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول سبحان مفني الدهور سبحان مخرب الدنيا سبحان مميت القلوب سبحان باعث من في القبور فاتبعت الصوت فاذا أنا بنقب وإذا الصوت خارج من النقب وهو يقول سبحان من لا يسع الخلق إلا سره سبحانك ما ألطفك بمن خالفك وأوفاك بعهدك سبحانك ما أحلمك عمن عصاك وخالف أمرك ثم قال سيدي بحلمك نطقت وبفضلك تكلمت وما أنا والكلام بين يديه بما لا يستأهله قدري فيا إله من مضى قبلي ويا إله من يكون بعدي بالصالحين فألحقني ولأعمالهم فوفقني ثم قال أين الزهاد والعباد أين الذين شدوا مطاياهم إلى منازل معروفة وأعمال موصوفة نزل بهم الزمان فأبلاهم وحل بهم البلاء فأفناهم فهل أنتظر إلا مثل الذي حل بهم ثم أقبل على ما كان فيه فقلت رجل غرقت نفسه عن كلام الناس فانصرفت وتركته باكيا
حدثنا أبي ثنا احمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان قال سمعت ذا النون يقول أشد المريدين نفاقا من لحظ لحظة أو نطق بكلمة بلا حجة استبانها فيما بينه وبين ربه ثم سئل عن الحجة فعبر عن نفسه بحجة كان قبل

الفعل في الوقت غافلا قا وسمعت ذا النون وسأله رجل أي الأحوال أغلب على قلب العارف السرور والفرح أم الحزن والهموم فقال أوصلنا الله وأياكم الى جميل ما نأمله منه والعلم في هذا عندي والله أعلم أنه ليس هناك حال يشار إليه دون حال ولا سبب دون سبب وأنا أضرب لك مثلا اعلم رحمك الله أن مثل العارف في هذه الدار مثل رجل قد توج بتاج الكرامة وأجلس على سرير في بيت ثم علق من فوق رأسه سيف بشعره وأرسل على باب البيت أسدان ضاريان فالملك يشرف كل ساعة بعد ساعة على الهلاك والعطب فأنى له بالسرور والفرح على التمام وبالله التوفيق
حدثنا أبي ثنا احمد ثنا سعيد قال سمعت ذا النون يقول وسئل عن الآفة التي يخدع بها ا لمريد عن الله فقال يريه الألطاف والكرامات والآيات قيل له يا أبا الفيض فبم يخدع قبل وصوله الى هذه الدرجة قال بوطء الأعقاب وتعظيم الناس له والتوسع في المجالس وكثرة الأتباع فتعوذ بالله من مكره وخدعه قال وسمعت ذا النون وسئل ما أساس قسوة القلب للمريد فقال ببحثه عن علوم رضي نفسه بتعليمها دون استعمالها والوصول إلى حقائقها وقال لو أن الخلق عرفوا ذل أهل المعرفة في أنفسهم لحثوا التراب على رؤسهم وفي وجوههم فقال رجل كان حاضرا في المجلس رجل مؤيد فذكرت لطاهر المقدسي فقال سقى الله أبا الفيض حقا ما قال ولكني أقول لو أبدى الله نور المعرفة للزاهدين والعابدين والمحتجبين عنه بالأحوال لاحترقوا واضمحلوا وتلاشوا حتى كأن لم يكونوا قال الرجل فذكرت لأحمد بن أبي الحواري فقال أما أبو الفيض عافاه الله فقال ذلك في وقت ذكره لنفسه وأما طاهر فقال ذلك في وقت ذكره لربه وكل مصيب والله أعلم
حدثنا أبي ثنا احمد ثنا سعيد قال سمعت ذا النون يقول ثلاثة علامات الخوف الورع عن ا لشبهات بملاحظة الوعيد وحفظ اللسان مراقبة للتعظيم ودواء الكمد إشفاقا من غضب الحليم وثلاثة من أعمال الاخلاص استواء المدح والذم من العامة ونسيان رؤيتهم في الأعمال نظرا إلى الله واقتضاء ثواب

العمل في الآخرة بحسن عفو الله في الدنيا بحسن المدحة وثلاثة من أعمال الكمال ترك الجولان في البلدان وقلة الاغتباط لنعماه عند الامتحان وصفو النفس في السر والاعلان وثلاثة من أعمال اليقين قلة المخالفة للناس في العشرة وترك المدح لهم في العطية والتنزه عن ذمهم في المنع والرزية وثلاثة من أعلام التوكل نقض العلائق وترك التملق في السلائق واستعمال الصدق في الخلائق وثلاثة من أعلام الصبر التباعد عن الخلطاء في الشدة والسكون اليه مع تجرع غصص البلية وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحة المعيشة وثلاثة من أعلام الحكمة إنزال النفس من الناس كباطنهم ووعظهم على قدرعقولهم ليقوموا عنه بنفع حاضر 1 وثلاثة من أعلام ا لزهد قصر الأمل وحب الفقر واستغناء يمع صبر وثلاثة من أعلام العبادة حب الليل للسهر بالتهجد والخلوة وكراهة الصبح لرؤية الناس والغفلة والبدار بالصالحات مخافة الفتنة وثلاثة من أعلام ا لتواضع تصغير النفس معرفة بالعيب وتعظيم الناس حرمة للتوحيد وقبول الحق والنصيحة من كل أحد وثلاثة من أعمال السخاء البذل للشيء مع الحاجة إليه وخوف المكافأة استقلالا للعطية والخوف على النفس استغناء لإدخال السرور على الناس وثلاثة من أعلام حسن الخلق قلة الخلاف على المعاشرين وتحسين ما يرد عليه من أخلاقهم وإلزام النفس اللآئمة فيما يختلفون فيه كفا عن معرفة عيوبهم وثلاثة من أعلام الرحمة للخلق انزواء العقل للملهوفين وبكاء القلب لليتيم والمسكين وفقدان الشماتة بمصائب المسلمين وبذل النصيحة لهم متجرعا لمرارة ظنونهم وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوه وكرهوه وثلاثة من أعظم الاستغناء بالله التواضع للفقراء المذللين والتعظم على الأغنياء المتكبرين وترك المعاشرة لأبناء الدنيا المستكبرين وثلاثة من أعلام الحياء وجدان الانس بفقدان الوحشة والامتلاء من الخلوة بإدمان التفكر واستشعار الهيبة بخالص المراقبة وثلاثة من أعلام المعرفة الاقبال على الله والانقطاع إلى الله

والافتخار بالله وثلاثة من أعلام التسليم مقابلة القضاء بالرضا والصبر عند البلا والشكر عند الرخا
حدثنا عثمان بن محمد ثنا ابو بكر محمد بن احمد البغدادي حدثني عبدالله ابن سهل قال سألت ذا النون فقلت متى أعرف ربي قال إذا كان لك جليسا ولم تر لنفسك سواه أنيسا قلت فمتى أحب ربي قال إذا كان ما أسخطه عندك أمر من الصبر قلت فمتى أشتاق إلى ربي قال إذا جعلت الآخرة لك قرارا ولم تسم الدنيا لك مسكنا ودارا
سمعت أبا محمد بن حيان يقول سمعت عمر بن يحيى يقول سمعت ذا النون يقول مكتوب في التوراة ملعون من ثقته إنسان مثله
سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت محمد بن ريان يقول سمعت ذا النون يقول وجاءه أصحاب الحديث ليسألوه عن الخطرات والوسواس فقال أنا أتكلم في شيء من هذا فان هذا يحدث سلواني عن شيء من الصلاة والحديث قال ورأى ذو النون على خفا أحمر فقال انزع هذا يا بني فانه شهوة مالبسه النبي صلى الله عليه و سلم إنما لبس النبي صلى الله عليه و سلم خفين أسودين ساذجين
سمعت محمد بن ابراهيم يقول سمعت علي بن حاتم العثماني بمصر يقول سمعت ذا النون وأومى الى موضع بمصر يقول كأنك عن قليل ترى هذه المدينة عامرة وتخرج منها الخيل المحذفة وقوم عجم وعن قليل تراها خرابا قال علي بن حاتم ورأيناها عامرة ورأيناها خرابا وسمعت ذا النون يقول القرآن كلام الله
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عباس بن حمدان ثنا أبو الحسن صاحب الشافعي قال حضرت جنازة ذي النون فرأيت الخفافيش تقع على نعشه وبدنه وتطير
حدثنا محمد بن علي قال سمعت محمد بن زياد يقول لما مات ذو النون رأيت على جنازته طيورا خضراء فلا أدري أي شيء كان ومات عندنا

بمصر فأمر أن يجعل قبره مع الأرض
حدثنا أبو جعفر أحمد بن علي بن عبدالله بن حمدان بالكوفة ثنا عبدالله بن محمد السمناني ثنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد البغدادي المكفوف ثنا أبو الفيض بن إبراهيم المصري ذا النون سنة خمس وأربعين ومائتين بسر من رأى قال رأيت رجلا في برية يمشي حافيا وهو يقول المحب مجروح الفؤاد لا راحة له قد زحزحت الجرحة الدواء وأزعج الدواء الداء فاجتمعا والقلب بينهما بحول يرتكض فسلمت عليه فقال لي وعليك السلام يا ذا النون قلت عرفتني قبل هذا قال لا قلت فمن أين لك هذه الفراسة فقال ممن يملكها ليست مني هو الذي نور قلبي بالفراسة حتى عرفني إياك من غير معرفة سبقت لي يا ذا النون قلبي عليل وجسمي مشغول وأنا سائح في البرية أسير فيها منذ عشرين سنة ما أعرف بيتا ولا يكنني سقف يسترني من ا لشمس إذا لظت ويحفظني من الرياح إذا هبت ويكلؤني من الحر والبرد جميعا فصف لي بعض ما أنا فيه إن كنت وصافا ثم جلس وجلست فقلت القلب إذا كان عليلا جالت الأحزان والأسقام فيه ليس للقلب مع ما يجول من أصل الأسقام دواء وإن يستجلب الأحزان من استجلبها يطول سقمه ليشكوه ويشكو إليه فصرخ صرخة ثم قال مالي وللشكوى أم لو طالت البلوى حتى أصير رميما ما تحركت لي جارحة بالشكوى قال ذو النون فقلت طرقت الفكرة في قلوب أهل الرضا فمالت بهم ميلة فزعزعت الجوى ودكدكت الضمير فاختلفا جميعا فالتويا فعرفنا جريق الرضامنهم بالألفة إليه فوهب لهم هبة ثم أتحفهم بتحفة الرضا فماجت في بحار قلوبهم موجة فهيجت منها اللذة لا بل هيجت منها هيجان اللذات فشخصت بالحلاوة التي أتخفت الى من أحفها فمرت تطير من جوف الجوى فأي طيران يكون أبهى من قلوب تطير إلى سيدها لقد هبت إليه بلا أجنحة تطير لقد مرت في الملكوت أسرع من هبوب الرياح ومن يردها وهو يدعوها إليه لقد فتح الباب حين هبت إليه طائرة فدخلت قبل أن تقرع الباب لقد مهد

لها مهادا فتنزهت في روح رياض قدسه فهي له ومعه فقال يا ذا النون زدت الجرح قرحا وقتلت فأوجعت يا هذا ما صحبت صاحبا منذ صحبته أصحبك اليوم قلت فقم بنا فقمنا نسير بلا زاد فلما وغلنا في البرية وطوينا ثلاثا قال لي قد جعت قلت نعم قال فأقسم عليه حتى يطعمك قلت لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا تسأله شيئا إن شاء أطعمك وإن شاء ترك قال فتبسم وقال امض الآن فلقد أفيض علينا من أطايب الأطعمة ولذيذ الأشربة حتى دخلنا مكة سالمين ثم فارقني وفارقته قال يوسف فلقد رأيت ذا النون كلما ذكره بكى وتأسف على صحبته
حدثنا محمد بن محمد بن عبيد الله ثنا نصر بن شافع المقدسي الزاهد ثنا موسى بن علي الاخميمي قال قال ذو النون وصف لي رجل باليمن قد برز على المخالفين وسما على المجتهدين وذكر لي باللب والحكمة ووصف لي بالتواضع والرحمة قال فخرجت حاجا فلما قضيت نسكي مضيت إليه لأسمع من كلامه وأنتفع بموعظته أنا وناس كانوا معي يطلبون منه مثل ما أطلب وكان معنا شاب عليه سيما الصالحين ومنظر الخائفين وكان مصفار الوجه من غير مرض أعمش العينين من غير عمش ناحل الجسم من غير سقم يحب الخلوة ويأنس بالوحدة تراه أبدا كأنه قريب عهد بالمصيبة أوقد فدحته نائبة فخرج إلينا فجلسنا إليه فبدأ الشاب بالسلام عليه وصافحه فأبدى له الشيخ البشر والترحيب فسلمنا عليه جميعا ثم بدأ الشاب بالكلام فقال إن الله تعالى بمنه وفضله قد جعلك طبيبا لسقام القلوب ومعالجا لأوجاع الذنوب وبي جرح قد فعل وداء قد استكمل فان رأيت أن تتلطف لي ببعض مراحمك وتعالجني برفقك فقال له الشيخ سل ما بدا لك يا فتى فقال له الشاب يرحمك الله ما علامة الخوف من الله فقال أن يؤمنه خوفه من كل خوف غير خوفه ثم قال يرحمك الله متى يتبين للعبد خوفه من ربه قال إذا أنزل نفسه من الله بمنزلة السقيم فهو يحتمي من كل الطعام مخافة السقام ويصبر على مضض كل دواء مخافة طول الضنا فصاح الفتى صيحة وقال عافيت فأبلغت وعالجت فشفيت ثم بقي

باهتا ساعة لا يحير جوابا حتى ظننت في روحه قد خرجت من بدنه ثم قال يرحمك الله ما علامة المحب لله قال له حبيبي إن درجة الحب رفيعة قال فأنا أحب أن تصفها لي قال إن المحبين لله شق لهم من قلوبهم فأبصروا بنور القلوب الى عز جلال الله فصارت أبدانهم دنياوية وأرواحهم حجبية وعقولهم سماوية تسرح بين صفوف الملائكة كالعيان وتشاهد ملك الأمور باليقين فعبدوه بمبلغ استطاعتهم بحبهم له لا طمعافي جنة ولا خوفا من نار قال فشهق الفتى شهقة وصاح صيحة كانت فيها نفسه قال فانكب الشيخ عليه يلثمه وهو يقول هذا مصرع الخائفين هذه درجة المجتهدين هذا أمان ا لمتقين
حدثنا أحمد بن المعلى الصفدي الوراق ثنا احمد بن محمد بن عيسى الرازي ثنا يوسف بن الحسين ومحمد بن احمد قالا سمعنا ذا النون يقول دارت رحى الادارة على ثلاث على الثقة بوعد الله والرضا ودوام قرع باب الله
حدثنا أحمد ثنا أحمد ثنا يوسف ومحمد قالا سمعنا ذا النون يقول طوبى لمن أنصف ربه عز و جل قيل وكيف ينصف ربه قال يقر له بالآفات في طاعته وبالجهل في معصيته وإن آخذه بذنوبه رأى عدله وإن غفر له رأى فضله وإن لم يتقبل منه حسناته لم يره ظالما لما معه من الآفات وإن قبلها رأى إحسانه لما جاد به من الكرامات
سمعت أبي يقول سمعت أبا الحسن الملطى القول سمعت أبا عبدالله الجلاء يقول خرجت الى شط نيل مصر فرأيت امرأة تبكي وتصرخ فأدركها ذو النون فقال لها مالك تبكين فقالت كان ولدي وقرة عيني على صدري فخرج تمساح فاستلب مني ولدي قال فأقبل ذو النون على صلاته وصلى ركعتين ودعا بدعوات فاذا التمساح خرج من النيل والولد معه ودفعه الى أمه قال أبو عبدالله فأخذته وأنا كنت أرى
حدثنا أبي ثنا أبو لحسن بن أبان ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول قال بعض الحكماء ما خلص العبد لله إلا أحب أن يكون في حب لا يعرف

حدثنا محمد بن ابراهيم قال سمعت عبدالحكم بن احمد بن سلام يقول سمعت ذا النون يقول نعوذ بالله من النبطي إذ استعرب سمعت محمد بن ابراهيم يقول سمعت عبدالحكم بن احمد بن سلام يقول سمعت ذا النون يقول رأيت في برية موضعا له دندرة فاذا كتاب فيه مكتوب احذروا العبيد المعتقين والأحداث المتقربين والجند المتعبدين والنبط المستعربين قال وكان ذو النون رجلا نحيفا يعلوه حمرة ليس بابيض اللحية
حدثنا أبو عبدالله محمد بن احمد بن إبراهيم ثنا احمد بن حمدان النيسابوري ثنا عبدالقدوس بن عبدالرحمن الشامي سمعت ذا النون يقول إلهي إن أهل معرفتك لما أبصروا العافية ولمحوا بأبصارهم إلى منتهى العاقبة وأيقنوا بجودك وكرمك وابتدائك إياهم بنعمك ودللتهم على ما فيه نفعهم دونك إذ كنت متعاليا عن المضار والمنافع استقلوا كثير ما قدموا من طاعتك واستصغروا عظيم ما اقترفوا من عبادتك واستلانوا ما استوعره غيرهم بذلوا المجهود في طلب مرضاتك واستعظموا صغر التقصير في أداء شكرك وإن كان ليس شيء من التقصير في طاعتك بذل المجهود صغيرا كان عندهم فنحلت لذلك أبدانهم وتغيرت لذلك ألوانهم وخلت من غيرك قلوبهم واشتغلت بذكرك عقولهم وألسنتهم وانصرفت عن خلقك إليك همومهم وأنست وطابت بالخلوة فيك نفوسهم لا يمشون بين العباد إلا هونا وهم لا يسعون في طاعتك إلا ركضا إلهي فكما أكرمتهم بشرف هذه المنازل وأبحتهم رفعة هذه الفضائل اعقد قلوبنا بحبل محبتك ثم حولنا في ملكوت سمواتك وأرضك واستدرجنا الى أقصى مرادك درجة درجة واسلك بنا مسلك أصفيائك منزلة منزلة واكشف لنا عن مكنون علمك حجابا حجابا حتى تنتهي الى رياض الأنس وتجتني من ثمار الشوق إليك وتشرب من حياض معرفتك وتتنزه في بساتين نشر آلائك وتستنقع في غدران ذكر نعمائك ثم ارددها إلينا بطرف الفوائد وامددها بتحف الزوائد واجعل العيون منا فوارة بالعبرات والصدور منا محشوة بالحرقات واجعل قلوبنا من القلوب

التي سافرت إليك بالجوع والعطش واجعل أنفسنا من الأنفس التي زالت عن اختيارها لهيبتك أحينا ما أحييتنا على طاعتك وتوفنا إذا توفيتنا على ملتك راضين مرضيين هداة مهديين مهتدين غير مغضوب علينا ولا ضالين
سمعت أبا الحسن احمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت الحسن بن علي بن خلف يقول سمعت إسرافيل يقول سمعت ذا النون يقول ... أموت وما ماتت إليك صبابتي ... ولا رويت من صرف حبك أوطاري ...
سمعت أحمد بن محمد يقول سمعت الحسن بن علي يقول سمعت إسرافيل يقول سمعت رجلا يسأل ذا النون متى تصح عزلة الخلق فقال إذا قويت على عزلة النفس
حدثنا احمد بن محمد حدثني احمد بن عثمان المكي الصوفي عن أبيه قال قال لنا ذو النون المصري رأيت في التيه أسود كلما ذكر الله ابيض لونه فقلت له يا هذا إنه ليبدو عليك حال يغيرك فقال إليك عني يا ذا النون فانه لو بدا عليك ما يبدو علي لجلت كما أجول ثم أنشأ يقول ... ذكرنا وما كنا نسينا فنذكر ... ولكن نسيم القرب يبدو فيبهر ... فأحبابه طورا وأغدى به له ... إذا الحق عنه مخبر ومغبر ...
حدثنا احمد بن محمد قال سمعت الحسن بن علي يقول سمعت إسرافيل يقول سمعت ذا النون يقول نظرت الى رجل في بيت المقدس قد استفرغه الوله فقلت له ما الذي أثار منك ما أرى قال ذهب الزهاد والعباد بصفو الاخلاص وبقيت في كدر الانتقاص فهل من دليل مرشد أو حكيم موقظ قال وسمعت ذا النون يقول وقد مر به قوم على الدواب وأنا جالس معه فقال هل ترى كنيفا على كنيف
حدثنا محمد بن احمد بن ابراهيم بن يزيد قال سمعت احمد بن محمد بن عمر يقول سمعت سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول وسأله رجل يا أبا الفيض رحمك الله من أراد التواضع كيف السبيل اليه فقال له افهم ما ألقى إليك من أراد الى سلطان الله ذهب سلطان نفسه لأن النفوس كلها

حقيرة عند هيبته ومن أشر ف التواضع أن لا ينظر الى نفسه دون الله ومعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم من تواضع لله رفعه الله يقول من تذلل بالمسكنة والفقر الى الله رفعه الله بعز الانقطاع إليه
حدثنا احمد بن محمد بن مقسم ثنا ابو العباس بن يوسف الشكلي ثنا سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول ... منع القران بوعده ووعيده ... مقل العيون بليلها أن تهجع ... فهموا عن الملك الكريم كلامه ... فهما تذل له الرقاب وتخضع ...
حدثنا احمد بن محمد بن مقصسم ثنا الحسن بن علي بن خلف قال سمعت إسرافيل يقول سمعت ذا النون يقول يا رب أنت الذي دخل في رحمتك كل شيء فلم تضق إلا عمن ارتجله الشك إلى جحدك قال وسمعت ذا النون يقول وقد وقف عليه رجل فسأله شيئا فقال له ذو النون إن المتكفل برزقك غير متهم عليك قال وكنت مع ذي النون في سفينة وأجد في فمي بلة فبزقتها في الماء فقال تعست يا بغيض تبزق على نعمة الله قال وأنشدني ذو النون رحمه الله تعالى ... مجال قلوب العارفين بروضة ... سماوية من دونه حجب الرب ... تكنفها من عالم السر قربه ... فلو قدر الآجال ذابت من الحب ... وأروى صداها كاس صرف بحبه ... وبرد نسيم جل عن منتهى الخطب ... فيا لقلوب قربت فتقربت ... لذي العرش مما زين ا لملك بالقرب ... رضيها فارضاها فحازت مدى الرضى ... وحلت من المحبوب بالمنزل الرحب ... لها من لطيف العزم عزم سرت به ... وتهتك بالافكار ما داخل الحجب ... سرى سرها بين الحبيب وبينها ... فأضحى مصونا عن سوى القرب في القرب ... قال وسمعت ذا النون يقول اجلس إلى من تكلمك صفته ولا تجلس إلى من يكلمك لسانه
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر الدينوري ثنا محمد بن احمد الشمشاطي قال سمعت ذا النون يقول إن لله عبادا عاملوه بالتصديق فقد يسلمون من طريق دقيق ويفتح لهم حجاب المضيق ويسامحهم الشقيق الرفيق جعلوا الصيام غذاء

لما سمعوه يقول فيها من كل فاكهة زوجان فهم غدا يسكنون مع الحور في الشرفات ويأكلون مما اشتهت أنفسهم من ا لشهوات في جنات عدن مع القاصرات وقد أتاهم جبريل بالزيادة من صاحب السماوات فمن مثل هؤلاء القوم وقد كشف لهم الحجاب عالم السر والخفيات ونظ إليهم صاحب البر والكرامات
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا ابو بكر بن احمد قال سمعت ذا النون يقول إن لله عبادا علموا الطريق إليه والوقوف غدا بين يديه فثارت القلوب الى محجوب الغيوب فجرعوا مرارة مذاق خوف واستعملوا الظلام في رضى صاحب السموات فسقاهم من أعين العلم والزيادات وغوصهم في بحار السلامات فهم غدا يسلمون من هؤلاء الزلازل والسطوات ويسكنون الغرفات
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمر بن بحر الأسدي ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال قال بعض المتعبدين كنت مع ذي النون المصري بمكة فقلت له رحمك الله لم صار الوقوف بالجبل ولم يصر بالكعبة قال لأن الكعبة بيت الله والجبل باب الله فلما قصدوه وافدين أوقفهم بالباب يتضرعون فقيل له يرحمك الله فالوقوف بالمشعر الحرام كيف صار بالحرم قال لما أذن لهم بالدخول إليه أوقفهم بالحجاب الثاني وهي المزدلفة فلما طال تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم حجابا دونه وأذن بالزيارة إليه على طهارة قيل له فلم كره الصوم أيام التشريق قال لأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه قيل له يرحمك الله فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى قال هو مثل الرجل تكون بينه وبين أخيه جناية فيتعلق بثوبه ويستجدي له ويتضرع إليه ليهب له جرمه وجنايته
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرأ علي أبو الحسن احمد بن محمد بن عيسى الرازي حدث يوسف بن الحسين قال بعض الصوفية قال سمعت ذا النون يقول رأيت سعدون في مقبرة البصرة في يوم حار وهو يناجي ربه ويقول بصوت عال أحد أحد فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت بحق من ناجيته

إلا وقفت فوقف ثم قال لي قل وأوجز قلت توصيني بوصية أحفظها منك وتدعو لي بدعوة فأنشأ يقول ... يا طالب العلم ههنا وهنا ... ومعدن العلم من جنبيكا ... ان كنت تبغي الجنان تسكنها ... فاذرف الدمع فوق خديكا ... وقم إذا قام كل مجتهد ... تدعوه كي ما يقول لبيكا ... ثم مضى وقال يا غياث المستغيثين أغثني فقلت له ارفق بنفسك فلعله يلحظك لحظة فيغفر لك فصرف يده من يدي وعدا وهو يقول ... أنست به فلا أبغي سواه ... مخافة أن أضل فلا أراه ... فحسبك حسرة وضنا وسقما ... بطردك من مجالس أولياه ...
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرىء على أبي الحسن احمد بن محمد بن عيسى وأنا حاضر قال سمعت يوسف بن الحسين يقول قال الفتح بن شخرف كان سعدون صاحب محبة لله لهج بالقول صام ستين سنة حتى خف دماغه فسماه ا لناس مجنونا لتردد قوله في المحبة قال الفتح فغاب عنا زمانا وكنت الى لقائه مشتاقا لما كان وصف لي من حكمة قوله فبينا أنا بفسطاط مصر قائما على حلقة ذي النون فرأيته عليه جبة صوف على ظهره مكتوب لا تباع ولا توهب وذو النون يتكلم في علم الباطن فناداه سعدون متى يكون القلب أميرا بعد ما كان أسيرا فقال ذو النون إذا اطلع الخبير على الضمير فلم يرفى الضمير إلا حبه لأنه الجليل العزيز قال فصرخ صرخة خر مغشيا عليه ثم أفاق من غشيته وهو يقول ... ولا خير في شكوى الى غير مشتكى ... ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر ... ثم قال أستغفر الله غلب على حبيبي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال يا أبا الفيض إن من القلوب قلوبا تستغفر قبل أن تذنب قال نعم تلك قلوب تثاب قبل أن تطيع قال يا أبا الفيض اشرح لي ذلك قال يا سعدون أولئك أقوام أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين فهم قد قطعوا النفوس من روح الشهوات فهم رهبان من ا لرهابين وملوك في العباد وأمراء في

الزهاد للغيث الذي مطر في قلوبهم المولهة بالقدوم الى الله شوقا فليس فيهم من أنس بمخلوق ولا مسترزق من مرزوق فهو بين الملأ حقير ذليل وعند الله خطير جليل قال يا ذا النون فمتى نصل إليه فقال يا سعدون صحح العزم بطرح الأذى وسل الذي بسياسته تولى قال الفتح فأدخل سعدون رأسه فيما بين الحلقة فما رأيته بعد
حدثنا عثمان بن محمد قال قرىء على ابي الحسن الرازي قال قرىء على أبي الحسين قال ذو النون ... يجول الغنى والعز في كل موطن ... ليتوطنا قبل امرىء إن توكلا ... ومن يتوكل كان مولاه حسبه ... وكان له فيما يحاول معقلا ... قال وقال ذو النون رحمه الله تعالى ... لبست بالعفة ثوب الغنى ... فصبرت أمشي شامخ الراس ... أنطق لي الصبر لساني فما ... أخضع بالقول لجلاسي ... إذ رأيت التيه من ذي الغنا ... تهت على التائه بالياس ...
سمعت محمد بن ابراهيم بنا احمد يقول سمعت أبا الفضل الصيرفي ببغداد يقول سمعت أبا عثمان سعيد بن عثمان يقول سمعت ذا النون يقول ما طابت الدنيا إلا بذكره ولا طابت الآخرة الا بعفوه ولا طابت الجنان إلا برؤيته
سمعت محمد بن ابراهيم يقول سمعت أبا الفضل يقول سمعت أبا عثمان يقول سمعت ذا النون يقول أن الله تعالى لم يمنع الجنة أعداءه بخلا ولكن صان أولياءه الذين أطاعوه أن يجمع بينهم وبين أعدائه الذين عصوه
حدثنا ابو بكر محمد بن احمد بن محمد البغدادي ثنا احمد بن عبدالله ابن ميمون قال سئل ذو النون عن ا لسفلة من هو قال من لا يعرف الطريق الى الله ولم يتعرفه
حدثنا محمد بن احمد ثنا محمد بن عبدالملك بن هاشم قال سئل ذو النون مالنا لا نقوى على النوافل قال لإنكم لا تصحون الفرائض وقيل من أدوم الناس دنيا له قال من أحب دنيا فانية

حدثنا محمد بن احمد بن عبدالله بن ميمون قال سمعت ذا النون يقول قل لمن أظهر حب الله احذر أن تذل لغير الله ومن علامة المحب لله أن لا يكون له حاجة الى غير الله
وبإسناده عن عبدالله بن ميمون قال سألت ذا النون عن كمال العقل وكمال المعرفة فقال إذا كنت قائما بما أمرت به تاركا لتكلف ما كفيت فأنت كامل العقل وإذا كنت متعلقا بالله في أحوالك لا بأعمالك غير ناظر الى سواه فأنت كامل المعرفة
حدثنا محمد بن احمد بن عبدالله قال سمعت ذا النون يقول طوبى لمن كان شعار قلبه الورع ولم يعم بصر قلبه الطمع وكان محاسبا لنفسه فيما صنع
حدثنا محمد ثنا احمد قال سمعت ذا النون يقول إنما يختبر ذو البأس عند اللقاء وذو الامانة عند الأخذ والعطاء وذو الاهل والولد عند الفاقة والبلاء والاخوان عند نوائب القضاء
حدثنا محمد بن احمد ثنا احمد بن عبيد الله قال سمعت ذا النون يقول الذي اجتمع عليه أهل الحقائق في حقائقهم أن الله غير مفقود فيطلب ولا ذو غاية فيدرك فمن أدرك موجودا فهو بالموجود مغرور وإنما الموجود عندنا معرفة وكشف علم بالأعمال
حدثنا أبو نصر ظفر بن الحسين الصوفي ثنا علي بن احمد الثعلبي ثنا احمد بن فارس الفرغاني قال سمعت علي بن عبدالحميد الحلبي يقول سمعت ابن الفرضي يقول سمعت ذا النون يقول البلاء ملح المؤمن إذا عدم البلاء فلسد حاله
حدثنا ظفر بن الحسين ثنا احمد بن محمد بن الفضل ثنا أبو الحسن الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول لا يرى الله شيء فيموت كما لم يره شيء فيعيش لأن حياته باقية يبقى بها من يراها قال وسمعت ذا النون يقول تكلم الناس من عين الأعمال وتكلمت من عين المنة

حدثنا ظفر ثنا أبو الحسن ثنا يوسف بن الحسين قال سمعت ذا النون يقول سمعت عابدا يقول إن لله عبادا أبصروا فنظروا فلما نظروا عقلوا فلما عقلوا علموا فلما علموا عملوا فلما عملوا انتفعوا رفع الحجاب فيما بينهم وبينه فنظروا بأبصار قلوبهم الى ما ذخر لهم من خفي محجوب الغيوب فقطعوا كل محجوب وكان هو المنى والمطلوب
حدثنا ظفر ثنا محمد بن احمد بن محمد حدثني احمد بن عبدالله بن ميمون قال سمعت ذا النون يقول وقد سئل عن أول درجة يلقاها العارف قال التحير ثم الافتقار ثم الاتصال ثم انتهى عقل العقلاء الى الحيرة قال وسئل ذو النون ما أغلب الأحوال على العارف قال حبه والحب فيه ونشر الآلاء وهي الأحوال التي لا تفارقه
حدثنا ظفر حدثني محمد بن احمد قال سمعت محمد بن عبدالملك يقول سمعت ذا النون يقول ما أعز الله عبدا بعز هو أعز له من أن يذله على ذل نفسه وما أذل الله عبدا بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرىء على احمد بن محمد بن عيسى الرازي ثنا يوسف بن الحسين عن الفتح بن شخرف قال سمعت ذا النون يقول خرجت في طلب المباح فاذا أنا بصوت فعدلت إليه فاذا أنا برجل قا غاص في بحر الوله وخرج على ساحل الكمد ويقول في دعائه أنت تعلم أني أعلم أنك تعلم أن الإصرار مع الاستغفار لؤم وتركي الاستغفار مع معرفتي بسعة عفوك عجز يا إلهي أنت خصصت خصائصك بخالص الأخلاص وأنت الذي تضن بضنائك عن شوائب الانتقاص وأنت الذي سلمت قلوب العارفين عن اعتراض الوسواس وأنت الذي آنست الآنسين من أوليائك فأعطيتهم كفاية رعاية ولاية المتوكلين عليك تكلؤهم في مضاجعهم وتطلع على سرائرهم وسرى عندك مكشوف وأنا إليك ملهوف وأنت بالاحسان معروف ثم سكت فلم أسمع له صوتا
حدثنا عثمان بن محمد العثماني حدثني محمد بن ابراهيم المذكر ثنا

العباس بن يوسف الشكلى ثنا محمد بن يزيد قال سمعت ذا النون يقول خرجت حاجا الى بيت الله الحرام فبينا أنا بالطواف إذا بشخص متعلق بأستار الكعبة وإذا هو يبكي وهو يقول في بكائه كتمت بلائي من غيرك وبحت بسري إليك واشتغلت بك عمن سواك عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك ثم أنشأ يقول ... ذوقتني طيب الوصال فزدتني ... شوقا إليك مخامر الحسرات ... ثم أقبل على نفسه فقال أمهلك فما ارعويت وستر عليك فما استحيت وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت ثم قال عزيزي مالي إذا قمت بين يديك ألقيت علي النعاس ومنعتني حلاوة قرة عيني له ثم أنشأ يقول ... روعت قلبي بالفراق فلم أجد ... شيئا أمر من الفراق وأوجعا ... حسب الفراق بأن يفرق بيننا ... وأطال ما قد كنت منه مودعا ... قال فلم أتمالك أن أتيت الكعبة مستخفيا فلما أحس تحلل بخمار كان عليه ثم قال يا ذا النون غض بصرك من مواقع النظر فاني حرام فعلمت أنها امرأة فقلت يا أمة الله مم يحوى الهموم قلب المحب فقالت إذا كانت للتذكار محاورة وللشوق محاضرة ياذا النون أما علمت أن الشوق يوري السقام وتجديد التذكار يورث الأحزان ثم أنشأت تقول ... لم أذق طعم وصلك حتى ... زال عني محبتي للأنام ... ثم أنشأت تقول ... نعم المحب إذا تزايد مصله ... وعلت محبته بعقب وصال ... فقالت أوجعني أما علمت أنه لا يبلغ إليه إلا بترك من دونه
حدثنا احمد بن إسحاق ثنا احمد بن الحسين الأنصاري ثنا ابو عصمة قال كنت عند ذي النون وبين يديه فتى حسن يملي عليه شيئا قال فمرت امرأة ذات جمال وخلق قال فجعل الفتى يسارق النظر إليها قال ففطن ذو النون فلوى عنق الفتى وأنشأيقول ... دع المصوغات من ماء وطين ... واشغل هواك بحور عين

حدثنا عثمان بن محمد ثنا احمد بن عبدالرحمن المقري قال سمعت هلال ابن العلاء يقول قال ذو النون من تطاطأ لقط رطبا ومن تعالى لقي عطبا
حدثنا عثمان بن محمد ثنا احمد بن محمد بن عيسى الرازي قال سمعت يوسف ابن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول حرمة الجليس أن تسره فان لم تسره فلا تسؤه لم يكسب محبة الناس في هذا الزمان إلا رجل خفيف المرونة عليهم وأحسن القول فيهم وأطاب العشرة معهم
حدثنا عثمان بن محمد ثنا احمد بن محمد بن سهل النيسابوري أبو الفضل ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط قال سمعت ذا النون يقول معاشرة العارف كمعاشرة الله يحتملك ويحلم عنك تخلقا بأخلاق الله الجميلة قال وسمعت ذا النون يقول لا تتقن بمودة من لا يحبك إلا معصوما ووال من صحبك ووافقك على ما تحب وخالفك فيما تكره فإنما يصحب هواه ومن صخب هواه فإنما هو طالب راحة الدنيا قال وسمعت ذا النون يقول كل مطيع مستأنس وكل عاص مستوحش وكل محب ذليل وكل خائف هارب وكل راج طالب
حدثنا عثمان بن محمد ثنا ابو بكر البغدادي قال قال لي أبو الحسن كتب الوليد بن عتبة الدمشقي الى ذي النون بكتاب يسأله فيه عن حاله فكتب إليه كتبت إلي تسألني عن حالي فما عسيت أن أخبرك به من حالي وأنا بي خلال موجعات أبكاني منهن أربع حب عيني للنظر ولساني للفضول وقلبي للرياسة وإجابتي إبليس لعنه الله فيما يكرهه الله وأقلقني منها عين لا تبكي من الذنوب المنتنة وقلب لا يخشع عند نزول العظة وعقل وهن فهمه في محبة الدنيا ومعرفة كلما قلبتها وجدتني بالله أجهل وأضناني منها أني عدمت خير خصال الايمان الحياء وعدمت خير زاد الآخرة التقوى وفنيت أيامي بحبتي للدنيا وتضييعي قلبا لاأقتني مثله أبدا
حدثنا عثمان بن محمد حدثني الحسن بن ابي الحسن المصري ثنا محمد ابن يحيى بن آدم ثنا إسحاق بن إبراهيم الخواص قال سمعت ذا النون يقول لم أر شيئا أبعث للآخلاص من الوحدة لأنه إذا خلا لم ير غير الله فاذا لم ير

غير الله لم تحر له إلا خشية الله ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الاخلاص واستمسك بركن كبير من أركان الصدق
حدثنا محمد بن عثمان بن محمد ثنا احمد بن محمد بن عيسى ثنا يوسف بن الحسين قال سمعت ذا النون يقول الحب لله عام والود لله خاص لأن كل المؤمنين يذوقون حبه وينالونه وليس كل مؤمن ينال وده ثم أنشأيقول ... من ذا ق طعم الوداد ... حمى جميع العباد ... من ذا ق طعم الوداد ... قلى جميع العباد ... من ذاق طعم الوداد ... سلى طريق العباد ... من ذاق طعم الوداد ... أنس برب العباد ...
حدثنا عثمان بن محمد ثنا عبدالله بن جعفر المصري ثنا عبدالله بن محمد البرقعي قال سمعت ذا النون يقول الأنس بالله نور ساطع والأنس بالناس غم واقع قيل لذي النون ما الأنس بالله قال العلم والقرآن
حدثنا عثمان ثنا احمد بن محمد بن عيسى ثنا محمد بن احمد بن سلمة قال سمعت ذا النون وقيل له ما علامة الأنس بالله قال إذا رأيت أنه يوحشك من خلقه فإنه يؤنسك بنفسه وإذا رأيت أنه يؤنسك بخلقه فاعلم أنه يوحشك من خلقه وضمن لهم أرزاقهم فحرصوا على أمته وقد نهاهم عنها وطلبوا الأرزاق وقد ضمنها لهم فلاهم على أمته قدروا ولا هم في أرزاقهم استزادوا ثم قال ... عجبا لقلبك كيف لا يتصدع ... ولركن جسمك كيف لا يتضعضع ... فاكحل بملمول السهاد لدى الدجى ... إن كنت تفهم ما أقول وتسمع ... منع القرآن بوعده وعيده ... فعل العيون بليلها ان تهجع ... فهموا عن الملك الكريم كلامه ... فهما تذل له الرقاب وتخضع ...
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا ابو الحسن الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول قال ذو النون صدور الأحرار قبور الأسرار قال وسئل ذو النون لم أحب الناس الدنيا قال لأن الله تعالى جعلها خزانة أرزاقهم فمدوا

أعينهم إليها وقيل له ما إسناد الحكمة قال وجودها وسئل يوما فيم يجد العبد الخلاص فقال الخلاص في الاخلاص فاذا أخلص تخلص فقيل فما علامة الاخلاص قال إذا لم يكن في عملك صحبة المخلوقين ولا مخافة ذمهم فأنت مخلص إن شاء الله تعالى
حدثنا عثمان بن محمد قال سمعت أحمد بن عبدالله بن سليمان الدمشقي يقول سمعت أبا جعفر محمد بن خلف بن ضوء الرقي يقول سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عبدالله الصوفي يقول سئل ذو النون المصري عن المحبة فقال هي التي لا تزيدها منفعة ولا تنقصها مضرة ثم أنشأيقول ... شواهد أهل الحب باد دليلها ... باعلام صدق ما يضل سبيلها ... جسوم أولي صدق المحبة والرضى ... تبين عن صدق الوداد نحولها ... إذا ناجت الافهام أنس نفوسهم ... بالسنة تخفي على الناس قبلها ... وضجت نفوس المستهامين واشتكت ... جوى كان عن أجسامها شربيلها ... يحنون حزنا ضاعف الخوف شجوه ... ونيران شوق كالسعير عليها ... وساروا على حب الرشاد إلى العلى ... نوم بهم تقواه وهو دليلها ... فحطو بدار القدس في خير منزل ... وفاز بزلفى ذي الجلال حلولها ...
أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب البغدادي ثنا أبو جعفر محمد بن عبدالملك بن هاشم قال قلت لذي النون كم الأبواب إلى الفطنة قال أربعة أبواب أولها الخوف ثم الرجاء ثم المحبة ثم الشوق ولها أربعة مفاتيح فالفرض مفتاح باب الخوف والنافلة مفتاح باب الرجاء وحب العبادة والشوق مفتاح باب المحبة وذكر الله الدائم بالقلب واللسان مفتاح باب الشوق وهي درجة الولاية فإذا هممت بالارتقاء في هذه الدرجة فتناول مفتاح باب الخوف فإذ فتحته اتصلت إلى باب الفطنة مفتوحا لا غلق عليه فإذا دخلته فما أظنك تطيق ما ترى فيه حينئذ يجوز شرفك الأشراف ويعلو ملكك ملك الملوك واعمل أي أخي أنه ليس بالخوف ينال الفرض ولكن بالفرض ينال الخوف ولا بالرجا تنال النافلة ولكن بالنافلة ينال الرجاء كما

أنه ليس بالأبواب تنال المفاتيح ولكن بالمفاتيح تنال الأبواب واعلم أنه من تكامل فيه الفرض فقد تكامل فيه الخوف ومن جاء بالنافلة فقد جاء بالرجاء ومن جاء بمحبة العبادة فقد وصل إلى الله ومن شغل قلبه ولسانه بالذكر قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه وهذا سر الملكوت فاعلمه واحفظه حتى يكون الله عز و جل هو الذي يناوله من يشاء من عباده
حدثنا أبو أحمد عاصم بن محمد الايلي قال سمعت الضل بن صدقة الواسطي يقول سمعت ذا النون المصري يقول إذا اطلع الخبر على الضمير فلم يجد في الضمير غير الخبير جعل فيه سرجا منيرا
حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد حدثني سالم بن جميل الواسطي قال سمعت الشمشاطي يقول سمعت ذان النون يقول أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى كن كالطير الوحداني يأكل من رؤس الأشجار ويشرب من ماء القراح إذا جنه الليل أوى إلى كهف من الكهوف إستئناسا بي وإستيحاشا ممن عصاني يا موسى إني آليت على نفسي أن لا أتم لمة بر من دوني عملا يا موسى لأقطعن أمل كل مؤمل يؤمل غيري ولأقصمن ظهر من استند إلى سوائي ولأطيلن وحشة من استأنس بغيري ولأعرضن عن من أحب حبيبا سوائي يا موسى إن لي عبادا إن ناجوني أصغيت إليهم وإن نادوني أقبلت عليهم وإن أقبلوا على أدنيتهم وإن دنوا مني قربتهم وإن تقربوا مني اكتنفتهم وإن والوني واليتهم وإن صافوني صافيتهم وإن عملوا لي جازيتهم هم في حماي وبي يفتحرون وأنا مدبر أورهم وأنا سائس قلوبهم وأنا متولي أ والهم لم أجعل لقلوبهم راحة في شيء إلا في ذكري فذكري لأسقامهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء لا يستأنسون إلا بي ولا يحطون رحال قلوبهم إلا عندي ولا يستقر قرارهم في الإيواء إلا إلي ثم قال ذو النون هم يا أخي قوم قد دوب الحزن أكبادهم وأنحل الخوف أجسامهم وغير السهر ألوانهم وأقلق خوف البعث قلوبهم قد سكنت

أسرارهم إليه وتذللت قلوبهم عليه فنفوسهم عن الطاعة لا تسلو وقلوبهم عن ذكره لا تخلو وأسرارهم في الملكوت تعلو الخشوع يخشع لهم إذا سكتوا والدموع تخبر عن خفي حرفتهم إذا كمدوا قدسوا فرج الشهوات بحلاوة المناجاة فليس للغفلة عليهم مدخل ولا للهو فيهم مطمع قد حجب التوفيق بينهم وبين الآفات وحال العصمة بينهم وبين اللذات فهم على بابه يبكون وإليه يبكون ومنه يبكون فيا طويى للعارفين ما أغنى عيشهم وما ألذ شربهم وما أجل حبيبهم
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول من ذبح خنجر الطمع بسيف الإياس وردم خندق الحرص ظفر بكيمياء الحزمة ومن استقى بحبل الزهد على دلو الغروف استقى من حب الحكمة ومن سلك أدوية الكمد بحياء حياة الأبد ومن حصد عشب الذنوب بمنجل الورع أضاءت له روضة الاستقامة ومن قطع لسانه بشفرة الصمت وجد طعم عذوبة الراحة ومن تدرع بدرع الصدق قوي على مجاهدة عسكر الباطل واعتدل خوفه ورجاؤه وحسن في الآخرة مثواه ومن فرح بمدحة الجاهل الشيطان ثوبه الحماقة
حدثنا أبي ثنا أحمد ثا سيعد قال ذو النون وسأله رجل فقال يا أبا الفيض ما التوكل فقال له خلع الأرباب وقطع الأسباب فقال له زدني فيه حالة أخرى فقال إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية قال وسمعت ذا النون يقول طوبى لمن تطهر ولزم الباب طوبى لمن تضمر للسباق طوبى لمن أطاع الله أيام حياته قال وسمعته يقول من وثق بالمقادير استراح ومن صحح استراح ومن تقرب قرب ومن صفى صفي له ومن توكل وفق ومن تكلف مالا يعنيه ضيع ما يعنيه
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد ثنا سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا سائر في بلاد العرب إذا أنا برجل على عريش من البلوط وعنده عين ماء تجري فأقمت عليه يوما وليلة أريد أن أسمع كلامه فأشرف علي بوجهه

فسمعته يقول شهد قلبي لله بالنوازل وكيف لا يشهد قلبي بذلك وكل أمورهم إليك فحسب من أغتر بك أن يألف قلبه غيرك هيهات هيهات لقد خاب لديك المقصرون سيدي ما أحلا ذكرك أليس قصدك مؤملوك فنالوا ما أملوا وجدت لهم منك بالزيادة على طلبوا فقلت له يا حبيبي إني مقيم عليك منذ يوم وليلة أريد أن أسمع من لامك فقال لي قد رأيتك بأبطال حين أقبلت ولكن ما ذهب روعك من قلبي إلى الآن فقلت له ولم ذلك وما الذي أفزعك مني فقال بطالتك في يوم عملك وشغلك في يوم فراغك وتركك الزاد ليوم معادك ومقامك على المظنون فقلت إن الله تعالى كريم ما ظن به أحد شيئا إلا أعطاه فقال إ ه لكذلك إذا وافقه العمل الصالح والتوفيق فقلت له رحمك الله يا حبيبي ما ها هنا فتية تستأنس بهم فقال بلى ههنا فتية متفرقون في رؤس الجبال قلت فما طعامهم في هذا المكان قال أكلهم الفلق من خبز البلوط ولباسهم الخرق من الثياب قد يئسوا من الدنيا ويئست الدنيا منهم قد لصقوا بمقام الأرض وتلففوا بالخرق فلو رأيتهم رجالا إذا جنهم الليل بسكاكين السهر فقلت له يا حبيبي فما مع القوم دواء يتعالجون به من الألم قال بلى قلت وما ذاك الدواء قال إذا أكلوا أضافوا من الكلال بالكلال وجدوا بالارتحال فتسكن العروق ويهدأ الألم فقلت له يا حبيبي فلا يسيرون بجد فقال هذا تقول بأبطال إن القوم أعطوا المجهود من أ فسهم فلما دبرت المفاصل من الركوع وقرحت الجباه من السجود وتغيرت ألألوان من السهر ضجوا إلى الله بالاستعانة فهم أحلاف اجتهاد يهيمون فلا تقربهم الأوطان ولا يسكنون إلى غير الرحمن فقلت له حبيبي أوصني فقال لي عليك بمعاقبة نفسك إذا دعتك إلى بلية ومنابذلتها إذا دعتك إلى الفترة فإن لها مكر وخداعا فإذا فعلت هذا الفعل أغناك عن المخلوقين وسلاك عن مجالسة الفاسقين
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا سعيد قال سمعت ذا النون يقول أسفرت منازل الدجا وثبتت حجج الله على خلقه فأخذ بحظه ومضيع لنفسه

فمناره حكمته وحجته كتابه فقامت الدنيا ببهجتها فأقعدت المريد وألهت الغافل فلا المريد طلب دواءه ولا الغافل عرف داءه ثم خص الله خصائص من خلقه فعرفهم حكمته فنظروا من أعين القلوب إلى محجوب فساحت أرواحهم في ملكوت السماء ثم عادت إليهم بأطيب جنى ثمار السرور فعند ذلك صيروا الدنيا معبرا والآخرة منزلا همتهم وقلوبهم عند ربهم فأول ابتداء نعمة الله على من اختص الله من خلقه أهاجة النفوس على مناظر العقول فعند ذلك قام لها شواهد من المعرفة تقف به عند العجز والتقصير وهما حالان يورثان الهم ويحثان على الطلب ولن تغني النفس إلا بالعلم بالله
حدثنا عثمان بن محمد حدثني أبو بكر الصيدلاني حدثني جدي أحمد بن إبراهيم قال كتب رجل إلى ذي النون يسأله عن حاله فكتب إليه ذو النون مالي حال أرضاها ولا لي حال لا أرضاها كيف أرضى حالي لنفسي إذ لا يكون مني إلا ما أراد من الأحوال ولست أدري أيا أحسن حالي في حسن إحسانه إلي أم حسن حالي في سوء حالي إذ كان هو المختار لي غير أني في عافية ما دمت في العافية التي أظن أنها عافية إلا أني أجد طعم ما عنده للذي تقدم من مرارة القديم وما حاجتي الى أن أعلم ما هو إذ كان هوقد قد علم ما هو كائن وهو المكون للأشياء وهو الذي اختاره لي
حدثنا عثمان بن محمد أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول من وجد فيه خمس خصال رجوت له السعادة ولو قبل موته بساعة قيل ما هي قال سوء الخلق عنه وخفة الروح وغزارة العقل وصفاء التوحيد وطيب المولد
حدثنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن عبدالعزير الرازي بنيسابور قال سمعت يوسف بن الحسين يقول قلت لذي النون لما أردت توديعه أوصني رضي الله عنك بوصية أحفظها عنك فقال لا تكن خصما لنفسك على ربك مستزيدة في رزقك وجاهك ولكن خصما لربك على نفسك فإنه لا يجتمع معك عليك ولا تلقين أحدا بعين لازدراء والتصغير وإن كان مشركا خوفا من

عاقبتك وعافبته فلعلك تسلب المعرفة ويرزقها سمعت أبا بكر يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول لا يتفكر القلب لغير الله إلا إذا كان عليه عقوبة
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد ثنا سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول اللهم اجعلنا من الذين استظلوا تحت رواق الحزن وقرؤا صحف الخطايا ونشروا دواوين الذنوب فأورثهم الفكر الصالحة في القلوب اللهم واجعلنا من الذين أدبوا أنفسهم بلذة الجوع وتزينوا بالعلم وسكنوا حظيرة الورع وغلقوا أبواب الشهوات وعرفوا مسير الدنيا بموقنات المعرفة حتى نالوا علو الزهد فاستعذبوا مذلة النفوس فظفروا بدار الجلال وتواسوا بينهم بالسلام واجعلنا من الذين فتقت لهم رتق غواشي جفون القلوب حتى نظروا إلى تدبير حكمتك وشوهد حجج تبيانك فعرفوك بموصول فطن القلوب فرقيت أرواحهم عن أطراف أجنحة الملائكة فسماهم أهل الملكوت زوارا وأهل الجبروت عمارا وتردوا في مصاف المسبحين ولاذو بأفنية المقدسين فتعلقوا بحجاب العزة وناجوا ربهم عند مطارفة كل شهوة حتى نظروا بأبصار القلوب إلى عز الجلال إلى عظيم الملكوت فرجعت القلوب إلى الصدور على الثبات بمعرفة توحيدك فلا إله إلا أنت
حدثنا عثمان بن محمد ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسين يقول بينا أنا نائم في صحن مسجد ذي النون في جوف الكعبة فسمعته هو يقول ... حبك قد أرقني ... وزاد قلبي سقما ... كتمته في القلب ... والأحشا حتى انكتما ... لا تهتك ستري الذي ... ألبستني تكرما ... ضيعت نفسي سيدي ... فردها مسلما ... ثم قال سقى الله أرواح قوم مناها إن ذكروا الله فنسوا النفوس لم يذكروا مع الله غير الله ثم قال هم والله مرادون قد خصوا وصفوا وطيبوا فعاشوا

بروح الله في أعظم القدر
حدثنا عثمان بن محمد ثنا أبو الحسن قال قال يوسف بن الحسين قال ذو النون شعر ... لذ قوم فأسرفوا ... ورجال تقشفوا ... جعلوا إلهم واحدا ... ومضوا ما تخلفوا ... طالبين جنة ... آثروها فأسعفوا ...
حدثنا عثمان ثنا أحمد بن محمد البغدادي قال سمعت يوسف يقول سمعت ذا النون يقول إلهي الشيطان لك عدو ولنا عدو ولن تغيظه بشيء أنكأ له من عفوك عنا فاعف عنا
حدثنا عثمان ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ثنا يوسف بن الحسين قال قال ذو النون ما هلك من هلك إلا بطلب أمر قد أخفاه أو إنكار أمر قد أبداه
حدثنا عثمان ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ثنا يوسف بن الحسين قال قال ذو النون دخلت على بعض متعبدي العرب فقلت له كيف أصبحت قال أصبحت في بحابح نعمه أجول وبلسان فضله وإحسانه أقول نعماؤه علي باطنة وظاهرة وغصون رياض مواهبه على مشرقة زاهرة قال وقال ذو النون دخلت علي متعبدة فقلت لها كيف أصبحت فقالت أصبحت من الدنيا على وقار مبادرة في أخذ الجهاز متأهبة لهول يوم الجواز له على نعم أعترف بتقصيري عن شكرها وأتصل عن ضعفي عن إحصائا وذكرها فقد غفلت القلوب عنه وهو منشيها وأدبرت النفوس عنه هو يناديها فسبحانه ما أمهله فلا نام مع تواتر الأيادي والأنعام قال وسمعته يقول أنت ملك مقتدر وأنا عبد مفتقر أسألك العفو تذللا فأعطيته تفضلا قال وسمعت ذا النون يقول من المحال أن يحسن منك الظن ولا يحسن منه المن قال وسمعته يقول كيف أفرح بعملي وذنوبي مزدحمة أم كيف أفر بأملي وعاقبتي مبهمة قال وسمعته يقول الكيس من بادر بعمله وسوف بأمله واستعد لأجله

حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي إلهي كيف انقلب ن عندك محروما وقد كان سن ظني يك منوطا إلهي فلا تبطل صدق رائي لك بين الآدميين إلهي سمع العابدون بذكرك فخضعوا وسمع المذنبون بحسن عفوك فطمعوا إلهي إن كانت أسقطتني الخطايا من مكارم لطفك فقد آنسني اليقين إلى مكارم عطفك إلهي إن أمنتني الغفلة من الاستعداد للقائك فقد نبهتني المعرفة لكرم آلائك إلهي إن دعاني إلى النار أليم عقابك فقد دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك
حدثنا أبي ثنا أحمد ثا سعيد بن عثمان ح وحدثنا محمد بن إبراهيم بن أ مد قال قرأت على أبي الفضل محمد بن أحمد بن سهل ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط قال سمعت ذا النون وسأله الحسن بن محمد عن صفة المهمومين فقال له ذو النون لو رأيتهم لرأيت قوما لهم هموم مكنونة خلقت من لباب المعرفة فإذا وصلت المعرفة إلى قلوبهم سقاهم بكأس سر السر من مؤانسة سر محبته فهاموا بالشوق على وجوههم فعندها لا يحطون رحال الهم إلا بفناء محبوبهم فلو رأيتهم لرأيت قوما أزعجهم الهم عن أوطانهم وثبتت الأحزان في أسرارهم فهممهم إليه سائرة وقلوبهم اليه من الشوق طائرة فقد أضجعهم الخوف على فرش الأسقام وذبحهم الرجاء بسيف الانتقام وقطع نياط قلوبهم كثرة بكائهم عليه وزهقت أرواحهم من شدة الوله إليه قد هد أجسامهم الوعيد وغير ألوانهم السهر الشديد إلى الهرب من المواطن والمساكن والأعلاق إلى أن تفرقوا في الشواهق والمغائص والآكام أكلهم الحشيش وشربهم الماء القراح يتلذذون بكلام الرحمان ينوحون به على أنفسهم نوح الحمام فرحين في خلواتهم لا يفتر لهم جارحة في الخلوات ولا تستريح لهم قدم تحت ستور الظلمات فيا لها نفوس طاشت بهممها والمسارعة إلى محبتها لما أملت من اتصال النظر إلى ربها فنظرت فأنست ووصلت فأوصلت وعرفت ما أراد بها فركبت النجب وفتقت الحجب حتى كشفت

عن همها الكرب فنظرت بهمم محبتها إلى وجه الله الواحد القهار ثم أنشأ ذو النون يقول ... رجال أطاعوا الله في السر والجهر ... فما باشروا اللذات حينا من الدهر ... أناس عليهم رحمة الله أنزلت ... فظلوا سكونا في الكهوف وفي القفر ... يراعون نجم الليل ما يرقدونه ... فباتوا بإدمان التهجد والصبر ... فداخل هموم القوم للخلق وحشة ... فصاح بهم أنس الجليل إلى الذكر ... فأجسادهم في الأرض هونا مقيمة ... وأرواحهم تسري إلى معدن الفخر ... فهذا نعيم القوم إن كنت تبتغي ... وتعقل عن مولاك أداب ذوي القدر ...
حدثنا أبي ثا أحمد ثنا سعيد قال سمعت ذا النون وقيل له متى يأنس العبد بربه قال إذا خافه أنس به إنما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب
حدثنا أبو عمرو وعثمان بن محمد ثنا أبو الحسين محمد بن عبدالله بن جعفر الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول بلغني أن ذا النون يعلم اسم الله الأعظم فخرجت من مكة قاصدا إليه حتى وافيته في جيزة مصر فأول ما بصر بي ورآني وأنا طويل اللحية وفي يدي ركوة طويلة متزر بمئزر وعلي كتفي مئزر وفي رجلي ناسومة فاستشنع منظري فلما سلمت عليه كأنه ازدراني ولم أر منه تلك البشاشة فقلت في نفسي ما تدري مع من وقعت قال فجلست ولم أبرح من عنده فلما كان بعد يومين أو ثلاثة جاءه رجل من المتكلمين فناظره في شيء من الكلام فاستظهر على ذي النون وعليه فاغتنمت ذلك وبركت بين يديهما واستلبت المتكلم إلي وناظرته حتى قطعته ثم ناظرته بشيء لم يفهم كلامي قال فتعجب ذو النون وكان شيخا وأنا شاب قال فقام من مكانه وجلس بين بدي وقال اعذرني فإني لم أعرف محلك من العلم وأنت آثر الناس عندي قال فما زال بعد ذلك يجلني ويكرمني ويرفعني عن جميع أصحابه حتى بقيت على ذلك سنة فقلت له بعد ذلك يا أستاذ أنا رجل غريب وقد اشتقت إلى أهلي وقد خدمتك سنة وقد وجب حقي عليك وقيل لي إنك تعرف اسم الله

الأعظم وقد جربتني وعرفت أني أهل لذلك فإن كنت تعرفه فعلمني إياه قال فسكت ذو النون عني ولم يجبني بشيء وأوهمني أنه لعله يقول لي ويعلمني ثم سكت عني ستة أشهر فلما كان بعد ستة أسهر من يوم مسألتي إياه قال لي يا أبا يعقوب أليس تعرف فلانا صديقنا بالفسطاط الذي يجيئنا وسمى رجلا فقلت بلى قال فأخرج إلى من بيته طبقا فوقه مكبة مشدود بمنديل فقال لي أوصل هذا إلى من سميت لك بالفسطاط قال فأخذت الطبق الأدوية فإذا طبق خفيف يدل على أن ليس في جوفه شيء فلما بلغت الجسر الذي بين الفسطاط والجيزة قلت في نفسي ذو النون يوجه إلى رجل بهدية وهذا أرى طبقا خفيفا لأبصرن أي شيء فيه قال فحللت المنديل ورفعت المكبة فإذا فارة قد قفزت من الطبق فمرت قال فاغتظت وقلت إنما سخر بي ذو النون ولم يذهب وهمي إلى ما أراد في الوقت قال فجئت إليه وأنا مغضب فلما رآني تبسم وعرف القصة وقال يا مجنون ائتمنتك في فأرة فخنتني أئتمنك على اسم الله الأعظم قم عني فارتحل ولا أراك بعد هذا
حدثنا عثمان بن محمد أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى حدثني محمد بن أحمد الحذاء قال سمعت هارون بن عيسى البغدادي يقول حدثني أبي عن زرافة صاحب المتوكل قال لما انصرف ذون النون من عند أمير المؤمنين دخل علي ليودعني فقلت له اكتب لي دعوة ففعل فقربت إليه جام لوز ينج فقلت له كل من هذا فإنه يرزن الدماغ وينفع العقل فقال ينفعه غير هذا قلت وما ينفعه قال اتباع أمر الله والانتهاء عن نهيه أما علمت أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنما العاقل من عقل عن الله أمره ونهيته فقلت أكرمني بأكله فقال أريد غير هذا قلت وأي شيء تريد فقال هذا لمن لا يعرف الحلو ولا يعرف أ له وإن أهل معرفة الله يتحذرون خلاف هذا اللوزينج قلت لا أظن أحدا في الدنيا يحسن أن يتخذ أجود من هذا وأن هذا من مطبخ أمير المؤمنين المتوكل على الله فقال أنا أصف لك لوزينج المتوكل على الله قلت هات لله أبوك قال خذ لباب مكنون محض طعام المعرفة واعجنه

بماء الاجتهاد وانصب اثقية الانكماد وطابق صفو الوداد ثم أخبز خبز لوزينج العباد بحر نيران نفس الزهاد وأوقده بحطب الأسى حتى ترمى نيران وفودها بشرر الضنا ثم احش ذلك بقيد الرضا ولوز الشجا من ضوضان بمهراس الوفا مطيبا بطين رقة عشق الهوى ثم اطوه طي الأكياس للأيام بالعرا وقطعه بسكاكين السهر في جوف الدجا ورفض لذيذ الكرا ونضده على جامات القلق والسهر وانتثر عله سكرا بعمل من زفرات الحرق ثم كله بأنامل التفويض في ولائم المناجاة بوجدان خواطر القلوب فعند ذلك تفريج كرب القلوب ومحل سرور المحب بالملك المحبوب ثم ودعني
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي في كتابه وقد رأيته وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال أنشدني محمد بن عبدالملك بن هاشم لذي النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى ... الحمد لله حمدا لا نفاد له ... حمدا يفوت مدا الإحصاء والعدد ... ويعجز اللفظ والأوهام مبلغه ... حمدا كثيرا كإحصاء الواحد الصمد ... ملء السموات والأرضين مذ خلقت ... ووزنهن وضفع الضعف في العدد ... وضعف ما كان وما قد يكون إلي ... بعد القيامة أو يفنى مدا الأبد ... ووضعف ما درت الشمس الشروق به ... وما اختفى في سماء أو ثرى جرد ... وضعف أنعمه في كل جارحة ... وكل نفسة نفس واكتساب يد ... شكرا لما خصنا من فضل نعمته ... من الهدى ولطيف الصنع والرقد ... رب تعالى فلا شيء يحيط به ... وهو المحيط بنا في كل مرتصد ... لا الابن والحيث والكيف يدركه ... ولا يحد بمقدار ولا أمد ... وكيف يدركه حد ولم تره ... عين وليس له في المثل من أ د ... أم كيف يبلغه وهم بلا شبه ... وقد تعالى عن الأشباه والولد ... من أنشأ قبل الكون مبتدعا ... من غير شيء قديم كان في الأبد ... ودهر الدهر والأوقات واختلفت ... بما يشاء فلم ينقص ولم يزد ... إذ لا سماء ولا أرض ولا شبح ... في الكون سبحانه من قاهر صمد

ما ازداد بالخلق ملكا حين أنشأهم ... ولا يريد بهم دفعا لمضطهد ... وكيف وهو غني لا افتقار به ... والخلق تضطر بالتصريف والأود ... ولم يدع خلق ما لم يبد خلقته ... عجزا على سرعة منه ولا تؤد ... إحاطة بجميع الغيب عن قدر ... أحصى بها كل موجود ومفتقد ... وكلهم باضطرار الفقر معترف ... إلى فواضله في كل معتمد ... العالم الشيء في تصريف حالته ... ما عاد منه وما يمضي فلم يعد ... ويعلم السر من نجوى القلوب وما ... يخفى عليه خفى جال في خلد ... ويسمع الحس من كل الوري ويرى ... مدارج الذر في صفوانه الجلد ... وما توارى من الأبصار في ظلم ... تحت الثرى وقرار الغم والثمد ... الأول الآخر الفرد المهيمن لم ... ثزب ولم يذكر قرب ولا بعد ... عال على عليم لا زوال له ... ولم يزل أزليا غير ذي فقد ... وجل في الوصف عن كنه الصفات وعن ... مقال ذي الشك والإلحاد والعند ... من لا يجازى بنعمي من فواضله ... ولم ينله بمدح وصف مجتهد ... وكل فكرة مخلوق اذا اجتهدت ... بمدحه لم تنل إلا إلى الأبد ... مسبح بلغات العارفات به ... لم تدر ما غيره ربا ولم تجد ... الفالق النور والظلماء وهي على ... ما تقاذف بالأمواج والزبد ... إذا مدها مد فوق الريح منشئها ... فسبحت وهي فوق الماء في ميد ... وشدها بالجبال الصم فاضطأدت ... أركانها بشداد الصخر والجلد ... برا السموات سقفا ثم أنشأها ... سبعا طباقا بلا عون ولا عمد ... تقلهن مع الأرضين قدرته ... وكل ذلك لم يثقل ولم يؤد ... وبث فيها صنوفا من بدائعه ... من الخلائق من مثنى ومن وهد ... من كل جنس برا أصنافه وذرا ... أشباحه بين مكسور ومنجرد ... فيها الملائك بالتسبيح خاضعة ... لا يسأمون لطول الدهر والأمد ... فمنهم تحت سوق العرش اربعة ... كالثور والنسر والإنسان والأسد ... فكل ذي خلقة يدعو لمشبهه ... في الخلق بالعيشة المرضية الرغد

برا السماء بروجا من كواكبها ... يجرين من فلك الأفلاك في كبد ... منها جوار ومنها راكد أبدا ... والقطب في مركز منهن كالوتد ... والشهب تحرق فيها يبنين إلى ... قذف الشياطين من جناتها المرد ... وكل مسترق للسمع يتبعه ... منها شهاب نجوم دائم الرصد ... ويرفع الغيم أعصارها فترى ... فيها الصواعق بين الماء والبرد ... على هواء رقيق في لطافته ... يحيي به كل ذي روح وذي جسد ... وصير الموت فوق الخلق لا لجأ ... منه ولا هرب إلى سند ... فالموت ميت وكل هالكون خلا ... وجه الإله الكريم الدائم الصمد ... أفنى القرون وأفنى كل ذي عمر ... كعمر نوح ولقمان أخي لبد ... يا رب إنك ذو عفو ومغفرة ... فنجنا من عذاب الموقف النكد ... واجعل إلى جنة الفردوس موئلنا ... مع النبيين والأبرار في الخلد ... سبحان ربك رب العز من ملك ... من اهتدى بهدى رب العالمين هدي ...
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت الحسن بن علي بن خلف يقول سمعت إسرافيل يقول سمعت ذا النون المصري يقول ... أموت وما ماتت إليك صبابتي ... ولا رويت من صدق حبك أوطاري ... منادى المنا كل المنا أنت لي منى ... وأنت الغني كل الغنى عند إقصاري ... وأنت مدا سؤلي وغاية رغبتي ... وموضع شكواي ومكنون إضماري ... تحمل قلبي فيك مالا أبثه ... وإن طال سقمي فيك أو طال اضراري ... وبين ضلوعي منك ما لولاك قد بدا ... ولم يبد باديه لأهلي ولا جاري ... وبي منك في الأحشاء داء مخامر ... فقد هد مني الركن وأثبت أسراري ... ألست دليل الركب إن هم تحيروا ... ومنقذ من أشفى على جرف هاري ... أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن ... من النور في أيديهم عشر معشاري ... فنلني بعفو منك أحيى بقربه ... وغش بيسر منك فقري وإعساري ...
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت الحسن بن علي بن خلف يقول قال لي إسرافيل أنشدني ذون النون المصري

مجال قلوب العارفين بروضة ... سماوية من دونا حجب الرب ... معسكرها فيها مجني ثمارها ... تنسم روح الأنس لله من قرب ... يكنفها من عالم السر قربه ... فلو قدر الآجال ذابت من الحب ... وأروى صداها صرف كاسات حبه ... وبرد نسيم جل عن منتهى الخطب ... فيال قلوب قربت فتقربت ... لذي العرش ممن زين الملك بالقرب ... رضاها فأرضاها فحازت مد الرضى ... وحلت من المحبوب بالمنزل الرحب ... لها من لطيف الحب عزم سرت به ... ويهتك بالأفكار ما داخل الحجب ... فإن فقدت خوف الفراق لألفها ... أدامت حنينا تطلب الأنس بالقرب ... سرى سرها بين الحبيب وبينها ... فأضحى مصونا من سوى الرب في القلب ...
حدثنا عثمان بن محمد ثنا أبو بكر البغدادي قال سمعت عبدالله بن سهل الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول قال ذو النون حقيقة السخاء أن تلزم البخيل في منعه إياك لو ما لأنك إنما لمته واشتغلت به لوقوع ما منعك في قلب ولو هان ذلك عليك لم تشتغل بلومه ثم أنشأ يقول ... كريم كصفو الماء ليس بباخل ... بشيء ولا مهد ملاما لباخل ...
حدثنا عثمان بن محمد قال سمعت أبا الحسن المذكر يذكر عن بعض أشياخه عن ذي النون قال صحبت زنجيا في التيه وكان مفلفل الشعر فإذا ذكر الله ابيض فور على أمر عظيم فقلت يا هذا إنك إذا كرت الله تحول لونك وانقلبت عيناك قال فجعل يخطر في التيه ويقول ... ذكرنا وما كنا لننسى فنذكر ... ولكن نسيم القرب يبدو فيظهر ... فأحيى به عني وأحيى به له ... إذ الحق عنه مخبر ومعبر ... قال ذو النون فما طرق سمعي مثل حكمة ذلك الزنجي فعلمت أن لله تعال عبادا تعلى قلوبهم بالأذكار كما تعلى الأطيار في الأوكار لو فتشت منهم القلوب لما وجدت فيها غير حب المحبوب قال ثم بكى ذو النون وأنشا يقول ... وأذكر اصنافا من الذكر حشوها ... وداد وشوق يبعثان على الذكر ... فذكر أليف الحب ممتزج بها ... يحل محل الروح في طرفها يسري

وذكر يعز النفس منها لأنه ... لها متلف من حيث يدري ولا تدري ... وذكر علا مني المفاوز والذرى ... يجل عن الأوصاف بالوهم والفكر ...
أخبرنا محمد بن أحمد البغدادي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد حدثني أبو محمد عبدالله بن سهل قال سمعت ذا النون المصري أبا الفيض وسألته قلت متى تخلص لله صلاتي قال إذا سكنت معادن الأنوار من قلبك ونفذته في ملكوت همك قلت متى يتم زهدي بعد ورعي قال إذا جعلت الفرض لك معلما وأقمت الطاعة لك مفهما قلت فمتى أو من قال إذا اشتمل الفرض على أمرك وملكت الطاعة على نفسك قلت فمتى أتوكل قال اليقين إذا تم سمي توكلا قلت متى يتم حبي لربي قال إذا سمجت الدنيا في عينك وقذفت أملك فيها بين يديك قلت فمتى أخاف ربي قال إذا سرحت بصرك في عظمته ومثلت لنفسك أمثال نقمته قلت فمتى يتم صومي قال إذ جوعت نفسك من البغضاء وأمت لسانك من الفحشاء قلت فمتى أعرف ربي قال إذا كان لك جليسا ولم تر لنفسك سواه أنيسا قلت فمتى أحب ربي قال إذا كان ما أسخطه عندك أمر من الصبر قلت فمتى أشتاق إلى ربي قال إذا جعلت الآخرة لك قرارا ولم تسم الدنيا لك مسكنا ودارا قلت فمتى يشتد في بغض الدنيا قال إذا جعلت الدنيا طريق مخافة لا تلتفت إلى ما قطعت منها وجعلت الآخرة ساحة مأمونة لا تأمن إلا بالنزول فيها قلت فمتى أحب لقاء ربي قال إذا كنت تقدم على حبيب وتصير عن أمر قريب قلت فمتى أستلذ الموت قال إذا جعلت الدنيا خلف ظهرك وجعلت الآخرة نصب عينيك قلت فمتى أتقي شهوات مطاعم الأرض قال إذا خالط قلبك الملكوت ومزج في سرائر الجبروت قلت فمتى تطيب معرفتي قال إذا استوحشت من الدنيا واشتد فرحك بنزل البلاء قلت فمتى أستقبح الدنيا قال إذا علمت أن زينتها فساد كل معنى وأن محاسنها تفضي إلى كل حسرة قلت فمتى أكتفي بأهون الأغذية قال إذا عرفت هلاك الشهوات وسرعة انقطاع عذوبة اللذات قلت فمتى قنوع التمام قال إذا

كان رخرف الدنيا عندك صغيرا وكان خوف الآخرة لك ذكرا قلت فمتى أستحق ترك الجمع قال إذا عرفت أنك منقول إلى معاد وأنك مأخوذ بتبعات العباد قلت فمتى آمر بالمعروف قال إذا كانت شفقتك على غيرك وخالفت العباد لمحبة ربك قلت فمتى أوثر الله ولا أوثر عليه سواه قال إذا أبغضت فيه الحبيب وجانبت فيه القريب قلت فمتى أفزع إلى ذكره وآنس بشكره قال إذا سررت ببلائه وفرحت بنزول قضائه
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول المستأنس بالله في وقت استئناسه يستأنس بجميع ما يرى ويسمع ويحس به في ملكوت ربه والمهيب له يهاب جميع ما يرى ويسمع ويحس به في ملكوت ربه ويستأنس بالذر فما دونه ويهابه قال وقال ذو النون ثلاثة من أعلام الإسلام النظر لأهل الملة وكيف الأذى عنهم والعفو عند القدرة لمسيئهم وثلاثة من أعلام الإيمان إسباغ الطهارات في المكاره وارتعاش القلب عند الفرائض حتى يؤديها والتوبة عند كل ذنب خوفا منن الإصرار وثلاثة من أعلام التوفيق الوقوع في الأعمال بلا استعداد له والسلامة من الذنب مع الميل وقل الهرب منه واستخراج الدعاء والابتهال وثلاث من أعلام الخمول ترك الكلام لن يكفيه الكلام وترك الخرض في إظهار العلم عند القرناء ووجدان الألم لكراهة الكلام عند المحاورة والموعظة وثلاثة من أعلام الحلم قلة الغضب عند مخالفة الرأي والاحتمال عن الورى إخباتا للرب ونسيان إساءة المسيء عفوا عنه واتساعا عليه وثلاثة من أعلام التقوى ترك الشهوة المذمومة مع الاستمكان منها والوفاء بالصالحات مع نفور النفس منها ورد الأمانات إلى أهلها مع الحاجة إليها وثلاثة من أعلام الاتعاظ بالله الهرب إليه من كل شيء وسؤال كل شيء منه والدلال في كل وقت عليه وثلاثة من أعلام الرجاء العبادة بحلاوة القلب والإنفاق في سبيل الله برؤية الثواب والمثابرة على فضائل الأعمال بخالص التنافس وثلاثة من أعلام الحب في الله

بذل الشيء لصفاء الود وتعطيل الإرادة لإرادة الله والسخاء بالنفس والمشاركة في محبوبه ومكروهه بصفة العقد وثلاثة ن أعلام الحياء وزن الكلام قبل التفوه به ومجانبة ما يحتاج إلى الاعتذار منه وترك إجابة السفيه حلما عنه فأما الحياء من الله تعالى فهو ماقال الرسول عليه الصلاة و السلام أن لا ننسى المقابر والبلا وأن تحفظ الرأس وما حوى وأن تترك زينة الحياة الدنيا وثلاثة من أعلام الأفضال صلةالقاطع وإعطاء المانع والعفو عن الظالم وثلاثة من أعلام الصدق ملازمةالصادقين والسكون عند نظر المنفوسين ووجدان الكراهة لاطلاع الخلق على السرائر استقامة على الحق سرا وجهرا لإيثار رب العالمين وثلاثة من أعلام الانقطاع إلى الله تقديم العلم وتلقين الحكم وتأليل الفهم وثلاثة من أعلام المروءة إطعام الطعام وإفشاء السلام ونشر الحسن وثلاثة من أعلام التودد التأني في الأحداث والتوفر في الزلال والترفق في المقال وثلاثة من أعمال الرشد حسن المجاورة والنصح عند المشاورة والبر في المجاورة وثلاثة من أعلام السعادة الفقه في الدين والتيسير للعمل والإخلاص في السعي
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري أنبأنا الحسن بن رشيق ثنا علي بن يعقوب عن سويد الوراق ثنا محمد بن إبراهيم البغدادي ثنا محمد بن سعيد الخوارزمي قال سمعت ذا النون وسئل عن المحبة فقال أن تحب ما أحب الله وتبغض ما أبغض الله وتفعل الخير كله وترفض كل ما يشغل عن الله وأن لا تخاف في الله لومة لائم مع العطف للمؤمنين والغلظة للكافرين واتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الدين
أخبرنا محمد قال سمعت أبا بكر بن شاذان الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول قال الله تعالى من كان لي مطيعا كنت له وليا فليثق بي وليحكم علي فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي في كتاب وقد رأيه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال سمعت عبدالله بن محمد بن ميمون يقول سمعت ذا النون

يقول الأنس بالله من صفاء القلب مع الله والتفرد بالله الانقطاع اليه من كل شيء سوى الله
أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت العباس بن يوسف يقول سمعت سعيد بن عثمان يقول سمعت ذا النون يقول لئن مددت يدي إليك داعيا لطال ما كفيتني ساهيا فلا أقطع منك رجائي بما عملت يداي حسبي من سؤالي علمك بي قال وسمعت ذا النون يقول من أنس بالخلق فقد استمكن من بساط الفراعنة ومن غيب عن ملاحظة نفسه فقد استمكن من مجانبة الإخلاص ومن كان حظه من الأشياء هواه لا يبالي ما فاته مما هو دونه
حدثنا محمد قال سمعت علي بن محمد قال قال يوسف بن الحسين سمعت ذا النون يقول من تزين بعمله كانت حسناته سيئات وسمعت ذا النون يقول الصدق سيف الله في أرضه ما وضعه على شيء إلا قطعه قال وسمعت ذا النون يقول أدنى منازل الأنس أن يلقى في النار فلا يغيب همه عن مأموله سمعت نصر بن أبي نصر يقول قال ذو النون الخوف رقيب العمل والرجاء شفيع المحن
أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سعت الحسن بن سهل يقول سمعت علي بن عبدالله يقول سمعت ذا النون يقول مفتاح العبادة الفكرة وعلامة الهوى متابعة الشهوات وعلامة التوكل انقطاع المطامع
أخبرنا محمد قال سمعت أبا جعفر الرازي يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت ذا النون يقول إن العارف لا يلزم حالة واحدة إنما يلزم ربه في الحالات كلها

أخبرنا محمد قال سمعت محمد بن إبراهيم الفارسي يقول سمعت فارسا يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بالجهل والزهاد بالرغبة وأهل المعرفة بالصمت
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانئ يقول سمعت محمد بن يوسف يقول كان ذو النون يقول في مناجاته يا واهب المواهب ومجزل الرغائب أعوذ بك من النزول بعد الوصول ومن الكدر بعد الصفا ومن الشوق بعد الأنس ومن طائف الحسرة لعارض الفترة ومن تغير الرضا ومن التخلف عن الحادي لحظة أو إلى الإيمان دون العلم ومن موقع حذر يوجب للعقل بطوايار حتى كمل النعم عندي ورق في ذرى الكرامة مهجتي ونضر اللهم بالكمال لديك بهجتي عزفني عن الدون ووار علمي عن الخاطر يا من منح الأصفياء منازل الحق ومدى الغايات أصف هدايتي من دنس العارض وأحسم عدوي من ملاحظتي واخلصني بكمال رغبتي وبما لا يبلغه سؤالي إنك رحيم ودود أسند ذو النون رحمه الله غير حديث عن الأئمة رحمهم الله تعالى عن مالك والليث بن سعد وسفيان بن عيينة الفضل بن عياض وابن لهيعة
حدثنا أبو سعيد الحسين بن محمد بن علي ثنا أبو سعيد الحسن بن أحمد بن المبارك ثنا أبو جعفر أحمد بن صبيح بن رسلان الفيومي بمكة ثنا أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري ثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله إن لله عز و جل أحبة من خلقه قيل من هم يا رسول الله قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته غريب من حديث مالك تفرد به محمد بن عبدالرحمن بن غزوان حدثنا مالك بن أنس مثله

حدثنا سهل بن عبدالله التستري ثنا الحسن بن أحمد الطوسي ثنا أحمد بن صليح ثنا ذو النون ثنا سفيان بن عيينة عن أبي بكر سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ثابت صحيح وهو عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
حدثناه محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثله
حدثنا أبو الفضل بحر بن إبراهيم بن زياد ثنا الحسن بن أحمد الوثائقي ثنا أحمد بن صليح الفيومي ثنا أبو الفيض ذو النون ثنا فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تجافوا عن ذنب السخي فإن الله تعالى آخذ بيده كلما عثر رواه محمد بن عقبة المكي عن فضيل مثله حدثناه إبراهيم بن أبي حصين ثنا محمد بن عبدالله الحضرمي ثنا محمد بن عبيد الجدعاني ثنا تميم بن عمران القرشي عن محمد بن عقبة المكي عن فضيل بن عياض مثله
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا الحسن بن أبي الحسن ثنا أبو الحسن علي بن يعقوب حدثني محمد بن إبراهيم بن عبيدالله حدثني محمد بن سعيد بن عبدالرحمن الخوارزمي حدثني أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم حدثني أبو جرية أحمد بن الحكم من أهل البلقاء عن عبدالله بن إدريس قال وفد على مولاي نجا ملك البجة رجل من أهل الشام يستميحه يقال عبدالرحمن بن هرمز الأعرج فقدم إليه طعاما على مائدة فتحركت القصعة على المائدة فأسندها الملك برغيف فقال له عبدالرحمن بن هرمز حدثني أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا خرجتم من حج أو عمرة فتمتعوا لكي تنكلوا وأكرموا الخير فإن الله تعالى سخر له بركات السماء والأرض ولا تسندوا القصعة بالخبر فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع

أحمد بن أبي الحواري
ومنهم الزاهد في السراري النابذ للجواري العابد في القفار والبرارى أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري كان لفضول الدنيا قاليا وعن الملاذ ساليا وفي مكين الأحوال عاليا ولصحيح الآثار حاويا
حدثنا إسحاق بن أحمد بن على ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري قال قلت لأبي صفوان الرعيني أي شيء الدنيا التي ذمها الله تعالى في القرآن الذي ينبغي للعاقل أن يجتنبها قال كلما أصبت فيها تريد به الدنيا فهو مذموم وكلما أصبت فيها تريد به الآخرة فليس منها قال أحمد فحدثت به مروان فقال الفقه على ما قال أبو صفوان
حدنثا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم ثنا أحمد بن أبي الحواري قال قلت لراهب في دير حرملة وأشرف علي من صومعته فقلت يا راهب ما اسمك قال جريج قلت ما يحبسك في هذه الصومعة قال حبست فيها عن شهوات الدنيا قلت أما كان يستقيم أن تذهب معنا هاهنا في الأرض وتجيء وتمنع نفسك الشهوات قال هيهات هذا الذي تصف أنت قوة وأنا في ضعف فحلت بين نفسي وبينها قلت ولم تفعل ذلك قال نجد في كتبنا أن بدن ابن آدم خلق من الأرض وروحه خلق من ملكوت السماء فإذا أجاع بدنه وأعراه وأسهره نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه وإذا أطعمه وسقاه ونومه وأراحه أخلد البدن إلى الموضع الذي خرج منه فلم يكن شيء أحب إليه من الدنيا قلت له فإذا فعل هذا تعجل له في الدنيا الثواب قال نعم نورا يواريه قال أحمد فحدثت به أبا سليمان فقال قاتله الله ما أعجبه إنهم ليصفون
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت أبي يقول يا بني من كانت نيته في العافية ملأ الله حضنه العافية
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت أبا سليمان يقول السالي

عن الشهوات هو راض والرضى عن الله عز و جل والرحمة للخلق درجة المرسلين
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال كنت إذا شكوت إلى أبي سلميان قساوة قلبي أو شيئا قد نمت عنه من حزبي أو غير ذلك قال بما كسبت يداك وما الله بظلام للعبيد شهوة أصبتها وقال لي أبو سليمان يكون فوق الصبر منزلة قلت نعم قال فانتفض ثم قال لي إذا كان الصابرون يعطون أجرهم بغير حساب فكيف يعطون الآخرين
حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ ثنا سعيد بن عبدالعزيز الحلبي قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت محمد بن جعفر بن مطر يقول سمعت إبراهيم بن يوسف يقول رمى أحمد بن أبي الحواري بكتبه فقال نعم الدليل كنت والاشتغال بالدليل بعد الوصول محال
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت محمد بن عبدالله الطبري يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة فلما بلغ الغاية حمل كتبه إلى البحر فغرقها وقال يا علم لم أفعل هذا بك تهاونا بك ولا استخفافا بحقك ولكن كنت أطلبك لأهتدي بك إلى ربي فلما اهتديت بك إلى ربي استغنيت عنك
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت أبي يقول قال أبراهيم بن شيبان يحكى عن أحمد بن أبي الحواري قال لا دليل على الله سواه وإنما يطلب العلم لآداب الخدمة
سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز الرازي المذكر يقول سمعت أبا عمرو البيكندي يقول لما فرغ أحمد بن أبي الحواري من التعليم جلس للناس فخطر بقلبه ذات يوم خاطر من قبل الحق فحمل كتبه إلى شط الفرات فجلس يبكي ساعة طويلة ثم قال نعم الدليل كنت لي على ربي ولكن

لما ظفرت بالمدلول كان الاشتغال بالدليل محال فغسل كتبه بالفرات
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن حمدان الرازي النيسابوري ثنا أبو بكر محمد بن عبدالله النيسابوري حفيد العباس بن حمزة ثنا جدي العباس بن حمزة قال قال أحمد بن أبي الحواري سمعت عتبة بن أبي السائب يقول ثلاث هن أخذة للمتعبد المرض والحج والتزويج فمن ثبت بعدهن فقد ثبت
حدثنا أبو أحمد ثنا محمد ثنا جدي العباس قال قال أحمد بن أبي الحواري سمعت بشر بن السري يقول ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك قال أحمد وعلامة حب الله حب طاعة الله وقيل حب ذكر الله فإذا أحب الله العبد أحبه ولا يستطيع العبد أن يحب الله حتى يكون الابتداء منه بالحب له وذلك حين عرف منة الإجتهاد في مرضاته قال أحمد ومن عرف الدنيا زهد فيها ومن عرف الآخرة رغب فيها ومن عرف الله آثر رضاه ومن لم يعرف نفسه فهو من دينه في غرور وقال أحمد إذا حدثتك نفسك بترك الدنيا عند إدبارها فهو خدعة وإذا حدثتك نفسك بتركها عند إقبالها فذاك
حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف ثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا زكريا يحيى بن العلاء يقول إذا قرأ ابن آدم القرآن ثم خلط ثم عاد يقرأيقول الله مالك ولكلامي
حدثنا محمد ثنا عبدالله ثنا أبو حاتم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا يحيى ابن زكريا قال كنا عند علي بن بكار فمرت به سحابة فسألته عن شيء فقال اسكت أما تخشى أن يكون فيها حجارة
حدثنا محمد ثنا عبدالله ثنا أبو حاتم ثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني إسحاق بن خلف قال مر عيسى عليه السلام بثلاثة من الناس قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم فقال ما الذي بلغكم ما أرى قالوا الخوف من النيران قال مخلوقا خفتم وحقا على الله أن يؤمن الخائف قال ثم جاوزهم إلى ثلاثة أخرى فإذا هم أشد تغير ألوان وأشد نحول أبدان فقال ما الذي بلغكم ما أرى قالوا الشوق إلى الجنان فقال مخلوقا اشتقتم وحقا على

الله أن يعطيكم ما رجوتم ثم جاوزهم إلى ثلاث أخرى فإذا هم أشد نحول أبدان وأشد تغير ألوان كأن على وجوههم المرآة من النور فقال ما الذي بلغكم ما أرى قالوا الحب لله قال فأنتم المقربون أنتم المقربون
حدثنا محمد ثنا عبدالله ثنا أبو حاتم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا الوليد بن عتبة قال قلت لأبي صفوان بن عوانة لأي شيء يحب الرجل أخاه قال لأنه رآه يحسن خدمة ربه
حدثنا محمد ثنا عبدالله ثنا أبو حاتم ثنا أحمد قال قلت لراهب أي شيء قوي ما تجدونه في كتبكم قال ما نجد شيئا أقوى من أن تجعل حيلك وقوتك كلها في محبة الخالق
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد ثنا أبو علي بن الحسين بن عبدالله بن شاكر السمرقندي ثنا أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري وسمعته يقول نقطع إلى الله وكن عابدا زاهدا صادقا متوكلا مستقيما عارفا ذاكرا مؤنسا مستحيا خائفا راجيا راضيا وعلامة الرضا أن لا يختار شيئا إلا ما يختاره له مولاه فإذا كان ذلك كذلك كان له من الله عونا حتى يرده إلى طاعته ظاهرا وباطنا ولا يكون العبد تائبا حتى يندم بالقلب ويستغفر باللسان ويرد المظالم فيما بينه وبين الناس ويجتهد في العبادة ثم يتشعب له من التوبة والاجتهاد الزهد ثم يتشعب له من الزهد الصدق ثم يتشعب له من الصدق التوكل ثم يتشعب له من التوكل الإستقامة ثم يتشعب له من الإستقامة المعرفة ثم يتشعب له من المعرفة الذكر ثم يتشعب له من الذكر الحلاوة والتلذذ ثم بعد التلذذ الأنس ثم بعد الأنس بالله الحياء ثم بعد الحياء الخوف وعلامة الخوف الإستعداد والتحويل من هذه الأحوال لا يفارق خوف تحويل هذه الأحوال من قلبه دون لقائه
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد ثنا عمر ثنا الحسين بن عبدالله بن شاكر السمرقندي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت عبدالعزيز يقول إنه تبارك وتعالى إن لم يكن رزق أهل طاعته أصواتا حسانا فقد فتح لهم من لذة طاعته

ما يتنعمون بأصواتهم قال وسمعت عبدالعزيز يقول الموت حسن يوصل منه الحبيب إلى المحبوب قال وحدثنا أحمد ثنا شعيب بن أحمد القرشي عن دكين الفزاري قال لما أراد الله تعالى قبض إبراهيم عليه السلام هبط إليه ملك الموت فقال له إبراهيم رأيت خليلا يقبض روح خليله قال فعرج ملك الموت إلى ربه ثم عاد إليه فقال له يا إبراهيم ورأيت خليلا يكره لقاء خليله قال فاقبض روحي الساعة
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسين ثنا أحمد قال سمعت عبدالله الحذاء يقول قال يوسف عليه السلام اللهم إني أتوجه إليك بصلاح آبائي إبراهيم خليلك وإسحاق ذبيحك ويعقوب إسرائيلك فأوحى الله تعالى إليه يا يوسف تتوجه بنعمة أنا أنعمتها عليهم قال أحمد فقلت لأبي سليمان كنت لبعض الأولياء قبل اليوم أشد حبا فقال لي إنما يتقر إليه بحب أوليائه أولا ثم يأتي بعد منزلة تشغل القلب قال أحمد وسمعت أبا سليمان يقول خرج عيسى ويحيى عليهما السلام يمشيان فصدم يحيى امرأة فقال له عيسى يا بن خالة لقد أصبت اليوم خطيئة ما أرى الله يغفرها لك أبدا قال وما هي يابن خالة قال امرأة صدمتها قال والله ما شعرت بها قال سبحان الله بدنك معي فأين روحك قال معلق بالعرش ولو أن قلبي إطمأن إلى جبريل لظننت أني ما عرفت الله طرفة عين
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسين ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أخي محمدا قال تعبد رجل من بني إسرائيل في غيضة من جزيرة البحر أربعمائة سنة حتى طال شعره حتى إذا مر بالغيضة تعلق بعض أغصان الغيضة بشعره فبينما هو ذات يوم يدور إذا هو بشجرة منها فيها وكر طير فحول موضع مصلاه إلى قريب منها قال فقيل له استأنست بغيري وعزتي لأحطنك مما كنت فيه درجتين
حدثنا أبو محمد بن حيان إملاء ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد ابن أبي الحواري ثنا أبوالمفلس ثنا أبو عبيدالله الجهني قال نعيم أهل الجنة

برضوان الله أفضل من نعيمهم بالجنان
حدثنا أبو محمد إملاء ثنا إسحاق ثنا أحمد قال ناظرت أبا سليمان في الحديث الذي جاء أول زمرة يحشر إلى الجنة الحمادون الله على كل حال فقال لي ويحك ليس هو أن تحمده على المصيبة وقلبك معتصر عليها فإذن كنت كذلك فأرج أن تكون من الصابرين ولكن أن تحمده وقلبك مسلم راض
حدثنا أبو أحمد إملاء ثنا إسحاق ثنا أحمد قال سمعت محمودا يقول سبحان من لا يمنعه عظيم سلطانه أن ينظر في صغير سلطانه
حدثنا أبو محمد إملاء ثنا إسحاق ثنا أحمد حدثني عبدالخالق بن جبير قال سمعت أبا موسى الطرسوسي يقول ما تفرغ عبد لله ساعة إلا نظر الله إليه بالرحمة
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نائلة ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت مضاء بن عيسى يسأل سباعا الموصلي إلى أي شيء انتهى بهم الزهد قال إلى الأنس به
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نائلة ثنا أحمد قال سمعت مضاء بن عيسى يقول إذا وصلوا إليه لم يرجعوا عنه إنما رجع من رجع من الطريق
حدثنا أحمد ثنا إبراهيم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا محمد بن ثابت القاري قال من كانت همته في أداء الفرائض لم يكمل له في الدنيا لذة
حدثنا أحمد ثنا إبراهيم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو الموفق الأزدي قال قال الله تعالى لو أن ابن آدم لم يرج غيري ما وكلته إلى غيري ولو أن ابن آدم لم يخف غيري ما أخفته من غيري
حدثنا أحمد ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت عبدالعزيز بن عمير يقول في القلوب قلب مريض فإذا وجد بغيته طار
حدثنا أحمد ثنا إبراهيم ثنا أحمد ثنا زيدان قال قال عتبة الغلام كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة

حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا الحسين بن عبدالله ثنا أحمد ابن أبي الحواري قال سمعت محمد بن تمام يقول الكلام جند من جنود الله ومثله مثل الطين تضرب به الحائط فإن استمسك نفع وإن وقع أثر قال وسمعت أبا جعفر يقول القلب بمنزلة القمع يصب فيه الزيت أو العسل فيخرج منه ويبقى فيه لطاخته
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسن ثا أحمد قال سمعت مضاء بن عيسى يقول خف الله يلهمك واعمل له لا يلجئك إلى دليل
حدثنا عبدالله بن محمد إملاء وقراءة ثنا عمر بن بحر الأسدي قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول بينا أنا ذات يوم في بلاد الشام في قبة من قباب المقابر ليس عليها باب إلا كساء قد أسبلته فإذا أنا بامرأة تدق على الحائط فقلت من هذا قالت امرأة ضالة دلني على الطريق رحمك الله قلت رحمك الله على أي الطريق تسألين فبكت ثم قالت يا أحمد على طريق النجاة قلت هيهات إن بيننا وبين طريق النجاة عقابا وتلك العقاب لا تقطع إلا بالسير الحثيث وتصحيح المعاملة وحذف العلائق الشاغلة عن أمر الدنيا والآخرة قال فبكت بكاء شديدا ثم قالت يا أحمد سبحان من أمسك عليك جوارحك فلم تتقطع وحفظ عليك فؤادك فلم يتصدع ثم خرت مغشيا عليها فقلت لبعض النساء أنظري أي شيء حال هذه الجارية قال أحمد فقمن إليها ففتشنها فإذا وصيتها في جيبها كفنوني في أثوابي هذه فإن كان لي عند الله خير فهو أسعد لي وإن كان غير ذلك فبعدا لنفسي قلت ما هي فحركوها فإذا هي ميتة فقلت للخدم لمن هذه الجارية قالوا جارية قرشية مصابة وكان الذي معها يمنعها من الطعام وكانت تشكو إلينا وجعا بجوفها فكنا نصفها لمتطببي الشام فكانت تقول خلوا بيني وبين الطبيب الراهب تعني أحمد أشكو إليه بعض ما أجد من بلائي لعله أن يكون عنده شفائي
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا جعفر بن محمد بن أحمد الميموني قال أتيت أحمد الموصلي فقلت

له إني قد أهديت إليك حديثا قال هيه هات فإما أن يأتيني المزيد من الله فأعمل إليه وإما أن أشهق شهقة فأموت فقلت بلغني عن أبي العالية الرياحي قال قرأت في بعض الكتب حديثا طرد عني نومي وأذهب شهواتي يا معشر الربانيين من أمة محمد انتدبوا الدار فلما قلت انتدبوا لدار أصفر ثم أحمر ثم أسود ثم غشي عليه فقلت انتدبوا لدار أرضها زبرجد أخضر تجري عليها أنهار الجنة فيها الدر والياقوت واللؤلؤ وسورها زبرجد أصفر متدل عليها أشجار الجنة بثمارها فلما غشي عليه قمت وتركته
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال كنت أسمع وكيع بن الجراح يقول يبتدئ قبل أن يحدث فيقول ما هناك إلا عفوه ولا نعيش إلا في ستره ولو كشف الغطاء انكشف عن أمر عظيم
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسين بن عبدالله بن شاكر ثنا أحمد بن أبي الحواري قال حدثني أحمد بن داود قال إجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا من كل عشرة واحدا ثم أخرجوا من كل مائة واحدا ثم أخرجوا من كل ألف واحدا حتى أخرجوا سبعة خيار بني إسرائيل فقالوا أدخلونا في بيت وطينوا علينا ولا تخرجونا حتى نعرف ربنا قال ففعلوا قال فمات أول يوم واحد وفي اليوم الثاني آخر ثم مات في اليوم الثالث آخر فقال شاب وكان أصغرهم أخرجونا قد عرفته قال ففتحوا فأخرجوهم فقال لهم قد عرفته قالوا وأي شيء عرفت قال عرفت أنه لا يعرف فإن شئتم فدعونا حتى نموت عن آخرنا وإن شئتم أخرجونا قال أحمد فحدثت به أبا سليمان فقال صدق لا يعرف حق معرفته ولكن بعض خلقه أعرف به من بعض ومثل ذلك مثل السماء أعرفهم بها أقربهم منها
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسين ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أيوب بن أبي عائشة وكان من الصالحين وكنا نتبرك بدعائه عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم قال قيل لموسى عليه السلام يا موسى إنما مثل كتبا أحمد صلى الله عليه

وسلم في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسين ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو السمط يوسف بن مخلد حدثني أبو عمر المؤذن قال وجدت في سفر التوراة الرابع أن الله تعالى يقول أنا الله لا إله إلا أنا عيني على كل شيء أرى النمل في الصفا وأرى وقع الطير في الهوى وأعلم ما في القلب والكلى وأعطي العبد على ما نوى
حدثنا أبي ثنا أحمد ثنا الحسين ثنا أحمد ثنا هشام بن عمرو قال أوحى الله تعالى إلى موسى وعيسى عليهما السلام يا موسى وعيسى من أجل دنيا دنيئة وشهوة رديئة تفرطان في طلب الآخرة يا موسى ويا عيسى حتى متى أطيل النسيئة وأحسن الطلب قال أحمد فحدثت به أبا سليمان فقال لي إذا كان موسى وعيسى معاتبين فأي شيء يقال لمثلي ومثلك وأي شيء أصابا من الدنيا جبة صوف وكسر
حدثنا أبو عبدالله أحمد بن إسحاق ثنا إسحاق ثنا عمر بن بحر الأسدي قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت أسماء الرملية وكانت من المتعبدات المجتهدات قالت سألت البيضاء بنت المفضل فقلت يا أختى هل للمحب لله دلائل يعرف بها قالت يا أختى والمحب للسيد يخفى لو جهد المحب للسيد أن يخفي ما خفي قلت فصفيه لي في أخلاقه وطعامه وشرابه ونومه ويقظته وحركاته قالت بلى قد أكثرت علي ولكن سأصف لك من ذلك ما قدرت عليه لو رأيت المحب لله لرأيت عجبا عجيبا من واله ما يقر على الأرض طائر متوحش أنسه في الوحدة قد منع الراحة ولها بذكر المحبوب وطعامه الحب عن الجوع شربه والحب عند الطمأ ونومه الفكرة في الوصلة ويقظته المبادرة في الغفلة ليس له هدو ولا يميل إلى سلو إن عزى لم يتعز وإن صبر لم يتصبر فهو الدهر منكس لا تغيره الأيام ولا يمل من طول الخدمة لله إذا مل الخدام حتى يصير من محبته وطول خدمته في درج الشوق فيقر قراره وتخمد ناره ويطفى شرره ويقل همه وتواصل أحزانه

حدثنا أحمد بن أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نائلة ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا يونس بن محمد الحذاء عن حمزة النيسابوري قال إن صاحب الدين يفكر فعلته السكينة ورضي فلم يهتم وخلى الدنيا فنجى من الشر وانفرد فكفى وترك الشهوات فصار حرا وترك الحسد فظهرت له المحبة وسلب نفسه عن كل فان فاستكمل العقل
حدثنا أحمد ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت شعيب بن حرب يقول لرجل إذا دخلت القبر ومعك الاسلام فأبشر
حدثنا أحمد ثنا إبراهيم بن حرب بن المفضل عن أبي المليح الرقى قال إذا صار ابن آدم في قبره لم يبق شيء كان يخافه دون الله إلا مثل له في لحده يفزعه لأنه خافه في الدنيا دون الله عز و جل
حدثنا أبي ثنا الحسن بن أبان ثنا الحسين بن عبدالله بن شاكر ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت علي بن أبي الحواري يقول شبع يحيى بن زكريا من خبز شعير شبعة فنام عن حزبه فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا من داري أو جوارا خيرا لك من جواري يا يحيى لو اطلعت في الفردوس لذاب جسمك وزهقت نفسك إشتياقا ولو اطلعت إلى جهنم إطلاعة للبست الحديد بعد المسوح ولبكيت الصديد بعد الدموع
حدثنا عثمان بن محمد العثماني حدثني أحمد بن عبدالله بن سليمان القرشي قال سمعت أبا الحسن علي بن صالح بن هلال القرشي يقول ثنا أحمد ابن أصرم المزني العقيلي قال سمعت يحيى بن معين يقول التقى أحمد بن حنبل وأحمد بن أبي الحواري بمكة فقال أحمد بن حنبل لأحمد بن أبي الحواري يا أحمد حدثنا بحكاية سمعتها من أستاذك أبي سليمان الداراني فقال يا أحمد قل سبحان الله بلا عجب فقال أحمد بن حنبل سبحان الله وطولها بلا عجب فقال أحمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول إذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما قال فقام أحمد بن حنبل ثلاثا وجلس

ثلاثا وقال ما سمعت في الاسلام حكاية أعجب من هذه إلي ثم ذكر أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم ثم قال لأحمد ابن أبي الحواري صدقت يا أحمد وصدق شيخك قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين عن عيسى بن مريم عليه السلام فوهم بعض الرواة أنه ذكره عن النبي صلى الله عليه و سلم فوضع هذا الإسناد عليه لسهولته وقربه وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل
أخبرنا علي بن يعقوب الدمشقي في كتابه وحدثني عثمان بن محمد العثماني ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا علي بن أبي الحر قال خرج الأوزاعي حاجا قال فلما كنت بالمدينة أتيت مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بليل فإذا شاب يتهجد بين القبر والمنبر فلما طلع الفجر إستلقى على ظهره وقال عند الصباح يحمد القوم السرى فقلت يا ابن أخي لك ولأصحابك لا للجمالين قال وحدثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا عيسى ابن عبيد الجبيلي قال سمعت أبا كريمة الكلبي وكان من عباد أهل الشام يقول ابن آدم ليس لما بقي في الدنيا من عمرك ثمن وسمعته يقول عند الصباح يحمد القوم السرى وعند الممات يحمد القوم التقى قال وحدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول إنا إن شاء الله وأصحابي قاصدين إليه وأهل البدع راجعين عنه وأهل المعاصي قد أخذوا يمينا وشمالا فوقعوا في الأحول والشكوك قال وحدثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أحمد بن النضر عن ابن شابور قال قال عيسى بن مريم عليه السلام طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غيب لم يره
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو الحسن البغدادي قال ذكر لي عن أحمد ابن أبي الحواري أنه قال دخلت على أبي سليمان وهو يبكي فقلت ما يبكيك قال كنت البارحة أصلي فحملتني عيناي فنمت فإذا أنا بحوراء قد خرجت على

من محرابي بيدها رقعة فقالت يا أبا سليمان تحسن تقرأ فقلت نعم فقالت اقرأ هذه الرقعة ففككتها فاذا فيها ... ألهتك لذة نومة عن خير عيش ... مع الغنجات في غرف الجنان ... تعيش مخلدا لا موت فيها ... وتنعم في الجنان مع الحسان ... تيقظ من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقران ...
حدثنا أبي ثنا إسحاق بن إبراهيم المسوحي ثنا عبدالله بن الحجاج ثنا عبدالله بن اشنوية الأزدي بفارس ثنا العباس بن حمزة ثنا أحمد بن أبي الحواري قال دخلت على أبي سليمان وهو يبكي فقلت له مم تبكي فقال لي ويحك يا أحمد كيف لا أبكي وقد بلغني أنه إذا جن الليل وهدأت العيون وخلا كل خليل بخليله واستنارت قلوب العارفين وتلذذت بذكر ربهم وارتفعت هممهم إلى ذي العرش وافترش أهل المحبة أقدامهم بين يدي مليكهم في مناجاته ورددوا كلامه بأصوات محزونة جرت دموعهم على خدودهم وتقطرت في محاريبهم خوفا واشتياقا فأشرف عليهم الجليل جل جلاله فنظر إليهم فأمدهم محابة وسرورا فقال لهم أحبابي والعارفين بي اشتغلوا بي وألقوا عن قلوبكم ذكر غيري أبشروا فان لكم عندي الكرامة والقربة يوم تلقوني فينادي الله جبريل يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلي وأناخ بفنائي وإني لمطلع عليهم في خلواتهم أسمع أنينهم وبكاءهم وأرى تقلبهم واجتهادهم فنا فيهم يا جبريل ما هذا البكاء الذي أسمع وما هذا التضرع الذي أرى منكم هل سمعتم أو أخبركم عنى أحد أن حبيبا يعذب أحباءه أو ما علمتم أني كريم فكيف لا أرضى أيشبه كرمي أن أرد قوما قصدوني أم كيف أذل قوما تعززوا بي أم كيف أحجب غدا أقواما آثروني على جميع خلقي وعلى أنفسهم وتنعموا بذكري أم كيف يشبه رحمتي أو كيف يمكن أن أبيت قوما تملقوا لي وقوفا على أقدامهم وعند البيات أخزوهم أم كيف يجمل بي أن أعذب قوما إذا جنهم الليل تملقوني وكيفما كانوا انقطعوا إلي واستراحوا إلى ذكري وخافوا عذابي وطلبوا القربة عندي

فبي حلفت لأرفعن الوحشة عن قلوبهم ولأكونن أنيسهم إلى أن يلقوني فإذا قدموا علي يوم القيامة فإن أول هديتي إليهم أن أكشف لهم عن وجهي حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم ثم لهم عندي ما لا يعلمه غيري يا أحمد إن فاتني ما ذكرت لك فيحق لي أن أبكي دما بعد الدموع قال أحمد فأخذت معه بالبكاء ثم خرجت من عنده وتركته بالباب فكنت أرى أثر ذلك عليه حتى الممات وجعل يبكي ويصيح فكنت بعد ذلك إذا سألته عن شيء من الحديث يقول ما كفاك الذي سمعت يعني هذا فأقول لعل منفعتي فيا لم أسمعه بعد فيقول أجل ثم قال لي أحمد خذها إليك فقد سقت لك الحديث بتمامه وإني ربما إختصرته وبكى أحمد لما حدثني هذا الحديث وصرخ يقول واحرماناه واشؤم خطيئتاه مضى القوم وبقينا بعد حين قد أمضيناه فالناس ظفروا بما طلبوا ولا ندري ما ينزل بنا فواخطراه وجعل يبكي ويصيح فأخذت معه في البكاء وكنت أرى أثر ذلك عليه إلى الممات
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا محمد بن محمد بن عمران بن ميسرة ثنا علي بن عبدالعزيز ثنا أحمد بن أبي الحواري قال قال لي أبو سليمان جوع قليل وعرى قليل وذل قليل وفقر قليل وصبر قليل قد انقضت عنك أيام الدنيا
حدثنا عثمان بن محمد ثنا عبدالواحد بن أحمد التنيسى ثنا أبو عثمان سعيد بن الحكم بن أوس الدمشقي ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو علي الزحبي قال فقد الحسن بن يحيى شابا كان ينقطع إليه قال فخرج الحسن حتى أتى منزله فدق عليه الباب فخرج إليه الشاب فقال له يا ابن أخي مالي لم أرك منذ أيام فقال له يا أخي إن هذه الدار ليست دار لقاء إنما هي دار عمل واللقاء ثم ثم أغلق الباب في وجهه قال فما رآه الحسن بعد ذلك اليوم حتى أخرجت جنازته
حدثنا عثمان بن محمد قال قرأ علي بن أحمد بن محمد بن عيسى ثنا يوسف ابن الحسن قال قال أحمد يعني ابن أبي الحواري يوما لله لعبده في أوان

معاصيه وإعراضه عن ربه أشد نظرا إليه وحبا من العبد في أوان تتابع نعمه وكمال كرامته وعظيم ستره وإحسانه ثم قال وهل يليق إلا ذلك وقال ... قنعت بعلم الله ذخري وواجدى ... بمكتوم أسرار تضمنها صدري ... فلو جاز ستر الستر بيني وبينه ... إلى القلب والأحشاء لم يعلما سري ...
حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا ابن منيع ثنا العباس بن حمزة ثنا أحمد ابن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول لأن أترك من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها وأقوم من أول الليل إلى آخره
حدثنا محمد ثنا ابن منيع ثنا العباس ثنا أحمد قال سمعت أبا سليمان يقول إن من خلق الله لخلقا ما يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه فكيف يشتغلون عنه بالدنيا
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري قال قلت لأبي بكر بن عياش حدثنا قال دعونا من الحديث فإنا قد كبرنا ونسينا الحديث جيئونا بذكر المعاذ جيئونا بذكر المقابر لو أني أعرف أهل الحديث لأتيتهم إلى بيوتهم حتى أحدثهم
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد قال سمعت محمد الكندي يقول سمعت أشياخنا يقولون إذا عرض لك أمر أن لا تدري في أيهما الرشاد فانظر إلى أقربهما إلى هواك مخالفة فإن الحق في مخالفة الهوى
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت أبا عبدالله الواهبي يقول ما أخلص عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف ومن أدخل فضولا من الطعام أخرج فضولا من الكلام
حدثنا اإسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت عبدالعزيز بن عمير يقول إن الرجل لينقطع إلى ملوك الدنيا فترى أثرهم عليه بينا فكيف بمن ينقطع إليه لا يرى أثره عليه واتبعها بكلمة صححها قال ترى أثر الخدمة علينا بينا ونور الجلال
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد ثنا أبو جعفر الحذاء قال سمعت

فضيلا يقول ما اشتد عجبي قط من عبادة ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي من أوليائه أطاعه قالوا ولم يا أبا علي قال لأنه ألهمهم ولو أراد أن يلهمهم أكثر من ذلك لفعل
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد حدثني عبدالعزيز بن عمير قال لما كلم الله موسى عليه السلام قال يا رب إن اللعين يوسوس إلي أن الذي يكلمني غيرك قال فأوحى الله إليه يا موسى إرفع رأسك فرفع رأسه فإذا بالسماء قد كشطت وإذا بالعرش بارز وإذا الملائكة قيام في الهواء قال عبدالعزيز فلما سمع موسى كلام الله عز و جل مقت كلام الآدميين
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني عمر بن سلمة السراج عن أبي جعفر المصري قال قال الله تعالى معشر المتوجهين إلي بحبي ما ضركم ما فاتكم من الدنيا إذا كنت لكم حظا وما ضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلما
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت أبا يوسف يقول يا أخي وما عليك أن تنقطع إليه في آخر عمرك فتخدمه
حدثنا إسحاق ثنا أبراهيم ثنا أحمد حدثني إبراهيم بن أيوب الحوراني قال سمعت الوليد بن مسلم يقول إذا أفتى الله الخلق أقام يمجد نفسه قبل أن يبعثهم مثل عمر الدنيا أربع مرات قال أحمد وكان يقال عمر الدنيا سبعة آلاف سنة
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال سمعت العباس بن الوليد بن يزيد وتغرغرت عيناه وقال ليت شعرى إلى أى تؤدينا هذه الأيام والليالي فحدثت به محمد بن كيسان قال تؤدينا إلى السيد الكريم
حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد ثنا أبو مريم الصلت بن حكيم قال قال الحسن إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استيقظت قلوبهم فنطقت بالحكمة وزادني فيه عبدالعزيز بن عمير قال وورثوا السر

حدثنا إسحاق ثنا إبراهيم ثنا أحمد قال قلت لأبي طلحة أي شيء الزهد في الدنيا قال إعطاء المجهود وخلع الراحة وقطع الأمان
حدثنا عبدالمنعم بن عمر بن عبدالله ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا أبو عبدالرحمن بن الدرقين ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا الرحبي عن أبي حبيب قال جاء رجل إلى الحسن فقال يا أبا سعيد إذا أكلت قليلا جعت وإن أكثرت أتخمت فقال له الحسن ما أرى هذه الدار توافقك فاطلب دارا غيرها
حدثنا عبدالمنعم ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا عبدالصمد بن أبي يزيد ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا قاسم بن أسد الأصبهاني ثنا عبيد بن يعيش قال لقي هرم بن حبان أويسا القرني فقال السلام عليك يا أويس بن عامر قال وعليك يا هرم بن حبان أما أنا فعرفتك بالصفة فكيف عرفتني قال عرفت روحي روحك لأن أرواح المؤمنين تشام كما تشام الخيل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف قال إني أحبك في الله قال ما ظننت أن أحدا يحب في غير الله قال إني أريد أن أستأنس بك قال ما ظننت أن أحدا يستوحش مع الله قال أوصني قال عليك بالأسياف يعني ساحل البحر قال فمن أين المعاش قال أف أف خالط الشك الموعظة تفر إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمر بن بحر الأسدي قال سمعت أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام اني إنما خلقت الشهوات لضعفاء خلقي فإياك أن تعلق قلبك منها بشيء فأيسر ما أعاقبك به أن أنسخ حلاوة حبي من قلبك
حدثنا عبدالله ثنا عمر قال سمعت أحمد يقول سمعت أبا سليمان يقول أهل القيام بالليل على ثلاث طبقات منهم من إذا قرأ فتفكر فبكى ومنهم من إذا قرأفتفكر صاح وهو يجد في صياحه راحة فسبحان الذي يصيحهم إذا شاء ومنهم من إذا قرأفتفكر لم يبك ولم يصح بهت فقلت لأبي سليمان من أي شيء بكى هذا ومن أي شيء صاح هذا ومن أي شيء بهت هذا

قال ما أقوى على تفسير هذا
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمر بن بحر قال سمعت أحمد يقول سمعت أبا سليمان يقول مررت في جبل اللكام في جوف الليل فسمعت رجلا يقول في دعائه سيدي وأملي ومؤملي ومن به تم عملي أعوذ بك من بدن لا ينتصب بين يديك وأعوذ بك من قلب لا يشتاق إليك وأعوذ بك من دعاء لا يصل إليك وأعوذ بك من عين لا تبكي إليك علمت أنه عرف فقلت يا فتى إن للعارفين مقامات وللمشتاقين علامات قال ما هي قلت كتمان المصيبات وصيانات الكرامات ثم قال لي عظني قلت اذهب فلا ترد غيره ولا ترد خيره ولا تبخل يشيئه عنه قال زدني قلت اذهب فلا ترد الدنيا واتخذ الفقر غنى والبلاء من الله شفاء والتوكل معاشا والجوع حرفة واتخذ الله لكل شدة عدة فصعق صعقة فتركته في صعقته ومضيت فإذا أنا برجل نائم فركضته برجلي فقلت له قم يا هذا فإن الموت لم يمت فرفع رأسه إلي فقال إن ما بعد الموت أشد من الموت فقلت له من أيقن بما بعد الموت شد مئزرا لحذر ولم يكن للدنيا عنده خطر ولم يقض منها وطرا
حدثنا عبدالله ثنا عمر قال سمعت أحمد يقول دخل عياد االخواص على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين فقال يا شيخ عظني فقال بم أعظك أصلحك الله بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى فانظر ماذا يعرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم من عملك قال فبكى حتى سالت الدموع على لحيته
حدثنا عبدالله ثنا عمر ثنا أحمد قال سمعت أبا سليمان يقول إذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب قال وسمعت أبا سليمان يقول يكبر عند العالمين بالله أن يكون العذاب أيسر عليهم من المعصية لله
حدثنا عبدالله ثنا عمر قال سمعت أحمد يقول سمعت أبا سليمان يقول بين العبد يوم القيامة وهو يرى أنه قد هلك فإذا هو بصحف مختومة فيقال له فض الخاتم واقرأ ما فيها فينظر فيها فيقول يا رب أعمال لم أعملها ولا

أعرفها فيقول هذه نيتك التي كنت تنوي في الدنيا أحصيتها لك وكتبتها ثم يؤمر به إلى الجنة
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي قال سمعت الحسن بن سفيان يقول سمعت عياض بن زهير يقول سمعت يحيى بن معين وذكر أحمد بن أبي الحواري فقال أظن أهل الشام يعقبهم الله تعالى الغيث به
حدثنا أبو محمد بن حيان من أصله ثنا أحمد بن جعفر الجمال ثنا أبو حاتم ثنا محمود بن خالد وذكر أحمد بن أبي الحواري فقال ما أظنه بقي على وجه الأرض مثله
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى ثنا محمد بن أحمد بن سعيد الرازي ثنا العباس بن حمزة قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول في الرباط والغزو ونعم المستراح إذا مل العبد من العبادة استراح إلى غير معصية قال وسمعت حمد يقول إن الله إذا أحب قوما أفادهم في اليقظة والمنام وقال أحمد الدنيا مزبلة وجمع الكلاب وأقل من الكلاب من عكف عليها فإن الكلب يأخذ منها حاجته وينصرف والمحب لها لا يزايلها بحال وقال أحمد من أحب أن يعرف بشيء من الخير أو يذكر به فقد أشرك في عبادته لأن من عبد على المحبة لا يحب أن يرى خدمته سوى مخدومه وقال أحمد إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية آية فيحار عقلي فيها وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسيغهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتكلمون كلام الرحمن أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفقوا
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا أحمد بن الحسين بن طلاب ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا سلام المديني قال سمعت المخرمي يقول عن سفيان الثوري قال من أحب الدنيا وسر بها نزع خوف الآخرة من قلبه
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا أحمد بن الحسين ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا مروان بن معاوية الفزاري قال شهدت سفيان بن عيينة وسأله رجل

عن مسألة فقال لا أدري فقال له يا أبا محمد إنها قد كانت فقال سفيان وإذا كانت وأنا لا أدري فإيش تعمل
حدثنا محمد ثنا مروان بن محمد قال سمعت سفيان بن عيينة وقال لشيخ عنده أو إلى جانبه يا شيخ بلغني أنك تغني في بلادك قال نعم يا أبا محمد قال أحمق والله
حدثنا محمد ثنا أحمد قال سمعت وكيع بن الجراح يقول ويل للمحدث إذا استصحبه أصحاب الحديث
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عون ثنا أحمد بن أبي الحواري قال قلت للوليد يا أبا العباس بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما قال أفطر الحاجم والمحجوم قال لأنهما كانا يغتابان فقال الوليد لا ندع نحن حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لتفسير أهل العراق فحدثت به أحمد بن حنبل فقال صدق الوليد يكون من الحجامة أحب إلينا من أن يكون من الغيبة لأنا نقدر أن لا نحتجم والغيبة لا نضبطها
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني أخي محمد قال قال علي بن فضيل لأبيه يا أبت ما أحلى كلام أصاب محمد صلى الله عليه و سلم فقال يا بني وتدري لم حلا قال لا يا أبت قال لأنهم أرادوا الله به
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني أخي محمد قال قلت لفضيل بن عياض في قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا قال ممن كانوا وحيث ما كانوا وفي أي زمان كانوا
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ثنا عبدالرحمن بن داود ثنا محمد بن العباس ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا سفيان بن عيينة قال يهون الموقف يوم القيامة على المؤمن كصلاة فريضة صلاها في الدنيا أتم ركوعها وسجودها
حدثنا محمد بن أحمد ثنا عبدالرحمن بن داود ثنا محمد بن العباس ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا الخضر الوصاف يقول في قوله تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال تفسيره أن لو ولي حساب

الخلائق غير الله لم يفصل بينهم في خمسين ألف سنة وهو تعالى يفصل بينهم في مقدار نصف يوم من أيام الآخرة
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبدالله بن أبي داود ثنا أحمد بن أبي الحواري عن محمد بن عائد ثنا ابن شابور عن سعيد بن بشير عن قتادة قال أخيار أمرائكم الذين يحبون قراءكم وشراركم الذين يحبون أمراءكم أسند أحمد بن أبي الحواري عن الأعلام والمشاهير مالا يعد كثرة
حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن الخطاب الوراق ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا حفص بن غياث ثنا هشام عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبوهم نارا
حدثنا الحسن بن علي ثنا محمد بن محمد ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا حفص بن غياث ثنا الأعمش عن أبي الضحى عن سنبر بن شكل عن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله
حدثنا محمد بن الحسن اليقطيني ومحمد بن المظفر ومحمد بن الخطيب قالوا ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا حفص بن غياث عن مسعر قال سمعت إبراهيم السكسكي ح قال حفص وحدثنا العوام بن حوشب عن إبراهيم السكسكي عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مرض أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم
حدثنا علي بن هارون ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا حفص بن غياث عن الحجاج عن مكحول عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة الخشني قال قلنا يا رسول الله نجد آنية المشركين قال اغسلوها واطبخوا فيها
حدثنا محمد بن علي ثنا عبدالله بن أحمد بن عتاب وأحمد بن الحسين بن طلاب الدمشقيان قالا ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو معاوية عن هشام بن

عروة عن أبيه عن عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس وذكر الحديث
حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي ثنا إبراهيم بن يوسف بن خالد ثنا ابن أبي الحواري ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر قال قال عمر من حرص على الامارة لم يعدل فيهاه
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن خلف ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا ابن نمير ثنا الأعمش عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة عن بلال قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة
حدثنا أبو أحمد عبدالرحمن بن الحارث الغنوي ثنا أحمد بن القاسم المقري ثنا جعفر بن محمد الدمشقي ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا عبدالله بن إدريس عن عبدالله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط وجه وحسن خلق
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن الحسن بن غوث ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من نام عن الوتر أو نسيه فليوتر إذا ذكر أو استيقظ
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نائلة ح وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان قالا ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا عبدالله بن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم قال كان أبي يقدم ضعفة أهله من المزدلفة إلى منى ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعله
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو خزيمة بكار بن شعيب عن ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل ابن سعد قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لا تصحب أحدا لا يرى لك من الفضل كما ترى له

حدثنا أبو دلف عبدالعزيز بن محمد بن أحمد بن عبدالعزيز بن دلف العجلي ثنا يعقوب بن عبدالرحمن الدعاء ثنا جعفر بن عاصم ثا أحمد بن أبي الحواري ثنا عباس بن الوليد قال حدثني علي بن المديني عن حماد بن زيد عن مالك بن دينار عن الحسن عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تضربوا إماءكم على إناءكم فأن لها آجالا كآجال الناس
حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي ثنا محمد بن الحسن بن عون ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا أبان بن عبدالله البجلي عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها وذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم فعله
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن الحسين ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا داود بن سوار المزني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع وإذا زوج أحدكم خادمه عبدا فلا ينظرن إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإنه عورة
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن الحسن ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا سعيد ابن السايب ذاك الطائفي عن داود بن أبي عاصم الثقفي قال سألت ابن عمر عن الصلاة بمنى فقال هل سمعت محمدا صلى الله عليه و سلم قلت نعم وآمنت به قال فأنه كان يصلى بمنى ركعتين
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع عن ابن أبي ذيب عن عثمان بن عبدالله عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي في السفر قبلها ولا بعدها
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا خليل بن مرة عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة قال قال النبى صلى الله عليه و سلم من لم يوتر فليس منا
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري

ثنا يحيى بن صالح الوحاطي ثنا عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية فأن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبدالله بن أبي داود ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا شيخ بوادي القرى يقال له سليم بن مطير عن أبيه قال حججت بخالة لي ورفيقتها فلما كنا بالسويداء نمت وانتبهت فإذا عندها رجل يطلب دواء يطلب الحضض فسمعته يقول حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وقال غيره حدثني أبو الزوائد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول خذوا هذا العطاء ما كان عطاء فإذا تجاحفت قريش على الملك وكان رشوة عن دين أحدكم فدعوه
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن رشدين ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا الوليد ثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا قليل من أذى الجبار
حدثنا محمد بن المظفر ثنا محمد بن محمد بن سليمان حدثني أحمد بن أبي الحواري وأخرج إلي كتابه ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن جعفر ثنا سفيان عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي صلى الله عليه و سلم بثلاث فذكره
حدثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا عبدالله بن يزيد بن أبان الدقيقي ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا يونس بن محمد ثنا جرير بن حازم عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كوى أسعد بن زرارة
حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن عون الوحيدي ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم العيد مروان بن الحكم فقال إليه رجل فقال

الصلاة قبل الخطبة فقال ترك ما هنالك بالخلاف قال فقال أبو سعيد الخدري أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يتسطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن عون ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا مرة ويزيد بن إبراهيم الدستوي عن ابن سيرين عن ابن عباس قال سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا الله يصل ركعتين
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا أسامة بن زيد قال سألت طاووسا عن السبحة في السفر والحسن بن مسلم بن بنان جالسا فقال الحسن حدثنا طاووس وهو يسمع أن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة السفر والحضر فكان يصلى في الحضر قبلها وبعدها وصلى في السفر قبلها وبعدها
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالك كان النبي صلى الله عليه و سلم يخفف ركعتي الفجر
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا الحسين بن عبدالله بن شاكر ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا عبدالقدوس أبو المغيرة ثنا ابن ثوبان حدثني عطاء يعني ابن قرة عن عبدالله بن ضمرة عن أبي هريرة أنه كان مع النبي صلى الله عليه و سلم رجلان أحدهما لا يكاد يفارقه ولا يعرف له كبير عمل وكان الآخر لا يكاد يرى ولا يعرف له كبير عمل فقال الذي لا يكاد يفارقه يا رسول الله بأبي وأمي ذهب المصلون بالأجر بأجر الصلاة والصائمون بأجر الصيام فذكر أعمال الخير فقال ويحك ماذا عندك قال لا والذي بعثك بالحق إلا حب الله ورسوله قال لك ما احتسبت وأنت مع من أحببت قال وأما الآخر فمات فقال النبي صلى الله عليه و سلم وهو في أصحابه هل علمتم أن الله قد أدخل فلانا الجنة فعجب القوم أنه كان لا يكاد يرى فقام بعضهم إلى

أهله فسأل امرأته عن عمله قالت ما كان له كبير عمل إلا ما قد رأيتم غير أنه قد كانت له خصلة قالوا وما هي قالت ما كان يسمع المؤذن من ليل ولا نهار ولا على أي حال إلا كان يقول أشهد أن لا إله إلا الله مثل قوله قربها واكفر من أباها قالت فإذا قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله أقربها وأكفر من أبى قال الرجل دخل الجنة فأقبل حتى إذا كان من النبي صلى الله عليه و سلم وهو في أصحابه حيث يسمعه الصوت نادى النبي صلى الله عليه و سلم بأعلى صوته أتيت أهل فلان فسألتهم عن عمله فأخبروني بكذا وكذا قال الرجل أشهد أنك رسول الله قال وأنا أشهد أني رسول الله
حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن الحسن ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فطر أو أضحى فصلى بالناس ركعتين
حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن الحسن ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا سعيد وسفيان عن معين بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية
حدثنا محمد بن علي بن الحسن ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا وكيع ثنا سفيان ومسعد عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأفي العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد ابن المنتشر عن أبيه قال سمعت عائشة تقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الفجر على كل حال
حدثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا شعبة قال سمعت شيخا بواسط يقال له شعيب أو أبو شعيب قال سمعت طاوسا يقول سئل ابن عمر عن

الركعتين بعد العصر فقال ما رأيت أو ما رأينا أحدا يصليهما قال وسئل عن الركعتين قبل النوم فلم ينه عنهما
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا مسعد عن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي قال رأى ابن عمر قوما اضطجعوا بعد ركعتي الفجر فأرسل إليهم فنهاهم فقالوا ذلك السنة قال فارجع إليهم فأخبرهم أنها بدعة
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا شعبة عن هشام عن أبان ابن أبي عياش عن إبراهيم بن أبي علقمة عن عبدالله قال بت عند النبي صلى الله عليه و سلم فأوتر فقنت في الوتر قبل الركعة قال ثم أرسلت أمي من القائلة فأخبرتني بذلك
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة قالت أسر رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن في الركعتين في الفجر وكان يقرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا سفيان ومسعد عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة قالت ما كنت ألقى النبي صلى الله عليه و سلم من آخر السحر إلا وهو نائم عندي تعني بعد الوتر
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه و سلم يوقظني فيقول قومي فأوتري
حدثنا محمد ثنا محمد ثنا أحمد ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نعس أحدكم فلينم على فراشه فإن أحدكم لعه يذهب فيسلب نفسه
حدثنا محمد بن حميد ومحمد بن عمر بن إسحاق الكلوذاني قالا ثنا عبدالله ابن أبي داود ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا مروان بن محمد ثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم الأدام الخل

حدثنا محمد بن عمر بن إسحاق ثنا عبدالله بن أبي داود ح وحدثنا محمد بن إبراهيم ثنا أحمد بن الحسين بن طلاب ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا مروان بن محمد عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت لا تمر فيه جياع أهله
حدثنا إسحاق بن أحمد ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا مروان عن يزيد بن السمط عن الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وكما لا يخشى من الشوك العنب لذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار فاسلكوا أي طريق شئتم فأي طريق سلكتم وردتم على أهله رواه غير أحمد فقال عن يزيد عن أبي ذر
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر إملاء ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا يونس الحذاء عن أبي حمزة عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا معاذ إن المؤمن لدى الحق أسير إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته وأن يهلك فيما يهوى يا معاذ إن المؤمن لا تسكن روعته ولا اضطرابه حتى يخلف الجسر وراء ظهره فالقرآن دليله والخوف محجته والشوق مطيته والصلاة كهفه والصوم جنته والصدقة فكاكه والصدق أميره والحياء وزيره وربه من وراء ذلك بالمرصاد يا معاذ إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي وأنهيت إليك ما أنهى إلي جبريل فلا ألفيتك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاه الله منك
حدثنا محمد بن حميد ثنا القاسم بن ثنا أبو حاتم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا ابن عبد القدوس بن الحجاج ثنا أبو ثوبان عن الحسن بن الحر عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وأبي السائب مولى هشام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل صلاة لا يقرأفيها بفاتحة الكتاب فهي خداج حدثناه سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا علي بن عياش ثنا أبو ثوبان عن الحسن بن الحر مثله

حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبدالله بن عتاب الزفتي الدمشقي ثنا أحمد ابن أبي الحواري ثنا مروان بن محمد ثنا عيسى بن يونس عن عبدالله الوصافي عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال ما سموا الأبرار حتى بر الأبناء الآباء والآباء الأبناء
أخبرنا علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو أحمد القاص أنبأنا موسى الخياط عن الأعمش قال كان شاب من شباب أهل الكوفة من التابعين ذبل من غير سقم وانحنى من غير كبر وقرحت الجبهة من السجود وصار للدموع في خده اخدود قال فدخلت عليه والدته ليلة من الليالي فقالت له يا بني إن القليل من العمل الدائم لا يمل خير من الكثير يمل وإني أتخوف أن يكون الله قد رآك على وجه من وجوه عبادته ثم يراك بعد هذه قد مللت وفترت فيمقتك يا بني مالي أرى الناس يفرحون وأراك حزينا لا تفرح وأراهم يهدءون وينامون وأراك صائما لا تأكل ولا تشرب قال لها يا والدتي أدني مني جزيت عني الحسنى إني تفكرت في الموت فرأيت الموت لا يترك الكبير ولا يرحم الصغير يا أماه جزيت عني الحسنى إن لابنك غدا في القبر نوما طويلا وإن لابنك غدا في البرزخ لحبسا طويلا وان لابنك غدا في البلى ذلا كثيرا يا أمتاه إني أمرت بالسباق وغاية السباق الجنة أن بغلت الغاية فلحت وإن قصرت عن الغاية هلكت يا أمتاه إني في طلب منزل عسى أن ينفعني وينفعك يوما قال فانصرفت فرقدت فلما أصبحت أتت عبدالله بن مسعود صاحب النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا صاحب رسول الله أن لي ابنا قد ذبل من غير سقم وانحنى من غير كبر وقرحت جبهته من السجود وصارت دموعه في خده اخدووا ! يا صاحب رسول الله إن الناس ينامون وابني لا يهدأ ولا ينام والناس يأكلون وابني صائم لا يأكل ولا يشرب ويفرح الناس ويضحكون وابني حزين لا يفرح ولا يضحك وأنت رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قد جربت من الأمور مالم نجرب ورأيت منها مالم نر فهل لك أن تمشي

معي لعلك ترى أثر ذلك عليه قال فمشى معها فلما دخل إلى ابنها نظر إلى نور العبادة يتقد بين عينيه فقال له عبدالله بن مسعود بأبي أنت وأمي يا خاطب الحور العين بأبي أنت وأمي يا طالب دار السلام بأبي أنت وأمي يا من قد اشتاق إلى أبي القاسم صلى الله عليه و سلم وأصحابه قال فحدثني قال شعرت يا حبيبي انه من دخل النار جريحا لا يداوى جرحه أبدا وشعرت يا حبيبي انه من دخل النار كسيرا لا يجبر كسره أبدا حبيبي إن أهل النار منها يأكلون ومنها يشربون وفي أدراكها يتقلبون وبمقامع الحديد إلى قعرها يضربون ويردون قال فصفق الفتى صعقة خر مغشيا عليه قال فأتت أمه فوضعت يدها على رأسه ثم قالت يا صاحب رسول الله إنما جئت بك إلى ابني لتعظه إلم أجئ بك لتقتله قال فصب على وجهه من الماء فأفاق قال عبدالله بن مسعود يا هذا إن لنفسك عليك حقا ولبدنك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه قال يا صاحب رسول الله ما رأيت الخيل وهي في الميدان قال بلى قد رأيتها قال فأيها رأيت المبادر قال المضمر المخف قال فأنا أحب أن أضمر نفسي لعل الله يبلغ بي غاية المتقين فقال له وفقك الله وأرشدك
أخبرنا علي بن يعقوب في كتابه وحدثني عنه عثمان قال ثنا جعفر بن أحمد ثنا أحمد ابن أبي الحواري ثنا أبوعبدالله الهمداني عن عبدالله بن وهب قال إن في الجنة غرفة يقال لها العالية فيها حوراء يقال لها الغنجة إذا أراد ولي الله يأتيها أتاها جبريل فناداها فقامت على أطراف أصابعها معها أربعة آلاف وصيفة يحملن ذيلها وذوائبها يبخرنها بمجامر بلا نار قال أبو عبدالله فغشي على ابن وهب فحمل فأدخل منزله فلم يزل يعودونه حتى مات رحمه الله 466
أبو يزيد البسطامي
قال الشيخ الحافظ أبو نعيم رحمه الله ومنهم التائه الوحيد الهائم الفريد البسطامي أبو يزيد تاه فغاب وهام فآب غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات فاروق الخلق وافق الحق فأيد بأخلاء السرو أمد

باستيلاء البر إشاراته هائنة وعباراته كامنة لعارفيها ضامنة ولمنكريها فاتنة
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ثنا عبدالله بن أحمد بن موسى الصرفي ثنا أحمد بن محمد بن حابان ثنا عمر البسطامي عن أبي موسى عن أبي يزيد البسطامي قال ليس العجب من حب لك وأنا عبد فقير إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت يعقوب بن إسحاق يقول سمعت إبراهيم الهروي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء توهمت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري ومعرفته سبقت معرفتي ومحبته أقدم من محبتي وطلبه لي أولا حتى طلبته
حدثنا عبدالواحد بن بكر قال قال الحسن بن إبراهيم الدامغاني ثنا موسى بن عيسى قال سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد يقول اللهم إنك خلقت هذا الخلق بغير علمهم وقلدتهم أمانة من غير إرادتهم فأن لم تعنهم فمن يعينهم
حدثنا عمر بن عثمان ثنا عبدالله بن أحمد بن موسى ثنا أحمد بن محمد بن جابان ثنا عمر البسطامي عن أبي موسى عن أبي يزيد قال إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة عن رؤيته لاستغاثوا بالخروج من الجنة كما يستغيث أهل النار بالخروج من النار
سمعت الفضل بن جعفر يقول سمعت محمد بن منصور يقول قال عبيد بن عبدالقاهر جلس قوم إلى أبي يزيد فأطرق مليا ثم رفع رأسه إليهم فقال منذ أجلستم إلي هو ذا أجيل فكري التمس حبة عفنة أخرجها إليكم تطيقون حملها فلم أجد قال وقال أبو يزيد غبت عن الله ثلاثين سنة فكانت عنه ذكري إياه فلما خنست عنه وجدته في كل حال فقال لي رجل مالك لا تسافر قال لأن صاحبي لا يسافر وأنا معه مقيم فعارضه السائل بمثل فقال أن الماء القائم قد كره الوضوء منه لم يروا بماء البحر بأسا هو الطهور ماؤه الحل ميتته ثم قال قد ترى الأنهار تجري لها روي وخرير حتى إذا دنت من البحر

وامتزجت به سكن خريرها وحدتها ولم يحس بها ماء البحر ولا ظهر فيه زيادة ولا إن خرجت منه استبان فيه نقص
حدثنا عمر بن أحمد ثنا عبدالله بن أحمد ثنا أحمد بن محمد ثنا عثمان عن أبي موسى قال قال أبو يزيد لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن ذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالا لله أن أذكره
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبوالحسن الرازي قال سمعت يوسف ابن الحسين يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول قال أبو يزيد البسطامي لم أزل أجول في ميدان التوحيد حتى خرجت إلى دار التفريد ثم لم أزل أجول في دار التفريد حتى خرجت إلى الديمومية فشربت بكأسه شربة لا أظمأن من ذكره بعدها أبدا قال يوسف وكنت أسمع هذا الكلام على غير هذا اللفظ من ذي النون وفيه زيادة كان ذو النون لا يبديها إلا في وقت نشاطه وغلبة حاله عليه فيقول ذلك ويقول بعده لك الجلال والجمال ولك الكمال سبحانك سبحانك قد ستك ألسن التماديح وأفواه التسابيح أنت أنت أزلى أزلي حبه لي أزلي
حدثنا أبو ا لفضل أحمد بن أبي عمران ثنا منصور بن عبدالله قال سمعت أبا عمران موسى بن عيسى يقول سمعت أبي يقول قال أبو يزيد غبت عن الله ثلاثين سنة وكانت غيبتي عنه ذكري إياه فلما خنست عنه وجدته في كل حال حتى كأنه أنا
حدثنا أحمد بن أبي عمران ثنا موسى ثنا منصور قال جاء رجل إلى أبي يزيد فقال أوصني فقال له أنظر إلى السماء فنظر صاحبه إلى السماء فقال له أبو يزيد أتدري من خلق هذا قال الله قال أبو يزيد أن من خلقها لمطلع عليك حيث كنت فاحذره
حدثنا أحمد ثنا منصور ثنا موسى قال جاء رجل إلى أبى يزيد فقال بلغنى أنك تمر في الهواء قال وأى أعجوبة في هذه طير يأكل الميتة يمر في الهواء والمؤمن أشرف من الطير قال ووجه إليه أحمد بن خرب حصيرا وكتب معه إليه صل عليه بالليل فكتب أبو يزيد إليه إني جمعت عبادات أهل السموات

والأرضين السبع فجعلتها في مخدة ووضعتها تحت خدي
سمعت الفضل بن جعفر يقول سمعت محمد بن منصور سمعت عبيد يقول قال أبو يزيد طلقت الدنيا ثلاثا ثلاثا بتاتا لا رجعة فيها وصرت إلى ربي وحدي فناديته بالاستغاثة إلهي أدعوك دعاء لم يبق له غيرك فلما عرف صدق الدعاء من قلبي والأياس من نفسي كان أول ما ورد علي من إجابة هذا الدعاء أن أنساني نفسي بالكلية ونصب الخلائق بين يدي مع إعراضي عنهم
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ثنا عبيدالله بن أحمد ثنا أحمد بن محمد بن جابان ثنا عمر البسطامي عن أبي موسى عن أبي يزيد قال إن في الطاعات من الآفات مالا تحتاجون إلى أن تطلبوا المعاصي
حدثنا عمر ثنا عبيد ثنا أحمد ثنا عمر عن أبي موسى قال قال أبو يزيد ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر
أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا عمران موسى بن عيسى يقول سمعت أبي يقول قال أبو يزيد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لتعبت واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد وقال أبو يزيد لا يعرف نفسه من صحبته شهوله وقال أبو يزيد الجنة لا خطر لها عند المحبين وأهل المحبة محجوبون بمحبتهم وسمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا الحسن المروزي يقول سمعت امرأة أبي يزيد البسطامي تقول سمعت أبا يزيد يقول عالجت كل شيء فما عالجت أصعب من معالجة نفسي وما شيء أهون علي منها سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا الحسن المروزي يقول سمعت امرأة أبي يزيد تقول سمعت أبا يزيد تقول دعوت نفسي إلى الله فأبت علي واستصعبت فتركتها ومضيت إلى الله
حدثنا عمر بن أحمد ثنا عبيدالله بن أحمد ثنا أحمد بن محمد ثنا عمر عن أبي موسى عن أبي يزيد قال أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة فأولهم الزاهد

بزهده والثاني العابد بعبادته والثالث العالم بعلمه ثم قال مسكين الزاهد قد ألبس زهده وجرى به في ميدان الزهاد ولو علم المسكين أن الدنيا كلها سماها الله قليلا فكم ملك من القليل وفي كم زهد مما ملك ثم قال إن الزاهد هو الذي يلحظ إليه بلحظة فيبقى عنده ثم لا ترجع نظرته إلى غيره ولا إلى نفسه وأما العابد فهو الذي يرى منة الله عليه في العبادة أكثر من العبادة حتى تعرف عبادته في المنة وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر وكم عمل فيما علم
أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت أحمد بن علي سمعت يعقوب سمعت الحسن ابن علي يقول قال أبو يزيد المعرفة في ذات الحق جهل والعلم في حقيقة المعرفة جناية والإشارة من المشير شرك في الأشارة وقال العارف همه ما يأمله والزاهد همه ما يأكله وقال طوبى لمن كان همه هما واحدا ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه وسمعت أذناه ومن عرف الله فأنه يزهد في كل شيء يشغله عنه
أحمد بن أبي عمران ثنا منصور بن عبدالله قال سمعت أبا عمران موسى بن عيسى يقول سمعت أبي يقول قال أبو يزيد وسئل ما علامة العارف 9 ! فقال إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها الآية وقال عجبت لمن عرف الله كيف يعبده وقيل له إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض فقال أنا كل السبعة وسئل متى يبلغ الرجل حد الرجال في هذا الأمر قال إذا عرف عيوب نفسه فحينئذ يبلغ مبلغ الرجال وقال إن لله عبادا لو حجبوا عنه طرفة عين ثم أعطوا الجنان كلها ما كان لهم إليها حاجة وكيف يركنون إلى الدنيا وزينتها
سمعت الفضل بن جعفر يقول سمعت الحسن يقول سمعت عبيد بن عبدالقاهر يقول قال أبو يزيد البسطامي إن الله تعالى ليرزق عبده الحلاوة فمن أجل فرحه يمنعه من حقائق القرب وسئل عن درجة العارف فقال ليس هناك درجة بل أعلى فائدة العارف وجوده ربه وقال عرفت الله بالله وعرفت ما دون الله بنور الله وسئل بماذا يستعان على العبادة فقال بالله إن كنت تعرف وقال أدل عليك بك وبك أصل اليك وقال نسيان النفس ذكر بارئ النسم

وقال من تكلم في الأزل يحتاج أن يكون معه سراج الأزل وقال ما وجد الواجدون شيئا من الحضور إلا كانوا غائبين في حضورهم وكنت أنا المخبر عنهم في حضورهم
حدثنا عمر بن أحمد ثنا عبدالله بن أحمد ثنا أحمد بن محمد ثنا عمر عن أبي موسى قال سمعت أبا يزيد يقول يوما ما ذكروه إلا بالغفلة ولا خدموه إلا بالفترة قال وسمعوه يوما وهو يقول لا تقطعني بك عنك وسمعوه يوما وهو يقول أكثر الناس إشارة أبعدهم منه وسأله رجل من أصحب فقال من لا يحتاج أن تكتمه شيئا مما يعلمه الله منك وسمعوه يوما يقول أقربهم من الله أوسعهم على خلقه وسمعوه يوما وهو يقول لا يحمل عطاياه إلا مطاياه المذللة المروضة وسأله رجل من أصاحب فقال من إذا مرضت عادك وإذا أذنبت تاب عليك
حدثنا أحمد بن أبي عمران ثنا منصور بن عبدالله قال سمعت موسىيقول سمعت أبي يقول بينا أنا قاعد خلف أبي يزيد يوما إذ شهق شهقة فرأيت أن شهقته تخرق الحجب بينه وبين الله فقلت يا أبا يزيد رأيت عجبا فقال يا مسكين وما ذلك العجب فقلت رأيت شهقتك تخرق الحجب حتى وصلت إلى الله تعالى فقال يا مسكين إن الشهقة الجيدة هي التي إذا بدت لم يكن لها حجاب تخرقه وسأله رجل فقال يا أبا يزيد العارف يحجبه شيء عن ربه فقال يا مسكين من كان هو حجابه أي شيء يحجبه
أخبرنا أبو عمر بن حمدان قال وجدت بخط أبي سمعت أبا عثمان سعيد ابن إسماعيل يقول قال أبو يزيد من سمع الكلام ليتكلم مع الناس رزقه الله فهما يكلم به الناس ومن سمعه ليعامل الله رزقه الله فهما يناجي به ربه
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت أبا نصر الهروي يقول سمعت يعقوب بن إسحاق يقول سمعت إبراهيم الهروي يقول سمعت أبا يزيد يقول هذا فرحي بك وأنا أخافك فكيف فرحي بك إذا أمنتك قال وسمعت أبا يزيد يقول رب أفهمني عنك فإني لا أفهم عنك إلا بك قال أبو يزيد

كفر أهل الهمة أسلم من إيمان أهل المنة وقال ليت الخلق عرفوني فكفاهم من ذلك معرفتهم بأنفسهم قال وسئل أبو يزيد بم نالوا المعرفة قال بتضييع مالهم والوقوف على ماله وقال اطلع الله على قلوب أوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفا فشغلهم بالعبادة
أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت منصورا يقول سمع يعقوب بن إسحاق يقول سمعت إبراهيم الهروي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي وسئل ما علامة العارف قال ألا يفتر من ذكره ولا يمل من حقه ولا يستأنس بغيره وقال إن الله تعالى أمر العباد ونهاهم فأطاعوه فخلع عليهم خلعة من خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه وإني لا أريد من الله إلا الله
سمعت الفضل بن جعفر يقول سمعت محمد بن منصور يقول سمعت عبيد ابن عبد القاهر يقول قال أبو يزيد العارف فوق ما يقول والعالم دون ما يقول والعارف ما فرح بشيء قط ولا خاف من شيء قط والعارف يلاحظ ربه والعالم يلاحظ نفسه بعلمه والعابد يعبده بالحال والعارف يعبده في الحال وثواب العارف من ربه هو وكمال العارف احترافه فيه له وقال رجل لأبي يزيد علمني اسم الله الأعظم قال ليس له حد محدود إنما هو فراغ قلبك لوحدانيته فإذا كنت كذلك فارفع إلي أي اسم شئت فأنك تصير به إلى المشرق والمغرب ثم تجيء وتصف
حدثنا أحمد بن أبي عمران قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا عمران موسى يقول سمعت عمر البسطامي يقول سمعت أبي يقول قال أبو يزيد انظر أن يأتي عليك ساعة لا ترى في السماء غيره ولا في الأرض غيرك وقال إن الصادق من الزاهدين إذا رأيته هبته وإذا فارقته هان عليك أمره والعارف إذا رأيته هبته وإذا فارقته هبته قال وسمعت أبا يزيد يقول لأن يقال لي لم لا تفعل أحب إلي من أن يقال لي لم فعلت وقال الذي يمشي على الماء ليس بعجب لله خلق كثير يمشون على الماء ليس لهم عند الله قيمة وقال الجوع سحاب فإذا جاع العبد مطر القلب الحكمة وسئل عن قوله إنا لله وإنا إليه

راجعون قال إنا لله إقرار لله بالملك وإنا إليه راجعون إقرار على اليقين بالملك
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا عمران يقول سمعت عمر البسطامي يقول سمعت أبا يزيد يقول من لم ينظر إلى شاهد بعين الاضطرار وإلى أوقاتي بعين الاغترار وإلى أحوالي بعين الاستدراج وإلى كلامي بعين الافتراء وإلى عباراتي بعين الاجتراء وإلى نفسي بعين الازدراء فقد أخطأ النظر في
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا موسى بن عيسى يقول سمعت عمر يقول سمعت أبى يقول سمعت أبا يزيد يقول لو صفت لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت منصورا يقول سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول سمعت علي بن عبيد السهمداني يقول كتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته فكتب أبو يزيد في جوابه سكرت وما شربت من الدرر وغيري قد شرب بحور السموات والأرض وما روى بعد ولسانه مطروح من العطش ويقول هل من مزيد
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت علي بن عبدالله يقول سمعت تيمور البسطامي يقول سمعت موسى بن عيسى يقول قال أبي قال أبو يزيد لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحد ودوأداء الشريعة وقال إذا وقفت بين يدي الله فاجعل نفسك كأنك مجوسي تريد أن تقطع الزنار بين يديه قال وحكى عمي عن أبيه أنه اجتمع عليه الناس فقال يا رب كنت سألتك الله ألا تحجبهم بك عنك فحجبتهم بي عنك وحكي عنه أنه قال نوديت في سري فقيل لي خزائننا مملوءة من الخدمة فإن أردتنا فعليك بالذلة والافتقار
سمعت أبا أسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الحلواني بطرتيب يقول سمعت يعقوب بن إسحاق الهروي يقول سمعت إبراهيم الهروي وذكر عن أبي يزيد قال أولياء الله مخدرون معه في حجال الأنس له لا يرهم أحد في

الدنيا والآخرة إلا من كان محرما لهم وأما غيرهم فلا إلا منتقبين من وراء حجبهم قال وقرئ عند أبي يزيد يوما يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال فهاج ثم قال من كان عنده فلا يحتاج أن يحشر لأن جليسه أبدا وقيل لأبي يزيد أيصل العبد إليه في ساعة واحدة قال نعم ولكن يرد بالفائدة والربح على قدر السفر قال الشيخ رحمه الله تعالى اقتصرنا على هذا القدر من كلامه لما فيه من الإشارات العميقة التي لا يصل إلى الوقوف على مودعها إلا من غاص في بحره وشرب من صافى أمواج صدره وفهم نافثات سره المتولدة المنتشرة من سكره فأما الرواية عنه فغير محفوظة غير أني رأيت من ورائه شيخا واعظا لقيته ببغداد وبالبصرة يعرف بأبي الفتح بن الحمصي أحمد بن الحسين بن محمد ابن سهل فذكر أن علي بن جعفر البغدادي حدثهم قال قال أبو موسى الدؤلي ثنا أبو يزيد البسطامي ثنا أبو عبدالرحمن السندي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على مالم يؤذك به الله إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص ولا يرده كره كاره وإن الله تعالى بحكمه وجلاله جعل الفرح والروح في الرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله وهذا الحديث مما ركب على أبي يزيد والحمل فيه على شيخنا أبي الفتح فقد عثر منه على غير حديث ركبه وحدثنا بهذا الحديث القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا محمد بن الحسين بن حفص ثنا علي بن محمد بن مروان وهو السري ثنا أبي ثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من ضعف اليقين فذكر مثله قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله أما شموس أهل المشرق وأعلامهم فقد عنى بذكرهم الشيخ أبو عبدالرحمن السلمي النيسابوري في كتابه المترجم

طيقات الصوفية وأحببت إيداع أسماء جماعة من مشهوريهم كتابي على الاختصار دون الإكثار 467
أحمد بن الخضر
فمنهم أحمد بن الخضر المعروف بابن خضرويه البلخي شيخ خراسان له الفتوة المشهورة والتجريد الحميد كانت قرينته المكتنية بأم على من بنات الكبار حللت زوجها أحمد من صداقها على أن يزوجها أبا يزيد البسطامي فحملها إلى أبى يزيد فدخلت عليه وقعدت بين يديه مسفرة عن وجهها فقال لها أحمد رأيت منك عجبا أسفرت عن وجهك بين يدي أبي يزيد فقالت لأني لما نظرت إليه فقدت حظوظ نفسي وكلما نظرت إليك رجعت إلي حظوظ نفسي فلما خرج قال لأبي يزيد أوصني قال تعلم الفتوة من زوجتك
وحكى لي أبو عبدالرحمن السلمي عن أحمد قال من أحب أن يكون الله معه في جميع الإحوال فليلزم الصدق فإن الله مع الصادقين
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت محمد بن حامد يقول كنت جالسا عند أحمد بن خضرويه وهو في النزع وكان قد أتى عليه خمس وتسعون سنة فسئل عن مسألة فدمعت عيناه وقال يا بني باب كنت أدقه خمسا وتسعين سنة هو ذا يفتح لي الساعة لا أدري أيفتح لي بالسعادة أو بالشقاوة أنى لي أوان الجواب وكان ركبه من الدين سبعمائة دينار وحضره غرماؤه فنظر إليهم فقال اللهم إنك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال وأنت تأخذ عنهم وثيقتهم فأدعني قال فدق داق الباب وقال هذه دار أحمد بن خضرويه فقالوا نعم قال أين غرماؤه قال فخرجوا فقضى عنه ثم خرجت روحه
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن الخضر المروزي ببغداد ثنا محمد بن عبده المروزي ثنا أبو معاذ النحوي ثنا أبو حمزة السكري عن رقبة بن مصقلة عن سالم بن بشير عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله

عليه وسلم قال تسحروا فأن السحور بركة تفرد به أبو حمزة السكري عن رقبة قال وأحمد بن الخضر ذكره سليمان المروزي وذكر لي بعض الناس أنه البلخي وهو مروزي الدار 468
إبراهيم الهروي
ومنهم أبو إسحاق إبراهيم الهروي يعرف بستنبه صحب إبراهيم بن أدهم من أقران أبي يزيد من المذكورين بالتوكل والتجريد توفي بقزوين وكان أهل هراة يعظمونه فحج متجردا فقيل إنه كان من دعائه في تلك الحجة أن قال اللهم اقطع رزقي عن أموال أهل هراة وزهدهم في فكان بعد ذلك تأتي عليه الأيام الكثيرة لا يطعم فيها شيئا فإذا مر بسوق هراة قالوا هذا الفاعل ينفق في كل يوم وليلة كذا وكذا درهما
سمعت أبا عبدالرحمن السلمي يقول سمعت أبا القاسم النصراباذي يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول بقي إبراهيم بن بستنبه في البادية ما أكل وما شرب وما اشتهى شيئا فقال عارضتني نفسي أن لي مع الله رتبة فلم أشعر أن كلمني رجل عن يميني فقال يا إبراهيم ترائى الله في سرك فنظرت إليه فقلت قد كان ذلك قال تدري كم لي ههنا لم آكل ولم أشرب ولم أشته شيئا وأنا زمن مطروح قلت الله أعلم قال ثمانين يوما وأنا أستحي من الله أن يقع لي خاطرك ولو أقسمت على الله أن يجعل هذا الشجر ذهبا لجعله فكانت بركة رؤيته تنبيها لي ورجوعا إلى حالتي الأولى
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانئ يقول سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت محمد بن إبراهيم الهروي يقول قال أبي من أراد ألا يحجب دعاؤه من السماء فليتعاهد من نفسه خمسة أشياء أولا أن يكون أكله غليه لا يأكل إلا مالا بد منه ولباسه غلبة لا يلبس إلا مالا بد منه ونومه غلبه لا ينام إلا مالا بد منه وكلامه غلبه لا يتكلم إلا مالا بد منه والخامس أن يكون متضرعا حافظا لإرادته دائما حافظا لأعضائه كلها قال وطريق الجنة على ثلاثة

أشياء أولها أن يسكن قلبك بموعود الله والثاني الرضا بقضاء الله والثالث إخلاص العمل في جميع النوافل قال ومن أراد أن يبلغ الشرف كل الشرف فليختر سبعا على سبع فأن الصالحين اختاروها حتى بلغوا أسنام الخير أولها أن يختار الفقر على الغنى والجوع على الشبع والدون على المرتفع والذل على العز والتواضع على الكبر والحزن على الفرح والموت على الحياة وقال كل من أصاب هذه الثلاثة فقد أصاب الشرف في الدنيا والآخرة أولها فتح القلب يعني يفتح الله قلبه فيجعله مأوى الذكر والمناجاة والثاني غنمه البر فكل بر يرزقه الله يراه أنه غنيمة له فيتقبله بالمنة ويحفظه بالخوف ويتممه بالخشية ويسلمه بالإخلاص ويحفظه بالصبر والثالث يجد الظفر على عدوه ليستقيم على طاعة الله حتى يرزقه الله الظفر على عدوه
حدثنا أبي ثنا أحمد بن جعفر ثنا محمد بن عبدالله حدثني محمد بن إبراهيم ثنا أبي ثنا عبدالرحيم بن حبيب عن إسماعيل بن يحيى التيمي عن سفيان عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أدى إلى أمتي حديثا يقيم به سنة أو يثلم به بدعة فله الجنة 469
داود البلخي
قال الشيخ رحمه الله ومن متقدمي شيوخ المشرق داود البلخي وإبراهيم ابن أدهم وشقيق البلخي وحاتم الأصم وقد تقدم ذكرهم غير داود البلخي فإنه لم ينشر عنه كانتشار إبراهيم وشقيق وحاتم ولم أر له ذكرا فيما وقع إلينا إلا ما يحكى عنه إبراهيم بن أدهم أنه قال أصحبت رجلا بين الكوفة ومكة فإذا صلى ركعتين تجوز فيهما وتكلم بكلام خفي بينه وبين نفسه فإذا عن يمينه جفنة ثريد وكوز ماء فأكل وأطعمني فذكرت ذلك لبعض المشايخ ممن له آيات وكرامات فقال لي يا بني ذاك أخي داود ووصف من حاله ما أبكى من حوله ومسكنه من وراء نهر بلخ بقرية يقال لها الصادر تفخر على البقاع بكينونة داود فيها ثم قال يا بني ماذا علمك وقال لك قلت علمني اسم الله الأعظم فقال

الشيخ فما هو قلت له إنه لكبير في قلبي أن أنطق به لساني فإني سألت الله مرة وإذا رجل يحجزني فقال سل تعطه فراعني ذلك وفزعت منه فزعا شديدا فقال لا بأس ولا روع أنا أخوك الخضر فقال إن أخي داود علمك اسم الله الأعظم والله يثبت به قلبك ويقوي به ضعفك ويؤنس به وحشتك ويؤمن به روعتك ويجدد به رغبتك ويعينك إن الزاهدين في الدينا اتخذوا الرضا عن الله لباسا وحبه دثارا والأثرة شعارا فتفضل الله عليهم قال الشيخ رحمه الله رأيت هذه الحكاية مروية عن محمد بن الفرحي عن عثمان بن عمار عن إبراهيم بن أدهم فأحببت أن لا أخلي الكتاب من ذكر داود رحمه الله 470
أبو تراب النخشبي
ومنهم أبو تراب النخشبي كان أحد أعلام المتوكلين وإمام المتجردين تأدب بحاتم الأصم وعلى الرازي المذبوح له الرياضات المشهورة والسياحات المذكورة دخل أصبهان وسمع من عبدالله بن محمد بن زكريا ومحمد بن عبدالله ابن مصعب وصحبه جدي محمد بن يوسف بمكة وبالحجاز مدة مديدة وكذلك صحبه أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل بالبادية
حدثنا أبو محمد بن حبان قال سمعت عبدالرزاق ابني يحكي عن أبي عبدالله محمد بن أحمد الكسائي المقري قال كنت جالسا عند ابن أبي عاصم وعنده قوم فقال له رجل أيها العاصي بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية يقلبون الرمل فقال أحدهم اللهم إنك قادر على أن تطعنا خبيصا على لون هذا الرمل فإذا هم بأعرابي بيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيديهم طبقا عليه خبيص حار فقال ابن أبي عاصم قد كان ذاك قال أبو عبدالله وكان الثلاثة عثمان بن صخر الزاهد أستاذ أبي تراب وأبو تراب وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم وكان هو الذي دعا
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا ثنا أبو

تراب قال قال حاتم عن شقيق لو أن رجلا عاش مائتي سن لا يعرف هذه الأربعة أشياء لم ينج من النار إن شاء الله أحدها معرفة الله والثاني معرفة نفسه والثالث معرفة أمر الله ونهيه والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه وتفسير معرفة الله أن تعرف بقلبك أن لا معطي غيره ولا مانع غيره ولا نافع غيره ولا ضار غيره وأما معرفة النفس فأن تعرف نفسك أنك لا تضر ولا تنفع ولا تستطيع شيئا من الأشياء وخلاف النفس أن تكون متضرعا إليه وأما معرفة أمر الله ونهيه فأن تعلم أمر الله عليك وأن رزقك على الله وأن تكون واثقا بالرزق مخلصا في العمل وعلامة الإخلاص ألا يكون فيك خصلتان الطمع والثناء وأما معرفة عدو الله فأن تعلم أن عدوا لك لا يقبل الله منك شيئا إلا بمحاربته والمحاربة في القلب أن يكون محاربا مجاهدا نافيا للعدو
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عبدالله بن محمد قال قال أبو تراب سمعت محمد ابن شقيق بن إبراهيم وحاتما الأصم يقولان كان لشفيق وصيتان إذا جاء رجل يوصيه بالعربية ويقول توحد الله بقلبك ولسانك وسعيك وأن تكون بالله أوثق مما في يديك والثالث أن ترضى عن الله وإذا جاءه أعجمي قال له بني احفظ مني خصالا أول خصلة أن تحفظ الحق ولا يكون الحق حقا إلا بالإجماع فإذا اجتمع الناس فقالوا إن هذا الحق تعمل ذلك الحق برؤية الثواب مع الأياس من الخلق ولا يكون الباطل باطلا إلا بالإجماع فإذا اجتمعوا وقالوا إن هذا باطل تركت هذا الباطل خوفا من الله مع الأياس من المخلوقين فإذا كنت لا تعلم هذا الشيء حق أو باطل فينبغي لك أن تقف حتى تعلم فإنه حرام عليك دخوله إلا أن يكون معك بيان ذلك الشيء وعلمه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت جدي إسماعيل بن عبيد يقول كان أبو تراب إذا سمع من أصحابه ما يكره زاد في اجتهاده ويجدد ثوبة ويقول بشرى دفعوا إلي ما دفعوا لأن الله تعالى يقول إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وكان يقول لأصحابه من لبس منكم مرقعة فقد سأل ومن قعد في لخانقاه أو فى المسجد فقد سأل ومن قرأ القرآن في المصحف أو كيما يسمع الناس فقد سأل

حدثنا أبو محمد بن حبان ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا ثنا أبو تراب ثنا أحمد بن نصير النيسابوري عن أبي غسان الكوفي ثنا مسلمة بن جعفر قال قال وهب بن منبه ثلاث من العلم ورع يحجزه عن معاصي الله وخلق يداري به الناس وحلم يرد به جهل الجاهل وثلاث من كن فيه أصاب البر سخاوة النفس والصبر على الأذى وطيب الكلام وثلاث من مناقب الإيمان الاستعداد للموت والرضا بالكفاف والتفويض إلى الله في حالات الدنيا وثلاث من مناقب الكفر الغفلة علن الله والطيرة والحسد وللحاسد ثلاث علامات يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت عبدالله بن علي يقول سمعت الرقي يقول سمعت أبا عبدالله بن الجلاء يقول لقيت ستمائة شيخ ما رأيت فيهم مثل أربعة أولهم أبو تراب وحكى بن الجلاء عن أبي تراب أنه قال لا بد للأستاذ من أربعة أشياء تمييز فعل الله عن فعل الخلق ومعرفة مقامات العمال ومعرفة الطبائع والنفوس وتمييز الخلاف من الإختلاف
سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول سمعت أبا العباس محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت أبا عبدالله الفارسي يقول سمعت أبا الحسن الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت أبا تراب يقول ما تمنت علي نفسي قط إلا مرة تمنت علي خبزا وبيضا وأنا في سفر فعدلت من الطريق إلى قرية فلما دخلتها وثب إلي رجل فتعلق بي وقال إن هذا كان مع اللصوص فبطحوني وضربوني سبعين جلدة فوقف علينا رجل فصرح هذا أبو تراب فأقاموني واعتذروا إلي وأدخلني الرجل منزله وقدم إلي خبزا وبيضا فقلت كلها بعد سبعين جلدة
سمعت أحمد بن إسحاق يقول سمعت أبا بكر بن أبي عاصم يقول سمعت أبا تراب الزاهد يقول سمعت حاتما الأصم يقول عن شقيق قال أصحب الناس كما تصحب النار خذ منفعتها واحذر أن تحرقك
سمعت أحمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت إسماعيل بن نجيد

يقول كان أبو تراب يقول بيني وبين الله عهد ألا أمد يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه
سمعت أبا سعيد القلانسي يقول سمعت الرقي يقول سمع أبا عبدالله بن الجلاء يقول كان أبو تراب يقول لا أعلم شيئا أضر من المريدين من أسفارهم على متابعة قلوبهم ونفوسهم وما فسد من فسد من المريدين إلا بالأسفار الباطلة
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا الحسين القزويني يقول سمعت علي بن عبدك يقول سمعت أبا عمران الطبرستاني يقول سمعت ابن الفرحي يقول رأيت حول أبي تراب من أصحابه مائة وعشرين ركوة قعودا حول الأساطين ما مات أحد منهم على الفقر إلا ابن الجلاء وأبو عبيدة السري
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا قال سمعت أبا تراب يقول قال حاتم الأصم أنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء إلى المعرفة وإلى الثقة وإلى التوكل فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه فلا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تتهم أو تسخط ولكن ينبغي لك أن ترضى وتصبر وأما الثقة فالأياس من المخلوقين وعلامة الإياس من المخلوقين أن ترفع القضاء منهم وإذا رفعت القضاء منهم فقد استرحت منهم واستراحوا منك وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لا بد لك أن تزين لهم وتصنع لهم فإذ فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم ووقعوا في أمر عظيم ونضع عليهم الموت فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم وأما التوكل فطمأنينة القلب لموعود الله فإذا كنت مطمئنا بالموعود استغنيت غنى لا تفتقر أبدا
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عبدالله بن محمد قال سمعت أبا تراب يقول قال حاتم الأصم لا أدري أيهما أشد على الناس العجب أو الرياء العجب داخل فيك والرياء يدخل عليك ألعجب أشد عليك من الرياء ومثلهما أن يكون كلبك في البيت كلب عقور وكلب آخر خارج البيت فأيها أشد عليك الداخل

معك أو الخارج أما الداخل فهو العجب وأما الخارج فهو الرياء وقال حاتم الحزن على وجهين حزن لك وحزن عليك فأما الحرن الذي عليك فكل شيء فاتك من الدنيا فتحزن عليه فهذا عليك وكل شيء فاتك من الآخرة فتحزن عليه فو لك وتفسيره إذا كان عندك درهمان فسقط منك درهم حزنت عليه فهذا حزن الدنيا وإذا خرجت منك زلة أو غيبة أو حسد أو شيء فما تحزن عليه وتندم فهو لك
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبدالله بن شاذان يقول سمعت أبا عثمان الآدمي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول حدثني أخ لي كان يصحب أبا تراب أن أبا تراب نظر إلى صوفي مد يده إلى قشور البطيخ فقال إنك لا يصلح لك التصوف الزم السوق
سمعت أبا الفضل أحمد بن موسى الصارم ومحمد بن الحسين يقولان سمعنا منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا علي الروزبادي يقول سمعت ابن الجلاء يقول سمعت أبا تراب النخشبي يقول إذا ألفت القلوب الأعراض صحبتها الوقيعة في الأولياء
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول وحكي عن أبي عبدالله بن الجلاء قال دخل أبو تراب مكة فرأيته طيب النفس فقلت له أين أكلت أيها الأستاذ فقال جئت بفضولك أكلت أكلة بالبصرة وأكلة بالنباج وأكلة ههنا وقال أبو عمرو الأصطخري رأيت أبا تراب ميتا بالبادية قائما منتصبا لا يمسكه شيء
سمعت محمد بن الحسن يقول سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت أبا عثمان الآدمي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول مات أبو تراب بين مكة والمدينة نهشته السباع
سمعت أبي يقول حكى لي عن أبي عبدالله بن الجلاء قال سمعت أبا تراب قال قال حاتم الأصم مثل الدنيا كمثل ظلك إن طلبته تباعد وإن تركته تتابع قال وقال حاتم ما من صباح إلا ويقول لي الشيطان ما تأكل ما تلبس أين

تسكن فأقول له آكل الموت وألبس الكفن وأسكن القبر وقال حاتم قال شقيق بن إبراهيم يوما لرجل أيهما أحب إليك أن يكون لك على الملى أو يكون للملى عليك فقال بل يكون لي على الملى فقال إذا كنت في الشره فأجرك على الله وإذا كنت في النعمة يكون الشكر لله عليك وقال أبو تراب إذا رأيت القارئ منبسطا إلى الغلمان والأغنياء فاعلم أنه مخادع وقال أبو حاتم اصرف أربعة أشياء إلى أربعة مواضع وخذ الجنة النوم إلى القبر والراحة إلى الصراط والفخر إلى الميزان والشهوات إلى الجنة
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال سمعت أبا تراب يقول سمعت حاتما يقول لي أربعة نسوة وتسعة من الأولاد ما طمع الشيطان أن يوسوس إلى في شيء من أرزاقهم
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا جعفر بن تركان يقول سمعت يعقوب بن الوليد يقول سمعت أبا تراب يقول يا أيها الناس أنتم تحبون ثلاثة وليس هي لكم تحبون النفس وهي لله وتحبون الروح والروح لله وتحبون المال والمال للورثة وتطلبون اثنين ولا تجدونهما الفرح والراحة وهما في الجنة
أخبرني عبدالسلام بن محمد المخرمي قال سمعت ابن أبي شيخ يقول سمعت علي بن حسن التميمي يقول سمعت أبا تراب وقال له رجل ألك حاجة فقال يوم يكون لي إليك وإلى أمثالك حاجة لا يكون لي إلى الله حاجة وقال أبو تراب حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك وحقيقة الفقر أن تفتفر إلى من هو مثلك وإذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمله وإذا أخلص فيه وجد حلاوته قبل مباشرته العمل وقال من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعته
ومما أسند حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا محمد بن عبدالله بن مصعب ثنا أبو تراب عسكر بن محمد الزاهد ثنا محمد بن ثابت عن شريك عن عبدالله عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم

لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن ربهم يطعمهم ويسقيهم
حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق ثنا عبدالصمد بن علي بن مكرم حدثني أحمد بن سليمان بن المبارك ثنا أبو تراب الزاهد البلخي ثنا واصل ابن إبراهيم ثنا أبو حمزة عن رقبة عن سلمة بن كهيل عن جندب بن سفيان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من يسمع يسمع الله به ومن يرائي ترائى الله به 471
يحيى بن معاذ
ومنهم المادح الشكار القانع الصبار الراجي الجأر يحيى بن معاذ الواعظ الذكار لزم الحداد توقيا من العباد واستلذ السهاد تحريا للوداد واحتمل الشداد توصلا إلى الفناد
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيدالله بن عمرو سنة اثنين وخمسين قال سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يقول سنة أربع عشرة وثلثمائة قال سمعت يحيى بن معاذ يقول ... يا ليته لم يكن في اللوح مسطورا ... ذنب على عبده قد كان مقدورا ... كيف النجاة بعبد أنت خالقه ... ماذا تريد به يا رب مفطورا ... يا ويحه يوم يستدعي صحائفه ... إليك من خمدة الأموات منشورا ...
حدثنا محمد بن محمد ثنا الحسن بن علوية قال سمعت يحيى بن معاذ يقول ... أنا مشغول بذنبي يا رجل ... كف عني إن قلبي في شغل ... كيف أرجوا توبة تدركني ... وأرى قلبي بويلي يشتغل ... ذهبت نفسي بلا شك على ... أنني أدفع دهري بالعلل ...
حدثنا محمد ثنا الحسن قال سمعت يحيى يقول لست أبكي على نفسي إن ماتت إنما أبكي على حاجتي إن فاتت قال وسمعت يحيى يقول كيف أمتنع بالذنب من رجائك ولا أراك تمتنع للذنب من عطائك قال وسمعت يحيى ابن معاذ يقول إلهي ذنبي إلى نفسي فأنا معناه وحبي لك هو لك فأنت معناه

والحب أعتقده لك طائعا والذنب آتيه كارها فهب كرامة ذنبي لطواعية حبي إنك أرحم الراحمين قال وسمعت يحيى يقول إلهى إن لم ترحمني رحمة الكرامة عليك فارحمني رحمة الإيقاع إليك إلهي بكرمك غدا أصل إليك كما بنعمتك دللت اليوم عليك قال وسمعت يحيى بن معاذ يقول إن وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة وإن أنا لهم فضله لم تبق لهم سيئة
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا محمد بن أحمد بن محمد البغدادي ثنا عبدالله بن سهل الرازي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب قال وسمعته يقول يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقا ما دام القلب بحب الدنيا متعلقا قال وسمعته يقول ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب ولا مكن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع في بحر الذنوب وسمعته يقول ورأى رجلا يوما يقلع الجبل في يوم حار وهو يغني فقال مسكين أبن آدم قلع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار قال وسمعته يقول من لم يرض عن الله في الممنوع لم يسلم من الممنوع قال وسمعته يقول طلبوا الزهد في بطن الكتب وإنما هو في بطن التوكل لو كانوا يعملون وسمعته يقول وسئل متى يعلم الرجل أنه قد أصاب الطريق وأمن هذا الخلق قال إذا استحلوه واستمرهم وأحبوا لقاءه وكره لقاءهم قال ونظر يوما إلى إنسان وهو يقبل ولدا له صغيرا فقال أتحبه قال نعم قال هذا حبك له إذ ولدته فكيف بحب الله له إذ خلقه قال وسمعته يقول سبحوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا ثم سبحوا في بحار العطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا قال وسمعته يقول وقيل له من أي شيء دوام غمك قال من شيء واحد قيل وما هو قال خلقني ولا أدري لم خلقني وسمعته يقول من أشخص بقلبه إلى الله انفتحت ينابيع الحكمة من قلبه وجرت على لسانه
حدثنا محمد بن محمد بن زيد ثنا الحسن بن علوية الدامغاني قال سمعت يحيى بن معاذ يقول قد غرق في بلائه وهو يريد أن ينجو من ربه بصفائه قال وسمعت يحيى يقول أنا في نصب المنابر وتعبية العساكر والناس لا يعلمون

وقال يحيى الأبدان في سجن النيات والناس ثلاثة رجل تشاغل بالدنيا عن الله مذموما ورجل تشاغل بالآخرة محمودا ورجل تشاغل بالله عما دونه مقربا مرفوعا قال وسمعته يقول لا يفلح من شمت منه رائحة الرياسة وسمعته يقول جماع الأمر كله في شيئين سكون القلب على رزق هذه الناحية والإجتهاد في طلب رزق تلك الناحية وسمعته يقول إن لقيني القضاء بكيد من البلاء لقيت القضاء بكيد من الدعاء
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا العباس بن حكوية الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب قال وسمعت يحيى يقول اترك الدنيا قبل أن تترك واسترض ربك قبل ملاقاته واعمر بيتك الذي تسكنه قبل انتقالك إليه يعني القبر
سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا العباس يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول إنما ينبسطون إليه على قدر منازلهم لديه وسمعت يحيى بن معاذ يقول من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات قال وسمعت يحيى يقول لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقا ولو أدركت القلوب كنه هذه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها إليه ولها عليه ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشا فسبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء قال وسمعت يحيى يقول لا تطلب العلم رياء ولا تتركه حياء قال وسمعت يحيى يقول أعظم المصيبة على الحكيم في اليوم أن يمضى عنه لا يأتيه فيه هدية من ربه يعني حكمة جديدة
حدثنا محمد بن محمد قال سمعت الحسن بن محمد الرازي المذكر يقول سمعت أبي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول الدنيا أمير من طلبها وخادم من تركها الدنيا طالبة ومطلوبة فمن طلبها رفضته ومن رفضها طلبته الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا تعمروها ليس من العقل بنيان القصور على

الجسور الدنيا عروس وطالبها ماشطتها وبالزهد ينتف شعرها ويسود وجهها ويمزق ثيابها ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبدا فخل الدنيا ولا تذكرها واذكر الآخرة ولا تنسها وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة
حدثنا محمد قال سمعت الحسن يقول سمعت أبي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول تمام المغفرة في ثلاث حسن القبول وتقليد العلم وبذل الفضل وتفسير حسن القبول أن تسمع بينة الإستفادة وتنظر الإرادة لا تهز رأسك كأنك عالم بما تسمعه فهذا يدخله في الكبر ويفسد العمل قال وسمعت يحيى يقول عدم التواضع من فاته خصال علمه بما خلق له وما خلق منه وما يعود إليه قال وسمعت يحيى يقول علامة من اتقى الله ثلاثة خصال من آثر رضاه وقارن تقاه وخالف هواه يعني رضى الله على رضى نفسه وقارن تقاه يعني جعل التقى قرينه فلا يزايله في حال عسره ويسره وسروره ورضاه وغضبه وخالف هواه يعني فيما يبعده عن الله وينقصه حظ الجزاء
حدثنا أبو الحسن بن عمرو ثنا الحسن بن علوية قال سمعت يحيى يقول إن أعرضت عنا بوجهك الكريم استعطفناك بقول لا إله إلا الله قال وسمعت يحيى يقول إن تلقاني بمكر منه اقتدارا تلقيته بذل مني افتقارا قال وسمعت يحيى يقول التائب يبكيه ذنبه والزاهد يبكيه غربته والصديق يبكيه خوف زوال الإيمان قال وسمعت يحيى يقول فكرتك في الدنيا تلهيك عن ربك وعن دينك فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك قال وسمعت يحيى يقول اتق على جراب إيمانك لا يقرضه الفأر قال وسمعت يحيى يقول تضاحكت الأشياء إلى أولياء الله العارفين بأفواه القدرة عن مليكهم لما يرون من آثار صنعه فيها ويعاينون من بدائع خلقه معها فلهم في كل شيء معتبر وعند كل شيء مدكر وقال في دعائه إلهي ضمن أعمالي غنيمة عقباها وامنع نفسي لذاذة دينها قال وسمعت يحيى يقول سبحان من يبيع الحبيبة بالبغيضة يعني الدنيا قال وسمعت يحيى

يقول الجنة حبيبة المؤمن يبيعها منه بالبغيضة يعني الدنيا قال وسمعت يحيى يقول ربما رأيت أحدهم يقول عشرين سنة أطلب ربي ويحك ربك لا تجبره على تضييع نفسك أبدا اطلب نفسك حتى تجدها فإذا وجدتها فقد وجدت ربك قال وسمعت يحيى يقول واعجبا كل من جاءني بكبة وق ضاع رأسه طلبتها في ساعة فدفعتها إليه ورأس الكبة من غزلي قد ضاع منذ عشرين سنة وأنا في طلبه فلا أقدر عليه وسمعته يقول الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وهو لا يسألك منها جناح بعوضة
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي أبو بكر في كتابه وحدثني عنه عثمان ابن محمد العثماني ثنا عبدالله بن سهل الرازي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول أيها المريدون طريق الآخرة والصدق والطالبون أسباب العبادة والزهد اعلموا أنه من لم يحسن عقله لم يحسن تعبد ربه ومن لم يعرف آفة العمل لم يحسن يحتزر منه ومن لم تصح عنايته في طلب الشيء لم ينتفع به إذا وجده واعلموا أنكم خلقتم لأمر عظيم وخطر جسيم وأن العلم لم يرد ليعلم إنما أريد ليعلم ويعمل به لأن الثواب على العمل بالعلم يقع لا على العلم ألا ترى أن العلم إذا لم يعمل به عاد وبالا وحجة وانظروا ألا تكونوا معشر المريدين ممن قد تركوا لذة الدنيا ونعيمها ثم لا يصدق طلبكم بالآخرة فلا دنيا ولا آخرة وفكروا فيما تطلبون فأن من لم يعرف خطر ما يطلب لم يسهل عليه الجهل في جنب طلبه واعلموا أنه من لم يهن عليه الخلق لم يعظم عليه الرب ومن لم يكن طلبه في طريق الرغبة والرهبة والشوق والمحبة كان متحيرا في طلبه مخلطا في عمله لا يجد لذة العبادة ولا يقطع طريق الزهادة فاتقوا الله الذي إليه معادكم وانظروا ألا تكونوا ممن يعرفهم جيرانهم وإخوانهم بالخير والأرادة والزهادة والعبادة وحالكم عند الله على خلاف ذلك فأن الله إنما يجزيكم على ما يعرف منكم لا على ما يعرفه الناس ولا تكونوا ممن يولع بصلاح الظاهر الذي إنما هو للخلق ولا ثواب له بل عليه العقاب ويدع الباطن الذي هو لله وله الثواب ولا عقاب عليه

حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن قارن الرازي قال سمعت ابن معاذ يقول من الدنيا لا ندرك آمالنا وللآخرة لا نقدم أعمالنا وفي القيامة غدا لا ندري ما حالنا
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ثنا عباس بن يوسف الشكلي ثنا محمد بن الحسن بن العلاء البلخي قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول الناس ثلاثة فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجة الصالحين ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك درجة الهالكين
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا العباس بن حكوية الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول لا تسكن إلى نفسك وإن دعتك إلى الرغائب
سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا العباس يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول الدنيا بحر التلف والنجاة منها الزهد فيها
سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا العباس يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول يا جهول يا غفول لو سمعت صرير القلم حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لمت طربا قال وسمعت يحيى يقول استشعرت الفقر فاتهمته ووثقت بعبد مثلك فقير فائتمنته ثم صرخ وقال واسوأتاه منك إذا شاهدتني وهمتي تسبق إلى سواك أم كيف لا أضنى في طلب رضاك قال وسمعت يحيى يقول قلب المحب يهيم بالطيران وتكلمه لدغات الشوق والخفقان قال وسمعته يقول إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فأنها قد صغرت في جنب عفوك إلهي لا أقول لا أعود لما أعرف من خلقي وضعفي إلهي إنك إن أحببتني غفرت سيئاتي وإن مقتني لم تقبل حسناتي ثم قال أواه قبل استحقاق قول أواه قال وسمعت يحيى يقول لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزنا ولو سمعت الخليقة دمدمة النار على الخليقة لتصدعت القلوب فرقا

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد في كتابه وحدثني عنه عثمان ثنا عبدالله بن سهل الرازي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب بها الدنيا ولكن اجعلها عبادتك لتنال بها الآخرة وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم علىالخرافات وقال ترى الخلق متعلقين بالأسباب والعارف متعلق بولى الأسباب إنما حديثه عن عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته يحترف بهذا دهره ويدخل به قبره وسمعته يقول من كانت الحياة قيده كان طلاقه منها موته وسمعته يقول الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك قال وسئل يحيى عن الوسوسة فقال إن كانت الدنيا سجنك كان جسدك لها سجنا وإن كانت الدنيا روضتك كان جسدك لها بستانا وقيل ليحيى كيف يتعبد الرجل من غير بضاعة تعينه على العبادة قال أولئك بضاعتهم مولاهم وزادهم تقواهم وشغلهم ذكراهم ومن اهتم بعشائه لم يتهن بغذائه ومن أراد تسكين قلبه بشيء دون مولاه لم يزد استكثاره من ذلك إلا اضطرابا
حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو ثنا الحسن بن علوية سمعت يحيى بن معاذ يقول لو لم يكن للعارفين إلا هاتان النعمتان لكفاهم منه متى رجعوا إليه وجدوه ومتى ما شاءوا ذكروه
حدثنا أبو الحسن ثنا الحسن قال سمعت يحيى يقول من صفة العارف شيئان ما مضى وما كان وفيما هو وما أعلم وكيف أعمل وبعده ما يكون فكيف تكون هذه الثلاثة الأيام أمس واليوم وغدا قد زل عن قلبه عجب عمله ولازمه خوف ذنبه قال وسمعت يحيى يقول من صفة العارف جسم ناعم وقلب هائم وشوق دائم وذكر لازم قال وسمعت يحيى يقول عبادة العارف في ثلاثة أشياء معاشرة الخلق بالجميل وإدامة الذكر للجليل وصحة جسم بين جنبيه قلب عليل وسمعته يقول سبحان من طيب الدنيا للعارفين بمعرفته وسبحان من طيب لهم الآخرة بمعذرته فتلذذوا أيام الحياة بالذكر في مجالس معرفته وغدا يتلذذون في رياض القدس بشراب مغفرته فلهم في الدنيا زرع ذكر

ولهم في الآخرة ربيع بر ساروا على المطايا من شكره حتى وصلوا إلى العطايا من ذخره فأنه ملك كريم
سمعت محمد بن محمد بن عبيدالله يقول سمعت محمد بن محمد بن مسعود البدشي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول العارف قد يشتغل بربه عن مفاخرة الأشكال ومجالس العطايا وعن منازعة الأضداد في مجالس البلايا قال وسمعت يحيى بن معاذ يقول أوثق الرجاء رجاء العبد ربه وأصدق الظنون حسن الظن بالله
سمعت محمد بن محمد بن عبيدالله يقول سمعت أحمد بن محمد بن مسعود يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته والفقر منيته والعزلة شهوته والآخرة همته وطلب العيش بلغته وجعل الموت فكرته وشغل بالزهد نيته وأمات بالذل عزته وجعل إلى الرب حاجته يذكر في الخلوات خطيئته وأرسل على الوجنة عبرته وشكى إلى الله غربته وسأله بالتوبة رحمته طوبى لمن كان ذلك صفته وعلى الذنوب ندامته جأر الليل والنهار وبكاء إلى الله بالأسحار يناجي الرحمن ويطلب الجنان ويخاف النيران
سمعت محمد بن محمد يقول سمعت محمد بن أحمد بن مسعود البدشي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول الكيس من فيه ثلاثة خصال من بادر بعمله وتسوف بامله واستعد لأجله قال وسمعت يحيى يقول المغبون يوم القيامة من فيه ثلاثة خصال من قرض أيامه بالبطالات وبسط جوارحه على الحسرات ومات قبل إفاقته من السكرات قال وسمعت يحيى بن معاذ يقول سبحان الله فلعل لا إله إلا الله تستوهبه من أهل لا إله إلا الله فليس ما أتى به من الذنب عصيانا أكثر مما أتى به من التوحيد إيمانا
سمعت محمد بن محمد بن عبيدالله يقول سمعت محمد بن أحمد سنة خمس وثلاثمائة يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول إن العبد على قدر حبه لمولاه يحببه إلى خلقه وعلى قدر توقيره لأمره يوقره خلقه وعلى قدر

التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه وعلى قدر سكون قلبه على وعده يطيب له عيشه وعلى قدر إدامته لطاعته يحليها في صدر وعلى قدره لهجته بذكره يديم ألطاف بره وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه بعطائه فلو لم يكن لابن آدم الثواب على عمله إلا ما عجل له في دنياه لكان كثيرا سوى ما يريد أن يصير إليه من جزيل جزائه وعظيم إعطائه مالا يحيط به إحصاء ولا تبلغه مني إذ كان يعطي على قدر ما هو أهله إنه ملك كريم
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد ثنا عبدالله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول من سعادة المرء أن يكون خصمه فهما وخصمي لا فهم له قيل له من خصمك قال خصمي نفسي لا فهم لها تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم والخلود فيها بشهوة ساعة في دار الدنيا قال وسمعت يحيى يقول لا تعرفه حتى تعمى عن الخلق قال وسمعته يقول يا ابن آدم إنك لا تشتاق إلى ربك إلا بالاستيحاش من خلقه قال وسمعت يحيى يقول للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره فرح الله بتوبته قال وسمعت يحيى يقول من ادعى حبه فهو طالب فإذا أحبه سكت قال وسمعت يحيى يقول إذا اصطفاهم لنفسه وأمكنهم من أنسه حجبهم عن خلقه بالمعروف من رفقه قيل له وكيف يحجبهم قال يحجبهم عن أبناء الدنيا بأستار الآخرة وعن أبناء الآخرة بأستار الدنيا وهذا مشهور قال وسمعت يحيى يقول ... مجد إلهك يحيى إنه ملك ... مهيمن صمد للذنب غفار ... اشكر له حكما أتاكها مننا ... تترى توافقها في الدين آثار ... قال وسمعت يحيى يقول لو لم يسكنهم ببلواه لطارت بهم نعماه ولم يصل إليه من لم يرض بقسمه ولم يعرفه من لم يتمتع بنعمه ولم يحب من لم يته في كرمه وسمعته يقول حين خاطروا بالنفوس اقتربوا وهذا طعم الخبر فكيف طعم النظر
سمعت أبا الحسن محمد بن عمرو الجرجاني يقول سمعت أبا محمد الحسن

ابن محمد الرازي المذكر يقول سمعت أبي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول أفواه الرجال حوانيتها وشفتاها مغاليقها وأسنانها مخاليبها فإذا فتح الرجل باب حانوته تبين لك العطار من البيطار قال وسمعت يحيى يقول قد دعاك إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه أمن الدنيا أم من قبرك إنك أن أجبته من دنياك دحلتها وإن أجبته من قبرك منعتها قال وسمعت يحيى يقول إن الدرهم عقرب فان لم تحسن رقيته فلا تأخذه بيدك فإنه إن لدغك قتلك قال وسمعته يقول الدنيا سم الله القتال لعباده فخذوا منها حسب ما يؤخذ السم في الأدوية لعلكم تسلمون
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى في كتابه قال سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت الحسن بن علوية يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول أولياؤه أسراء نعمه وأصفياؤه رهائن كرمه وأحباؤه عبيد مننه فهم عبيد محبة لا يعتقون ورهائن كرم لا يفكون وأسراء نعم لا يطلقون
أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت محمد بن علي النهاوندي يقول سمعت موسى بن محمد يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول أهل المعرفة وحش الله في الأرض لا يأنسون إلى أحد والزاهدون غرباء في الدنيا والعارفون غرباء في الآخرة قال وسمعت يحيى يقول ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده عليك الغوث ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت
أخبرنا عبدالواحد بن بكر حدثني أحمد بن محمد بن علي البردعي ثنا طاهر ابن إسماعيل الرازي قال قيل ليحيى بن معاذ أخبرني عن الله ما هو قال إله واحد قال كيف هو قال ملك قادر قال أين هو قال بالمرصاد قال ليس عن هذا أسألك قال يحيى فذاك صفة المخلوق فاما صفة الخالق فقد أخبرتك
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال سمعت أبا بكر البغدادي يقول سمعت عبدالله بن سهل الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول عجبت لمن يصبر عن ذكر الله وأعجب منه من صبر عليه كيف لا ينقطع ثم قال ... ندافع عيشنا بالجهد جهدا ... مدافعة إلى جهد المنايا

قال وسمعت يحيى يقول من صفة العارف خصلتان الآ يذيع حاله لأحد ولا يفتش أحد عن حاله ومن علامة المريد الرضاء بالقضاء والثقة بالوعد والعمل بالإخلاص والشكر على البلاء والتوبة من كل ذنب وامتحان الإرادات قال وسمعت يحيى يقول سبحان من جعل الأرواح روحانية نورانية والأنفاس جولانية هوائية فالأرواح تحن إلى عليين معدانها والأنفاس تحن إلى سجين محبسها
حدثنا عثمان بن محمد قال قرىء علي أبي حسن أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت إسماعيل بن معاذ يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول قوم على فرش من الذكر في مجلس من الشوق وبساتين من المناجاة بين رياض الأطراب وقصور الهيبة وفناء مجال الأنس معانقي عرائس الحكمة بصدور الافهام مناعي زفرات الوجد وجوه الآخرة بفنون الأفراح تعاطون بينهم كؤس حبه سقاهم فيها وغوتهم على شربها فرقان الشجي تجري في الأكباد تديم عليهم ذكر الحبيب ويبلبلهم معها هيمان الوجود قال وأنشدني إسماعيل بن معاذ لأخيه يحيى بن معاذ ... طرب الحب على الحب ... مع الحب يدوم ... عجبا لمن رأيناه ... على الحب يلوم ... حول حب الله ما عشت ... مع الشوق أحوم ... وبه أقعد ما عشت ... حياتي وأقوم ... وقال أيضا رحمه الله ... نفس المحب إلى الحبيب تطلع ... وفؤاده من حبه يتقطع ... عز الحبيب إذا خلا في ليله ... بحبيبه يشكو إليه ويضرع ... ويقوم في المحراب يشكو بثه ... والقلب منه إلى المحبة ينزع ...
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالواحد بن بكر يقول سمعت أحمد بن أبي طلحة يقول سمعت محمد بن أحمد الجرجاني يقول سمعت ابن كمال الجرجاني يقول سئل يحيى بن معاذ عن الرقص فأنشأ يقول ... دققنا الأرض بالرقص ... علىغيب معانيك ... ولا عيب على الرقص ... لعبد هائم فيك ... وهذا دقنا الأرض ... إذا طفنا بواديك ...
سمعت محمد بن محمد بن عبدالله يقول سمعت الحسن بن علوية يقول

نظر يحيى بن معاذ إلى طاقات ريحان وضعها بعض الصبيان في حجرته وقد ذبلت فأتى بالماء يسقيها فقال له ما تصنع قال رأيت هذا الريحان ذابلا قد جففوه بترك سقيه فاعتصر به قلبي فسقيته لأنه هاجت لي فيه عبرة وكأني رأيته يستسقيني بذبوله خاضعا وكان أبوه وأخوه يدعو أنه إلى طلب الدنيا فأنشأ أخوه يقول
أترحم أغصنا ذبلت ولانت ... ولا ترحم أخاك إذا دعاك ... فقال يحيى مجيبا له ... رأيت أخي يريد هلاك نفسي ... ونفسي لا تريد له هلاكا ... قال وسمعت يحيى بن معاذ يقول وأنشدنا ... أموت بدائي لا أصيب دوائيا ... ولا فرجا مما أرى من بلائيا ... إذا كان داء العبد حب مليكه ... فمن دونه يرجو طبيبا مداويا ... قال وأنشدنا يحيى رحمه الله ... رضيت بسيدي عوضا وأنسا ... من الأشياء لا أبغي سواه ... فيا شوقا إلى ملك يراني ... على ما كنت فيه ولا أراه ... خلا يستمطر النجم العطايا ... فيعطى منه أكثر ما رجاه ... وأنشدنا أيضا ... أنا إن تبت مناني ... وإن أذنبت رجاني ... وإن أدبرت ناداني ... وإن أقبلت أدناني ... وإن أحببت والاني ... وإن أخلصت ناجاني ... وإن قصرت عافاني ... وإن أحسنت جازاني ... حبيبي أنت رحماني ... أصرف عني أحزاني ... إليك الشوق من قلبي ... على سري وإعلاني ... فيا أكرم من يرجى ... ويا قديم إحساني ... ما كنت على هذا ... إله الناس تنساني ... لدى الدنيا وفي العقبى ... على ما كان من شاني

قال وأنشدني يحيى ... تبارك ذو الجلال وذو المحال ... عزيز الشان محمود الفعال ... سروري بالسؤال لكي أراه ... فكيف أسر منه بالنوال ... فيا ذا العز يا ذا الجود جدلي ... وغير ما ترى من سوء حالي ... قال وأنشدني يحيى ... أشكو إليك ذنوبا لست أنكرها ... وقد رجوتك يا ذا المن تغفرها ... من قبل سؤلك لي في الحشر يا أملي ... يوم الجزاء على الأهوال تذكرها ... أرجوك تغفرها في الحشر يا أملي ... إذ كنت سؤلي كما في الأرض تسترها ... قال وأنشدنا يحيى ... سلم على الخلق وارحل نحو مولاك ... واهجر على الصدق والإخلاص دنياك ... عساك في الحشر تعطى ما تؤمله ... ويكرم الله ذو الآلاء مثواك ...
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت الحسن ابن علوية يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ويوم حشره ميزانه
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا عبدالله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها ومغارفها ألسنتها فانتظر الرجل حتى يتكلم فأن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض وعذب وأجاج يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه قال وسمعت يحيى يقول إنما صار الفقراء أسعد على الذكر من الأغنياء لأنهم في حبس الله ولو أطلقوا من حصار الفقر لوجدت من ثبت منهم على الذكر قليلا قال وسمعت يحيى يقول من يستفتح أبواب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين قال وسمعت يحيى يقول الق حسن الظن على الخلق وسوء الظن على نفسك لتكون من الأول في سلامة ومن الآخر على الزيادة قال وسمعت يقول قال ابن السماك حسبي من ثوابك النجاة من عقابك قال وسمعت يحيى يقول أبناء الدنيا يجدون لذة الكلام وأبناء

الآخرة يجدون لذة المعاني
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا الحسن بن أبي الحسن البصري ثنا علي ابن جعفر بن أحمد الكاتب قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول الدرجات التي يسعى إليها أبناء الآخرة سبع التوبة ثم الزهد ثم الرضا ثم الخوف ثم الشوق ثم المحبة ثم المعرفة فبالتوبة تطهروا من الذنوب وبالزهد خرجوا من الدنيا وبالرضا ألبسوا قراطن العبودية وبالخوف جازوا قناطر النار وبالشوق إلى الجنة استوجبوها وبالمحبة عقلوا النعيم وبالمعرفة وصلوا إلى الله وهو في البحر السابع ولا يزالون فيه أبد الآبدين في الدنيا والآخرة
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرأت في كتاب أبي الحسن الزهري البصري قال قال يحيى بن معاذ الرازي الدنيا خزانة الله فما الذي يبغض منها وكل شيء من حجر أو مدر أو شجر يسبح الله فيها قال الله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده وقال الله تعالى ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فالمجيب له بالطاعة لا يستحق أن يكون بغيضا في قلوب المؤمنين ليعلم أن الذنب والذم زائلان عنها إلى بنى آدم لو كانوا يعلمون
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عثمان بن محمد ثنا عبدالله بن سهل الرازي ثنا يحيى بن معاذ قال اعلموا أنه لا يصح الزهد والعبادة ولا شيء من أمورالطاعة لرجل أبدا وفيه للطمع بقية فأن أردتم الوصول إلى محض الزهد والعبادة فأخرجوا من قلبكم هذه الخصلة الواحدة وكونوا رحمكم الله من أبناء الآخرة وتعاونوا واصبروا وأبشروا تظفروا إن شاء الله واعلموا أن ترك الدنيا هو الربح نفسه الذي ليس بعده أمر أشد منه فأن ذبحتم بتركها نفوسكم أحييتموها وإن أحييتم أنفسكم بأخذها قتلتموها فارفضوها من قلوبكم تصيروا إلى الروح لراحة في الدنيا والآخرة وتصيبوا شرف الدنيا والآخرة وعيش الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون عذبوا أنفسكم في طاعة الله بترك شهواتها قبل أن تلقى الشهوة منها أجسامكم في دبار عاقبتها واعلموا أن القرآن قد ندبكم إلى وليمة الجنة ودعاكم إليها فأسرع الناس إليها أتركهم لدنياه وأوجدهم لذة لطعم

تلك الوليمة أشدهم تجويعا لنفسه ومخالفة لها فانه ليس أمر من أمور الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد وسأظهر لكم هذا الأمر فأني وجدت أمر الإنسان أمرا عجيبا قد كلف الطاعة على خلاف ما كلف سائر الخلق من أهل الأرض والسماء فأحسن النظر فيه وليكن العمل منك فيه على حسب الحاجة منك إليه واستعن بالله فنعم المعين واعلم أنك لم تسكن الدنيا لتتنعم فيها جاهلا وعن الآخرة غافلا ولكنك أسكنتها لتتعبد فيها عاقلا وتمتطي الأيام إلى ربك عاملا فإنك بين دنيا وآخرة ولكل واحدة منهما نعيم وفي وجود احداهما بطول الأخرى فانظر أن تحسن طلب النعيم فقد حكى عن إبراهيم بن أدهم أنه قال غلط الملوك طلبوا النعيم فلم يحسنوا وعلى حسب إقتراب قلبك من الدنيا يكون بعدك من الله وعلى حسب بعد قلبك من الدنيا يكون قربك من الله وكما كان معدوما وجود نفسك في مكانين فكذلك معدوم وجود قلبك في دارين فإن كنت ذا قلبين فدونك اجعل أحدهما للدنيا وأحدهما للآخرة وإن كنت ذا قلب واحد فإجعله لأولى الدارين بالنعيم والمقام والبقاء والانعام واعلم أن النفس والهوى لا تقهران بشيء أفضل من الصوم الدائم وهو بساط العبادة ومفتاح الزهد وطلع ثمرات الخير وأجساد العمال من شجراته دائم الجذاذ دائم الاطعام وهو الطريق إلى مرتبة الصديقين وما دونه فمزرعة الأعمال فثمر غرسها وربيع بذرها في تركها وفقدها في أخذها وليس معنى الترك الخروج من المال والأهل والولد ولكن معنى الترك العمل بطاعة الله وإيثار ما عند الله عليها مأخوذة ومتروكة فهذا معنى الترك لا ما تدعيه المتصوفة الجاهلون أنت من الدنيا بين منزلتين فإن زويت عنك كفيت المؤنة وإن صرفت إليك ألزمتها طاعة مولاك وإن كانت طاعتك لله في شأنها تصلحها ومعصيتك لله في أمرها يفسدها فدع عنك لوم الدنيا واحفظ من نفسك وعملك ما فيه صلاحها فإن المطيع فيها محمود عند الله إنما تلزمه التهمة وعيب الأخذ لها إذا خان الله فيها لأن الدنيا مال الله والخلق عباد الله وهم في هذا المال صنفان خونة وأمناء فإذا وقع المال في

أيدي الخائنين فهو سبب دمارهم ولا عتب على المال إنما العتب على فعلهم بالمال وإذا وقع في أيدي الأمناء كان سبب شرفهم وخلاصهم ولا معنى للمال إنما كسب لهم الشرف عند الله فعلهم بالمال أدوا أمانة الله في أموالهم فلحق بهم نفع المال لا ذنب للمال الذنب لك الذنوب إنما تكتسب بالجوارح وليس للضيعة والحانوت جوارح إنما الجوارح لك وبها تكتسب الذنوب فعلك بما لك أسقطك من عين ربك لا مالك وفعلك بمالك يصحبك إلى قبرك لا مالك وفعلك بمالك يوزن يوم القيامة لا مالك
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد المقرىء ثنا الحسن بن علوية الدامغاني قال سمعت يحيى بن معاذ يقول يامن أقام لي غرس ذكري وأجرى إلى أنهار نجوى وجعل لي أيام عيد في اجتماع الورى وأقام لي فيهم أسواق تقوى أقبلت إليك معتمدا عليك ممتلىء القلب من رجائك ورطب اللسان من دعائك في قلبي من الذنوب زفرات ومعي عليها ندامات إن أعطيتني قبلت وإن منعتني رضيت وإن تركتني دعوت وإن دعوتني أجبت فأعطني إلهي ما أريد فأن لم تعطني ما أريد فصبرني على ما تريد قال وسمعت يحيى يقول من أكثر ذكر الموت لم يمت قبل أجله ويدخل عليه ثلاث خصال من الخير أولها المبادرة إلى التوبة والثاني القناعة برزق يسير والثالث النشاط في العبادة ومن حرض على الدنيا فانه لا يأكل فوق ما كتب الله له ويدخل عليه من العيوب ثلاث خصال أولها أن تراه أبدا غير شاكر لعطية الله له والثاني لا يواسى بشيء مما قد أعطي من الدنيا والثالث يشتغل ويتعب في طلب مالم يرزقه الله حتى يفوته عمل الدين
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال سمعت أبا بكر البغدادي يقول سمعت عبدالله بن سهل يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول الصبر على ا لناس أشد من ا لصبر على النار قال وسمعت يحيى يقول تأبى القلوب للأسخياء إلا حبا وإن كانوا فجارا وللبخلاء إلا بغضا وإن كانوا أبرارا وقال يحيى ليس على وجه الأرض أحد إلا وفيه فقر وحرص ولكن من أخلاق المؤمنين أن يكونوا

حرصاء على طلب الجنة فقراء إلى ربهم والمنافق حريص على الدنيا فقير الى الخلق قال وسمعت يحيى يقول قال بعض الحكماء من أصبح لم يكن معه هذه الخصال الثلاث لم يصب طريق العزم أولها كما أن الله لم يعط رزقك اليوم غيرك فلا تعمل لغيره وكما أن الله لم يشارك فيما أعطاك أحدا فلا تشارك في العمل الذي تعمل له يعني الرياء وكما أن الله لم يكلفك اليوم عمل غد فلا تسأله رزق غد على جور حتى إذا لم يعطك شكوته قال وسمعت يحيى يقول إذا لاحظت الأشياء منه كان لها طعم آخر قال وسمعت يحيى يقول ليس بصادق من ادعى حبه ولم يحفظ حده قال وسمعت يحيى يقول سقوط رجل من درجة ادعاؤها قال وسمعت يحيى يقول إذا عملوا على الصدق انطلقت ألسنتهم على الخلق بالشدة وإذا عملوا في التفويض انكسرت ألسنتهم عن الخلق مبهوتين الأول من صفة الزاهدين والثاني من صفة العارفين قال وسمعت يحيى يقول إنما تلقى الزاهد في الدنيا أحيانا ليرفق بعباد الله إذا ذلوا قال وسمعت يحيى يقول من أقام قلبه عند الله سكن ومن أرسله في الناس اضطرب
حدثنا عثمان بن محمد قال قرأ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى ثنا إسماعيل بن معاذ عن أخيه يحيى بن معاذ قال قسم الدنيا على البلوى والجنة على التقوى وجوع التوابين تجربة وجوع الزاهدين سياسة وجوع الصديقين تكرمة والجوع طعام يشبع الله منه أبدان الصديقين وإذا امتلأت المعدة خرست الحكمة وأشرف الجوع حالة ينظر إليك فيها العدو فيرحمك وأمقت الشبع حالة ينظر إليك معها الصديق فيستثقلك فالحزن يمنع ا لطعام والخوف يمنع الذنوب والرجاء يقوي على أداء الفرائض وذكر الموت يزهد في الشيء وفي لقاء الأخوان مدافعة ما فضل من النهار وصلاح الأمر في ذلك كله أن يكون على نية
حدثنا محمد بن محمد بن زيد ثنا الحسن بن علوية قال سمعت يحيى بن معاذ يقول تولد الخوف في القلب من ثلاث خصال إدامة الفكر معتبرا

والشوق إلى الجنة مشفقا وذكر النار متخوفا والورع من ثلاث خصال من عز النفس وصحة اليقين وتوقع الموت وتمام المعرفة من ثلاث خصال حسن القبول وتقليد العلم وبذل النصح وقال عدم التواضع من فاتته ثلاث خصال علمه بما خلق منه وما يعود إليه والمتواضع من ظن أنه من أذنب أهل الارض ومن آثر صحبة المساكين وقال لا تتخذوا من القرناء إلا ما فيه ثلاث خصال من حذرك غوائل الذنوب وعرفك مدانس العيوب وسايرك إلى غلام الغيوب وقال شرف المعاد من ثلاث إحتمال الشدائد وإذلال النفس وكراهة المعرفة ومعنى كراهة المعرفة يكره أن يعرف في الناس لا يبتغي معرفة الناس إنما استئناسه بذكر الله في الخلوة ومع الناس وقال غنيمة الآخرة في ثلاثة أشياء الطاعة والبر والعصيان طاعة الرب وبر الوالدين وعصيان الشيطان وقال الفارس في الدين من كان فيه ثلاث خصال حفظ لسانه وإمساك عنانه وصدق بيانه حفظ لسانه لا يتكلم إلا بماله وإمساك عنانه هو في حلبة الأعمال فيمسك عنان إرادته إذا كان لغير الله ويرسله إذا كان لله وصدق بيانه إذا علم شيئا عمل به وثلاثة من السعادة مقلة دامعة وعنق خاضعة وأذن سامعة ولا يجد حلاوة العبادة إلا من فيه ثلاث خصال أن يستأثر الرجلة ويستلذ العزلة ويترقب النقلة الرجلة الإقلال والعزلة الوحدة والنقلة الرحلة إلى القبر وأغبط الناس من سلك طريق آخرته وأصلح شأن عاقبته واجتهد في فكاك رقبته وقال لم أجد السرور إلا في ثلاث خصال التنعم بذكر الله واليأس من عباد الله والطمأنينة إلى موعود الله يعني في الرزق وقال المصيب من عمل ثلاثة أشياء يلقاه من ترك الدنيا قبل أن تتركه وبنى قبره قبل أن يدخله وأرضى ربه قبل أن وقال عجبت لثلاث وفرحت لثلاث واغتممت لثلاث فالتي عجبت منها فتنة العالم وسرور الانسان بما أصاب من الدنيا وهو تراث من تقدمه وتراث من يخلفه يسلبه ثم يؤخذ بحسابه ومن رتع في أفواه أمانيه في مراتع الموت وفرحت لثلاث إظهار الله آدم على إبليس وهذا ملك وهذا بشر وإخراجه إيانا في هذه الأمة والخصلة الثالثة

وهي أشرف الثلاث معرفة الله تعالى واغتممت لثلاث لذنوب أسلفتها وأيام ضيعتها والخصلة الثالثة وفيه الخطر العظيم وقوفي بين يدي الله عز و جل لا أدري ما يبدو لي منه وذلك المقام الشديد يتوقع فيها المحاسب بماذا يختم له أيام ضيعها يعني في الغفلة وترك الإستعداد
حدثنا محمد بن عبيد الله ثنا الحسن بن علوية قال سمعت يحيى بن معاذ يقول من لم يكن ظاهره مع العوام فضة ومع المريدين ذهبا ومع العارفين المقربين درا وياقوتا فليس من حكماء الله المريدين قال وسمعت يحيى يقول أحسن شيء كلام صحيح من لسان فصيح في وجه صبيح كلام دقيق مستخرج من بحر عميق على لسان رجل رفيق وقال يحيى ثلاثة من الأموال الدراهم والدنانير والدر والياقوت فكلامي في العظات الدراهم وفي الصفات الدنانير وفي المعرفة وكرم الله الدر والياقوت قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله كلام يحيى بن معاذ يكثر ويطول اقتصرنا منه على ما أملينا
ومن مسانيد حديثه ما حدثنا أبو الحسين محمد بن عبدالله بن عمرو ثنا الحسن بن علوية ثنا يحيى بن معاذ ثنا علي بن محمد الطنافسي عن يحيى بن آدم ثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن عبدالله بن هبيرة قال سمعت أبا تميم يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أنكم توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا حدثنا أحمد بن يوسف ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو عبدالرحمن المقرىء ثنا حيوة بن شريح مثله
حدثنا محمد بن محمد بن زيد ثنا الحسن بن علوية ثنا يحيى بن معاذ ثنا علي بن محمد الطنافسي عن أبي معاوية عن إسماعيل بن نفيع عن أبي داود عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من غني ولا فقير إلا يود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا حدثناه أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن عثمان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدالله بن نمير عن إسماعيل

ابن نفيع بن الحارث عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله
حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الجرجاني ثنا الحسن بن علوية ثنا يحيى ابن معاذ ثنا علي بن محمد عن محمد بن فضيل ووكيع عن سفيان عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال التوكل على الله جماع الإيمان حدثناه أبو بكر ابن مالك ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا ضرار عن سعيد مثله وليس فيه ذكر سفيان وهو الصواب
حدثنا أبو الحسين ثنا الحسن بن علوية ثنا يحيى بن معاذ ثنا علي بن محمد الطنافسي عن أبي معاوية عن حجاج عن مكحول قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من عبد يخلص العبادة لله أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه 472
سعيد بن العباس الرازي
ومنهم الواثق بالوصول الناطق بالأصول التارك للفضول له البيان الشافي والكلام الكافي نبذ الآراء وعدد الآلاء عمل على تصفية الباطن فركن إلى لطف الضامن أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي
حدثنا أبي ثنا إسحاق بن محمد الزجاج ثنا محمود بن الفرج ثنا أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي قال أحذرك يا أخي شياطين الإنس والجن كما حذر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا ذر واعلم أن قائدهم إبليس واعرف بقلبك من يدعوك إلى الهلكة ومن يدعوك إلى النجاة واستعن بالله فأن جميع الشر حب الدنيا هل رأيت رجلا عصى الله في التهاون والزهد في الدنيا والرضى بالقليل واحذر الدنيا وأهلها ومن يدعوك إليها فإن المحب للدنيا زعم بلسانه أنه يعبد ربه وهو يعبد هواه ودنياه بقلبه ونيته وغدوه ورواحه وطواعيته وغضبه ورضاه واعلم أن العلماء هم أمناء الرسول عليه الصلاة و السلام وورثة الأنبياء عليهم السلام أما علمت أن النبي صلى الله

عليه وسلم في زمانه دعا إلى الزهد في فضول الدنيا والتهاون بها ومن معه من العلماء كانوا يحذرون حلال الدنيا ويشفقون منها أشد من حذر الجهال من حرامها لأنه لا يسلم من الدنيا من ينالها ولا يسلم من شرها من أحبها وأمن مكرها هي حتف أهلها دون الحتف واعلم أن العالم بالله الخائف من الله يهدم بحق الله باطل أهل الرغبة في الدنيا وأن العالم المغتر يطفئ نور الحق بظلمة الباطل واعلم أن الله إذا أراد أن يغني فقيرا أو يفقر غنيا أو يرفع وضيعا أو يضع رفيعا فعل ما أراد من ذلك فلا تغالب الله على أمره ولا تلتمس شيئا من ذلك بغير طاعة الله فإن الذين التمسوا الأمور بغير طاعة الله خسروا خسرانا مبينا فيما أصابوا بما طالبوا وفيما أخطأهم مما أرادوا فانظر إذا كنت إماما أي إمام تكون فربما نجت الأمة بالإمام الواحد وربما هلكت بالإمام الواحد وإنما هما إمامان إمام هدى قال الله عز و جل وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا يعني على الدنيا وإنما صاروا أئمة حين صبروا عن الدنيا ولا يكون إمام هدى حجة لأهل الباطل فإنه قال يهدون بأمرنا لا بأمر أنفسهم ولا بأمور الناس فقال وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين فهذا إمام هدى فهو ومن أجابه شريكان وإمام آخر قال الله تعالى وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ولا تجد أحدا يدعو إلى النار ولكن الدعاة إلى معصية الله فهذان إمامان هما مثل من الذين خلوامن قبلكم وموعظة للمتقين واعلم أن باب الآخرة مفتوح فادخله تصل إلى رحمة الله ولتكن في كنف الله وحفظه وولايته وستره وأجره ورزقه وكفايته فإن الله لا يخلف الميعاد واعلم أنه ليس بين الله وبين العباد وسيلة إلا طاعته فإنها وسيلة العباد إليه فلا تتوسلوا إلى الله بغير الوسيلة التي جعلها الله سبيلا وسببا إليه فإن ديان الدين إنما يدين العباد غذا بأعمالهم ولا يدينهم بمنازلهم في الدنيا واعلم أنك قد كفيت مؤنة من بعدك فلا تتكلف مؤنة من قد كفيت بإفساد نفسك واعلم أن الناس قبلك قد جمعوا لأولادهم فلم يبق ما جمعوا لهم ولا من جمعوا له واعلم

أن لك في الدنيا ولباسها ونعيمها وشهوتها رغبة وإنك والله لئن طلبت النعيم بالتنعم في الدنيا والرغبة فيها ما أحسنت طلبه فأزهد فيها تجد لليقين نورا وترى للترك فضلا وسرورا انظر إليها بالتصغير إذ كان قصيرا فانيا التمس استصغار الدنيا بالتقلل منها واستجلب حلاوة الترك بقصر الأمل فيها قد استدبرت أمورا لك فيها معتبر ومنظر ومتعظ ومزدجر وانظر ما صدر قوم عن معصية الله إلى غير عذاب الله عاجلا أو آجلا إلا من عصمه الله بالتوبة كن عالما عاملا فقد علم أقوام ولم يعملوا ولم يكن علمهم إلا عليهم والعلم والعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بصاحبه اختر القلة وارتع في رياض المقلين تدرك ثمرة قلبك أما علمت أن النار حفت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره اختر ما اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم وادع إلى ما دعا إليه تكن لله وليا والمرسول أمينا وللمتقين إماما واعلم أن العبد المؤمن ليس بالذي يشكر في السراء فإذا أصابه شيء مما يكره ترك دينه ومن لا خير له فيما يكره فليس له خير فيما يحب فقد جعل الله في الكره خيرا لمن صبر على البلاء واحتسب المصيبة وأحسن الظن بالله وصدق التوكل عليه وآمن بما وعد الله الصابرين كن داعيا إلى الله بما دعا به رسول الله صلى الله عليه و سلم والتمس الرفعة بالتواضع والتمس الشرف بالدين وليكن ذلك في ترك دنياك لآخرتك تدرك شرف الدنيا والآخرة فإن أكمل إيمان العبد إذا آثر الآخرة على الدنيا واطلب حقيقة الإيمان بردك نفسك عن الدنيا وأجهد نفسك على طلب الآخرة فإن الكيس من دان نفسه وعمل لآخرته والعاجز من تمنى على الله الأماني قال الشيخ أبو نعيم لأبي عثمان الكلام المبسوط في مصنفاته وله من كثرة الأحاديث مسانيد وتفسير ما يقارب الأئمة في الكثرة حدث عن الأعلام عن أبي نعيم وحسين المروزي والقعنبي وأحمد بن شبيب والحميدي وسلمة بن شبيب ومكي وقتيبة وعلي الطنافسي وأبي مسعود والحماني وسهل بن عثمان وابن كاسب وإبراهيم بن موسى

سمعت عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الواعظ قال سمعت أحمد بن عيسى ابن ماهان قال سمعت سعيد بن العباس الرازي الصوفي بمنى يقول سمعت حاتما الأصم يقول مؤمن عذر جور باشد ومنافق عيب جور باشد
ومن مسانيد حديثه ما حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا خالي عبدالله بن محمود بن الفرج ثنا أبي محمود ثنا أبو عثمان سعيد بن ا لعباس الرازي ثنا أحمد بن عبدالله بن نافع بن ثابت حدثني أبي عن عبدالله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال لي الزبير مررت برسول الله صلى الله عليه و سلم فجذب عمامتي فالتفت إليه فقال لي يا زبير إن باب الرزق مفتوح من لدن العرش إلى قرار بطن الأرض يرزق الله كل عبد على قدر همته ونهمته
حدثنا أبي إسحاق بن محمود بن الفرج ثنا سعيد بن العباس ثنا الحسن ابن محمد الطنافسي ثنا ابن فضيل ثنا أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يجاء بالدنيا مصورة يوم القيامة فتقول يا رب اجعلني الرجل من أدنى أهل الجنة منزلة فيقول الله أنت أنتن من ذلك بل أنت وأهلك في النار
حدثنا أبي ثنا إسحاق ثنا محمود بن الفرج ثنا أبو عثمان سعيد بن العباس ثنا ابن كاسب ثنا عبدالله بن عبدالله عن الزبير بن الحارث عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يؤكل طعام المتباهين 473
الحارث بن أسد المحاسبي
ومنهم المشاهد المراقبي والمساعد المصاحبي أبو عبدالله الحارث بن أسد المحاسبي كان لألوان الحق مشاهدا ومراقبا ولآثار الرسول عليه السلام مساعدا ومصاحبا تصانيفه مدونة مسطورة وأقواله مبوبة مشهورة وأحواله

مصححة مذكورة كان في علم الأصول راسخا وراجحا وعن الخوض في الفضول جافيا وجانحا وللمخالفين الزائغين قامعا وناطحا وللمريدين والمنيبين قابلا وناصحا وقيل إن فعل ذوي العقول الأخذ بالأصول والترك للمفضول واختيار ما اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم
أخبرني جعفر بن محمد الخواص في كتابه وحدثني عنه أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول كان الحارث المحاسبي يجيء إلى منزلنا فيقول اخرج معي نصحن فأقول له تخرجني من عزلتي وأمني على نفسي إلى الطرقات والآفات ورؤية الشهوات فيقول أخرج معي ولا خوف عليك فأخرج معه فكان الطريق فارغا من كل شيء لا نرى شيئا نكرهه فإذا حصلت معه في المكان الذي يجلس فيه قال لي سلني فأقول له ما عندي سؤال أسألك فيقول لي سلني عما يقع في نفسك فتنثال على السؤالات فأسأله عنها فيجيبني عليها للوقت ثم يمضي إلى منزله فيعملها كتبا
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت الجنيد يقول كنت كثيرا أقول للحارث عزلتي أنسي وتخرجني إلى وحشة رؤية الناس والطرقات فيقول لي كم تقول لي أنسي في عزلتي لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا ولو أن النصف الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أبو الحسن قال سمعت الجنيد يقول كان الحارث كثير الضر فاجتاز بي يوما وأنا جالس على بابنا فرأيت في وجهه زيادة الضر من الجوع فقلت له يا عم لو دخلت إلينا نلت من شيء عندنا فقال أو تفعل قلت نعم وتسرني بذلك وتبرني فدخلت بين يديه ودخل معي وعمدت إلى بيت عمي وكان أوسع من بيتنا لا يخلو من أطعمة فاخرة لا يكون مثلها في بيتنا سريعا فجئت بأنواع كثيرة من الطعام فوضعته بين يديه فمد يده وأخذ لقمة فرفعها إلى فيه فرأيته يلوكها

ولا يزددها فخرج وما كلمني فلما كان العد لقيته فقلت يا عم سررتني ثم نغصت علي فقال يا بني أما الفاقة فكانت شديدة وقد اجتهدت أن أنال من الطعام الذي قدمته إلي ولكن بيني وبين الله علامة إذا لم يكن الطعام عند الله مرضيا ارتفع إلى أنفى زمنه فورة فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم وخرجت
أخبرني جعفر وحدثني عنه أبو الحسن قال سمعت الجنيد يقول مات أبو الحارث المحاسبي وإن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة وخلف أبوه مالا كثيرا وما أخذ منه حبة واحدة وقال أهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه واقفيا سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا علي بن خيران الفقيه يقول رأيت أبا عبدالله الحارث بن أسد بباب الطاق في وسط الطريق متعلقا بأبيه والناس قد اجتمعوا عليه يقول طلق امرأتك فإنك على دين وهي على غيره
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول حدثني محمد بن إسحاق بن الإمام حدثني أبي قال سألت الحارث بن أسد المحاسبي ما تفسير خير الرزق ما يكفي قال هو قوت يوم بيوم ولا تهتم لرزق غد
أخبرني جعفر بن محمد الخواص في كتابه وحدثني عنه أبو علي الحسين بن يحيى بن زكريا الفقيه قال سمعت أبا العباس بن مسروق والجنيد بن محمد يقولان سمعنا الحارث المحاسبي يقول فقدنا ثلاثة أشياء لا نكاد نجدها إلى الممات حسن الصيانة وحسن القول مع الديانة وحسن الإخاء مع الأمانة
أخبرني جعفر في كتابه وحدثني عنه أبو طاهر محمد بن إبراهيم بن أحمد قال سمعت أبا عثمان البلدي يقول بلغني عن الحارث المحاسبي أنه قال العلم يورث المخافة والزهد يورث الراحة والمعرفة تورث الإنابة قال وقال الحارث من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة لقوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
أخبرني أبو جعفر في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول قال الحارث لا ينبغي للعبد أن يطلب الورع بتضييع

الواجب وقال قال الحارث إذا أنت لم تسمع نداء الله فكيف تجيب دعى الله ومن استغنى بشيء دون الله فقد جهل قدر الله وقال الظالم نادم وإن مدحه الناس والمظلوم سالم وإن ذمه الناس والقانع غني وإن جاع والحريص فقير وإن ملك
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول قال الحارث بن أسد أصل الطاعة الورع وأصل الورع التقوى وأصل التقوى محاسبة النفس وأصل محاسبة النفس الخوف والرجاء وأصل الخوف والرجاء معرفة الوعد والوعيد ومعرفة أصل معرفة الوعد والوعيد عظم الجزاء وأصل ذلك الفكرة والعبرة وأصدق بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت حيث يقول ... ما حملت من ناقة فوق رحلها ... أعف وأوفى ذمة من محمد ...
أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد في كتابه قبل أن لقيته وحدثني بهذا عنه عثمان بن محمد العثماني حدثني أبو عبدالله أحمد بن عبدالله بن ميمون قال سمعت الحارث بن أسد يقول إن أول المحبة الطاعة وهي منتزعة من حب السيد عز و جل إذ كان هو المبتدئ بها وذلك أنه عرفهم نفسه ودلهم على طاعته وتحبب إليهم على غناه عنهم فجعل المحبة له ودائع في قلوب محبيه ثم ألبسهم النور الساطع في ألفاظهم من شدة نور محبته في قلوبهم فلما فعل ذلك بهم عرضهم سرورا بهم على ملائكته حتى أحبهم الذين ارتضاهم لسكنى أطباق سمواته نشر لهم الذكر الرفيع عن خليقته قبل أن يخلقهم مدحهم وقبل أن يحمدوه شكرهم لعلمه السابق فيهم أنه يبلغهم ما كتب لهم وأخبر به عنهم ثم أخرجهم إلى خليقته وقد استأثر بقلوبهم عليهم ثم رد أبدان العلماء إلى الخليقة وقد أودع قلوبهم خزائن الغيوب فهي معلقة بمواصلة المحبوب فلما أراد أن يحييهم ويحيي الخليقة بهم أسلم لهم هممهم ثم أجلسهم على كرسي أهل المعرفة فاستخرجوا من المعرفة المعرفة بالأدواء ونظروا بنور معرفته إلى منابت الدواء ثم عرفهم من أين يهيج الداء وبما تستعينون على

علاج قلوبهم ثم أمرهم بإصلاح الأوجاع وأوعز إليهم في الرفق عند المطالبات وضمن لهم إجاب دعائهم عند طلب الحاجات نادى بخطرات التلبية من عقولهم في أسماع قلوبهم إنه تبارك وتعالى يقول يا معشر الأدلاء من أتاكم عليلا من فقدي فداووه وفارا من خدمتي فردوه وناسيا لأيادي ونعمائي فذكروه لكم خاطبت لأني حليم والحليم لا يستخدم إلا الحلماء ولا يبيح المحبة للبطالين ضنا بما استأثر منها إذ كانت منه وبه تكون فالحب لله هو الحب المحكم الرصين وهو دوام الذكر بالقلب واللسان لله وشدة الأنس بالله وقطع كل شاغل شغل عن الله وتذكار النعم والأيادي وذلك أن من عرف الله بالجود والكرم والأحسان اعتقد الحب له إذ عرفه بذلك أنه عرفه بنفسه وهداه لدينه ولم يخلق في الأرض شيئا إلا وهو مسخر له وهو أكرم عليه منه فإذا عظمت المعرفة واستقرت هاج الخوف من الله وثبت الرجاء قلت خوفا لماذا ورجاء لماذا قال خوفا لما ضيعوا في سالف الأيام لازما لقلوبهم ثم خوفا ثابتا لا يفارق قلوب المحبين خوفا أن يسلبوا النعم إذا ضيعوا الشكر على ما أفادهم فإذا تمكن الخوف من قلوبهم وأشرفت نفوسهم على حمل القنوط عنهم هاج الرجاء بذكر سعة الرحمة من الله فرجاء المحبين تحقيق وقربانهم الوسائل فهم لا يسأمون من خدمته ولا ينزلون في جميع أمورهم إلا عند أمره لمعرفتهم به أنه قد تكفل لهم بحسن النظر ألم تسمع إلى قول الله الله لطيف بعباده فدخلت النعم كلها في اللطف واللطف ظاهر على محبته خاصة دون الخليقة وذلك أن الحب إذا ثبت في قلب عبد لم يكن فيه فضل لذكر أنس ولا جان ولا جنة ولا نار ولا شيء إلا ذكر الحبيب وذكر أياديه وكرمه وذكر ما دفع عن المحبين له من شر المقادير كما دفع عن إبراهيم الخليل عليه السلام وقد أججت النار وتوعده المعاند بلهب الحريق فأراه جل وعز آثار القدرة في مقامه ونصرته لمن قصده ولا يريد به بدلا وذكر ما وعد أولياؤه من زيارتهم إياه وكشف الحجب لهم وأنهم لا يحزنهم الفزع الأكبر في يوم فزعهم إلى معونته على شدائد الأخطار

والوقوف بين الجنة والنار قال الحارث وقيل إن الحب لله هو شدة الشوق وذلك أن الشوق في نفسه تذكار القلوب بمشاهدة المعشوق وقد اختلف العلماء في صفة الشوق فقالت فرقة منهم الشوق انتظار القلب دولة الاجتماع وسألت رجلا لقيته في مجلس الوليد بن شجاع يوما عن الشوق متى يصح لمن ادعاه فقال إذا كان لحالته صائنا مشفقا عليها من آفات الأيام وسوء دواعي النفس وقد صدق العالم في قوله وذلك أن المشتاقين لولا أنهم ألزموا أنفسهم التهم والمذلة لسلبوا عذوبات الفوائد التي ترد من الله على قلوب محبيه قلت فما الشوق عندك قال الشوق عندي سراج نور من نور المحبة غير أنه زائد على نور المحبة الأصلية قلت وما المحبة الأصلية قال حب الإيمان وذلك أن الله تعالى قد شهد للمؤمنين بالحب له فقال والذين آمنوا أشد حبا لله فنور الشوق من نور الحب وزيادته من حب الوداد وإنما يهيج الشوق في القلب من نور الوداد فإذا أسرج الله ذلك السراج في قلب عبد من عباده لم يتوهج في فجاج القلب إلا استضاء به وليس يطفئ ذلك السراج إلا النظر إلى الأعمال بعين الأمان فإذا أن على العمل من عدوه لم يجد لأظهاره وحشة السلب فيحل العجب وتشرد النفس مع الدعوى وتحل العقوبات من المولى وحقيق على من أودعه الله وديعة من حبه فدفع عنان نفسه إلى سلطان الأمان يسرع به السلب إلى الافتقاد وقالت امرأة من العوابد والله لو وهب الله لأهل الشوق إلى لقائه حالة لو فقدوها لسلبوا النعيم قيل لها وما تلك الحالة قالت استقلال الكثير من أنفسهم ويعجبون منها كيف صارت مأوى لتلك الفوائد وهي وقيل لبعض العباد أخبرنا عن شوقك إلى ربك ما وزنه في قلبك فقال العابد للسائل لمثلي يقال هذا لا يمكن أن يوزن في القلب شيء إلا بحضرة النفس وإن النفس إذا حضرت أمرا في القلب من ميراث القربة قذفت فيه أسباب الكدورات وقيل لمضر القارئ الخوف أولى بالمحب أم الشوق فقال هذه مسألة لا أجيب فيها ما اطلعت النفس على شيء قط إلا أفسدته وأنشدني عبدالعزيز بن عبدالله في ذلك يقول

الخوف أولى بالمسيء ... إذا ناله والحزن ... والحب يحسن بالمطيع ... وبالنقى من الدرن ... والشوق للنجباء والأبدال ... عن ذوي الفطن ... فلذلك قيل الحب هوالشوق لأنك لا تشتاق إلا إلى حبيب فلا فرق بين الحب والشوق إذا كان الشوق فرعا من فروع الحب الأصلي وقيل ان الحب يعرف بشواهده على أبدان المحبين وفي ألفاظهم وكثرة الفوائد عندهم الدوام الاتصال بحبيبهم فإذا واصلهم الله أفادهم فإذا ظهرت الفوائد عرفوا بالحب لله ليس للحب شبح مائل ولا صورة فيعرف بجبلته وصورته وإنما يعرف المحب بأخلاقه وكثرة الفوائد التي يجريها الله على لسانه بحسن الدلالة عليه وما يوحى إلى قلبه فكلما ثبتت أصول الفوائد في قلبه نطق اللسان بفروعها فالفوائد من الله واصلة إلى قلوب محبيه فأبين شواهد المحبة لله شدة النحول بدوام الفكر وطول السهر بسخاء الأنفس على الأنفس بالطاعة وشدة المبادرة خوف المعالجة والنطق بالمحبة على قدر نور الفائدة فلذلك قيل إن علامة الحب لله حلول الفوائد من الله بقلوب من اختصه الله بمحتبه وأنشد بعض العلماء ... له خصائص يكلفون بحبه ... اختارهم في سالف الأزمان ... اختارهم من قبل فطرة خلقهم ... بودائع وفوائد وبيان ... فالحب لله في نفسه استنارة القلب بالفرح لقربه من حبيبه فإذا استنار القلب بالفرح استلذ الخلوة بذكر حبيبه فالحب هائج غالب والخوف لقلبه لازم لا هائج إلا أنه قد ماتت منه شهوة كل معصية وهدى لأركان شدة الخوف وحل الأنس بقلبه لله فعلامة الأنس استثقال كل أحد سوى الله فإذا ألف الخلوة بمناجاته حبيبه استغرقت حلاوة المناجاة العقل كله حتى لا يقدر أن يعقل الدنيا وما فيها ومن ذلك قول ضيغم العابد عجبا للخليقة كيف استنارت قلوبهم بذكر غيرك وحدثني أبو محمد قال أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود إن محبتي في خلقي أن يكونوا روحانيين وللروحانية علم

هو أن لا يغتموا وأنا مصباح قلوبهم يا داود لا تمزج الغم قلبك فينقص ميراث حلاوة الروحانيين يا داود هممت للخبز أن تأكله وأنت تريدني وتزعم أنك منقطع إلي تدعي محبتي وأنك قد احبتنى وأنت تسيء الظن بي أما كان لك علم فيما بيني وبينك أن كشفت لك الغطاء عن سبع أرضين حتى أريتك دودة في فيها برة تحت سبع أرضين حتى تهتم بالرزق يا داود أقر لي بالعبودية أبحك ثواب العبودية وهو محبتي يا داود تواضع لمن تعلمه ولا تطاول على المريدين فلو يعلم أهل محبتي ما قدر المريدين عندي لكانوا للمريدين أرضا يمشون عليها وللحسوا أقدامهم يا داود إذا رأيت لي طالبا فكن لي خادما واصبر على المؤونة تأتك المعونة يا داود لأن يخرج على يديك عبد ممن أسكره حب الدنيا حتى تستنقذه من سكرة ما هو فيه سميتك عندي جهبذا ومن كان جهبذا لم تكن به فاقة ولا وحشة إلى أحد من خلقي يا داود من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي
أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد في كتابه قبل أن لقيته وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني حدثني أبو عبدالله أحمد بن عبدالله بن ميمون قال سمعت الحارث بن أسد المحاسبي يقول علامة أهل الصدق من المحبين غاية أملهم في الدنيا أن تصبر أبدانهم على الدون وأن تخلص لهم النيات من فسادها ومنهم من يريد في الدنيا شواهد ا لكرامات عند سرعة الإجابة وغاية أملهم في بالآخرة أن ينعمهم بنظره إليهم فنعيمها الأسفار وكشف الحجاب حتى لا يمارون في رؤيته والله ليفعلن ذلك بهم إذا استزارهم إليه وحدثني بعض العلماء قال أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي فكيف إذا صاروا إلى جواري واستزرتهم للمقعد عندي أسفرت لهم عن وجهي فهنالك فليبشر المصفون للرحمن أعمالهم بالنظر العجيب من الحبيب القريب أترانى أنسى لهم عملا كيف وأنا ذو الفضل العظيم أجود على المولين عني فكيف بالمقبلين علي وما غضب على شيء كغضبي على من أخطأ خطيئة ثم استعظمها في جنب عفوي ولو

عاجلت أحدا بالعقوبة لعاجلت القانطين من رحمتي ولو يراني عبادي كيف أستوهبهم ممن اعتدوا عليهم بالظلم في دار الدنيا ثم أوجبت لمن وهبهم النعيم المقيم لما اتهموا فضلي وكرمي ولو لم أشكر عبادى إلا على خوفهم من المقام بين يدي لشكرتهم على ذلك ولو يراني عباي كيف أرفع قصورا تحار فيها الأبصار فيقال لمن هذه فأقول لمن عصاني ولم يقطع رجاء مني فأنا الديان الذي لا تحل معصيتي ولا حاجة بي إلى هوان من خاف مقامي وحدثني بعض إخواني ممن يوثق به قال عاتب الحسن إخوانه في ترك مجالستهم فقال الحسن مجالسة الله أشهى من مجالستكم وذكر الله أشفى من ذكركم أما بلغكم ما أوحى الله تعالى إلى أبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إنك خليلي فانظر لا أطلع عليك فأجدك شغلت قلبك بغيري فإني إنما أختار لخلتي من لو ألقي في النار وهو في ذكري لم يجد المس النار ألما ومن إذا تراءت له الجنة وقد زخرفت وزينت بحورها وما فيها من النعيم لم يرها بعينه ولا شغل بها عن ذكري فإذا كان كذلك تواترت عليه ألطافي وقربته مني ووهبت له محبتي ومن وهب له محبتي فقد استمسك بحبلي فأي نعمة تعدل ذلك وأي شرف أشرف منه فوعزتي لأرينه وجهي ولأشفين صدره من النظر إلي وقال أبراهيم بن أدهم لو علم الناس لذة حب الله لقلت مطاعمهم ومشاربهم وحرصهم وذلك أن الملائكة أحبوا الله فاستغنوا بذكره عن غيره وسمعت محمد بن الحسين يقول قال عتبة الغلام من عرف الله أحبه ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه ومن أكرمه أسكنه في جواره ومن أسكنه في جواره فطوباه وطوباه والمحب الصادق إذا استنار قلبه بنور حب الوداد نحل جسمه لأن قليل المحبة يبين على صاحبها كثير النحول فإذا وردت خطرات الشوق عليه علم أنه من الله تعالى على خلال أربع إما أن يتقبل طاعته فيفوز بثوابها وإما أن يشغله في الدنيا بطاعته عن الآثام فتقل خطاياه وإما أن يتداركه بنظره فيلحقه بدرجة المحبين تفضلا وإن لم يستحق ذلك فإن فاتته الثلاث لم يفته الرابع إن شاء الله ثواب النصب لله وذلك أن قليل القربة عند الكريم يعتق بها الرقاب من النار

فمن نجا من النار فماله منزلة غير الجنة ألم تسمع إلى قوله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير فهل ترى لأحد منزلة بينهما ومن أراد الدخول في عز المحبة فعليه بمفارقة الأحباب والخلوة برب الأرباب فإن قيل فمن أين قلت ذلك فقد حدثني بعض العلماء قال قال إبراهيم بن أدهم لأخ له في الله إن كنت تحب أن تكون لله وليا وهو لك محبا فدع الدنيا والآخرة ولا ترغبن فيهما وفرغ نفسك منهما وأقبل بوجهك على الله يقبل الله بوجهه عليك ويلطف بك فإنه بلغني أن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام يا يحيى إني قضيت على نفسي أن لا يحبني عبد من عبادي أعلم ذلك منه إلا كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي يتكلم به وقلبه الذي يفهم به فإذا كان ذلك كذلك بغضت إليه الإشتغال بغيري وأدمت فكرته وأسهرت ليله وأظمأت نهاره يا يحيى أنا جليس قلبه وغاية أمنيته وأمله أهب له كل يوم وساعة فيتقرب مني وأتقرب منه أسمع كلامه وأجيب تضرعه فوعزتي وجلالي لأبعثنه مبعثا يغبطه به النبيون والمرسلون ثم آمر مناديا ينادي هذا فلان بن فلان ولي الله وصفيه وخيرته من خلقه دعاه إلى زيارته ليشفي صدره من النظر إلى وجهه الكريم فإذا جاءني رفعت الحجاب فيما بيني وبينه فنظر إلي كيف شاء وأقول ابشر فوعزتي وجلالي لأشفين صدرك من النظر إلي ولأجددن كرامتك في كل يوم وليلة وساعة فإذا توجهت الوفود إليه أقبل عليهم فقال أيها المتوجهون إلى ما ضركم ما فاتكم من الدنيا إذا كنت لكم حظا وما ضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلما قال وحدثني الحسين بن أحمد الشامي قال سمعت ذا النون المصري يقول قرأت في التوراة أن الأبرار الذين يؤمنون والذين في سبيل خالقهم يمشون وعلى طاعته يقبضون أولئك إلى وجه الجبار ينظرون فغاية أمل الآمل المحب الصادق النظر إلى وجه الله الكريم فلا ينعمهم في مجلسهم بشيء أكبر عندهم من النظر إلى وجهه وبلغني أنه ينعمهم بعد النظر بأصوات الروحانيين وبتلاوة داود عليه السلام الزبور فلو رأيت داود وقد أتي بمنبر رفيع من منابر الجنة ثم أذن له أن يرقى وأن يسمع حمده وثناءه وقد أنصت

له جميع أهل الجنة من الأنبياء والأولياء والروحانيين والمقربين ثم ابتدأ داود بتلاوة الزبور على سكون القلب عند حسن حفظه وترجيعه وتسكنيه الصوت وحسن تقطيعه وقد وكل بها زمعها وفاح منها طربها وقد بدت النواجذ من الضاحكين بحبرة السرور وأجاب داود هواء الملكوت وفتحت مقاصير القصور ثم رفع داود عليه السلام من صوته ليتم سرورهم فلما أسمعهم الرفيع من صوته برز أهل عليين من غرف الجنة وأجابته الحور من وراء سترات الخدور بمفتنات النغم وأطت رحال المنبر واصطفقت الرياح فزعزعت الأشجار فتراسلت الأصوات وتجاوبت النغم وزادهم المليك الفهم ليتم ما بهم من النعم فلولا أن الله كتب لهم فيها البقاء لماتوا فرحا قلت فهل قالت العلماء في صفة يوم الزيارة شيئا تصفهم به قال نعم اجتمع جماعة من العباد فأتوا عابدا في بيته فقالوا له قل خيرا وأوصنا بوصية فقال اقطعوا الدهر إخوتي بمناجاة ربكم واجعلوا الهم هما واحدا فهو أهنأ لعيشكم قيل له فما ميراث ذلك إذا نحن فعلناه فقال ... ترثوا العز والمنى ... وتفوزوا بحظكم ... فلعمري إن الملوك ... لفى دون ملككم ... قيل له فمتى نكون ملوكا في الدنيا أو في الآخرة فقال ... إنما تجعلون ملوكا ... في الأخرى بزهدكم ... حين يسنكم العزيز ... على قدر شكركم ... فتكونوا في القرب منه ... على قدر حبكم ... قالوا فما الذي يقطع بنا عنه عز و جل فقال لأنكم تتمادون في المنى وتناسون فعلكم وأنتم مع ذلك تتمنوا أماني ليس تصلح بمثلكم وذلك أنكم شغلتم عن الإله بإصلاح عيشكم قالوا فبم نستعين على الطاعة قال بذكر حبيب العابدين إنكم لو سقيتم من حبه مثل ما ذاق غيركم لنفى عنكم الرقاد على طيب فرشكم وارتياحا يقل عند المناجاة صبركم ثم أرم ساعة يعنى سكت ثم أقبل عليهم فقال إخوتي لو وردتم في غد عند بعثكم فوق نوق من

النجائب معكم نبيكم لترزوروا ماجداواحدا ! لا يملكم قالوا له فما حال الزوار عنده إذا قصدوه تبارك اسمه معهم نبيهم قال إنهم حين قاربوه تجلى لقربهم فإذا عاينوا المليك تقضت همومهم سمعوا كلامه وسمع كلامهم قالوا فما علامة من سقاه الله بكأس محبته فقال علامته أن يكون عليل الفؤاد بذكر المعاد بطيء الفتور في جميع الأمور كثير الصيام شديد السقام عفيفا كفيفا قلبه في العرش جوال والله مراده في كل الأحوال قلت رحمك الله ما أقرب ما يتقرب به العبد المحب إلى الله قال حدثني محمد بن الحسين قال سئل أبو سليمان الداراني عن أقرب ما يتقرب به إليه قال أن يطلع على قلبه وهو لا يريد من الدنيا والآخرة غيره ففي هذا دليل على أن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله كل عمل عمله بالإخلاص لله والإشفاق عليه من عدوه وإن قل ذلك فهو المقبول إذا كان على حقيقة التقوى معمولا كما قال علي بن أبي طالب عمل صالح دائم مع التقوى وإن قل وكيف يقل ما يتقبل وذلك أن المحب لله هو على الركن الأعظم من الإيمان الذي يمكن أن يستكمله العبد ولا يحسن به ادعاؤه وهو ركن المعرفة بالنعم وإظهار الشكر للمنعم وذلك أن الله تعالى يقول لولي من أوليائه يا عبدي أما زهدك في الدنيا فطلبت به الراحة لنفسك وأما انقطاعك إلي فتعززت بي فهل عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا فيخبرك أنه جعل الحب والبغض فيه أعظم عنده ثوابا من الزهد في الدنيا والانقطاع إليه قلت له صف لي زهد المحبين وزهد الخائفين وزهد الورعين وزهد المتوكلين فقال إن العباد زهدوا في حلال الدنيا خوفا من شدة الحساب إذ سئلوا عن الشكر فلم يؤدوا الشكر على قدر النعم وفرقة من الخائفين زهدوا في الحرام خوفا من حلول النقمة فزهد الخائفين ترك الحرام البين وزهد الورعين ترك كل شبهة وزهد المتوكلين ترك الإضطراب فيما قد تكفل به من المعاش لتصديقهم بوفاء الضامن وزهد المحبين قد قالت فيه العلماء ثلاثة أقوال فقالت فرقة زهد المحب في الدنيا كلها في حلالها وحرامها لقلتها في نفسه وقالت

فرقة أخرى زهد المحب في الجنة دون الدنيا حذرا من أن يقول له حبيبه يا محب أي شيء تركت لي فيقول تركت لك الدنيا فيقول وما قدر الدنيا فيقول يا رب قدرها جناح بعوضة فيلحقه من الحياء من الله أن يقول له تركت لك ما قدره جناح بعوضة ولكن تعلم يا رب أني لم أعبدك إلا بثواب الجنة فقط لا أريد منك غير ذلك وما الجنة مع ذكرك فزهد المحب الصادق في الدنيا هو الزهد في الإخوان الذين يشغلون عن الله فقد زهد فيهم لعلمه بما يلحقه من الآفات عند مشاهدتهم فزهده فهيم على علم بهم
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه عثمان بن محمد قبل أن لقيته ثنا أبو العباس بن مسروق قال سمعت الحارث بن أسد يقول من عدم الفهم عن الله فيما وعظ لم يحسن أن يستجلب وعظ حكيم ومن خرج من سلطان الخوف إلى عزة الأمن اتسعت به الخطا إلى مواطن الهلكة فكشفت عنه ستر العدالة وفضحته شواهد العزة فلا يرى جميلا يرغب فيه ولا قبيحا يأنف عنه فتبسط نفسه إلى ري الشهوات ولا تميل إلى لذيذ الراحات فيستولي عليه الهوى فينقص قدره عند سيده ويشين إيمانه ويضعف يقينه
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه عثمان ثنا أبو العباس بن مسروق قال سئل الحارث بن أسد عن الزهد في الدنيا قال هو عندي العزوف عن الدنيا ولذاذتها وشهواتها فتنصرف النفس ويتعزز الهم وانصراف النفس ميلها إلى ما دعا الله إليها بنسيان ما وقع به من طباعها واعتزاز الهم الانقطاع إلى خدمة المولى يضن بنفسه عن خدمة الدنيا مستحيا من الله أن يراه خادما لغيره فانقطع إلى خدمة سيده وتعزز بملك ربه فترحل الدنيا عن قلبه ويعلم أن في خدمة الله شغلا عن خدمة غيره فيلبسه الله رداء عمله ويعتقه من عبوديتها واعتز أن يكون خادما للدنيا لعزة العزيز الذي أعزه بالإعتزاز عنها فصار غنيا من غير مال وعزيزا من غير عشيرة ودرت ينابيع الحكمة من قلبه ونفدت بصيرته وسمت همته ووصل بالوهم إلى منتهى أمنيته فترقى وارتفع ووصل إلى روح الفرج من هموم الأطماع وعذاب

الحرص وقيل له كيف تفاوت الناس في الزهد قال على قدر صحة العقول وطهارة القلوب فأفضلهم أعقلهم وأعقلهم أفهمهم عن الله وأفهمهم عن الله أحسنهم قبولا عن الله وأحسنهم قبولا عن الله أسرعهم إلى ما دعا الله عز و جل وأسرعهم إلى ما دعا الله عز و جل أزهدهم في الدنيا وأزهدهم في الدنيا أرغبهم في الآخرة فبهذا تفاوتوا في العقول فكل زاهد زهده على قدر معرفته ومعرفته على قدر عقله وعقله على قدر قوة إيمانه فمن استولى على قلبه وهمه علم كشف الآخرة ونبهه التصديق على القدوم عليها وتبين بقلبه عوار الدنيا ودله بصائر الهدى على سوء عواقبها ومحبة اختيار الله في تركها والموافقة لله في العزوف عنها ترحلت الدنيا عن قلب هذا الموفق وسئل عن علامة الصادق فقال أن يكون بصواب القول ناطقا لسانه محزون ونطقه بالحق موزون طاهر القلب من كل دنس ومصافي مولاه في كل نفس
أخبرنا محمد في كتابه قال أنبأنا أحمد بن عبدالله بن ميمون قال قال الحارث بن أسد المنقطع إلى الله عز و جل عن خلقه ظاهره ظاهر أهل الدنيا وباطنه باطن المجلين الهائبين لربهم لأنه صرف قلبه إلى ربه فاشتغل بذكر رضاه عن ذكر رضا خلقه فطاب في الدنيا عيشه وتطهر من آثامه وأنزل الخلق بالمنزلة التي أنزلهم ربهم عبيدا إذ لا يملكون له ضرا ولا نفعا فآثر رضاء الله على رضاهم فسخت نفسه بطلب رضى الله وإن سخط جميع خلق الله يرضى الله بسخط كل أحد ولا يسخط الله برضى أحد من خلقه فملاك أمره في جميع ذلك ترك الاشتغال والتثبيت لمراقبة الرقيب عليه فلا يعجل فيسخطه عليه وقال أسرع الأشياء عظة للقلب وانكسارا له ذكر إطلاع الله بالتعظيم له وأسرع الأشياء إماتة للشهوات لزوم القلب الأحزان وأكثر الأشياء صرفا إزالة الإشتغال بالدنيا من القلوب عند المعاينة والمباشرة لها الاعتبار بها والنظر إلى ما غاب من الآخرة وأسرع الأشياء هيجانا للتعظيم لله من القلب تدبر الآيات والدلائل في التدبير المحكم والصنعة المحكمة

المتقنة من السماء والأرض وما بث بينهما من خلقه دلائل ناطقة وشواهد واضحة أن الذي دبرها عظيم قدره نافذ مشيئته عزيز في سلطانه وأشد الأشياء للقلب عن التشاغل بالدنيا الكمد من بعد الحزن وأبعث الأشياء على سخاء النفوس بترك الشهوات الشوق إلى لقاء العزيز الكبير وأشد الأشياء إزالة للمكابدات في علو الدرجات في منازل العبادات لزوم القلب محبة الرحمن وأنعم الأشياء لقلوب العابدين وأدومها لها سرورا الشوق إلى قرب الله واستماع كلامه والنظر إلى وجهه وأظهرها لقلوب المريدين التوبة النصوح منهم للعرض على رب العاملين فتلك طهارة المتقين ومن بعدها طهارة المحبين وهو قطع الأشغال لكل شيء من الدنيا عن محبوبهم فإذا طهرت القلوب من كل شيء سوى الله خلا من ذكر كل قاطع عن الله وزال عنه كل حاجب يحجب عنه فتم بالله سروره وصفا ذكره في قلبه واستنار له سبيل الإعتبار فكانت الدنيا وأهلها عينا ينظر بها إلى ما سترته الحجب من الملكوت فحينئذ دام بالله شغله وطال إليه حنينه وقرت بالله عينه فالحزن والكمد قد أشغلا قلبه والمحبة والشوق قد أشخصا إلى الله فؤاده فشوقه إلى طلب القرب والحزن أن يحال بينه وبينه
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد في كتابه قبل أن لقيته وحدثي عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن عبدالله بن ميمون قال قلت للحارث بن أسد ما المزهود من أجله قال الذي تجانب الدنيا من أجله خمسة أشياء أحدها أنها مفتنة مشغلة للقلوب عنه والثانية أنها تنقص غدا من درجات من ركن إليها فلا يكون له من الدرجات كمن زهد فيها والثالثة أن تركها قربة وعلو عنده في درجات الجنة والرابعة الحبس في القيامة وطول الوقوف والسؤال عن شكر النعيم بها وفي واحدة من هذه الخصال ما يبعث المريد اللبيب على رفضها ليشتري بها خيرا منها والخامسة أعظم ما رفضوا من أجله موافقة الرب في محبته أن يصغروا ما صغر الله ويقللوا ما قلل الله ويبغضوا ما أبغض الله ويرفضوا ما أحب الله رفضه لو لم ينقصهم من ذلك

ولم يشغلهم في دنياهم عن طاعته ولم يغفلوا عن شكره وكان ثواب الرافض لها في الآخرة والراكن إليها واحدا كان الله عز و جل أهلا أن يبغض ما أبغض ويتهاون بما أهان عليه وذلك زهد المحبين له المعظمين المجلين وقد دل الله عز و جل على هذه الخمس خصال بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم وما نطق به أهل الخاصة من عباده الحكماء العلماء
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصر في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت أبا عثمان البلدي يقول بلغني عن الحارث بن أسد أنه قال العلم يورث المخافة والزهد يورث الراحة والمعرفة تورث الإنابة وخيار هذه الأمة الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم ومن صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة ومن اجتهد في باطنه ورثه الله حسن معاملة ظاهره ومن حسن معاملته في ظاهره مع جهد باطنه ورثه الله الهداية إليه لقوله تعالى والذين جاهدا فينا لنهدينهم سبلنا الآية
أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه قبل أن لقيته وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال قال الحارث بن أسد وسئل بم تحاسب النفس قال بقيام العقل على حراسة جناية النفس فيتفقد زيادتها من نقصانها فقيل له ومم تتولد المحاسبة قال من مخاوف النقص وشين البخس والرغبة في زيادة الأرباح والمحاسبة تورث الزيادة في البصيرة والكيس في الفطنة والسرعة إلى إثبات الحجة واتساع المعرفة وكل ذلك على قدر لزوم القلب للتفتيش فقيل له من أين تخلف العقول والقلوب عن محاسبةالنفوس قال من طريق غلبةالهوى والشهوة لأن الهوى والشهوة يغلبان العقل والعلم والبيان وسئل مم يتولد الصدق قال من المعرفة بأن الله يسمع ويرى وخوف السؤال عن مثاقيل الذر من إرسال اللفظ وخلف الوعد وتأخير الضمان فالمعرفة أصل للصدق والصدق أصل لسائر أعمال البر فعلى قدر قوة الصدق يزداد العبد في سائر أعمال البر

وسئل عن الشكر ما هو قال علم المرء بأن النعمة من الله وحده وأن لا نعمة على خلق من أهل السموات والأرض إلا وبدائعها من الله فشكر الله عن نفسه وعن غيره فهذا غاية الشكر وسئل عن الصبر قال هو المقام على ما يرضي الله تبارك وتعالى بترك الجزع وحبس النفس في مواضع العبودية مع نفي الجزع فقيل له فما التصبر قال حمل النفس على المكاره وتجرع المرارات وتحمل المؤن واحتمال المكابدات لتمحيص الجنايات وقبول التوبة لأن مطلب المتصبر تمحيص الجنايات رجاء الثواب ومطلب الصابر بلوغ ذرى الغايات والمتصبر يجد كثيرا من الآلام والصابر سقط عنه عظيم المكابدات لأن مطلبه العمل على الطيبة والسماحة لعلمه بأن الله ناظر إليه في صبره وأنه يعينه وأن صبره لمولاه لما يرضي مولاه عنه فاحتمل المؤن وفيه يقول الحكيم ... رضيت وقد أرضى إذا كان مسخطي ... من الأمر ما فيه رضى من له الأمر ... وأشجيت أيامي بصبر حلون لي ... عواقبه والصبر مثل اسمه صبر ... قيل فكيف السبيل إلى مقام الرضا قال علم القلب بأن المولى عدل في قضائه غير متهم وأن اختيار الله له خير له من اختياره لنفسه فحينئذ أبصرت العقول وأيقنت القلوب وعلمت النفوس وشهدت لها العلوم أن الله أجرى بمشيئته ما علم أنه خير لعبده في اختياره ومحبته وعلمت القلوب أن العدل من واحد ليس كمثله شيء فخرست الجوارح من الإعتراض على من قد علمت أنه عدل في قضائه غير متهم في حكمه فسر القلب من قضائه
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت الحارث بن أسد يقول أعلم بأنك لست بشيء إلا بالله وليس لك شيء إلا ما نلت من رضوان الله وأنك إن اتقيته في حقه وقاك شر من دونه ولا يصلح عبد إلا أصلح الله بصلاحه سواه ولا يفسد عبد إلا أفسد الله بفساده غيره فأعداؤك من نفسك طبائعك السيئة وأولياؤك من نفسك طبائعك الحسنة فقاتل ما فيك من ذلك ببغض

وقاتل أعداءك بأوليائك وغضبك بحلمك وغفلتك بتفكرك وسهوك يتنبهك فإنك قد منيت وابتليت من معاني طبائعك ومكابدة هواك وعليك بالتواضع فإلزمه وأعلم أن لك من العون عليه أن تذكر الذي أنت فيه والذي تعود إليه والتواضع له وجوه شيء فأشرفها وأفضلها أن لا ترى لك على أحد فضلا وكل من رأيت كن له بالضمير والقلب مفضلا ومن رأيت من أهل الخير رجوت بركته والتمست دعوته وظننت أنه إنما يدفع عنك به فهذا التواضع الأكبر والتواضع الذي يليه أن يكون العبد متواضعا بقلبه متحببا إلى من عرفه غير محتقر لمن خالفه ولا مستطيلا على من هو بحضرته وليس بقريب منه وأما التواضع الثالث فهو اللازم للعباد الواجب عليهم الذي لو تركوه كفروا فالسجود لله وبذلك جاء الحديث إنه من وضع جبهته لله فقد برئ من الكبر وقد من الله تعالى به علينا وعليكم أبلغنا الله وإياكم التواضع الأكبر
أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه وحدثني عنه أولا عثمان بن محمد ثنا أبو عبدالله أحمد بن عبدالله بن ميمون قال سمعت الحارث بن أسد يقول افهم ما أقول لك وفرغ للفكرة فيه عقلك وأدم له توهمك وتوهمه بذهنك وأحضر لبك واشتغل بذكره وبقطع كل مذكور سواه ومتوهم غيره فإنا خلقنا للبلوى والإختبار وأعد لنا الجنة أو النار فعظم ذلك الخطر وطال به الحزن لمن عقل واذكر حتى تعلم أين يكون المصير والمستقر ذلك بأنه قد عصى الرب وخالف المولى وأصبح وأمسى بين الغضب والرضا لا يدري أيهما قد حل به ووقع فعظم لذلك غمه واشتد به كربه وطال له حزنه حتى يعلم كيف عند الله حاله فإليه فارغب في التوفيق وإياه فسل العفو عن الذنوب واستعن بالله في كل الأمور فالعجب كيف تقر عينك أو يزول الوجل عن قلبك وقد عصيت ربك والموت نازل بك لا محالة بكربه وغصصه ونزعه وسكراته فكأنه قد نزل بك وشيكا فتوهم نفسك وقد صرعت للموت صرعة لا تقوم منها إلا إلى الحشر إلى ربك فتوهم ذلك بقلب فارغ وهمة

هائجة من قلبك بالرحمة لبدنك الضعيف وارجع عما يكره مولاك وترضا عسى أن يرضى عنك واعتبه واستقله عثراتك وابك من خشيته عسى أن يرحم عبراتك فإن الخطب عظيم والموت منك قريب ولامولاك مطلع على سرك وعلانيتك واحدر نظره إليك بالمقت والغضب وأنت لا تشعر فأجل مقامه ولا تستخف بنظره ولا تتهاون بإطلاعه واحذره ولا تتعرض لمقته فإنه لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه عثمان ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال سئل الحارث بن أسد عن مقام ذكر الموت ما هو عندك مقام عارف أو مستأنف فقال ذكر الموت أولا مقام المستأنف وآخر مقام العارف قيل له بين من أين قلت ذلك قال نعم أما المستأنف فهو المبتدئ الذي يغلب على قلبه الذكر فيترك الزلل مخافة العقاب فكلما هاج ذكر الموت من قلبه ماتت الشهوات عنده وأما العارف فذكره للموت محبة له اختيارا على الحياة وتبرما بالدنيا التي قد سلا قلبه عنها شوقا إلى الله ولقائه رجاء أمل النظر إلى وجهه والنزول في جواره لما غلب على قلبه من حسن الظن بربه كما قيل ... طال شوق الأبرار إلى الله ... والله إلى لقائهم أشوق ... قيل له فكيف نعت ذكر الموت في قلب المستأنف وقلب العارف قال المستأنف إذا حل بقلبه ذكر الموت كرهه وتخير البقاء ليصلح الزاد ويرو الشعث ويهيء الجهاز للعرض والقدوم على الله ويكره أن يفاجئه الموت ولم يقض نهمته في التوبة والإجتهاد والتمحيص فهو يحب أن يلقى الله على غاية الطهارة وأما نعته في قلب العارف فإنه إذا خطر ذكر ورود الموت بقلبه صادقت منه موافق مراده وكره التخلف في دار العاصين وتخير سرعة انقضاء الأجل وقصر الأمل فقيرة إليه نفسه مشتاق إليه قلبه كما روي عن حذيفة بن اليمان حين حضره الموت قال حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم اللهم إن كنت تعلم أن الموت أحب إلي من الحياة فسهل علي الموت حتى ألقاك قال وسئل الحارث عن قول أبي سليمان الداراني ما رجع

من وصل لو وصلوا ما رجعوا فقال قول أبي سليمان يحتمل أجوبة كثيرة قيل اشرح منها شيئا قال يمكن أن يكون هذا من أبي سليمان على طريق التحريض للمريدين لئلا يميلوا إلى الفتور ويحترزوا من الإنقطاع ويجدوا في طلب الإتصال والقربة إلى الله عز و جل ويحتمل أن يكون أراد عاليا ما رجع إلى الزلل من وصل إلى صافي العمل ويحتمل ما رجع إلى وحشة الفتور من تقحم في المقامات السنية من الأمور ويحتمل ما رجع إلى ذل عبودية المخلوقين من وصل إلى طيب روح اليقين واستند إلى كفاية الواثقين واعتمد على الثقة بما وعد رب العالمين فعلى هذه المعاني يحتمل الجواب في هذه المسألة على سائر المقامات فبات السائل تلك الليلة عند الحارث فلما أصبح قال الحارث رأيت فيما يرى النائم كأن راكبا وقف وأنا أتكلم في هذه المسألة فقال وهو يشير بيده ما رجع إلى الإنتقاص من وصل إلى الإخلاص قال وسئل الحارث فقيل له رحمك الله البلاء من الله للمؤمنين كيف سببه قال البلاء على ثلاث حجات على المخلطين نقم وعقوبات وعلى المستأنفين تمحيص الجنايات وعلى العارفين من طريق الإختبارات فقيل له صف تفاوتهم فيما تعبدوا به قال أما المخلطون فذهب الجزع بقلوبهم وأسرتهم الغفلة فوقعوا في السخط وأما المستأنفون فأقاموا لله بالصبر في مواطن البلاء حتى تخلصوا ونجوا منه بعد مكابدة ومؤنة وأما العارفون فتلقوا البلاء بالرضا عن الله عز و جل فيما قضى وعلموا أن الله عدل في القضاء فسروا بحلول المكروه لمعرفة عواقب اختيار الله لهم قيل له فما معنى هذه الآية ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم أو لم يعلم قال بلى قد علم ما يكون قبل أن يكون ولكن معنى قوله حتى نعلم حتى نرى المجاهدين في جهادهم والصابرين في صبرهم وقد روي أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل إني لحفي بالمريدين لي وإن بعيني ما تحمل المتحملون من أجلي وما يكابد المكابدون في طلب رضائي أتراني أضيع لهم عملا أو أنسى لهم أثرا كيف وأنا ذو الجود أجود بفضلي على المولين عني

فكيف بالمقبلين إلي قيل رحمك الله ما الذي أفاد قلوب العارفين وأهل العقل عنه في مخاطبة الآية قال تلقوا المخاطبة من الله بقوة الفهم عن الله حتى كأنهم يسمعون منه وأنه أقرب إليهم في وقت البلاء من أنفسهم إلى أبدانهم فعلموا أنهم بعينه فقووا على إقامة الصبر والرضا في حالة المحن إذ كانوا بعين الله والله تعال يراهم فحين أسقطوا عن قلوبهم الإختيار والتملك بإحتيال قوة ولجوا إليه وطرحوا الكنف بين يديه واستبسلت جوارحهم في رق عبوديته بين يدي مليك مقتدر فشال عند ذلك صرعتهم وأقال عثرتهم وأحاطهم من دواعي الفتور ومن عارض خيانة الجزع وأدخلهم في سرادق حسن الإحاطة من ملمات العدو ونزغاته وتسويله وغروره فأسعفهم بمواد الصبر منه ومنحهم حسن المعرفة والتفويض ففوضوا أمورهم إليه وألجؤا إليه همومهم واستندوا بوثيق حصن النجاة رجاء روح نسيم الكفاية وطيب عيش الطمأنينة وهدو سكون الثقة ومنتهى سرور تواتر معونات المحنة وعظيم جسيم قدر الفائدة وزيادات قدر البصيرة وعلموا أنه قد علم منهم مكنون سرهم وخفى مرادهم ويكون ما حصل في القلوب من يقينهم وما شارت إليه في بواطن أوهامها وسر غيبها فعظم منهم حرص الطلب وغاب منهم مكامن فتور الجد لمعرفة المعذرة فيهم فهؤلاء في مقامات حسن المعرفة وحالات اتساع الهداية وحسن بهاء البصيرة فاعتزوا بعزة الإعتماد على الله فقال له السائل حسبي رحمك الله فقد عرفتني مالم أكن أعرف وبصرتني مالم أكن أبصر وكشفت عن قلبي ظلمة الجهل بنور العلم وفائدة الفهم وزيادات اليقين وثبتني في مقامي وزدتني في قدر رغبتي وروحتني من ضيق خاطري فأرشدك الله إلى سبيل النجاة ووفقك للصواب بمنه ورأفته إنه ولي حميد
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتاب وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال سمعت الجنيد يقول سمعت أبا عبدالله الحارث بن أسد يقول وسئل عن المراقبة لله وعن المراقب لربه فقال إن المراقبة تكون على ثلاث خلال

على قدر عقل العاقلين ومعرفتهم بربهم يفترقون في ذلك فإحدى الثلاث الخوف من الله والخلة الثانية الحياء من الله والخلة الثالثة الحب لله فأما الخائف فمراقب بشدة حذر من الله تعالى وغلبة فزع وأما المستحيي من الله فمراقب بشدة انكسار وغلبة إخبات وأما المحب فمراقب بشدة سرور وغلبة نشاط وسخاء نفس مع إشفاق لا يفارقه ولن تكاد أن تخلو قلوب المراقبين من ذكر إطلاع الرقيب بشدة حذر من قلوبهم أن يراهم غافلين عن مراقبته والمراقبة ثلاث خلال في ثلاثة أحوال أولها التثبت بالحذر قبل العمل بما أوجب الله والترك لما نهى الله عنه مخافة الخطا فإذا تبين له الصواب بالمبادرة إلى العمل بما أوجب الله والترك لما نهى الله مخافة التفريط فإذا دخل في العمل فالتكميل للعمل مخافة التقصير فمن لم يثبت قبل العمل مخافة الخطا فغير مراقب لمن يعمل له إذا كان لا يأمن من أن يعمل على غير ما أحب وأمر به ومن لم يبادر ويسارع إلى عمل ما يحب الله بعد ما تبين له الصواب فما راقب إذا بطأ عن العمل لمحبة من يراقبه إذ يراه متثبطا عن القيام بما أمر به ومن لم يجتهد في تكميل عمله فضعيف مقصر في مراقبة من يراقبه إذا قصر عن إحكام العمل لمن يعمل وقد علم أن الله جل ثناؤه يحب تكميله وإحكامه وقال سبع خلال يكمل لها عمل المريد وحكمته حضور العقل ونفاد الفطنة وسعة العمل بغير غلط وقهر العقل للهوى وعظم الهم كيف يرضي الرب تعالى والتثبت قبل القول والعمل وشدة الحذر للآفات التي تشوب الطاعات وأقل المريدين غفلة أدومهم مراقبة مع تعظيم الرقيب والدليل على صدق المراقبة بإجلال الرقيب شدة العناية بالفطنة لدواعي العقل من دواعي الهوى والتثبت بالنظر بنور العلم والتمييز بين الطاعة وما شابهها من الآفات وقوة العزم على تكميل المراقبة في الحظوة في عين المليك المطلع وشدة الفزع مما يكره خوف المقت والدليل على قوة الخوف شدة الإشفاق مما مضى من السيئات أن لا تغفر وما تقدم من الإحسان أن لا يقبل ودوام الحذر فيما يستقبل أن لا يسلم وعظم الهم من عظيم الرغبة وعظيم الرغبة من كبر المعرفة بعظيم قدر المرغوب فيه

وإليه وسمو الهمة يخفف التعب والنصب ويهون الشدائد في طلب الرضوان ويستقل معه بذل المجهود بعظيم ما ارتفع إليه الهم والنشاط بالدوب دائم والسرور بالمناجاة هائج والصبر زمام النفس عن المهالك وإمساك لها على النجاة فاليقين راحة للقلوب من هموم الدنيا وكاسب لمنافع الدين كلها وحسن الأدب زين للعالم وستر للجاهل من قصر أمله حذر الموت ومن حذر الموت خاف الفوت ومن خاف الفوت قطع الشوق ومن قطع الشوق بادر قبل زوال إمكان الظفر فاجعل التيقظ واعظك والتثبت وكيلك والحذر منبهك والمعرفة دليلك والعلم قائدك والصبر زمامك والفزع إلى الله عز و جل عونك ومن لم توسعه الدنيا غنى ولا رفعة أهلها شرفا ولا الفقر فيها صفة فقد ارتفعت همته وعزفت عن الدنيا نفسه من كانت نعمته السلامة من الآثام ورغب إلى الله في حوادث فوائد لمريد نقل عن الدنيا بقلبه ومن اشتد تفقده ما يضره في دينه وينفعه في آخرته وذكر اطلاع الله إليه ومثل عظيم هول المطلع وأشفق مما يأتي به الخير فقد صدق الله في معاملته وحقق استعمال ما عرفه ربه ومن قدم العزم لله على العمل بمحبته ووفاء لله بعزمه وجانب ما يعترض بقلبه من خطرات السوء ونوازع الفتن فقد حقق ما علم وراقب الله في أحواله كهف المريد وحرزه التقوى والإستعداد عونه وجنته التي يدفع بها آفات العوارض وسور النوازل والحذر يورثه النجاة والسلامة والصبر يورثه الرغبة والرهبة وذكر كثرة سوالف الذنوب يورثه شدة الغم وطول الحزن وعظم معرفته بكثرة آفات العوارض في الطاعات تورثه شدة الإشفاق من رد الإحسان
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سأل سائل الحارث بن أسد ما بالي أغتم على ما يفوتني من العلم ولا أعمل بما استفدت منه قال لأنك لا تخاف عظيم حجة الله عليك فيما علمت وضيعت العمل لله فيما أوجبه عليك ولم تقدم العزم أن تقوم بما تستفيد من العلم فيما تستزيد منه وكان يحق عليك أن تكون

بما علمت ولزمتك من الله أعظم الحجة لأنك أن تضيع حق الله وأنت لا تعلم خير من أن تضيع حق الله وأنت تعلم لأن الجاهل لا يؤتى بتعمد من قلبه ولا جرءة واستخفافا باطلاع ربه والعالم بما يأتي متعمدا ترك حق ربه بقلة رهبة من الله متهاون بنظر الله متعرض لسخطه وهو يعلم ويتشوق لحرمان جوار الله وهو يبصر فآثر القليل الفاني على العظيم الباقي وولى على النجاة من العذاب وسلك الطريق إلى عذاب الجحيم وسمحت نفسه بالجنة وأسلمها لأيدي العقوبة قلت إني لا أقوى على الحلم عند الشتم والأذى فقال ثقل عليك كظم الغيظ وخف عليك الإشتفاء قلت مم ثقل علي كظم الغيظ وخف على التشفي قال لأنك تعد الحلم ذلا وتستعمل السفه أنفا قلت فبم أقوى على كظم الغيظ قال بصبر النفس وحبس الجوارح قلت بم أجتلب صبر النفس وكف الجوارح قال بأن تعقل وتعلم أن الحلم عز وزين والسفه ذل وشين قلت كيف أعقل ذلك وقد حل بقلبي ضده فغلب عليه أني إن صبرت على كظم الغيظ كان ذلك إذلالا لي ممن أذاني ولزم قلبي الأنف أن يكون من شتمني قد قهرني وعجزت عن الإنتقام منه وإشفاء غيظي قال إنما لزم قلبك ذلك لأنك لم تعقل ظاهر قبح السفه منك وحسن ستر الحلم عليك وجزيل مثوبة الله لك في آخرتك قلت وبم أعرف هاتين الخصلتين قال أما قبح السفه وزوال حسن رد الحلم فبما ترى من أحوال شاتمك ومؤذيك بالغيظ والغضب من لونه وفتح عينيه وحمرة وجهه وانقلاب عينيه وكراهية منظره واستخفافه بنفسه وزوال السكينة والوقار عن بدنه فأنت تبين ذلك منه ويراه كل عاقل من فاعله فإذا بليت بذلك فاذكر ما أعد الله سبحانه وتعالى للكاظمين الغيظ من إيجاب محبته وجزيل ثوابه فإن الإشتفاء ينقضي سريعا ويبقى سوء عاقبته في آخرتك وكظم غيظك يسكن سريعا ويدخر ثواب الله بذلك في معاده ولا ينبغي للعاقل أن يرضى بدناءة نفسه وسوء رغبته بأن يكون ممن ترضيه

اللمحة فيستشرق لها وجهه فرحا وتغضبه الكلمة فيستطير من أجلها سفها حتى يظلم لها وجهه وتضطرب لها فرائصه وإنما هي كلمة لم تعد قائلها إلى المشتوم بها ولكنها أزرت بقائلها وأوجبت السفه عليه في آخرته واستخف بنفسه ولم تضر من أسمعها في دين ولا دنيا فقائلها والله يستحق أن يرحم لما قد أنزل بنفسه ووضع من قيمته وقدره وعصى بها ربه وعلى المشتوم بها الشكر لله إذ لم يسلمه الله ولم يخذله حتى يصير مثل حال شاتمه مع ما قد صار له من التبعة في رقبته يأخذها منه في يوم فاقته وفقره وأول ما يرث المريد العارف بربه معرفته بدائه ودوائه في عقله ورأيه والسليم القلب المتيقظ عن ربه الغافل عن عيوب العباد المتفقد لغيوب نفسه أنس المريد الوحشة من العباد مع دوام الذكر لله بقلبه وأكرم أخلاق المريد إكرامه نفسه عن الشر ودناءة الأخلاق وعظيم الهمة بالظفر بما يرضى الله ويطير معه النوم ويقل معه النسيان ومن صدق العالم في علمه اهتمامه بمعرفة معاني الزوائد ليقوم لربه بحسن الرعاية وطلب الصمت مع الفكرة والأنس بالعزلة يبعث على طلب معاني الحكمة ودوام التوهم بنظر القلب إلى شدائد القيامة يزول به السرور بالدنيا ويورث القلب الإنكسار والبكاء به ويعمل على الإستعداد للعرض الأكبر والسؤال الأعظم
أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه أخبرني أحمد بن عبدالله بن ميمون قال قال الحارث بن أسد أصفى الأشياء من كل آفة بل أن لا تقاربها الآفات النصح لله لأن الناصح متى قبل خطرة من رياء أو عجب أو غير ذلك مما كره الله فقد خرج من النصح بقدر قبوله لما يكره ربه وأهون الأشياء وأكسرها لدواعي الهوى ذكر عظيم سوء العاقبة في تعجيل اللذة الأشياء وأعون على التحمل للمكروه ذكر عظيم العاقبة في ثواب ما يحمله العبد من المكاره في التقرب إلى الله عز و جل وأعون الأشياء على استجلاب الأحزان طول التوحش والإنفراد من الخلق مع طول الفكرة ودوامه في عواقب الأمور ليوم العرض فمن لم يمكنه الخلوة والإنفراد وطول الصمت مع دوام الذكر للرقيب لما أحب من المحبوب والمكروه وأجلب الأشياء لتيقظ القلب من

شهوة التقدم في إلزام القلب الحذر من الغفلة عن الرب عز و جل وأجلب الأشياء للذكر وأطرده للنسيان شدة العناية بعمران القلب بذكر المولى لأنه إذا قدم العناية وألزمها قلبه لا يغفل قلبه عن ذكر المولى هاج للذكر وتفرغ عن النسيان قال وسئل الحارث عما ينال به الإخلاص فقال ينال بثلاث خلال والمخلص في بعضها أقوى من بعض ودواعي الريا عليه أقل وأضعف وهو في بعضها أضعف إخلاصا والدواعي عليها أكبر وأقوى فأعلاها التي يكون بها المخلص أقوى المخلصين والخطرات عليه أقل وأضعف تعظيم قدر الرب وإجلاله واستصغار قدر المخلوقين أنهم لا يستأهلون أن يتقرب إليهم بطاعة الرب حتى يضعهم العبد بحيث وضعهم الله من الحاجة والفاقة والمسكنة إذ خلقهم المولى من ملك الضر والنفع ولم يجعل لأحد من الخلق شركة في الأشياء ولا يليق بهم ذلك وذلك مستحيل أن يملك العبد المحدث مع القديم الأول مثقال ذرة لا أصغر ولا أكبر ولا يملك ضرا ولا نفعا فإن أعظم قدر الرب بقلبه وأنزل عباده بالمنزل الذي هم به انصرف قلبه عن طلب حمد المخلوقين إذ عرف قدرهم وانصرفت نفسه عنهم في طلب كل منفعة دنيا وآخرة وارتاح قلبه لطلب حمد الله والتحبب إلى الله إذ عرف قدره وأن إليه حاجته في الدنيا والآخرة وأنه لا ينال منفعة فيهما إلا منه وأنه أهل أن يرجى ويؤمل جوده وكرمه فإن لم يقو على هذه الخلة فالخلة الثانية أن يذكر اطلاع الله على ضميره وهو يريد بطاعته حمد عبد مملوك ضعيف يتحبب إليه بالمقت إلى مولاه ويتقرب إليه بالتباعد من سيده ويحظى في عين عبد مملوك ضعيف يبلى ويموت بالسقوط من عين الإله الذي لا يموت فإنه حينئذ يستكين عقله ويخشع طبعه من قبول كل خطرة تدعوه إلى إرادة المخلوقين بطاعة ربه فإن لم يقو على هذه الخلة فالخلة الثالثة أن يرجع إلى نفسه بالرحمة لها والإشفاق عليها من حبط عمله في يوم فاقته وفقره فيبقى خاسرا قد حبط إحسانه وخسر عمله ثم لا يأمن أن يكون ذلك لو أخلصه لرجحت حسناته على سيئاته قبحا لها إذا أراد به العباد فتبقى حسناته خفيفة

وسيئاته راجحة فيؤمر به إلى عذاب الله فيتلهف أن لا يكون أخلصه لربه فنجا من عذاب الله مع سؤال الله والتوبيخ منه والتعيير إذا أراد به العباد ولها عنه تعالى وتقرب إليهم بالتباعد منه
أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قبل أن لقيته ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال قال أبو عبدالله الحارث بن أسد وسئل ما علامة محبةالله للعبد فقال للسائل ما الذي كشف لك عن طلب علم هذا فقال قوله تعالى إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فعلمت أن علامة محبة العبد لله اتباع رسوله ثم قال يحببكم الله فما علامة محبة الله للعبد فقال لقد سألت عن شيء غاب عن أكثر القلوب إن علامة محبته الله للعبد أن يتولى الله سياسة همومه فيكون في جميع أموره هو المختار لها ففي الهموم التي لا تعترض عليها حوادث القواطع ولا تشير إلى التوقف لأن الله هو المتولي لها فأخلاقه على السماحة وجوارحه على الموافقة يصرخ به ويحثه بالتهدد والزجر فقال السائل وما الدليل على ذلك فقال خبر النبي صلى الله عليه و سلم إذا أحب الله عبدا جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه فقال السائل زدني من علامة محبةالله للعبد قال ليس شيء أحب إلى الله من أداء الفرائض بمسارعة من القلب والجوارح والمحافظة عليها ثم بعد ذلك كثرة النوافل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم يقول الله تعالى ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته فقال السائل رحمك الله صف لي من علامات وجود قلبه قال محبوسة يا فتى في سر الملاطفة مخصوصة بعلم المكاشفة مقلبة بتنعم النظر في مشاهدة الغيب وحجاب العز ورفعة المنعة فهى القلوب التي أسرت أوهامها بعجب نفاذ إتقان الصنع فعندها تصاعدت المنى وتواترت على جوارحها فوائد الغنى فانقطعت النفوس عن كل ميل إلى راحة وانزعجت الهموم وفرت من

الرفاهة فنعمت بسرائر الهداية وعلمت طرق الولاية وغذيت من لطيف الكفاية وأرسلت في روضة ا لبصيرة وأحلت القلوب محلا نظرت فيه بلا عيان وجالت بلا مشاهدة وخوطبت بلا مشافهة فهذا يا فتى صفة أهل محبة الله من أهل المراقبة والحياء والرضا والتوكل فهم الأبرار من العمال وهم الزهاد من العلماء وهم الحكماء من النجباء وهم المسارعون من الأبرار وهم دعاة الليل والنهار وهم أصحاب صفاء التذكار وأصحاب الفكر والإعتبار وأصحاب المحن والإختبار هم قوم أسعدهم الله بطاعته وحفظهم برعايته وتولاهم بسياسته فلم تشتد لهم همة ولم يتسقط لهم إرادة همومهم في الجد والطلب وأرواحهم في النجاة والهرب يستقلون الكثير من أعمالهم ويستكثرون القليل من نعم الله عليهم إن أنعم عليهم شكروا وإن منعوا صبروا يكاد يهيج منهم صراخ إلى مواطن الخلوات ومعابر العبر والآيات فالحسرات في قلوبهم تتردد وخوف الفراق في قلوبهم يتوقد نعم يا فتى هؤلاء قوم أذاقهم الله طعم محبته ونعمهم بدوام العذوبة في مناجاته فقطعهم ذلك عن الشهوات وجانبوا اللذات وداموا في خدمة من له الأرض والسموات فقد اعتقدوا الرضا قبل وقوع البلا ومنقطعين عن إشارة النفوس منكرين للجهل المأسوس طاب عيشهم ودام نعيمهم فعيشهم سليم وغناهم في قلوبهم مقيم كأنهم نظروا بأبصار القلوب إلى حجب الغيوب فقطعوا وكان الله المنا والمطلوب دعاهم إليه فأجابوه بالحث والجد ودوام السير فلم تقم لهم أشغال إذ استبقوا دعوة الجبار فعندها يا فتى غابت عن قلوبهم أسباب الفتنة بدواهيها وظهرت أساب المعرفة بما فيها فصار مطيتهم إليه الرغبة وسائقهم الرهبة وحاديهم الشوق حتى أدخلهم في رق عبوديته فليس تلحقهم فترة في نية ولا وهن في عزم ولا ضعف في حزم ولا تأويل في رخصة ولاميل إلى دواعي غرة قال السائل أرى هذا مرادا بالمحبة قال نعم يا فتى هذه صفة المرادين بالمحبة فقال كيف المحن على هؤلاء فقال سهلة في علمها صعبة في اختيارها فمنحهم على قدر قوة إيمانهم قال فمن أشدهم محنا قال

أكثرهم معرفة وأقواهم يقينا وأكملهم إيمانا كما جاء في الخبر أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت أبا عبدالله الحارث بن أسد يقول وسأله سائل إن النعم من الله تعالى على لا تحصى ظاهرة وباطنة وعامة وخاصة صغيرة وكبيرة في كل أحوالي ومع كل أسبابي ومع كل شيء من بدني وجوارحي وعقلي وطبعي وحياتي وعيشي وكل ما أتقلب فيه وكل منفعة تحدث في ديني ودنياي وكل ليل ونهار يختلف علي وشمس وقمر وسائر الأشياء نعم علي إلا أني أجدني في أكثرها غافلا عن شكره عليها إلا النعمة العظيمة كالكرب ينزل بي فيفرج الله عني كربي وينفس عني غمي وكالمال الكثير يرزقني فإن عظمت النعمة انتبهت لعظيم قدرها وموقع منفعتها لي فانتبهت للشكر وذكرت أنها من الله تفضل وحمدته عليها وسائر النعم لقلة قدرها أنسى أنها نعمة فإن ذكرت أنها نعمة ذكرتها ذكرا بغير تعظيم لها ولم تهج شدة الشكر عليها حتى لقد نسيت الشكر عند أكثر النعم إلا عند الفرج من الكرب أو النعمة العظيمة في المنفعة فقال الحارث هذا فعل عامة العباد من الجاهلين يعاملون الله على قدر عظيم إحسانه وقلته وإن أكثر ما قل من النعم لربما كان أكثر منفعة من عظيمها وربما كان عظيمها يعقب ضرارا في الدين أوفى الدنيا ولربما كان إحسان الله في النعمة الصغيرةأكثر من النعمة في كبيرها لعاقبة منفعتها ولربما عظمت النعمة من سعة الدنيا فيطغى صاحبها وتشغله حتى يعصى الله فيدخل النار ولو كانت النعمة أقل من ذلك لما أطغته ولا ألزمته كثرة الفرائض فيها فلا يقوم بها كمن كثرت الحقوق عليه لله في السعة فلم يقم بحقه من أداء الزكاة في مواضعها بغير مكافأة ليد الفقير عنده ولا اجتلاب حمد ولا ثناء ولا مخافة ذم وكذلك صلة القرابة والجار المحتاج البين حاجته وغير ذلك وربما ضرته السعة في الدنيا دون الدين وربما قتله كثرة ماله من لصوص

يقتلونه عليه وغير ذلك طيب الطعام كثرته قد تضره حتى تورثه الأوجاع والسقم وكذلك يوهب له الولد الذكر فيعصي الله فيه وربما ضره في الدنيا وغمه بما يصيبه من الأسقام وربما كبر حتى يلجئه إلى الإختلاف إلى السجون ومخاصمة الجيران فيه أو عداوتهم وكذلك يكون في الكرب الشديد من المرض أو بمن يعنيه أمره من ولد وأهل فيكثر دعاؤه وتضرعه ويتصدق ويخشع قلبه فإذا فرج عنه وعاد إلى العافية رجع إلى اللهو والشهوة والعصيان وقل تضرعه إلى الله فكان المرض أصلح لقلبه وأوفر لدينه وكانت العافية إن استعملها فيما يضره في دنيه أضر عليه من المرض وكفاك بعلم الله تعالى في ابن آدم ووصفه له إذ يقول وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض وقال وإذا مس الإنسان الضر دعان لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ومثل ذلك في كتاب الله كثير فإنما أتيت أنك نظرت إلى قدر النعم عند ورودها عليك ولم تنظر في عواقبها في دينك ودنياك ما تكون في العاقبة أتضر أم تنفع ألم تسمع قول الله آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا والله ما تدري إذا وردت النعم عليك أيها أنفع لك أقليلها أم كثيرها فإذا وردت عليك النعمة فاحمد الله الذي من بها وكن مشفقا من أدنى السلامة منها في دينك ودنياك فإن كانت صغيرة فاستصغرها قلبك فاذكر عاقبتها وخيرة الله فيها فلعل الله أن يكون قد خار لك فيها ونظر لك بأن قللها ولم يجعلها أعظم مما هي لعله قد علم أنها لو عظمت وزادك منها أنك تعصي بها فيغضب عليك أو يعطيك في دنياك أو تورثك ضررا في دينك ألا ترى أنك تعمل بظاهر النعم وتنسى عواقبها وقد تبينت عواقبها بالتجارب فيك وفي غيرك من كثير الضرر في عظيمها وكثرةالسلامة في أكثر ما صغر منها والله لقد بين لك مولاك أن كثيرا منها كان زوالها نعمة عظيمة من الله على من زالت عنه وأن بقاءها بلية عليه من ذلك أن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام قد كان نعمة في الظاهر عظمة غلام ذكر وقد روي أن الخضر مر مع

موسى عليهما السلام بعشرة غلمان فأخذ غلاما أضوؤهم وأحسنهم وجها فقطف وجهه فأخبرك العليم الخبير بعواقب ضرر النعم وبمنافع عواقبها فقال وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فصرف عنهما بقتله إياه أن يدخلا النار وقد قال مجاهد قد علمنا أن أبويه قد فرحا به حين ولد وحزنا عليه حين قتل وكان في بقائه هلكتهما وكذلك قلع الخضر لوحا من السفينة في لجج البحر وكان عند أصحابها أن في ذلك الغرق وقد قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها وإنما خرقها لينجو أهلها أن لا تمر بالملك الغاصب فيراها صحيحة فيأخذها فالغلام قتله خيرة في الدين والسفينة خرقها خيرة في الدنيا فبهذا فاستدل أن النعم ليست في المنافع على قدر عظمها وصغرها لأن الغلام لو كان ابنه لم يخش عليه عاقبة طغيان أبويه فيها ومما يبين لك هذا قوله تعالى فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما قيل التفسير رزقا ابنة تزوجها نبي وخرج من نسلها سبعون نبيا
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثنى عنه عثمان بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سئل الحارث بن أسد عن قول الله تعالى وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين وعن قوله صلى الله عليه و سلم لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كا يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ما السبيل أكرم الله وجهك إلى هذا التوكل الذي ندب الله المؤمنين إليه صف لي كيف هو وكيف دخول الناس فيه فقال الحارث رحمه الله الناس يتفاتون في التوكل وتوكلهم على قد إيمانهم وقوة علومهم قيل ما معنى قوة إيمانهم قال تصديقهم للعدة وثقتهم بالضمان قيل فمن أين فضلت الخاصة منهم على العامة والتوكل في اعتقاد الإيمان مع كل من آمن بالله قال الذي فضلت به الخاصة على العامة دوام سكون القلب عن الإضطراب والهدو عن الحركة فعندها يا فتى استراحوا من عذاب الحرص وفلوا من أسر الطمع وخرجوا من ضيق طول الأمل قيل فما الذي ولد هذا قال حالتان الأولى منهما دوام لزوم القلب المعرفة والإعتماد على الله وترك

الحيل والثانية كثرة الممارسة حتى يألفها إلفا ويختارها اختيارا قيل فالتوكل في نفسه ما هو وما معناه قال قد اختلف الناس فيه قيل له اختصر منه جوابا موجزا قال نعم التوكل هو الاعتماد على الله بإزالة الطمع من سوى الله وترك تدبير النفوس في الأغذية والإستغناء بالكفاية وموافقة القلب لمراد الرب والقعود في طلب العبودية واللجأ إلى الله قيل فهل يلحق التوكل الأطماع قال يلحقه الأطماع من طريق الطباع خطرات ولا يضره ذلك شيئا قيل فما الذي يقويه على إسقاط الطمع قال اليأس مما في أيدى الناس حتى يكون بما معه من الثقة بما وعده سيده أغنى ممن يملك الدنيا بحزافيرها كما قيل لأبي حازم ألك مال قال أكثر المال ثقتي بربي ويأسى مما في أيدي الناس وكان أبو حازم يقول الدنيا شيئان شيء لي وشيء لغيري فما كان لي لو طلبته بحيلة من في السموات والأرض لم يأتني قبل أجله وما كان لغيري لم أرجه فيما مضى ولا أرجوه فيما بقي يمنع رزقي من غيري كما يمنع رزق غيري مني ففي أي هذين أفني عمري وكان بعضهم يقول ... اترك الناس فكل مشغلة ... وقد بخل الناس بمثل الخردلة ... لا تسل الناس وسل من أنت له ... قيل فما الذي يقوي المتوكل قال ثلاث خصال الأولى منها حسن الظن بالله والثانية نفي التهم عن الله والثالثة الرضا عن الله تعالى فيما جرى به التدبير لتأخير الأوقات وتعجيلها قيل بم تحلق هذه المنزلة قال بصفاء اليقين وتمامه فإن اليقين إذا تم سمي تمامه توكلا وهكذا قال ذو النون المصري فهم بالحالة العالية والمقام الشريف كما قال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحواري ما من حال من حالات المتعبدين إلا وشيخك هذا قد دخل فيها وعرفها إلا هذا التوكل المبارك الذي ما أعرفه إلا بمشام الريح وقال ذو النون المصري المقامات سبع عشرة مقامة أدناها الإجابة وأعلاها صدق التوكل قيل فما أجمل ما تراه القلوب في باطنها ويلحقها فكر خواطر الأطماع

قال تنبيها من الله بحرص الجوارح عن إشارة الأرواح فيما طمعت حياء من الله تعالى أن يراهم يستريحون إلى غيره كما قال الحكيم ... مريدوه يستحيون أن يراهم ... يشيرون بالأرواح نحو سواه ... قيل هذا في الظاهر واليقظة فهل لهم زاجر في مناماتهم عند إشارة الأرواح ومطالعتها في خطرات الأطماع قال قد روي عن النباحي قال طمعت يوما في شيء من أمور الدنيا فحملتني عيناي ونمت فسمعت هاتفا في منامي وهو يقول أو يحمل يا فتى بالحر المريد إذا وجد عند مولاه كل ما يريد أن يركن بقلبه إلى العبيد فهو عز و جل يزجرهم ويثبتهم ويريهم مواضع الشين والخلل ليعملوا في شدة تمام اليقين وكثرة السكون والإعتماد عليه دون خلقه فتكون لهم الزيادة في مقامهم وحسن اللجأ في افتقارهم إلى سيدهم فمرهم يا فتى على الإستواء قيل فما معنى قوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه قال أي سببه بمعنى حسبي من كل شيء أن أتوكل عليه قيل فما الأسباب التي تشين توكله قال الأسباب التي فيها الحرص والمكابدة على الدنيا والأسباب التي تشغله عن دوام السكون وتزيد في الإضطراب وتقوى خوف الفوت وهي الأسباب التي تستعبده وتتعبه فتلك التي يؤمر بقطعها حتى يستريح بروح اليقين ويتفرج بحياة الإستغناء قيل فما علامة سكون المتوكل قال تحركه أزعاج المستبطي فيما ضمن له من رزق ربه ولا تخلفه فترة المتواني عن فرصته قيل أيجد هذا فقد شيء منعه قال لا يجد فقده إذا منعه لعلة معرفته بحسن اختيار الله له أملا من الله أن يعوضه في حسن العواقب أفضل من إرادته بالعاجل كأنه يراه قريبا فمن ها هنا لا يجد فقد شيء منعه قيل فما يقويه على هذه الحالة قال حسن علمه بحسن تدبير الله له فعندها أسقط عن قلبه اختياره لنفسه ورضي بما اختار الله له
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت الحارث بن أسد يقول ونعت المختصين بالمعرفة والإيمان فقال هم الذين جعلهم الحق أهلا لتوحيده وإفراد تجريده

والذابين عن ادعاء إدراك تحديده مصطنعين لنفسه مصنوعين على عينه ألقى عليهم محبة منه له واصطنعتك لنفسي ولتصنع على عيني وألقيت عليك محبة مني فأخذ أوصاف من صنعه لنفسه والمصنوع على عينه والملقى عليه محبة منه له أن لا يستقر لهم قدم علم على مكان ولا موافقة كفاء على استقرارهم ولا مناظرة عزم على تنفيذهم هم الذين جرت بهم المعرفة حيث جرى بهم العلم إلى نهاية غاية خنست العقول وبادت الأذهان وانحسرت المعارف وانقرضت الدهور وتاهت الحيرة في الحيرة عند نعت أول قدم نقلت لمرافقة وصف محل لمحة مما جرى عليهم العلوم التي جعلها لهم به له هيهات ذلك له ماله به عنده له فأين تذهبون أما سمعت طبه لما أبداه وكشفه ما رواه واختصاصه لسر الوحي لمن اصطفاه أوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى شهد له أنه عبده وحده لم يجر عليه استعبادا لغيره يخفي ميل همة ولا إلمام شهوة ولا محادثة نظرة ولا معارضة خطرة ولا سبق حق بلفظه لا يسبق أهل الحق الحق بنطق ولا رؤية حظ بلمحة أوحى إليه حينئذ ما أوحى هيأه لفهم ما أولاه بما به تولاه واجتباه فحمل حينئذ ما حمل أوحى إليه حينئذ ما أوحى بالأفق الأعلى ضاقت الأماكن وخنست المصنوعات عن أن تجري فيها أو عليها أوحى ما أوحى إلا بالأفق الأعلى إذ يغشى السدرة ما يغشى انظر نظر من خلافي نظره من عين منظوره إلى السدرة حيث غشاها ما غشى فثبتت لما غشاها وانظر إلى الجبل حيث تجلى له جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك أن أعود لمسألتك الرؤيا بعد هذا المقام وإلى إكثاره ما فرط من سؤاله وإلى أن العلم لو صادف حقيقة الرسم لا يليق به الكتم ونظر إلى إخباره عن حبيبه ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى والعند هاهنا لا ينتهي مكان إنما ينتهي وقت كشف علم لوقت وانظر إلى فضل الوقتين ومختلف المكانين وفرق ما بين المنزلتين في العلو والدنو وكذا فضلت عقول المؤمنين من العارفين فمنها من يطيق خطاب المناجاة مع علم قرب من ناجاه وأدناه فلا يستره في الدنو علم الدنو ولا في العلو علم

العلو ومها من لا يطيق ذلك فيجعل الأسباب هي المؤدية إليهم الفهم وبها يستدرك فهم الخطاب فيكون منه الجواب أن لا يقف عند قوله وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم وهذه أماكن يضيق بسط العلم فيها إلا عند المفاوضة لأهل المحاضرة وفي الإشتغال بعلم مسالك الطرقات المؤدية إلى علوم أهل الخاصة الذين خلوا من خلواتهم وبرئوا من إرادتهم وحيل بينهم وبين ما يشتهون عصفت بهم رياح الفطنة فأوردتهم على بحار الحكمة فاستنبطوا صفو ماء الحياة لا يحذرون غائلة ولا يتوقعون نازلة ولا يشرهون إلى طلب بلوغ غاية بل الغايات لهم بدايات هم الذين ظهروا في باطن الخلق وبطنوا في ظاهره أمناء على وحيه حافظون لسره نافذون لأمره قائلون بحقه عاملون بطاعته يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون جرت معاملتهم في مبادئ أمورهم بحسن الأدب فيما ألزمهم القيام به من حقوقه فلم تبق عندهم نصيحة إلا بذلوها ولا قربة إلا وصلوها سمحت نفوسهم ببذل المهج عند أول حق من حقوقه في طلب الوسيلة إليه فبادرت غير مبقية ولا مستبقية بل نظرت إلى أن الذي عليها في حين بذلها أكثر بحالها مما بذلت لوائح الحق إليها مشيرة وعلوم الحق لديها غزيرة لا توقفهم لائمة عند نازلة ولا تثبطهم رهبة عند فادحة ولا تبعثهم رغبة عند أخذ أهبة بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصر في كتابه وحدثني عنه عثمان قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سئل الحارث بن أسد وقيل له رحمك الله ما علامة الأنس بالله قال التوحش من الخلق قيل له فما علامة التوحش من الخلق قال الفرار إلى مواطن الخلوات التفرد بعذوبة الذكر فعلى قدر ما يدخل القلب من الأنس بذكر اله يخرج التوحش كما قال بعض الحكماء في مناجاته يا من آنسني بذكره وأوحشني من خلقه وكان عند مسرتي أرحم عبرتي وفي قول الله تعالى لداود عليه السلام كن بي مستأنسا ومن

سواي مستوحشا وقيل لبعض المتعبدين ما فعل فلان قال أنس فتوحش وقيل لرابعة بم نلت هذه المنزلة قالت بتركي مالا يعنيني وأنسي بمن لم يزل وقال ذو النون في بعض كلامه يا أنيس كل منفرد بذكرك وجليس كل متوحد بحبك وقال عبدالواحد بن زيد لراهب يا راهب لقد تعجلت الوحدة فقال الراهب يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك الوحدة رأس العبادة ما أنستها الفكرة قال يا راهب ما أقل ما يجد العبد في الوحدة قال الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم قال يا راهب متى يذوق العبد حلاوة الأنس بالله قال إذا صفا الود وخلصت المعاملة قال يا عبدالله متى يصفو الود قال إذا اجتمع الهم فصار في الطاعة قلت متى تخلص المعاملة قال إذا اجتمع الهم فصار هما واحدا وقال بعض الحكماء عجبا للخلائق كيف أرادوا بك بدلا وعجبا للقلوب كيف استأنست بسواك عنك اللهم آنست الآنسين من أوليائك وخصصتهم بكفاية المتوكلين عليك تشاهدهم في ضمائرهم وتطلع عليهم في سرائرهم وستري عندك مكشوف وأنا إليك ملهوف فإذا أوحشتني العزلة آنسني ذكرك وإذا كثرت علي الهموم رجعت إلى الإستجارة بك يا رب العالمين وقال إبراهيم بن أدهم جئت من أنس الرحمن وكما قال بعض الحكماء لو أن معي أ نسا لتوحشت قيل رحمك الله فما علامة صحة الأنس بالله قال ضيق الصدر من معاشرة الخلق والتبرم بهم واختيار القلب عذوبة الذكر قيل رحمك الله فما علامته في ظاهره قال منفرد في جماعة ومستجمع في خلوة وغريب في حضر وحاضر في سفر وشاهد في غيبة وغائب في حضور قيل اشرح عن وصف هذا ما معنى منفرد في جماعة ومستجمع في خلوة قال منفرد بالذكر مشغول بالفكر لما استولى على القلب والهم من الشغل وطيب عذوبة الذكر وحلاوته وهو منفرد فيما هو فيه عن الجماعة وهو شاهد معهم ببدنه كما روي عن على بن أبي طالب في حيث كهيل بن زياد فقال هجم بهم العلم عن حقيقة الأمر فباشروا

روح اليقين فاستلانوا ما استوعده المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان قلوبها معلقة بالمحل الأعلى وبأعلي العلى عند الملك العالي فهذه صفة المنفرد في جماعة قيل فما المستجمع في خلوة قال مستجمع له بهمة قد جمع للهموم فصيرها هما واحدا في قلبه فاستجمعت له الهموم في مشاهدة الاعتبار وحسن الفكر في نفاذ القدرة فهو مستجمع لله بعقله وقلبه وهمه ووهمه كله وكل جوارحه مستجمعة منتصبة لدوام الذكر إلى وجود لحوق البصيرة وعوض الفطنة وسعة المعونة وليس شيء منه متفرقا ولا وهم معطلا وهذه صفة المستجمع في انفراده قيل فما معنى غائب في حضور قال غائب بوهمه حاضر بقلبه فمعنى غائب أي غائب عن أبصار الناظرين حاضر بقلبه في مراعاة العارفين
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت الحارث بن أسد يقول المحاسبة والموازنة في أربع مواطن فيما بين الإيمان والكفر وفيما بين الصدق والكذب وبين التوحيد والشرك قال وسمعت الحارث يقول الذي يبعث العبد على التوبة ترك الإصرار والذي يبعثه على ترك الإصرار ملازمة الخوف وقال الحارث العبودية أن لا ترى لنفسك ملكا وتعلم أنك لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعا والتسليم هو الثبوت عند نزول البلاء من غير تغير منه ظاهرا وباطنا والرجاء هو الطمع في فضل الله ورحمته وأقهر الناس لنفسه من رضي بالمقدور وأكمل العاقلين من أقر بالعجز أنه لا يبلغ كنه معرفته والخلق كلهم معذورون في العقل مأخوذون في الحكم ولكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر والعمل بحركات القلوب في مطالعات الغيوب أشرف من العمل بالجوارح قال الشيخ رحمه الله تعالى قد أتينا على طرف من كلام الحارث بن أسد مجتزيا من فنون تصانيفه وأنواع أقواله وأحواله بما ذكرنا إذ هو البحر العميق ورواياته عن المحدثين المشهورين في تصانيفه مدونة اقتصرنا من رواياته على ما

حدثناه محمد بن عبدالله بن سعيد ثنا أحمد بن القاسم الفرائضي ثنا الحارث بن أسد المحاسبي ثنا يزيد بن هارون أنبأنا شعبة عن القاسم عن عطاء عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن القاسم هو محمد بن أبي بزة حدثناه أبو بكر بن خلاد ثنا محمد بن غالب تمتام ثنا عفان ثنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة به وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي ثنا الحارث بن أسد ثنا محمد بن كثير الكوفي عن ليث بن أبي سليم عن عبدالرحمن ابن أسود عن أبيه عن عبدالله بن مسعود قال شغل النبي صلى الله عليه و سلم في شيء من أمر المشركين فلم يصل الظهر والعصر والمغرب والعشاء فلما فرغ صلاهن الأول فالأول وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف 474
علي الجرجاني
ومنهم المتخلى من الشهوات والمتحلي بالخلوات تخلى من الجزع والهلع واستحلى الفزع والضرع علي الجرجاني 1 من قدماء المتعبدين
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري ببغداد قال سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري يقول سمعت إسماعيل بن عبدالله الشامي يقول سمعت سريا السقطى يقول خرجت من بغداد أريد الرباط إلى عبادان لأصوم بها رجبا وشعبان ورمضان فلقيت في طريقي عليا الجرجاني وكان من الزهاد الكبار فدنا وقت إفطاري وكان معي ملح مدقوق وأقراص فقلت هلم رحمك الله فقال ملحك مدقوق ومعك من ألوان الطعام لن تفلح ولن تدخل بستان المحبين فنظرت إلى مزود كان معه فيه سويق الشعير فيسف منها فقلت ما دعاك إلى هذا قال إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة فلما دخلنا عبادان قلت موعظة أحفظها عنك قال نعم إن شاء الله احفظ عني خمس

خصال إنك إن حفظتها لا تبالي ما أضعت بعدها قلت نعم قال عانق الفقر وتوسد الصبر وعاد الشهوات وخالف الهوى وافزع إلى الله في جميع أمورك قلت فإذا كنت كذلك قال يهب الله لك خمسا الزهد ومع الزهد القنوع ومع القنوع الرضا ومع الرضا المعرفة ومع المعرفة الشوق ثم يهب لك خمسا السباق والبدار والتخفف وحسن البشارة وحسن المنقلب إلى الله أولئك أحباء الله قلت فأين ترى لي أن أسكن قال ارحل نحو لكام قلت فهل شيء أعيش به قال فمقت في وجهي وقال تفر إلى الله من ذنبك وتستبطئه في رزقك فلا والله ما أدري دخل البحر أم لا وحكى جعفر بن نصير عن السري بزيادة ألفاظ
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه حاكيا عن السري السقطي قال خرجت من بغداد أريد الرباط إلى عبادان فصحبني علي الجرجاني في الزورق فلما حضر وقت إفطاري أخرجت قرصين من شعير وملح مدقوق وقلت لعلي هلم يا أبا الحسن قال فجعل يطيل النظر إلى الرغيفين والملح ثم إنه التفت إلي فقال يا سري ملحك مدقوق قلت نعم قال يا سري ليس تفلح قلت ولم قال يا سري أما علمت أن خبز الشعير والملح الجريش ينور القلب فجعل يتردد في صدري فلما قربنا من عبادان وأردنا أن نفترق قلت رحمك الله كلمة أحفظها عنك قال أو تفعل قلت نعم افعل فقال لي يا سري احفظ عني خمس خصال إن أنت حفظتها لا تبالي ما ضيعت بعدهن قلت وما هن يرحمك الله قال يا سري عانق الفقر وتوسد الصبر وعاد الشهوات وخالف الهوى واضرع إلى الله في جميع أمورك فإذا كنت كذلك وهب الله لك خمسا قلت وما هن قال الشكر والرضا والخوف والرجاء والصبر على البلاء ثم تدفعك هذه إلى خمس إلى الورع الخفي وتصفية القلوب وترك ما حاك في الصدور وترك ما لا يعنيك وترك الفضول لحفظ الجوارح ثم تمدك بخمس بحياة القلوب وصفاء الاعتبار والفهم

عن الله والتيقظ من الغفلة ومساعدة الأوطان في طاعة الله فعندها يرديك الله بخمسة أردية اللطف والحلم والرأفة والرحمة للعالم وهيبة النار إذا اطلعت عليها ذكرت الله بالربوبية ويلزم قلبك خمسا السباق والبدار والتصبر عن الحرام وصدق الانقطاع وصحة الإرادة 475
فديم
قال الشيخ وممن عرف من متقدمي البغداديين بالنسك والتحقيق بالتصوف أبو هاشم فديم جلس إليه سفيان الثوري فحمد طريقته وملازمته للصفاء والوفاء لا نحفظ من كلامه شيئا إلا ما حكاه عنه الثوري أنه قال ما زلت أرائي وأنا لا أشعر إلى أن جالست أبا هاشم فأخذت منه ترك الرياء وبلغني أنه رأى شريك بن عبدالله القاضي خارجا من دار يحيى البرمكي يطرق بين يديه فقال أعوذ بالله من علم يورث هذا ويفضي بصاحبه إلى ما أرى
سمعت عبدالمنعم بن عمر يقول سمعت أبا سعيد بن زياد الأعرابي يقول ثنا محمد بن المؤمل القرشي ثنا أبو هاشم محمد بن سعيد أبو علي قال سمعت أبي يقول بينا أنا أطوف بالكعبة ليلا إذا أنا بأعرابية تقود أعرابيا مكفوفا وهو يقول ... أنت في موضع البعيد قريب ... من منيب إلى رضاك يؤب ... تسمع الصوت حيث لا يسمع الصوت ... ومن حيث ما دعاك تجيب ... ليس إلا بك النفوس تطيب ... يا شفاء السقام أنت الطبيب ... كل وصل خلاف وصلك زور ... كل حب خلاف حبك حوب ... من يرد من جنان وجهك مرعى ... يلقه من نك لد مرعى خصيب ... أوحوى قلبه المحبة إلا ... وهو لا شك عندك المحبوب ... أنت روح القلوب أنت غناها ... بك تحيى وتستريح القلوب ... بك يدنو البعيد من كل أمر ... بك ينأى عن الذنوب القريب

شريح بن يونس
قال الشيخ ومن المشهورين بتحقيق العبادة والعبودية والانقياد لتعظيم الإلهية والربوبية المأخوذ عنه الآداب الشريفة والمقتبس منه الكثير من آثار الشريعة أبو الحارث شريح بن يونس نقل عنه الأحوال السنية وله الايات البديعة توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين
حدثنا إبراهيم بن عبدالله ثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال سمعت أحمد ابن الضحاك الخشاب يقول وكان من البكائين رأيت يما يرى النائم شريح ابن يونس فقلت ما فعل بك ربك يا أبا الحارث فقال غفر لي ومع ذلك جعل قصري إلى جنب قصر محمد بن بشير بن عطاء الكندي فقلت يا أبا الحارث أنت عندنا أكبر من محمد بن بشير فقال لا تقل ذاك فإن الله تعالى جعل لمحمد بن بشير حظا في عمل كل مؤمن ومؤمنة لأنه كان إذا دعا الله قال اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والكائنين منهم
سمعت سليمان بن أحمد يقول سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت شريح بن يونس يقول رأيت رب العزة في المنام فقال لي يا شريح سل حاجتك فقلت رحمال سر بسر
سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت حامد بن شعيب يقول سمعت شريح بن يونس يقول كنت ليلة نائما فوق المشرعة فسمعت صوت ضفدع فإذا ضفدعة في فم حية فقلت سألتك بالله إلا خليتها فخلاها ومما أسند حدثنا أبي ثنا محمد بن إبراهيم بن أبان السراج ببغداد سنة ثلثمائة ثنا شريح بن يونس ثنا إسماعيل بن خالد عن مجالد عن الشعبي عن جابر أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى قل هو الله أحد إلى آخرها غريب من حديث الشعبي

لم يروه إلا إسماعيل عن أبيه
حدثنا أبي ثنا محمد بن إبراهيم ثنا شريح بن يونس ثنا علي بن ثابت عن حمزة النصيبي عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من نسي أن يسمي على طعامه فليقرأ قل هو الله أحد إذا فرغ لا أعلم أحدا رواه عن أبي الزبير إلا حمزة
حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ثنا العباس بن أحمد الوشاء ثنا شريح بن يونس ثنا أبو حفض الأبار عمر بن عبدالرحمن ثنا محمد بن جحادة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد حين أخذ المؤذن في الإقامة فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم لم يروه عن محمد بن جحادة إلا أبو حفص وعنه شريح
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبدوس بن كامل ثنا شريح بن يونس ثنا أبو حفص الأبار عن محمد بن جحادة عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر لم يروه عن محمد إلا أبو حفص وعنه شريح
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن هشام بن أبي الدميك ثنا شريح بن يونس ثنا أبو خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن الحارث عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استووا تستو قلوبكم وتماسوا وتراحموا لم يروه عن مجالد إلا أبو خالد وعنه شريح
حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين ثنا محمد بن عبدالله الحضرمي ثنا شريح بن يونس أبو الحارث ثنا إبراهيم بن خيثم بن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حبس في تهمة حبسا يسيرا حتى استبرأ
حدثنا إبراهيم بن محمد بن حمزة ثنا حامد بن شعيب ثنا شريح بن يونس ثنا الوليد بن مسلم ثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان حدثني عبدالرحمن بن عمر السلمي وحجر بن حجر قالا أتينا العرباض بن سارية فسلمنا وقلنا أتيناك

زائرين وعائدين ومقتبسين فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى لنا صلاة الغداة وأقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله إن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعيش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة
حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا حامد بن شعيب ثنا شريح بن يونس ثنا يزيد بن هارون أنبأنا عبدالأعلى بن أبي المساور عن عكرمة عن ابن عباس قال أتي عبدالمطلب في المنام فقيل له احفر برة قال وما برة قال مضنون ضن بها عن الناس وأعطيتموها قال فلما أصبح جمع قومه فأخبرهم فقالوا ألا سألته ما هي فلما كان من الليل أتي في منامه فقيل له احفر قال وما أحفر قال احفر زمزم بركة من الله عز و جل ومغنما تسقي الحجيج ومعشرا جما فلما أصبح جمع قومه فقالوا له ألا سألت أين موضعها فلما بات من الليل أتي فقيل له احفر قال أين قيل موضع زمزم قال وأين موضعها قال مسلك الذر وموقع الغراب بين الفرث والدم فلما أصبح دعا قومه فأخبرهم فقالوا هذا موضع نصب خزاعة ولا يدعونك وكان ولده جميعا غيبا إلا الحارث فقام هو والحارث فحفرا حتى استخرجا عزالا من ذهب في أذنيه قرطان ثم حفرا حتى استخرجا حلية من ذهب وفضة ثم حفرا حتى استخرجا سيوفا ملفوفة في عباءة ثم حفرا حتى استبطا الماء فأتاه قومه فقالوا يا عبدالمطلب خذ واغنم فقال ائتوني بقداح ثلاثة أسود وأبيض وأحمر فجعل الأسود لقومه والأحمر للبيت والأبيض له فضرب بها فخرج الأسود على الغزال فصار لقومه ثم ضرب فخرج الأحمر على الحلية للبيت وصار السيوف له

السري السقطي
ومنهم العلم المنشور والحكم المذكور شديد الهوى حميد السعي ذو القلب التقي والورع الخفي عن نفسه راحل ولحكم ربه نازل أبو الحسن السري بن المغلس السقطي خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت السري بن المغلس يقول لو أحسست بإنسان يريد أن يدخل علي فقلت بلحيتي كذا وأمر يده على لحيته كأنه يريد تسويتها من أجل دخول ا لداخل لخفت أن يعذبني الله على ذلك بالنار قال وسمعت السري يقول إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرارا مخافة أن يكون وجهي قد اسود قال وسمعت السري يقول ما أحب أن أموت حيث أعرف فقيل له ولم ذلك يا أبا الحسن قال أخاف أن لا يقبلني قبري فأفتضح قال وسمعت السري يقول إن نفسي تنازعني أن أغمس جزرة في دبس منذ ثلاثين سنة فما يمكنني قال وسمعت السري يقول إني أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ولا لمخلوق فيها منة فما أجد إلى ذلك سبيلا قال وسمعت السري يقول خرجنا يوما من مكة نريد بعض المواضع فلما أصحرنا رأيت في مجرى السيل طاقة بقل فمددت يدي فأخذتها وقلت الحمد لله ورجوت أن تكون حلالا ليس لمخلوق فيها منة فقال لي بعض من رآني وقد أخذتها يا أبا الحسن التفت فالتفت فإذا مثل تلك الطاقة فقال لي خذ هذا من نائبك فقلت له الطاقة الأولى ليس لأحد فيها منة وهذا بدلالتك تريد لك علي فيه منة إنما أريد ما ليس لمخلوق فيه منة ولا لله فيه تبعة قال وسمعت السري يقول كان أهل الورع في وقت من الأوقات أربعة حذيفة المرعشي وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط وسليمان الخواص فنظروا في الورع فلما ضاقت عليهم الأمور فزعوا إلى التقلل قال وسمعت السري يقول كنت بطرسوس وكان معي في الدار فتيان

متعبدون وكان في الدار تنور يخبزون فيه فانكسر التنور فعملت لهم بدله من مالي فتورعوا أن يختبزوا فيه قال وسمعت السري وذكر أن أبا يوسف الغسولي كان يلزم الثغر ويغزو وكان إذا غزا ودخلوا بلاد الروم أكل أصحابه من طعام الروم وفواكههم فيقول أبو يوسف لا آكل فيقال له تشك أنه حلال فيقول لا أشك هو حلال فيقال له فكل من الحلال فيقول إنما الزهد في الحلال قال وسمعت السري يذم من يأكل بدينه ويقول من النذالة أن يأكل العبد بدينه
حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ثنا علي بن الحسين بن حرب قال بعث بي أبي إلى السرى بشيء من حب السعال لسعال كان به فقال لي كم ثمنه قلت له لم يخبرني بشيء فقال اقرأ عليه السلام وقل له نحن نعلم الناس منذ خمسين سنة أن لا يأكلوا بأديانهم ترانا اليوم نأكل بأدياننا
سمعت محمد بن إبراهيم بن محمد يقول سمعت علي بن عبدالحميد الغضائري الحلبي يقول سمعت سريا السقطي ودققت عليه الباب فقام إلى عضادتي الباب فسمعته يقول اللهم اشغل من شغلني عنك بك فكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة من حلب على رجلي ماشيا ذاهبا وجائيا
سمعت ابا عبدالله أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني يقول ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حمدان ثنا إسماعيل بن عبدالله الشامي قال قال سري السقطي خمس من كن فيه فهو شجاع بطل استقامة على أمر الله ليس فيها روغان واجتهاد ليس معه سهو وتيقط ليس معه غفلة ومراقبة الله في السر والجهر ليس معه رياء ومراقبة الموت بالتأهب
سمعت أبا عبدالله يقول ثنا أبو حامد ثنا إسماعيل قال قال السري السقطي للمريد عشر مقامات التحبب إلى الله بالنافلة والتزين عنده بنصيحة الأمة والأنس بكلام الله والصبر على أحكامه والأثرة لأمره والحياء من نظره وبذل المجهود في محبوبه والرضاء بالقلة والقناعة بالخمول
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا أحمد بن محمد ثنا

إسماعيل بن عبدالله الشامي قال قال سري السقطي للخائف عشر مقامات الحزن اللازم والهم الغالب والخشية المقلقة وكثرة البكاء والتضرع في الليل والنهار والهرب من مواطن الراحة وكثرة الوله ووجل القلب وتنغص العيش ومراقبة الكمد
سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن حبيش يقول سمعت القاسم بن عبدالله البزاز يقول سمعت سريا السقطي يقول لو أن رجلا دخل إلى بستان فيه من جميع ما خلق الله من الأشجار عليها جميع ما خلق الله من الأطيار فخاطبه كل طير منها بلغته وقال السلام عليك يا ولي الله فسكنت نفسه إلى ذلك كان في يديها أسيرا
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا أبو العباس السراج قال سمعت إبراهيم بن السري السقطي يقول سمعت أبي يقول عجبت لمن غدا وراح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه لا يربح أبدا
حدثنا إبراهيم بن محمد ثنا أبو العباس السراج قال سمعت ابن السري يقول سمعت أبي يقول لو أشفقت هذه النفوس على أبدانها شفقتها على أولادها للاقت السرور في معادها
حدنثا أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا القاسم المطرز يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت السري بن المغلس يقول وددت أن حزن الخلق كلهم ألقي علي
سمعت أبي يقول سمعت أحمد يقول سمعت أبا القاسم يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول إن في النفس لشغلا عن الناس
حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا عباس بن يوسف الشكلي ثنا محمد بن إسحاق الأسلمي قال سمعت السري يقول المغبون من فنيت أيامه بالتسويف والمغبون من تمنى الصالحون مقامه
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ثنا علي بن الحسين بن حرب القاضي إملاء قال سمعت السري يقول سئل حكيم من الحكماء متى يكون

العالم مسيئا قال إذا كثر بقباقه وانتشرت كتبه وغضب أن يرد عليه شيء من قوله هذا أو معناه
أخبرنا جعفر في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول بعثني السري يوما في حاجة فأبطأت عليه فلما جئت قال لي إذا بعث بك رجل يتكلم في موارد القلوب في حاجة فلا تبطئ عليه فإنك تشغل قلبه قال وسمعت السري يقول احذر أن تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا وسمعته يقول سمعت أبا جعفر السماك وكان شيخا شديد العزلة فرأى عندي جماعة قد اجتمعوا حولي فوقف ولم يقعد ثم نظر إلي فقال لي أبو الحسن صرت مناخا للبطالين فرجع ولم يقعد وكره إلى اجتماعهم حولي قال وسمعت السرى يقول إني أعرف طريقا يؤدي إلى الجنة قصدا فقيل له ما هو يا أبا الحسن فقال أن تشتغل بالعبادة وتقبل عليها وحدها حتى لا يكون فيك فضل قال وسمعت السرى يقول اعرف طريقا مختصرا يؤديكم إلى الجنة فقلت ما هو قال لا تأخذ من أحد شيئا ولا تسل أحدا شيئا ولا يكن معك ما تعطى منه أحدا شيئا قال وسمعت السرى يقول رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل قال وكان إذا أراد أن يفيدني سألني فقال لي يوما ما الشكر فقلت أن لا يعصى في نعمة فقال ما أحسن ما أجبت ما أحسن ما تقول قال الجنيد وهذا هو فرض الشكر أن لا يعصى في نعمة 1
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه نصر بن أبي نصر قال سمعت الجنيد بن محمد يقول قال رجل لسرى السقطي كيف أنت فأنشأ يقول ... من لم يبت والحب حشو فؤاده ... لم يدر كيف تفتت الأكباد
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول ثنا أحمد بن محمد بن صالح ثنا محمد بن عبدوس ثنا عبدوس بن القاسم قال سمعت السرى يقول كل الدنيا فضول إلا خمس خصال خبز يشبعه وماء يرويه وثوب يستره وبيت يكنه وعلم يستعمله وقال التوكل الانخلاع عن الحول والقوة

أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد يقول سمعت السرى يقول أربع خصال ترفع العبد العلم والأدب والعفة والأمانة
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد يقول سمعت ا لسرى يقول اللهم ما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال سمعت أبا العباس القرشي يقول حدثني بكير بن مقاتل البغدادي قال حدثني العباس بن يوسف الشكلي حدثني أحمد ابن محمد ا لصوفي قال سمعت السرى بن المغلس يقول انقطع من انقطع عن الله بخصلتين واتصل من اتصل بالله بأربع خصال فأما من انقطع عن ا لله بخصلتين فيتخطى إلى نافلة بتضييع فرض والثاني عمل بظاهر الجوارح لم يواطىء عليه صدق القلوب وأما الذي اتصل به ا لمتصلون فلزوم الباب والتشمير في الخدمة والصبر على المكاره وصيانات المكرامات
حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب البغدادي في كتابه ولقيته وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني حدثني عبدالله بن ميمون قال سمعت أبا الحسن السرى بن المغلس يقول معنى الصبر أن تكون مثل الأرض تحمل الجبال وبني آدم وكل ما عليها لا تأبى ذلك ولا تسميه بلاء بل تسميه نعمة وموهبة من سيده لا يراد فيها أداء حكم بها عليه
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول سمعت عبدالله بن شاكر يقول قال سرى السقطي صليت ليلة وردى ومددت رجلي في المحراب فنوديت يا سرى كذا تجالس الملوك قال فضممت رجلي ثم قلت وعزتك لا مددت رجلي أبدا
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ثنا جعفر ثنا أحمد بن خلف قال دخلت يوما على السرى فرأيت في غرفته كوزا جديدا مكسورا فقال أردت ماء مبردا في كوز جديد فوضعته على هذا الرواق ليبرد ونمت فرأيت في منامى جارية مزينة فقالت يا سرى من يخطب مثلي يبرد ماء ثم رفسته برجلها

فاستيقظت من نومي فإذا هو مطروح مكسور
حدثنا أبو نصر ظفر بن أحمد الصوفي ثنا علي بن أحمد الثعلبي ثنا أحمد ابن فارس الفرغاني قال سمعت علي بن عبدالحميد الحلبي يقول سمعت سريا السقطي يقول من ادعى باطن علم ينقض ظاهرحكم فهو غالط
سمعت أبا نصر النيسابوري الصوفي يقول سمعت علي بن أحمد الثعلبي يقول سمعت أحمد بن فارس يقول سمعت علي بن عبدالحميد يقول سمعت السرى يقول ينبغي للعبد أن يكون أخوف ما يكون من الله آمن ما يكون من ربه
حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن العطار حدثني أبو الحسين بن أبي العباس الزيات حدثني جدي محمد بن المفضل قال سمعت سريا السقطي يقول لا تركن إلى الدنيا فينقطع من الله حبلك ولا تمش في الأرض مرحا فإنها عن قليل قبرك
حدثنا أبو الحسن بن مقسم قال سمعت أبا القاسم المطرز يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السرى يقول قال بعض الأنبياء لقومه ألا تستحيون من كثرة مالا تستحيون وبه سمعت السرى يقول أصفى ما يكون ذكري إذا كنت محجوبا
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن الحسن قال سمعت الجنيد يقول سمعت السرى يقول قلوب المقربين معلقة بالسوابق وقلوب الأبرار معلقة بالخواتيم هؤلاء يقولون بماذا يختم لنا وأولئك يقولون ماذا سبق من الله لنا وبإسناده قال سمعت السرى يقول رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا سعيد بن عثمان قال سمعت السرى يقول قال عبدالله بن مطرف تخليص العمل حتى يخلص أشد من العمل والإتقاء على العمل بعد ما يخلص أشد من العمل
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد ثنا سعيد بن عثمان قال سمعت السرى يقول

تصفية العمل من الآفات أشد من ا لعمل
حدثنا أبي ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو عثمان الخياط قال سمعت السرى يقول من اشتغل بمناجاة الله أورثته حلاوة ذكر الله تعالى مرارة ما يلقى إليه الشيطان
حدثنا أبو الحسن بن مقسم حدثني أبو الحسن بن العباس ثنا جدي محمد بن الفضل قال قال السرى السقطي تبقى الإخوان ولا تأمنهم على سرك أحذر أخدان السوء واتهم صديقك كما تتهم عدوك
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا بكر النساج يقول سمعت السرى يقول لو علمت أن جلوسي في البيت أفضل من خروجي إلى المجلس ما خرجت ولو علمت أن جلوسي معكم أفضل من جلوسي في البيت ما جلست ولكني إن دخلت اقتضاني العلم لكم وإن خرجت ناقدتني الحقيقة فأنا عند مناقدتي مستحي وأنا عند اقتضاء العلم محجوج
سمعت ابن مقسم يقول سمعت أبا بكر النساج يقول سمعت السرى يقول من استعمل التسويف طالت حسرته يوم القيامة وسمعت ابن مقسم يقول سمعت أبا القاسم المطرز يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السرى يقول قال ابن المبارك للفضيل بن عياض يا أبا علي خزن الناس علينا العلم وخزنت علينا الحكمة
حدثنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه ابن مقسم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت السرى يقول اعتللت بطرسوس علة الزرب فدخل علي ثقلاء القراء يعودونني فجلسوا فأطالوا جلوسهم فأذاني ثم قالوا إن رأيت أن تدعو الله فمددت يدي وقلت اللهم علمنا أدب العبادة
حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عقيل الوراق النيسابوري قال سمعت أحمد بن محمد بن إبراهيم البلاذري يقول سمعت العمري يقول سمعت أبا بكر العطشى يقول قلت لسري السقطى ماذا أراد أهل الجوع بالجوع فقال ماذا أراد أهل الشبع بالشبع إن الجوع أورثهم الحكم وإن الشبع أورثهم التخم

حدثنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه عمر بن أحمد بن عثمان قال أحمد بن خلف دخلت يوما على السرى فقال لي ألاأعجبك من عصفور يجيء فيسقط على هذا الرواق فأكون قد أعددت له لقيمة فأفتها في كفي فيسقط على أطراف أناملي فيأكل فلما كان في وقت من الأوقات سقط على الرواق ففتت الخبز في يدي فلم يسقط على يدي كما كان ففكرت في سر العلة في وحشته مني فوجدتني قد أكلت ملحا طيبا فقلت في سرى أنا تائب من الملح فسقط على يدي فأكل وانصرف
سمعت أبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ يقول قال عبدالله بن عبيد الله سمعت السرى يقول هذا الذي أنا فيه من بركات معروف الكرخي انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبيا شعثا فقلت من هذا قال رأيت الصبيان يلعبون وهذا وقف منكسر فسألته لم لا تلعب فقال أنا يتيم فقلت ما ترى أنك تعمل به فقال لعلي أخلو فأجمع له نوى يشتري به جوزا يفرح به فقلت له أعطينيه أغير من حاله فقال لي أو تفعل فقلت نعم فقال لي خذه أغنى الله قلبك فساوت الدنيا عندي أقل من كذا
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني ثنا أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري ثنا إسماعيل بن عبدالله الشامي قال قال سرى السقطى ثلاث من أخلاق الأبرار القيام بالفرائض واجتناب المحارم وترك الغفلة وثلاث من أخلاق الأبرار يبلغن بالعبد رضوان الله كثرة الإستغفار وخفض الجناح وكثرة الصدقات وثلاث من أبواب سخط الله اللعب والمزاح والغيبة والعاشر من هذه الثلاث عمود الدين وذروته وسنامه حسن الظن بالله
أخبرني محمد بن عبدالله الرازي في كتابه وحدثني عنه عبدالواحد ابن بكر قال سمعت أبا عمر الأنماطي يقول سمعت أحمد بن عمر الخلقاني يقول خرج معي سرى السقطي يوم العيد من المسجد فلقي رجلا جليلا

فسلم عليه سلاما ناقصا فقلت له إن هذا فلان قال قد عرفته قلت فلم نقصته في السلام قال لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا التقى المسلمان قسمت بينهما مائة رحمة تسعون لأبشهما فأردت أن يكون معه الأكثر
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد يقول ما أرى لي على أحد فضلا قيل ولا على المخنثين قال ولا على المخنثين قال وسمعت السرى يقول إذا فاتني جزء من وردي لا يمكنني أن أقضيه أبدا
حدثني محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت الفضل بن حمدان يقول سمعت علي بن عبدالحميد الغضائري يقول سمعت السرى يقول من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم ومن هانت عليه المصائب أحرز ثوابها قال وسمعته يقول اجعل فقرك إلى الله تستغن به عمن سواه قال وسمعته يقول الأدب ترجمان العقل ولسانك ترجمان قلبك ووجهك مرآة قلبك يتبين على الوجه ما تضمر القلوب وقال القلوب ثلاثة قلب مثل الجبل لا يزيله شيء وقلب مثل النخلة أصلها ثابت والريح تميلها وقلب كالريشة يميل مع الريح يمينا وشمالا وقال أقوى القوة غلبتك نفسك ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز ومن أطاع من فوقه أطاعه من دونه وقال لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تدعه دون استعتاب ومن علامة المعرفة بالله القيام بحقوق الله وإيثاره على النفس فيما أمكنت فيه القدرة ومن علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس ومن قلة الصدق كثرة الخطأ وخير الرزق ما سلم من خمسة من الآثام في الاكتساب والمذلة في الخضوع في السؤال والغش في الصناعة وإثبات آلة المعاصي ومعاملة الظلمة وأحسن الأشياء خمسة البكاء على الذنوب وإصلاح العيوب وطاعة علام الغيوب وجلاء الرين عن القلوب وأن لا تكون لما تهوى ركوب وقال خمسة أشياء لا يسكن في القلب معها غيرها الخوف من الله وحده والرجاء

من الله وحده والحب لله وحده والحياء من الله وحده والأنس بالله وحده
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد يقول سمعت السرى يقول إذا ابتدأ الانسان ثم كتب الحديث فترو إذا ابتدأ بكتبه الحديث ثم تنسك نفذ وقال السرى لن يحمد رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه قال وسمعت الجنيد بن محمد يقول كنت أعود السرى في كل ثلاثة أيام عيادة السنة فدخلت عليه وهو يجود بنفسه فجلست عند رأسه فبكيت وسقط من دموعي على خده ففتح عينيه ونظر إلى فقلت له أوصني فقال لا تصحب الأشرار ولا تشتغل عن الله بمجالسة الأخيار
أخبرنا جعفر في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت السرى يقول من عرف السبب انقطع عن الطلب
أخبرنا جعفر في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال حدثني الجنيد قال سمعت السرى يقول وقد ذكر له أهل الحقائق من العباد فقال أكلهم أكل المرضى ونومهم نوم الغرقى
أخبرنا جعفر في كتابه وحدثني عنه محمد حدثني الجنيد قال سمعت السرى يقول خفيت على علة ثلاثين سنة وذلك أنا كنا جماعة نبكر إلى الجمعة ولنا أماكن قد عرفت بنا لا نكاد أن نخلو عنها فمات رجل من جيراننا يوم جمعة فأحببت أن أشيع جنازته فشيعتها وأضحيت عن وقتي ثم جئت أريد الجمعة فلما أن قربت من المسجد قالت لي نفسي الآن يرونك وقد أضحيت وتخلفت عن وقتك فشق ذلك علي فقلت لنفسي أراك مرائية منذ ثلاثين سنة وأنا لا أدري فتركت ذلك المكان الذي كنت آتيه فجعلت أصلي في أماكن مختلفة لئلا يعرف مكاني هذا أو نحوه قال وسمعت السرى وكان يعجب بهذا ويقول ... ما في النهار ولا في الليل لى فرح ... فما أبالي طال الليل أم قصرا ...
سمعت أبي يقول سمعت أبا عبدالله المقري بالكوفة يقول قال

السرى بن المغلس قال رجل لديراني ما بالكم تعجبكم الخضرة فقال إن القلوب إذا غاصت في بحار الفكرة غشيت الأبصار فإذا نظرت إلى الخضرة عاد إليها نسيم الحياة
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت أبا بكر بن الباقلاني يقول سمعت أبي يقول سمعت السرى يقول لا يقوى على ترك الشهوات إلا من ترك الشبهات
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت السرى يقول إني إذا نزلت أريد صلاة الجماعة أذكر مجيء الناس إلى فأقول اللهم هب لهم عبادة يجدون لذتها تشغلهم بها عني قال وسمعت السرى وقد ذكر الناس قال لا تعمل لهم شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تكشف لهم عن شيء يريد بهذا القول أن تكون أعمالك كلها لله عز و جل قال وسمعته يقول كل من ذكرني بسوء فهو في حل إلا رجل تعمدني بشيء هو يعلم مني خلافه قال وحدثني الجنيد قال سمعت الحسن البزاز يقول كان أحمد بن حنبل ها هنا وكان بشر بن الحارث ههنا وكنا نرجوا أن يحفظنا الله بهما ثم إنهما ماتا وبقى السرى وإني أرجو أن يحفظنا الله بالسرى قال وسمعت أبا علي الحسن البزاز يقول سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن السرى بعد قدومه من الثغر فقال أبو عبدالله أليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء قلت بلى قال هو على سيره عندنا قبل أن يخرج وقد كان السرى يعرف بطيب الغذاء وتصفية القوت وشدة الورع حتى انتشر ذلك عنه وبلغ ذلك أبا عبدالله أحمد بن حنبل فقال الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء قال وحدثني الجنيد قال كان السرى يقول لنا ونحن حوله أنا لكم عبرة يا معشر الشباب اعملوا فإنما العمل في الشبوبية وكان إذا جن عليه الليل دافع أوله ثم دافع ثم دافع فاذا غلبه الأمر أخذ في النحيب والبكاء قال وسمعت السرى يقول من الناس ناس لو مات نصف أحدهم ما انزجر النصف الآخر ولا أحسبني إلا منهم وسمعت

السرى وذكر له شيء من الحديث فقال ليس من زاذ القبر
أسند وسمع من الأعلام والمشاهير وامتنع من التحديث ولم يخرج له كثير حديث روى عن هشيم وسفيان بن عيينة ومروان بن معاوية ومحمد ابن فضيل بن غزوان في آخرين
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد ثنا أبو عبدالله محمد بن عبيد تلميذ بشر بن الحارث ثنا السرى بن مغلس السقطي ثنا هشيم ثنا عبدالله ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يمينك على ما يصدقك به صاحبك
حدثنا محمد بن علي بن سهل ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا السرى بن مغلس وداود بن عمرو قالا ثنا مروان بن معاوية عن عبدالواحد بن أيمن المكي عن عبيد بن دفيعة عن أبيه قال لما كان يوم أحد وانكفأ الكفار والمشركون قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استووا حتى أثنى علي ربي فقال اللهم لك الحمد كله لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت وذكر الدعاء
وحدثت عن الحسن بن علي بن شهريار قال حدثني السرى بن المغلس ثنا سفيان بن عيينة عن مجالد عن ا لشعبي أن فاطمة بنت قيس قدمت على أخيها الضحاك بن قيس فذكر حديث الجساسة
وحدثت عن الحسن بن علي ثنا السرى بن مغلس ثنا ابن فضيل عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون هذا الله خلق الخلق فمن خلقه
وحدثت عن الحسن بن علي ثنا السرى بن مغلس ثنا عبدالله بن ميمون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قابض على شيئين فقال هذا كتاب من الله وذكر الحديث قال الشيخ إيراد ذكر من أخلصهم الله تعالى بخالص ذكره وأمدهم بمواد بره فأطلعهم على مكنون سره يكثر ويطول لأن للحق تبارك وتعالى في كل قرن وعصر سباقا مشمرين للسباق لما أسمعهم من لذيذ خطابه إذ

يقول تعالى فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا وقد تقدم في استيعاب أسامى بعضهم أبو سعد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي في كتابه المترجم بطبقات النساك فكفى من بعده ممن يعتني بذكرهم وتسميتهم وسئلت إيراد تسمية بعضهم بأساميهم مجردا من ذكر أحوالهم وأقوالهم مقتصرا عليه فاستعنت بالله سبحانه وتعالى ذاكرا أسامي بعضهم ليجمع كتابي ذكرهم وهو خير المعين وبه الحول والقوة 478
إبراهيم بن شماس فممن لم يذكر إبراهيم بن شماس السمرقندي سكن بغداد بالتعبد الدائم مشهور وفي المحبة هائم مذكور أسند الحديث
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن علي البر بهاري ثنا إبراهيم بن شماس ثنا إسماعيل بن عياش عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم عن سليمان بن عامر عن مسلم بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أرأيتم ما أعطى سليمان من ملكة فإن ذلك لم يزده إلا تخشعا وما كان يرفع طرفه إلى السماء تخشعا من ربه 479
محمد بن عمرو المغربي
ومنهم محمد بن عمرو المغربي كان في التعبد بمشاهدة معبوده طاعما وعن مشاركة المتطعمين غائبا
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا إسحاق بن أحمد الفارسي قال سمعت أبا زرعة يقول كان يأتي على محمد بن عمرو المغربي ثمانية عشر يوما لا يذوق فيها ذواقا لا طعاما ولا شرابا ما رأيت بمصر أصلح منه
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن يحيى ثنا إبراهيم بن أبي أيوب ثنا محمد بن عمرو المغربي وكان يأكل في شهر رمضان أكلتين من غير تكلف يأكل في كل خمسة عشر يوما

أسند الحديث الكثير حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ثنا محمد بن عمرو المغربي ثنا الوليد بن مسلم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثتني مولاة أبي أمامة قالت كان أبو أمامة يحب الصدقة ويجمع لها وما يرد سائلا ولو ببصلة أو بتمرة أو بشيء مما يؤكل فأتاه سائل ذات يوم وقد افتقر من ذلك كله وما عنده إلا ثلاثة دنانير فسأله فأعطاه دينارا ثم أتاه سائل فأعطاه دينارا ثما أتاه سائل فأعطاه دينارا قالت فغضبت وقلت لم تترك لنا شيئا قالت فوضع رأسه للقائلة قالت فلما نودي للظهر أيقظته فتوضأ ثم راح إلى مسجده قالت فرفقت عليه وكان صائما فتقرضت وجعلت له عشاء وأسرجت له سراجا وجئت إلى فراشه لأمهد له فاذا بذهب فعددتها فإذا ثلثمائة دينار قالت قلت ما صنع الذي صنع إلا وقد وثق بما خلف فأقبل بعد العشاء قالت فلما رأى المائدة ورأى السراج تبسم وقال هذا خير من عنده قالت فقمت على رأسه حتى تعشى فقلت يرحمك الله خلفت هذه النفقة سبيل مضيعة ولم تخبرني فارفعها قال وأي نفقة ما خلفت شيئا قالت فرفعت الفراش فلما أن رآه فرح واشتد تعجبه قالت فقمت فقطعت زناري وأسلمت قال ابن جابر فأدركتها في مسجد حمص وهي تعلم النساء القرآن والسنن والفرائض وتفقههن في الدين
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن الحسن ثنا ابن عمرو المغربي ثنا عثمان ابن سعيد ثنا محمد بن مهاجر عن ابن حلبس ثنا أبو إدريس عائذ الله قال قال موسى عليه السلام رب من في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك قال الذين أذكرهم ويذكرونني ويتحابون في جلالي فأولئك في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال يا رب من أصفياؤك من عبادك قال كل تقي القلب نقي الكفين لا يأتي ذا قرابة يمشي هونا ويقول صوابا تزول الجبال ولا يزول قال يا رب من يسكن حظيرة القدس عندك قال الذين لا تنظر أعينهم إلى الزنا ولا يضعون في أموالهم الربا ولا يأخذون في حكمهم الرشا في قلوبهم الحق وعلى ألسنتهم الصدق أولئك يسكنون حظيرة قدسي

حدثنا محمد بن علي ثنا أبو العباس بن قتيبة ثنا محمد بن عمرو المغربي ثنا عطاف بن خالد عن محمد بن أبي بكر بن مطرف بن عبدالرحمن بن عوف قال قالت عائشة بات رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جانبى ثم استيقظ فاستوحشت له فسمعت حسه يصلي فتوضأت ثم جئت فصليت وراءه فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاء من الليل فجاء نور حتى أضاء البيت كله فمكث ما شاء الله ثم ذهب ورسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو فمكث ما شاء الله ثم جاء نور هو أشد من ذلك كله ضوء حتى لو كان الخردل في بيتي فشئت أن ألتقطه للقطته ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت فقلت يا رسول الله ما هذا النور الذي رأيت قال وقد رأيتيه يا عائشة قالت قلت نعم يا رسول الله قال إني سألت ربي في أمتي فأعطاني الثلث منهم فحمدته وشكرته ثم سألته البقية فأعطاني الثلث الثاني فحمدته وشكرته ثم سألته الثلث الثالث فأعطانيه فحمدته وشكرته 480
بشير الطبري
ومنهم بشير الطبري سكن الشام كان محفوظا فيما امتحن به مستسلما فيما ابتلى به
حدثنا محمد بن أحمد بن عمر قال حدثني أبي ثا أبو بكر بن سفيان ثنا زياد ابن أيوب ثنا أحمد بن أبي الحواري قال حدثني أبو عمرو الكندي قال أغارت الروم على جواميس لبشير الطبري نحوا من أربعمائة جاموس فركبت معه أنا وابن له فلقينا عبيده الذين كانت معهم الجواميس معهم عصيهم فقالوا يا مولانا ذهبت الجواميس فقال وأنتم أيضا فاذهبوا معهم فأنتم أحرار لوجه الله فقال له ابنه يا أبت أفقرتنا قال اسكت يا بني إن ربي اختبرني فأحببت أن أزيده 481
خزيمة العباد
ومنهم خزيمة أبو محمد العابد بصري كان الغالب عليه من الأحوال

ترك اختياره ولزوم عجزه وافتقاره
حدثنا أبي ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا عبدالله بن محمد بن عبيد قال حدثني الحسين بن يحيى بن كثير العنبري عن خزيمة بن محمد العابد قال مر نبي من الأنبياء برجل قد نبذه أهله من البلاء فقال يا رب هذا عبدك لو نقلته من حاله فأوحى الله تعالى إليه أن سله أيحب أن أنقله قال يا هذا ما تحب أن ينقلك من حالك هذه إلى غيرها فقال الرجل أتخير على الله ذلك إليه 482
قادم الديلمي
ومنهم قادم الديلمى صحب الفضيل بن عياض وأقرانه سلك مسلكه في الخضوع والخشوع
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا أو بكر بن سفيان حدثني محمد بن الحسين حدثني قادم الديلمي العابد قال قلت للفضيل بن عياض من الراضي عن الله قال الذي لا يحب أن يكون على غير منزلته التي جعل فيها
حدثنا أبو بكر الآجري ثنا عبدالله بن محمد ثنا إبراهيم بن الجنيد حدثني أحمد بن همام ثنا محمد بن الحسين حدثني قادم الديلمي قال حدثني عابد قدم علينا بخاري يكنى أبا الحسن قال قال لى راهب يوما بحق ما انقطعت أوصال العاملين المريدين لله على قدر معرفتهم بنكاله وبحق ما خف عليهم الدؤوب والكلال على ما أملوا من الدخول في مهيمنته والرجاء لبلوغ رضوانه قال قلت عظني قال المواعظ فينا وفيكم مجتمعة وإن اتعظنا قال قلت وكيف ذاك قال ضعف الأبدان قعد القوة ووهن الأركان بعد الشدة قال قلت وما هذا مما سألتك قال فبكى ثم قال انتقال الحالات لممر الساعات فعند ذلك فناء الآجال ومنقطع الأعمال 483
أحمد بن الغمر
ومنهم أحمد بن الغمر المحفوظ من اللهو والزمر المؤيد بالثبات والصبر

حدثنا أبو بكر الآجري ثنا عبدالله بن محمد العطشى ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا عون بن إبراهيم بن الصلت قال حدثني أحمد بن الغمر الحمصي قال سمعت محمد بن المبارك الصوري قال قلت لراهب متى يبلغ الرجل حقيقة الأنس بالله قال إذا صفا الود فيه وخلصت المعاملة فيما بين العبد وبين الله قال قلت فمتى يصفو الود وتخلص المعاملة قال إذا اجتمع الهم فصار في الطاعة قلت ومتى يجتمع الهم فيصير في الطاعة قال إذا اجتمعت الهموم فصارت هما واحدا قلت يا راهب بم يستعان على قلة المطعم قال بالتحري في المكسب والنظر في الكسوة قلت عظني وأوجز قال كل من حلال وارقد حيث شئت قال قلت له فأين طريق الراحة قال في خلاف الهوى قلت فمتى يجد الرجل الراحة قال عند أول قدم يضعها في الجنة قال قلت بماذا أقطع الطريق إلى الله قال بالسهر الدائم والظمأ في الهواجر قلت ما علامة العلم قال الخوف والشفقة قلت ما علامة الجهل قال الحرص والرغبة قلت ما علامة الورع قال الهرب من مواطن الشبهة قلت فما الذي عقلك في هذه البيعة قال بلغني أنه من مشى على الأرض عثر ففزعت فزعة الأكياس فتحصنت بمن في السماء من فتنة من في الأرض وذلك أنهم سراق العقول فخشيت أن يسرقوا عقلي قلت فمن أين تأكل في هذه الصومعة قال بذ من أبذره من بذر اللطيف الخبير ثم قال إن الذي خلق الرحا يجيء بالطحين قال وأما بيده إلى ضرسه ثم قال من رزق حسن الظن بالله أفيد الراحة قال إبراهيم بن الجنيد وأنشدني شيخ من طلبة العلم لبعضهم ... وما عاشق الدنيا بناج من الردى ... ولا خارج منها بغير غليل ... وكم ملك قد صغر الموت قدره ... فأخرجه من ظل عليه ظليل ... 484
بشر بن بشار
ومنهم بشر بن بشار المجاشعي كان من السائحين مذكور في طبقة القائمين

حدثنا محمد بن أحمد بن عمر قال حدثني أبي ثنا أبو بكر بن سفيان حدثني محمد بن الحسين حدثني عمار بن عثمان حدثني بشر بن بشار المجاشعي وكان من العابدين قال لقيت عبادا ثلاثة ببيت المقدس فقلت لأحدهم أوصني قال ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك فهو أحرى أن يفرغ قلبك وأن يقل همك وإياك أن تسخط ذلك فيحل بك السخط وأنت عنه في غفلة لا تشعر به فقلت للآخر أوصني قال ما أنا بمستوص فأوصيك قلت ذلك عسى الله أن ينفع بوصيتك قال أما إذ أبيت إلا الوصية فاحفظ عني التمس رضوانه في ترك مناهيه فهو أوصل لك إلا الزلفى لديه وقلت للآخر أوصني 1 فبكى فاستحد سفوحا يعني بالدموع ثم قال يا ابن أخي لا تبتغ في أمرك تدبيرا غير تدبيره فتهلك فيمن هلك وتضل فيمن ضل 485
مجاهد الصوفي
ومنهم مجاهد الصوفي كان من المستأنسين بذكره المستوحشين من غيره
حدثنا عبدالله بن محمد بن حعفر ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا أبو تراب الزاهد قال قال مجاهد الصوفي اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا وعانق الفقر فمن كان القرآن محدثه والدعاء رسوله والملائكة جلساءه والله أنيسه فلا تخف عليه الضيعة 486
أبو الأبيض
ومنهم المكنى بأبي الأبيض الوحيد عن الخلق أعرض وماله قدم وأقرض وألزم ما الحق عليه أوجب وفرض
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة ابن شبيب ثنا سهل بن عاصم ثنا علي بن غنام ثنا أبو حفص الجزري قال

كتب أبو الأبيض وكان عابدا ورعا كتابا إلى بعض إخوانه فقرأه فإذا فيه سلام عليك ورحمة الله فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك لم تكلف من الدنيا إلا نفسا واحدة فإن أنت أصلحتها لم يضرك فساد غيرها واعلم أنك لن تسلم من الدنيا حتى تبالي من أكلها من أحمر وأسود 487
أحمد الميموني
488 - وأحمد الموصلي ومنهم أحمد الميموني وأحمد الموصلي كانا من عباد الشاميين كانا متواخيين شربا شراب المشتاقين
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا جعفر بن محمد عن أحمد الميموني قال أتيت أحمد الموصلي فقلت إني قد أهديت لك حديثا قال هات فإما أن يأتيني المزيد من الله سبحانه فأعمل عليه وإما أن أشهق شهقة فأموت فقلت له بلغني عن أبي العالية أنه قال قرأت في بعض الكتب حديثا طرد عني نومي وأذهب عني شهواتي قرأت في بعض الكتب يا معشر الربانيين من أمة محمد انتدبوا الدار قال فلما قلت يا معشر الربانيين 1 أصفر ثم أحمر ثم أسود ثم غشي عليه فقلت انتدبوا الدار أرضها زبرجد أصفر متدلية عليها أشجار الجنة بثمارها فلما غشي عليه قمت وتركته 489
عريف اليماني
ومنهم عريف اليماني فارق الأشقاص والأشخاص احترازا من الأعراض والانتقاص
حدثنا أبومحمد بن حيان ثنا أحمد بن محمود عن يوسف بن سعيد بن مسلم قال سمعت علي بن بكار يقول سمعت عريفا اليماني يقول إن من إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا ينفعه

عرفجة الكوفي
ومنهم عرفجة الكوفي مشهور في القانتين معروف في العابدين
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة بن شبيب ثنا إبراهيم بن الجنيد عن خلف بن تميم قال كان فتى من أهل الكوفة متعبد يقال له عرفجة وكان يحيي الليل صلاة فاستزاره بعض إخوانه ذات ليلة فاستأذن أمه في زيارته فأذت له قالت العجوز فلما كان من الليل وأنا في منامي فإذا أنا برجال قد وقفوا علي فقالوا يا أم عرفجة لم أذنت لإمامنا الليلة 491
عمر البجلي
ومنهم عمرو بن جرير البجلي كان مجذوبا ثم صار محبوبا
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني أبو ثابت الخطاب قال حدثني رجاء بن عيسى قال قال لي عمرو بن جرير تدري أي شيء كان سبب توبتي خرجت مع أحداث بالكوفة فلما أردت أن آتي المعصية هتف بي هاتف كل نفس بما كسبت رهينة 492
محمد بن أبي القاسم
ومنهم محمد بن أبي القاسم الهاشمي مولاهم كان من المؤانسين بذكره والمشهورين بالإجابة في دعوته
حدثنا أبي ثنا أحمد بن عمر ثنا عبدالله بن محمد بن سفيان قال حدثني محمد بن أبي القاسم مولى بن هاشم وكان قد قارب المائة قال وعظ عابد جبارا فأمر به فقطعت يداه ورجلاه وحمل إلى متعبده فجاء إخوانه يعزونه فقال لا تعزوني ولكن هنئوني بما ساق الله إلي ثم قال إلهي

أصبحت في منزلة الرغائب أنظر إلى العجائب إلهى أنت تتودد بنعمك إلي من يؤذيك فكيف توددك إلى من يؤذي فيك 493
سباع الموصلي
ومنهم سباع الموصلي له الحظ النفيس في التمتع برياض التأنيس
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد العبدي حدثني أبي حدثني أبو بكر القرشي حدثني عون بن إبراهيم ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت المضاء يقول لسباع الموصلي يا أبا محمد إلى أي شيء أفضى بهم الزهد قال إلى الأنس بالله 494
محمد النميري
ومنهم محمد بن سباع النميري كان من المشتهرين بذكره والمستأنسين بروحه
حدثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدني المثنى بن معاذ العنبري قال حدثني محمد بن سباع النميري قال بينما عيسى ابن مريم عليهما السلام يسيح في بعض بلاد الشام إذ اشتد به المطر والرعد والبرق فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه فرفعت له خيمة من بعيد فأتاها فإذا فيها امرأة فحاد عنها فإذا هو بكهف في جبل فأتاه فإذا في الكهف أسد فوضع يده عليه ثم قال إلهي جعلت لكل شيء مأوى ولم تجعل لي مأوى فأجابه الجليل جل جلاله مأواك عندي في مستقر من رحمتي لأزوجنك يوم القيامة مائة حوراء خلقتهن بيدي ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام كل يوم منها كعمر الدنيا ولآمرن مناديا ينادي أين الزهاد في دار الدنيا زوروا عرس الزاهد عيسى ابن مريم 495
مسكين الصوفي
ومنهم مسكين بن عبيد الصوفي صحب أصحاب إبراهيم بن أدهم فسلك مسلكه في التوحيد والزهد

حدثنا أبي ثنا أبو الحسن العبدي ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين البرجلاني حدثني مسكين بن عبيد الصوفي قال حدثني المتوكل بن الحسين العابد قال قال إبراهيم بن أدهم الزهد ثلاثة أصناف فزهد فرض وزهد فضل وزهد سلامة فالزهد الفرض الزهد في الحرام والزهد الفضل الزهد في الحلال والزهد السلامة الزهد في الشبهات 496
أبو أيوب
ومنهم أبو أيوب مولى بني هاشم صحب الحكماء من العباد وأخذ عنهم عدة المنقلب والمعاد
حدثنا أبي ثنا الحسن بن أبان ثنا أبو بكر بن عبيد ثنا أبو أيوب مولى بني هاشم قال قال بعضهم من نظر إلى الدنيا بعين العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة ومن أنار الله قلبه بضوء مصابيح العبر لم يميل الفكر 1 ومن لم يملها لم تطفأ مصابيح عبره وكان يقول احذر إيثار الدعة والميل إلى الهوينا واعلم أن النصب نصبان أحدهما التفكر المؤلم وإن أنزلت نفسك منازل الخفض والدعة وقد أجمع علماء الدنيا وعمال المعاد على بذل النصب في الدعة فلا تشذن عن الفريقين واعلم أن أولى الفريقين بك أن تكون به مقتديا بأعمال المعاد وقد كان من بذلهم في طلب ما عند ربهم أنهم بذلوا أنفسهم بالدؤب في التفكير المؤلم وباشروا بأبدانهم الأعمال الشاقة على الجوارح فإن ابتغيت سبيلهم فاجمع إليك همك ليحضر عقلك فيجول في ملكوت السموات والأرض واعلم أن بنية القلب بنية لا امتناع بها عن محاربة عدوها ولا عجز بعدوها عن محاربتها وقد أعطيت عدولا علماء بدائك ودوائك وهو مسبب إليك الداء وقاطع عنك معاني الشفاء 497
أبو عبدالله البراني
ومنهم أبو عبدالله البراني من مشاهير المتعبدين معدود في جماهير المعتبرين

حدثنا محمد بن أحمد بن عمر قال حدثني أبي ثنا عبدالله بن محمد حدثني محمد بن الحسين البرجلاني قال حدثني حكيم بن جعفر قال سمعت أبا عبدالله البرائي يقول لن يرد يوم القيامة أرفع درجة من الراضين عن الله على كل حال ومن وهب له الرضا فقد بلغ أفضل الدرجات ومن زهد عن حقيقة كانت مئونته خفيفة ومن لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه جميع الأحوال 498
أحمد بن موسى الثقفي
ومنهم أحمد بن موسى الثقفي كان شاعرا أديبا فصار صابرا أريبا رغب عن الدنيا بعد أن كان لها وامقا وأقبل على المعاد وصار للتزود عاشقا له الأبيات في ذم الدنيا والمغرورين بها أنشدنيها أبي قال أنشدني أبو الحسن الفهري قال أنشدنا أبو بكر القرشي قال أنشدني أحمد بن موسى الثقفي ... جهول ليس تنهاه النواهي ... ولا تلقاه إلا وهو ساهي ... يسر بيومه لعبا ولهوا ... ولا يدري وفي غده الدواهي ... مررت بقصره فرأيت أمرا ... عجيبا فيه مزدجر وناهي ... بدا فوق السرير فقلت من ذا ... فقالوا ذلك الملك المباهي ... رأيت على الباب سود الجواري ... ينحن وهن يكسرن الملاهي ... تبين أي دار أنت فيها ... ولا تسكن إليها وأرد ما هي ... 499
أبو محرز الطفاوي
ومنهم أبو محرز الطفاوي تشمر في العبادة ولحق المتقدمين في الوفادة
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عمر ثنا أحمد بن أبان ثنا أبو بكر ابن عبيد قال حدثني محمد بن الحسين البرجلاني ثنا عون بن عمارة قال قال أبو محرز الطفاوي لما بان للأكياس أعلى الدارين منزلة طلبوا العلو بالعلو من

الأعمال وعلموأ أن الشيء لا يدرك إلا بأكثر منه فبذولوا أكثر ما عندهم بذلوا والله لله المهج رجاء الراحة لديه والفرج في يوم لا يخيب فيه الطالب وقال أبو محرز كلف الناس بالدنيا ولم ينالوا منها فوق قسمتهم وأعرضوا عن الآخرة وببغيتها يرجوا العباد نجاة أنفسهم 500
خيثم العجلي
ومنهم خيثم بن جحشة العجلي العابد نبه على خدع العاجلة فرغب عنها وجلى له حقيقة الآجلة فبادر إليها فوعظ خطاب الدنيا وذمها
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا عبدالله بن محمد بن سفيان قال حدثني أبو عبدالله التميمي قال حدثني شريح العابد قال سمعت خيثم بن جحشة العابد أبا بكر العجلي يقول ... يا خاطب الدنيا على نفسها ... إن لها في كل يوم حليل ... ما أقتل الدنيا لخطابها ... تقتلهم قدما قتيلا قتيل ... تستنكح البعل وقد وطئت ... في موضع آخر منه بديل ... إني لمغتر وإن البلا يعمل ... في جسمي قليلا قليل ... تزودوا للموت زادا فقد ... نادى مناديه الرحيل الرحيل ... 501
الحسن الحفري
ومنهم المتعبد المقري الحسن بن أبي جعفر الحفري أيد في الدؤب والإجتهاد وأمد بموانسة مؤمني الجن من العباد
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة ابن شبيب ثنا إبراهيم بن الجنيد 1 ثنا القواريري ثنا أبو عمران التمار قال غدوت يوما قبل الفجر إلى مسجد الحفري فإذا باب المسجد مغلق وإذا

حسن جالس يدعو وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه والحسن يدعو قال فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه فقام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أر في المسجد أحدا فلما أصبح وتفرق عنه الناس قلت له يا أبا سعيد إني والله رأيت عجبا قال وما رأيت فأخبرته بالذي رأيت وسمعت فقال أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون فيشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون 502
حازم الحنفي
ومنهم حازم الحنفي كان عند الذكر مغلوبا وكان رأسه من الشجاج معصوبا
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا هيثم بن خلف الدوري قال حدثني محمد بن إسحاق البكائي ثنا خالد بن السفر قال كان حازم الحنفي إذا ذكر الله وهو إلى جنب الحائط نطح رأسه بالحائط حتى يدميه ولقد رأيت رأسه معصبا بالخرق ورأيته عند سليم المقري فأتى سليما رجل يقرأ عليه فقال له سليم انهض بنا فإن حازما إلى جنب الحائط لا يسمع القرآن فينطح برأسه الحائط 503
قيس بن السكن
ومنهم قيس بن السكن حبس نفسه ولسانه سجن
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عبدالله بن محمد بن سوار ثنا أبو بلال الأشعري ثنا منصور بن حوشب قال قيل لقيس بن السكن ألا تتكلم قال لساني سبع من السباع أخاف أن أدعه فيعقرني 504
الحكم بن أبان
ومنهم الحكم بن أبان كان في سؤدده مجتهدا ومع السابحين مسبحا

حدثنا عبدالله بن محمد ثنا ابن ماهان الرازي ثنا إسحاق بن الضيف قال سمعت مشيخة من أهل عوف يقولون كان الحكم بن أبان سيد أهل اليمن وكان يصلي الليل فإذا غلبه النوم ألقى نفسه في البحر وقال أسبح الله مع الحيتان 505
أبو إسحاق التيمي
ومنهم أبو إسحاق التيمي القرشي كان بغرور الدنيا عارفا وعنها راحلا وعازفا ولها ذاما وواصفا
حدثنا أبي ثنا أحمد بن عمر ثنا عبدالله بن عبيد قال أنشدني أبو إسحاق القرشي التيمي ... ننافس في الدنيا ونحن نعيبها ... وقد حذرتناها لعمري خطوبها ... وما نحسب الأيام تنقص مدة ... على أنها فينا سريع دبيبها ... كأني برهط يحملون جنازتي ... إلى حفرة يحثى علي كثيبها ... وكم ثم من مسترجع متوجع ... ونائحة يعلو علي نحيبها ... وباكية تبكي علي وإنني ... لفي غفلة من صوتها ما أجيبها ... أيا هادم اللذات ما منك مهرب ... تحاذر نفسي منك ما سيصيبها ... وإني لممن يكره الموت والبلا ... ويعجبه روح الحياة وطيبها ... فحتى متى حتى متى وإلى متى ... يدوم طلوع الشمس بي وغروبها ... رأيت المنايا قسمت بين أنفس ... ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها ... 506
أبو كريمة العبدي
ومنهم أبو كريمة العبدي كان بأوقاته ضنينا ويجد لفوتها منه حنينا
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المؤذن ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو بكر بن سفيان قال بلغني عن أحمد بن أبي الحواري قال حدثني عيسى بن الهذيل قال سمعت أبا كريمة وكان من عباد أهل الشام يقول

ابن آدم ليس لما بقي من عمرك ثمن 507
علي بن ثابت
ومنهم علي بن ثابت كان من العمال وكان يحث المريدين على رفض الأثقال ونبذ الأشغال
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا عبدالله بن محمد ابن عبيد قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني محمد بن معاوية الأزرق قال قال علي بن ثابت الزيات وكان من العاملين لله إن استطعت أن لا تكون في كلا العمرين بمنزلة واحدة فافعل 508
سليمان بن حيان الأحمر
ومنهم الراوي الأنور الموصي أصفياءه بالحظ الأوفر أبو خالد سليمان ابن حيان الأحمر
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا عبدالله بن محمد ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا سلمة بن غفار عن حجاج بن محمد قال كتب إلي أبو خالد الأحمر فكان في كتابه إلي واعلم أن الصديقين كانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على منزلة أمس 509
محمد بن معاوية
ومنهم محمد بن معاوية الصوفي التزم نصيحة الحكيم فصفى وعوفي
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا عبدالله بن محمد بن سفيان قال حدثني محمد بن العباس بن محمد ثنا محمد بن معاوية الصوفي قال مر حكيم من الحكماء بفتية من الحلماء وهم قعود على روضة معشبة فقال يا معشر الأحياء ما يوقفكم بمدرجة الموتى قالوا قعدنا نعتبر قال فإني أعيذكم بالذي

أنالكم الحياة في زمن الموتى الا تركنوا إلى ما رفضه من أنالكم الحياة 510
مغيث الأسود
ومنهم مغيث الأسود الواعظ بالأجود والمذكر بالأوكد
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد ثنا عبدالله بن محمد القرشي قال حدثني شيخ من قريش قال كان مغيث الأسود يقول زوروا القبور كل يوم بفكركم وتوهموا جوامع الخير كل يوم في الجنة بعقولكم وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار بهممكم وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها 511
محمد بن صالح التيمي
ومنهم محمد بن صالح التيمي ذو القلب الحاضر واللب الوافر
حدثنا أبي ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني محمد بن صالح التيمي قال كان بعض العلماء إذا تلا وفي الأرض آيات للموقنين قال أشهد أن السموت والأرض وما فيهما آيات تدل عليك وتشهد لك بما وصفت به نفسك وكل يؤدي عنك الحجة ويقر لك بالربوبية موسوما بآثار قدرتك ومعالم تدبيرك كالذي تجليت به لخلقك فوسمت القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر وكفاها رجم الاحتجاب فهي على اعترافها بك شاهدة أنك لا تحيط بك الصفات ولا تدركك الأوهام وأن حظ المتفكر فيك الاعتراف بك والتوحيد لك 512
علي بن الحسن
ومنهم علي بن الحسن بن موسى كان للحكم واعيا وعن العمال راويا
حدثنا أبي ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني

علي بن الحسن قال سئل بعض العلماء ما الذي يفتح الفكر قال اجتماع الهم لأن العبد إذا اجتمع همه فكر فإذا فكر نظر فإذا نظر أبصر فإذا أبصر عمل فهو متنقل في العمل قيل له كيف التنقل قال تنقله الرغبة في الفضائل حتى يبلغ منها غاية يذيقه الله لطفه به ويرديه باللطف فقيل وما رداء اللطف قال الخشوع والوقار والسكينة والبر والتواضع فإذا كان العبد كذلك أوصله ذلك إلى التعظيم له به فإذا كان الله معظما سقاه الله من حبه شربة فنقله في الأسباب ثم أتبعه بالعمل له فهو الذي يعطي ثواب سنة بفكر ليلة وثواب ليلة بفكر سنة 513
خطاب العابد
ومنهم خطاب العابد عن الخطايا شارد وللراحات طارد
حدثنا محمد بن أحمد بن عمر العبدي ثنا أبي ثنا عبدالله بن محمد ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا موسى بن أيوب ثنا مخلد عن خطاب العابد قال إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله فيجيء إخوانه فيرون أثر ذلك عليه 514
أبو جعفر المحولي
ومنهم أبو جعفر المحولي الباكي الشاكي المعولي كان من قدماء العارفين من أهل بغداد سكن باب المحول فنسب إليه كان له الحال الرفيع والقول الصحيح
حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ثنا أبي ثنا عبدالله بن محمد قال حدثني علي ابن أبي مريم عن عبدالله بن أبي حبيب قال سمعت أبا جعفر المحولي يقول إليك أشكو بدنا غذي بنعمتك ثم توثب على معاصيك 515
عمر الصوفي
ومنهم عمر الصوفي قطع البوادي خاليا واعتذر إلى مولاه باكيا

حدثنا محمد بن أحمد ثنا أبي ثنا عبدالله بن محمد ثنا محمد بن إدريس قال سمعت إسحاق بن عباد يقول لقيت عمر الصوفي بمكة فقلت له راكبا جئت أم راجلا فبكى ثم قال أما يرضي العاصي أن يجيء إلى مولاه راكبا 516
العباس المجنون
ومنهم العباس المعروف بالمجنون في الشوق مضنون وعن الخلق مخزون كان لمحبوبه ساهرا وعن بني جنسه سائرا
حدثنا أبي ثنا أحمد بن جعفر بن هانئ قال حدثني محمد بن يوسف البناء عن إبراهيم الهروي عن ابن المبارك قال صعدت جبل لبنان فإذا برجل عليه جبة صوف مفتقة الأكمام عليها مكتوب لا تباع ولا تشترى قد اتزر بمئزر الخشوع واتشح برداء القنوع وتعمم بعمامة التوكل فلما رآني اختفى وراء شجرة فناشدته بالله فظهر فقلت إنكم معاشر العباد تصبرون على الوحدة وتقاسون في هذه القفار الوحشة فضحك ووضع كمه على رأسه وأنشأ يقول ... يا حبيب القلوب من لي سواكا ... ارحم اليوم مذنبا قد أتاكا ... أنت سؤلي وبغيتي وسروري ... قد أبى القلب أن يحب سواكا ... يا مناي وسيدي واعتمادي ... طال شوقي متى يكون لقاكا ... ليس سؤلي من الجنان نعيم ... غير أني أريدها لأراكا ... قال ثم غاب عني فتعاهدت ذلك الموضع سنة لأقع عليه فلم أره فلقيني غلام أبي سليمان الداراني فسألته عنه وأعطيته صفته فبكى وقال واشوقاه إلى نظرة أخرى منه فقلت من هو فقال ذاك عباس المجنون يأكل في شهر أكلتين من ثمار الشجر أو نبات الأرض يتعبد منذ ستين سنة 517
شداد المجذوم
ومنهم العابد المجذوم شداد مشهور ومذكور في الراضين من العباد

حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة ابن شبيب ثنا سهل بن عاصم ثنا محمد بن عيينة عن مخلد بن الحسين قال كان بالبصرة رجل يقال له شداد أصابه الجذام فانقطع فدخل عليه عواده من أصحاب الحسن فقالوا كيف نجدك قال بخير ما فاتني حزبي من الليل منذ سقطت وما بي إلا أني لا أقدر على أن أحضر صلاة الجماعة 518
أبو سعيد البراقعي
ومنهم أبو سعيد البراقعي من كبار العارفين بالشام
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد ابن أبي الحواري ثنا أبو سعيد البراقعي ثا عبيدالله بن زحر الحداد عن صالح المري عن حوشب عن الحسن قال تفقدوا الحلاوة في الصلاة وفي القرآن وفي الذكر فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا وإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلق 519
الكريم أبو هاشم
ومنهم الكريم أبو هاشم للمال قاسم وللبخل قاصم وللغيظ كاظم
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا علي بن محمد العسكري قال حدثني إبراهيم ابن جعفر الحلوذاني قال حدثني محمد بن معاوية الأزرق قال قال أبو هاشم لله عباد ينفقون على قدر بضائعهم وله عباد ينفقون على حسن الظن به فأولئك أولئك
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى ثنا محمد بن أحمد بن سعيد ثنا عباس ابن حمزة ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا هاشم يقول نظرنا في هذا الأمر فإذا الذين بلغوا منه الغايات المنفردون

مسعود الجهمي
ومنهم مسعود بن الحارث الجهمي العابد المجتهد المرضي
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا عبيدالله ابن جرير ثنا سليمان بن موسى عن رجل رأى مسعود بن الحارث أخا خالد في النوم فقال له ما فعل بك ربك قال قربني وأدناني وقال لي يا مسعود طال ما ترددت في طرقات الدنيا وأنا عنك راض 521
زهير البابي
ومنهم الداعي المحابي أبو عبدالرحمن زهير بن نعيم البابي كان أغلب أحواله عليه الصبر واليقين فأيد بالنصر والتمكين
أخبرنا عبدالله بن جعفر فيما قرئ عليه وأذن لي فيه ثنا أحمد بن عاصم قال قال زهير بن نعيم إن هذا الأمر لا يتم إلا بشيئين الصبر واليقين فإن كان يقين ولم يكن معه صبر لم يتم وإن كان صبر ولم يكن معه يقين لم يتم قد ضرب لهما أبو الدرداء مثلا فقال مثل اليقين والصبر مثل فدادين يحفران الأرض فإذا جلس واحد جلس الآخر
أخبرنا عبدالله ثنا أحمد بن عاصم قال سمعت خالي عبدالعزيز بن يوسف يقول أردت الخروج من البصرة فبدأت بيحيى بن سعيد فودعته ثم ودعت عبدالرحمن بن مهدي ثم ودعت زهيرا فقلت هل من حاجة قال نعم إلا أنها مهمة مهمة اتق الله فوالله لأن يتقيه رجل أو قال عبد أحب إلى من أن تتحول لي هذه السواري كلها ذهبا فلما وليت ردني فقال وحاجة أخرى لا تدخل على قاض ولا على من يدخل على القاضي فإني في هذا المصر منذ خمسين سنة ما نظرت إلى وجه قاض ولا وال
أخبرنا عبدالله ثنا أحمد بن عاصم قال كان يدي في يد زهير أمشي معه فانتهينا إلى رجل مكفوف يقرأ فلما سمع قراءته وقف ونظر وقال

لا تغرنك قراءته والله والله إنه شر من الغناء وضرب العود وكان مهيبا ولم أسأله يومئذ فلما كان بعد أيام ارتفع إلى بني قشير فقمت وسلمت عليه فقلت يا أبا عبدالرحمن إنك قلت لي يومئذ كذا وكذا فكأنه نصيب عينه فقال لي يا أخي نعم لأن يطلب الرجل هذه الدنيا بالزمر والغناء والعود خير أن يطلبها بالدين ثم قال زهير لا أعلم أني توكلت على الله ساعة قط قال أحمد وسمعت الحصين بن جميل يقول سمعت زهيرا يقول إن قدرت أن تكون عند الله أخس من كلب فافعل قال أحمد وكتب إلينا وكان بأصبهان الوباء والمجاعة إن الموت كثير وقال لي حصين يا أبا يحيى تعال حتى نرتفع إلى زهير فنخبره بما كتب إلينا فلعله يدعو لهم بدعوة فأتيته فأخبرته بما كتب إلينا من كثرة الموت فقال لي لا تأمنن من الموت قلته ولا تخافن كثرته ثم قال حدثني معدي عن رجل يكنى بأبي البغيل وكان قد أدرك زمن الطاعون قال كنا نطوف في القبائل وندفن الموتى فلما كثروا لم نقو على الدفن فكنا ندخل الدار قد مات أهلها فنسد بابها قال فدخلنا دارا ففتشناها فلم نجد فيها أحدا حيا قال فسددنا بابها قال فلما مضت الطواعين كنا نطوف في القبائل وننزع تلك السدة التي سددناها فنزعنا سدة ذلك الباب التي دخلناها ففتشناها فلم نجد أحدا حيا قال فإذا نحن بغلام في وسط الدار طري دهين كأنه خذ ساعتئذ من حجر أمه قال ونحن وقوف على الغلام نتعجب منه قال فدخلت كلبة من شق أو خرق في حائط قال فجعلت تلوذ بالغلام والغلام يحبو إليها حتى مص من لبنها قال زهير قال معدي رأيت هذا الغلام في مسجد البصرة قد قبض على لحيته قال وكان زهير كثيرا ما يتمثل بهذا البيت ... حتى متى أنت في دنياك مشتغل ... وعامل الله عن دنياك مشغول ... قال أحمد وبلغني عن الباهلي قال كنت أقود زهيرا فلما أردت أن أفارقه قلت له أوصني قال إذا رأيت الرجل لا ينصف من نفسه فإن قدرت أن لا تراه فلا تراه قال أحمد وكان زهير أصيب ببصره في آخر عمره فبلغني أن بعض إخوانه استقبله بعد ما أصيب ببصره فسلم عليه فقال من الرجل

فاسترجع الرجل فجزع جزعا شديدا فلما رأى زهير جزع الرجل قال له أخي كانت معي كسرة فيها دانق فسقطت فكأن فقدها أشد علي من ذهاب بصري قال أحمد وبلغني أنه كان شاكيا فذهب يحيى بن أكتم يعوده فقيل له يحيى بن أكتم فقال وما أصنع به لو كان على حش من حشوش الأرض بالبصرة يكون خيرا له قال أحمد ودخلت عليه يوما فقال لي ألك أب قلت لا قال ألك أم قلت لا قال الله أكبر كم ترى يبقى فرع بعد أصل يا أخي عليك بالدعاء والابتهال لهما فإنه بلغني أن الله يرفع الوالدين بدعاء الولد لهما هكذا ورفع يديه قال أحمد وأخبرني عبدالرحمن ابن عمر قال انتهى إلينا يوما رجل من هؤلاء الخبثاء القدرية فقال له يا أبا عبدالرحمن بلغني أنك زنديق فقال زهير زنديق زنديق أما زنديق فلا ولكني رجل سوء
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة بن شبيب ثنا سهل بن عاصم قال سمعت إبراهيم يقول سمعت رجلا يقول لزهير بن نعيم ممن أنت يا أبا عبدالرحمن قال ممن أنعم الله عليه بالإسلام قال إنما أريد النسب قال فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة ابن شبيب ثنا سهل بن عاصم قال قلت لزهير بن نعيم يا أبا عبدالرحمن ألك حاجة قال نعم قلت ما هي قال تتقي الله فوالله لأن تتقي الله أحب إلي من أن يصير هذا الحائط ذهبا
وبه ثنا سهل ثنا إبراهيم بن سعيد بن أنس قال سمعت زهير بن نعيم يقول لأن يتوب رجل أحب إلي من أن يرد الله إلي بصري ولأن يتوب رجل أحب إلي من أن يتحول سواري المسجد لي ذهبا قال وحدثنا سهل قال سمعت عمشط بن زياد يقول سمعت زهير بن نعيم يقول جالست الناس منذ خمسين سنة فما رأيت أحدا إلا وهو يتبع هواه حتى إنه ليخطئ فيحب أن الناس قد أخطئوا ولأن أسمع في

جاري صوت ضرب أحب إلي من أن يقال لي أخطأ فلان قال سهل وسمعت من سمع زهيرا يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لأنا بمن لا يؤمن بالله أشبه مني بمن يؤمن بالله فذكرت هذا القول لعشرة من أهل الصفا فمنهم من بكى ومنهم من صاح ومنهم من انتفض ومنهم من بهت قال سهل وسمعت زهيرا يقول وددت أن جسدي قرض بالمقارض وأن هذا الخلق أطاعوا الله قال سهل وحدثنا عبدالله بن عبد الغفار الكرماني قال صعدت إلى زهير ابن نعيم وقد سقط من سطحه وذلك بعد ما ذهب بصره وهو متهشم الوجه بحال شديدة فقلت له يا أبا عبدالرحمن كيف حالك قال على ما ترى وما يسرني بأني أشد من هذا الخلق هي الدنيا فلتصنع ما شاءت 522
محمد بن إسحاق
ومنهم المتشمر للحاق المتحرز من الفراق المتجرد للسباق الكوفي أبو عبدالله محمد بن إسحاق كان على فوت الساعات ضنينا ويجد من فوت وقته أنينا وحسرة وحنينا
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عمر ثنا أبي ثنا عبدالله بن محمد الأموي قال حدثني محمد بن إسحاق قال قال بعض الحكماء الأيام سهام والناس أغراض والدهر يرميك كل يوم بسهامه ويستخدمك بلياليه وأيامه حتى يستغرق جميع أجزائك فكم بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك وسرعة الليالي في بدنك لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص وما هي عليه من هدم ما بقي منك لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات ولكن تدبير الله فوق الاعتبار وبالسلو عن غوائل الدنيا وجد طعم لذاتها وإنها لأمر من العلقم إذا عجمها الحكيم وأقل من كل شيء يسمى القليل وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها وما تأتي به من العجائب مما يحيط به الواعظ نستوهب الله رشدا إلى الصواب قال وحدثني محمد بن إسحاق قال قيل لبعض الحكماء صف لنا الدنيا ومدة البقاء فقال الدنيا وقتك الذي يرجع

إليك فيه طرفك لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه ومالم يأت فلا علم لك به يوم مقبل تنعاه ليلته وتطويه ساعته وأحداثه تتناضل في الإنسان بالتغيير والنقصان والدهر موكل بتشتيت الجماعات وانخرام الشمل وتنقل الدول والأمل طويل والعمر قصير وإلى الله الأمور تصير قال محمد بن إسحاق وقال رجل من عبدالقيس أين تذهبون بل أين يراد بكم وحادي الموت في أثر الأنفاس حثيث موضع وعلى احتياج الأرواح من منزل الفناء إلى دار البقاء مجمع وفي خراب الأجساد المتفكهة بالنعيم مسرع
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ثنا عبدالله بن محمد العطشي المقري ثنا إبراهيم بن الجنيد قال وجدت هذه الأبيات على ظهر كتاب لمحمد بن الحسين البرجلاني ... مواعظ رهبان وذكر فعالهم ... وأخبار صدق عن نفوس كوافر ... مواعظ تشفينا فنحن نحوزها ... وإن كانت الأنباء عن كل كافر ... مواعظ بر تورث النفس عبرة ... وتتركها ولهاء حول المقابر ... مواعظ إن تسأم النفس ذكرها ... تهيج أحزانا من القلب ثائر ... فدونك ياذا الفهم إن كنت ذانها ... فبادر فأن الموت أول زائر ... قال إبراهيم وحدثني محمد بن الحسين قال حدثت عن عبدالله بن الفرج العابد أنه قال له رجل يا أبا محمد هؤلاء الرهبان يتكلمون بالحكمة وهم أهل كفر وضلالة فمم ذلك قال ميراث الجوع متعت بك ميراث الجوع متعت بك 523
القاسم بن محمد
ومنهم القاسم بن محمد بن سلمة الصوفي كان لنفسه حافظا وبحكم الرهبانية لافظا
حدثنا أبو بكر الآجري ثنا عبدالله بن محمد العطشي ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا أحمد بن همام قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني القاسم بن

محمد بن سلمة الصوفي قال قال لي راهب في بيعة بالشام همة المحبين الوصول بإرادتهم وهمة الخائفين الوصول من الخوف إلى مأمنهم وكل على خير وأولئك أنصب أبدانا وأعلى في الخير منصبا
حدثنا أبو بكر ثنا عبدالله ثنا إبراهيم قال حدثني أبو أحمد بن همام قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني القاسم بن محمد بن سلمة الصوفي العابد قال حدثني أبو صفوان العابد الشامي الذي كان بمكة قال مروا براهب قد حدب من الاجتهاد فنادوه فأشرف عليهم كأنه قد نزع منه الروح فقالوا له على م تعمل وتنصب نفسك قال على الطمع والرجاء قالوا فهل تعتريك فترة قال إن ذاك قد كان قالوا فمم ذلك قال عند الإياس والقنوط والمخافة تعين على العمل قالوا فأدوم ما يكون العبد على العبادة وأنشط إذا كان ماذا قال إذا استولت المحبة على القلب لم تكن له راحة ولا لذة إلا الإتصال بها 524
يزيد بن يزيد
ومنهم الساجد الحميد الحامد الشديد يزيد بن يزيد
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا أبو يعلى ثنا عثمان بن عمرو بن أبي عاصم قال سمعت الخليل البصري يقول سمعت يزيد بن يزيد يقول في سجوده خبثنا أنفسنا بالذنوب فطيبنا بالمغفرة 525
الخادم
ومنهم الخادم المخدوم الحائد عن المعلوم المكتفي بمن يوجد الموجود من المعدوم
حدثنا عبدالله بن محمد قال قرأت على شيخ ابن حاتم العكلي حدثت عن عبدالجبار بن عبدالله عن آدم بن أبي إياس قال كان شاب يكتب عني قال فأخذ مني دفترا ينسخه فنسخه فظننت عليه ظن سوء ثم جاء به وعليه ثياب

رثة فرفقت به ثم أمرت له بدراهم فلم يقبلها فجهدت فلم يفعل ثم أخذ بيدي فمر بي إلى البحر ثم أخرج من كمه قدحا فغرف من ماء البحر ثم قال اشرب فشربت أحلى من العسل ثم قال من كان في خدمة من هذه قدرته أي شيء يصنع بدراهمك ثم غاب عني فلم أره 526
الفرار
ومنهم الفرار الجآر الذي لا يقر له قرار خوفا من الغفلة والاغترار
حدثنا عبدالله بن محمد قال سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول لقيت رجلا فيما بين قرى مصر يدور فقلت له مالي أراك لا تقر في مكان واحد فقال لي وكيف يقر في مكان واحد من هو مطلوب فقلت له أولست في قبضته في كل مكان قال بلى ولكني أخاف أن أستوطن الأوطان فيأخذني على غرة الاستيطان مع المغرورين 527
الديلمي
ومنهم الديلمي المأسور المصلوب المحبوس المحبوب الوصيف المكروب
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمر بن الحسن الحلبي ثنا محمد بن المبارك الصوري قال سمعت الوليد بن مسلم يقول غزا المسلمون غزوة فيهم الديلمي فأسرته الروم فصلبوه على الدقل فلما رآه المسلمون مصلوبا حملوا على الروم حملة فأخذوا المركب الذي فيه الشيخ فأنزلوه عن الدقل فقال لهم اعطوني ماء أصب علي فقالوا لم تصب عليك قال إني جنب لأنهم لما صلبوني تجلت لي نعسة فرأيت نفسي كأني على نهر فيه وصائف فمددت يدي إلى واحدة منهم فافترعتها فأصابتني جنابة

أمية بن الصامت
ومنهم أمية بن الصامت العابد القانت في العوارض ثابت ولنفسه عاتب ولشيطانه شامت
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيدالله الصوفي قال سمعت أخي أبا عبدالله محمد بن محمد يقول سمعت خيرا النساج الصوفي يقول كنت مع أمية ابن الصامت الصوفي فنظر إلى غلام فقرأ وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ثم قال وأين الفرار من سجن الله وقد حصنه بملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون تبارك الله فما أعظم ما امتحنتني به من نظري إلى هذا الغلام ما شبهت نطري إليه إلا بنار وقعت على قصب في يوم ريح فما أبقت ولا تركت ثم قال أستغفر الله من بلاء جنته عيناي على قلبي وأحشائي لقد خفت أن لا أنجو من معرته ولا أتخلص من إثمه ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صديقا ثم بكى حتى كاد أن يقضي فسمعته يقول في بكائه يا طرفي لأشغلنك بالبكاء عن النظر إلى البلاء 529
هلال بن الوزير
ومنهم هلال بن الوزير المعتدل المستجير إلى مولاه العليم الخبير
حدثنا محمد بن محمد قال سمعت أخي أبا عبدالله محمد بن محمد قال سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت خيرا النساج يقول كنت مع هلال بن الوزير الصوفي فنظر إلي غلام فقرأ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ثم قال اللهم أنت الشهيد على أفعالنا والحفيظ لأعمالنا والبصير بأمورنا والسميع لنجوانا وأنت على كل شيء حفيظ قد علمت ما أخفاه الناظرون في جوانح صدورهم من أسرار كامنة وشهوات باطنة وأنت المميز بين الحق والباطل وقد علمت أنه لا يجوز عليك ما خطر على القلوب وما اشتملت عليه الضلوع من إعلان وكتمان وأنت العليم

بذات الصدور فاغفر لهلال ما كدح على نفسه من سوء نظره 530
محارب بن حسان
ومنهم محارب بن حسان فتى الفتيان المحفوظ عن النقص والخسران المتحصن بحصن اليقين والإيمان
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيدالله قال سمعت أخي أبا عبدالله محمد بن محمد يقول سمعت محمد بن عبدالله الرازي يقول سمعت خيرا النساج يقول كنت مع محارب بن حسان الصوفي في مسجد الخيف ونحن محرمون فجلس إلينا غلام جميل من أهل المغرب فرأيت محاربا ينظر إليه نظرا أنكرته فقلت له بعد أن قام إنك حرام في شهر حرام ويوم حرام في بلد حرام في مشعر حرام في مسجد حرام وقد رأيتك تنظر إلى هذا الغلام نظرا لا ينظره إلا المفتونون فقال إلي تقول هذا يا شهواني القلب والطرف ألم تعلم أن قد منعني عن الوقوع في شرك إبليس ثلاث قلت وما هن رحمك الله قال ستر الإيمان وعفة الإسلام وأعظمها عندي وأجلها في صدري وأكبرها في نفسي حسن الحياء من الله أن يطلع علي وأنا جاثم على منكر نهاني ربي عنه ثم صعق حتى اجتمع الناس علينا 531
أبو عمرو المروزي
ومنهم أبو عمرو المروزي الحكيم المفوض أمره إلى السميع العليم
حدثنا محمد بن أحمد قال سمعت أبا العباس الثقفي يقول سمعت أبا عمرو المروزي يقول من صفات الأولياء ثلاث الرجوع إلى الله في كل شيء والفقر إلى الله في كل شيء والثقة بالله في كل شيء 532
إبراهيم بن سعد
ومنهم المعروف بالآيات الموصوف بالكرامات إبراهيم بن سعد العلوي له الوصاية النبوية

حدثنا عبدالمنعم بن عمرو بن عبدالله ثنا الحسن بن يحيى بن حموية الكرماني بمكة قال قال أبو الحسن التماري قال أبو الحارث الأولاسي خرجت من حصن أولاس أريد البحر فقال بعض إخواني لا تخرج فإني قد هيأت لك عجة حتى تأكل قال فجلست وأكلت معه ونزلت إلى الساحل فإذا أنا بإبراهيم بن سعد قائما يصلي فقلت في نفسي ما أشك إلا أنه يريد أن يقول لي امش معي على الماء ولئن قال لي لأمشين معه فما استحكمت الخاطر حتى سلم ثم قال هيه يا أبا الحارث امش على الخاطر فقلت بسم الله فمشى هو على الماء وذهبت أمشي فغاصت رجلي فالتفت إلي وقال يا أبا الحارث العجة أخذت برجلك
حدثنا عبدالمنعم بن عمر ثنا الحسن بن يحيى قال محمد بن محبوب العماني سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول خرجت من مكة في غير أيام الموسم أريد الشام فإذا أنا بثلاثة نفر على جبل وإذا هم يتذاكرون الدنيا فلما فرغوا أخذوا يعاهدون الله أن لا يمسوا ذهبا ولا فضة فقلت وأنا أيضا معكم فقالوا إن شئت ثم قاموا فقال أحدهم أما أنا فسائر إلى بلد كذا وكذا وقال الآخر وأما أنا فسائر إلى بلد كذا وكذا وبقيت أنا وآخر فقال لي أين تريد فقلت أريد الشام قال وأنا أريد اللكام فكان إبرهيم بن سعد العلوي فودع بعضهم بعضا وافترقنا فمكثت حينا انتظر أن يأتيني كتابه فما شعرت يوما وأنا بأولاس فخرجت أريد البحر وصرت بين الأشجار إذا برجل صاف قدميه يصلي فاضطرب قلبي لما رأيته وعلاني له الهيبة فلما أحس بي سلم ثم التفت إلي فإذا هو إبراهيم بن سعد فعرفته بعد ساعة فقال لي هاه فوبخني وقال اذهب فغيب عني شخصك ثلاثة أيام ولا تطعم شيئا ثم ائتني ففعلت ذلك فجئته بعد ثلاث وهو قائم يصلي فلما أحس بي أوجز في صلاته ثم أخذ بيدي فأوقفني على البحر وحرك شفتيه فقلت في نفسي يريد أن يمش على الماء ولئن فعل لأمشين فما لبثت إلا يسيرا فإذا أنا برف من الحيتان ملء البحر قد أقبلت إلينا رافعة رؤسها فاتحة أفواهها فلما

رأيتها قلت في نفسي أين أبو بشر الصياد إنسان كان بأولاس هذه الساعة فإذا الحيتان قد تفرقت كأنما طرح في وسطها حجر فالتفت إلي فقال فعلتها فقلت إنما قلت كذا وكذا فقال لي مر لست مطلوبا بهذا الأمر ولكن عليك بهذه الرمال والجبال فوار شخصك ما أمكنك وتقلل من الدنيا حتى يأتيك أمر الله فإني أراك بهذا مطالبا ثم غاب عني فلم أره حتى مات وكانت كتبه تصل إلي فلما مات كنت قاعدا يوما فتحرك قلبي للخروج من باب البحر ولم تكن لي حاجة فقلت لا أكره القلب فيغمني فخرجت فلما صرت في المسجد الذي على الباب إذا أنا بأسود قام إلي فقال لي أنت أبو الحارث فقلت نعم فقال لي آجرك الله في أخيك إبراهيم بن سعد وكان اسمه واضحا مولى لإبراهيم بن سعد فذكر أن إبراهيم أوصاه أن يوصل إلى هذه الرسالة فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم يا أخي إذا نزل بك أمر من فقرأ وسقم أو أذى فاستعن بالله واستعمل عن الله الرضا فإن الله مطلع عليك يعلم ضميرك وما أنت عليه ولا بد لك من أن ينفذ فيك حكمه فإن رضيت فلك الثواب الجزيل والأمن من الهول الشديد وأنت في رضاك وسخطك لست تقدر أن تتعدى المقدور ولا تزداد في الرزق المقسوم والأثر المكتوب والأجل المعلوم ففي أي هذه الأفعال تريد أن تحتال في ينقضها بهمك أو بأي قوة تريد أن تدفعها عنك عند حلولها أو تجتلبها من قبل أوانها كلا والله لا بد لأمر الله أن ينفذ فيك طوعا منك أو كرها فإن لم تجد إلى الرضا سبيلا فعليك بالتحمل ولا تشك من ليس بأهل أن يشكى ومن هو أهل الشكر والثناء القديم ما أولى من نعمته علينا فما أعطى وعافى أكثر مما زوي وأبلي وهو مع ذلك أعرف بموضع الخيرة لنا منا وإذا اضطرتك الأمور وكل صبرك فالجأ إليه بهمك واشك إليه بنك ! وليكن طعمك فيه واحذر أن تستبطئه أو تسىء به ظنا فإن لكل شيء سببا ولكل سبب أجل ولكل هم في الله ولله فرج عاجل أو آجل ومن علم أنه بعين الله استحى أن يراه الله يأمل سواه ومن أيقن بنظر الله له أسقط الاختيار

لنفسه في الأمور ومن علم أن الله هو الضار النافع أسقط مخاوف المخلوقين عن قلبه وراقب الله في قربه وطلب الأشياء من معادنها فاحذر أن تعلق قلبك بمخلوق تعليق خوف أو رجاء أوتفشي إلى أحد اليوم سرك أو تشكو إليه بثك أو تعتمد على إخائه أو تستريح إليه استراحة تكون فيها موضع شكوى بث فإن غنيهم فقير في غناه وفقيرهم ذليل في فقره وعالمهم جاهل في علمه فاجر في فعله إلا القليل ممن عصم الله تعالى 533
أبو محرز
ومنهم من سلك مسالك الأكياس أبو محرز الحارس للخواطر والأنفاس
حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ثنا أبي ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني محمد بن الحسين ثنا عون بن عمارة قال قال أبو محرز الطفاوي لما بان للأكياس أعلى الدارين منزلة طلبوا العلو بالعلو من الأعمال وعلموا أن الشيء لا يدرك إلا بأكثر منه وبذلوا ما عندهم بذلوا والله لله المهج رجاء الراحة لديه والفرج في يوم لا يخيب فيه الطالب وقال أبو محرز كلفوا بالدنيا ولن ينالوا منها فوق قسمتهم وأعرضوا عن الآخرة وببغيتها يرجوا العباد نجاةأنفسهم 534
داود بن هلال
ومنهم النصيبي داود بن هلال المنقطع إلى الجبال والتلال كان من المقبلين رافعا ومن فصول الدنيا واضعا
حدثنا أبي ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا أبو عبدالله محمد بن سفيان ثنا علي ابن مريم عن زهير بن عباد ثنا داود بن هلال النصيبي قال مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصبحت لهم وتزينت لهم إني قد قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك ما خلقت خلقا أهون علي منك كل شأنك صغير وإلى الفناء تصيرين قضيت عليك من يوم خلقتك أن لا تدومين لأحد ولا يدوم لك أحد وإن بخل صاحبك

وشح عليك طوبى للأبرار الذين أطاعوني من خلقي أطلعوني من قلوبهم على الرضا وأطلعوني من ضميرهم على الصدق والإستقامة طوبى لهم مالهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم النور يسعى أمامهم والملائكة حافون بهم حتى أبلغ بهم ما يرجون من رحمتي 535
مسكين الصوفي
1 - ومنهم مسكين بن عبيد الصوفي حليف الأحزان الناقل كلام الأئمة والإخوان
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المؤذن ثنا أحمد بن أبان ثنا أبو بكر بن سفيان ثنا محمد بن الحسين ثنا مسكين بن عبيد الصوفي قال حدثني المتوكل ابن الحسين العابد قال قال إبراهيم بن أدهم الحزن حزنان فحزن لك وحزن عليك فالحزن الذي هو لك حزنك على الآخرة وخيرها والحزن الذي هو عليك فحزنك على الدنيا وزينتها 536
العباس بن المؤمل
ومنهم أبو الوليد العباس بن المؤمل الصوفي امتحن فصبر في محنته فعوفي راحته في البكاء والأحزان ومفزعه إلى المقابر والجبان
حدثنا أبو بكر المؤذن ثنا أحمد بن أبان ثنا أبو بكر بن سفيان ثنا محمد بن الحسين قال حدثني زيد الخبري قال حدثني أبو الوليد العباس بن المؤمل الصوفي وكان أمر هارون بالمعروف فحبسه دهرا قال أتاني آت في منامي فقال كم للحزين غدا في القيامة من فرحة تستوعب طول حزنه في دار الدنيا قال فاستيقظت فزعا فلم ألبث أن فرج الله وأخرجني مما كنت فيه من ذلك الحبس ففرح بذلك أصحابنا وأهلونا قال ورأيت في المنام كان ذلك الآتى أتاني فقال بشر المحزونين بطول الفرح غدا عند مليكهم فعلمت والله أن الحزن إنما هو على خير الآخرة لا على الدنيا قال زيد فكان أبو الوليد

بما هو دهره باكي العين إنما يتبع جنازة أو يعود مريضا أو يلزم الجبان وكان محزونا جدا 537
مغيث الأسود
1 - ومنهم مغيث الأسود آثر الأدوم والأجود وحبب إليه الأحمد والأعود
حدثنا أبو بكر المؤذن ثنا أحمد بن أبان ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني محمد بن الحسين قال حدنثي يوسف بن الحكم الرقي ثنا فياض بن محمد بن سنان قال قال لي مغيث الأسود وكان من خيار موالي بني أمية قال قال لي راهب بدير الخلق مالي أراك طويل الحزن قال قلت له طالت غيبتي وبعدت شقتي وشق علي السفر جدا فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد ظننت أنك من عمال الله في أرضه قلت وما أنكرت قال ظننت أن حزنك لنفسك فإذا أنت إنما تحزن لغيرك أما علمت أن المريد حزنه عليه جديد آناء الليل وآناء النهار ساعات فرحه عند ساعات خلله هو الدهر باك محزون ليس له على الأرض قرار إنما تراه والها يفر بدينه مشغولا طويل الهم قد علا بثه همته الآخرة والوصلة إليها بسبيل النجاة من شرها ثم قال هاه وأسبل دموعه فلم يزل يبكي حتى غشي عليه 538
القلانسي
ومنهم المؤانسي أبو عبدالله القلانسي كان بالعهد وافيا فكان الحق له في المعاطب ناجيا
حدثنا محمد بن الحسين ثنا عبدالواحد بن بكر أن أبا عبدالله القلانسي ركب البحر في بعض سياحته فعصفت به الريح في مركبهم فدعا أهل المركب وتضرعوا ونذروا النذور وقالوا أي عبدالله كلنا قد عاهدنا الله ونذرنا نذرا إن نجانا الله فانذر أنت نذرا وعاهد الله عهدا فقلت أنا متجرد من

الدنيا مالي والنذر فألحوا علي فقلت لله علي نذر إن يخلصني الله مما أنا فيه لا آكل لحم الفيل فقالوا إيش هذا النذر وهل يأكل لحم الفيل أحد فقلت كذا وقع في سري وأجرى الله على لساني فانكسرت السفينة ووقعت في جماعة من أهلها إلى الساحل فبقينا أياما لم نذق ذواقا فبينما نحن قعود إذا بولد فيل فأخذوه وذبحوه فأكلوا لحمه وعرضوا علي أكله فقلت أنا نذرت وعاهدت الله أن لا آكل لحم الفيل فاعتلوا علي بأني مضطر ولي فسخ العهد لاضطراري فأبيت عليهم وثبت على العهد فأكلوا وامتلئوا وناموا فبينما هم نيام إذ جاءت الفيلة تطلب ولدها وتتبع أثره فلم تزل تشم الرائحة حتى انتهت إلى عظام ولدها فشمته ثم جاءت وأنا أنظر إليها فلم تزل تشم واحدا واحدا فكلما شمت من واحد رائحة اللحم داسته برجلها أو بيدها فقتلته حتى قتلتهم كلهم ثم أقبلت إلي فلم تزل تشمني فلم تجد مني رائحة اللحم فأدارت مؤخرها وأومأت بخرطومها أي اركب فلم أقف على ما أومأت فرفعت ذنبها ورجلها فعلمت أنها تريد مني ركوبها فركبتها فاستويت على شيء وطئ فسارت بي سيرا عنيفا إلى أن جاءت بي في ليلتي إلى موضع زرع وسواد وأومأت إلي أن أنزل فتدلت برجلها حتى نزلت عنها فسارت سيرا أشد من سيرها بي فلما أصبحت رأيت زرعا وسوادا وناسا فجعلوني إلى ملكهم وسألني ترجمانه فأخبرته بالقصة وما جرى على القوم فقال لي تدري كم السير الذي سارت بك الليلة فقلت لا فقال مسيرة ثمانية أيام سارت بك في ليلة فلبثت عندهم إلى أن حملت ورجعت 539
شبل المدري
1 - ومنهم شبل المدري لوحظ باللطف فبرى
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبدالواحد بن أحمد ثنا أبو الفرج بن بكر عن عبدالعزيز بن أحمد عن أبي موسى الطويل البصري قال اشتهى شبل المدرى لحما فأخذه ليحمله فانحطت عليه الحدأة فاختلسته منه فنوى الصوم

ورجع إلى المسجد قال فأقبلت الحدأة ونازعتها حدأة أخرى لتغلبها عليه بجزاء منزل شبل فسقط منها ووقع في حجر امرأة شبل فقامت وطبخته فلما رجع شبل إلى منزله ليفطر قدمت امرأته إليه اللحم فقال من أين لك هذا اللحم فأخبرته بالحدئتين وتنازعهما فبكى شبل وقال الحمد لله الذي لم ينس شبلا وإن كان شبل ينساه 540
عبدالله بن دينار
ومنهم أبو محمد عبدالله بن دينار صان الأسرار وحفظ بالأنوارا
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد البغدادي قال أخبرني جعفر بن عبدالله الدينوري قال سمعت أبا حمزة يقول قلت لابن دينار الجعفي أوصني قال اتق الله في خلواتك وحافظ على أوقات صلواتك وغض طرفك عن لحظاتك تكن عند الله مقربا في حالاتك 541
مساور المغربي
ومنهم مساور المغربي مستوطن الفيافي الأبي
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا سلمة بن شبيب ثنا سهل بن عاصم عن كرد بن عنبسة قال قال مساور بن لبيب المغربي وقفت على راهب ذكروا لي أنه لم يكلم أحدا منذ أربعين سنة ولم ينزل فيها من صومعته فلم أزل به حتى أشرف علي فراودته على الكلام فأبى أن يتكلم فقلت له بجلال من تركت له الكلام لما كلمتني قال فمال قليلا كهيئة المغمى عليه ثم انتبه كهيئة ا لفزع ثم قال سل وأوجز قلت منذ متى أنت في هذا الأمر قال يوم واحد قلت وكيف ذاك قال سمعت الناس يقولون غدا واليوم وبعد غد فنظرت في أمري فإذا أنا لم أعط ما أعطوا فنظرت فإذا أمس قد فاتني واليوم هو لي وغدا لا أدري أدركه أم لا ثم أدخل رأسه 542
الفرج بن سعيد
ومنهم أبو روح الفرج بن سعيد الصوفي لزم طريق الأئمة والأوتاد

ونقل عنهم ما يتعالج به العباد
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عبدالله بن محمد ثنا سلمة بن شبيب ثنا سهل بن عاصم ثنا أبو روح الفرج بن سعيد الصوفي قال حدثني عثمان بن عمار قال سمعت حماد بن زيد يقول اجتمع أيوب السختياني ويونس بن عبيد وابن عون وثابت البناني في بيت فقال ثابت يا هؤلاء كيف يكون العبد إذا ادعا الله فاستجاب له دعاءه قال ابن عون يكون البلاء في نفسه قال ثابت فإنه يعترضها العجب بما صنع الله به فقال يونس بن عبيد لا يكون العبد يعجب بصنع الله له إلا وهو مستدرج فقال أيوب وما علامة المستدرج فقال إن العبد إذا كان له عند الله منزلة فحفظها وأبقى عليها ثم شكر الله أعطاه الله أشرف من المنزلة الأولى وإذا هو ضيع الشكر استدرجه الله فكان تضيعه للشكر استدراجا من الله له فغلبه عن شكر العجب معرفة الاستدراج وإن العبد المستدرج إذا ألقى في قلبه شيء من الشكر حمله شكره على التفقد من أين أتى فإذا عرف ذلك بصدق خضع فإذا خضع أقال الله عثرته قال حماد إن ابن عمر سئل عن الاستدراج فقال ذلك مكره بالعباد المضيعين قال فبكوا جميعا ثم رفع أيوب من بينهم يده وقال يا عالم الغيب والشهادة لا توفيق لنا إن لم توفقنا ولا قوة لنا إن لم تقونا فقال يونس به وجدنا طعم القوة من دعائك يا أبا بكر قال وكان أيوب يعرف أصحابه أن له دعوة مستجابة 543
أبو اليمان
ومنهم أبو اليمان قرين الخير الحبر ابن سليمان
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا إسحاق بن أبي حسان ثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سلميان يقول كان عندنا شيخ يزعمون أنه يعرف اسم الله الأعظم فأتيته فقلت يا عم بلغنا أنك تعرف اسم الله الأعظم فقال يا بن أخي تعرف قلبك قلت نعم قال فإذا رأيته رق وأقبل فسل الله حاجتك فذلك اسم الله الأعظم

حيان الأسود
ومنهم حيان الأسود
حدثنا عبدالله ثنا إسحاق ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا جعفر بن محمد عن حيان الأسود قال كان عندنا رجل مكث ثلاث عشرة سنة يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة حتى أقعد من رجليه فإذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة ثم قال عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك بل عجبت للخليقة كيف أنست بسواك ثم يسكت إلى المغرب 545
أبو الفضل الهاشمي
ومنهم أبو الفضل الهاشمي
حدثنا محمد بن الحسين ثنا أبو جعفر الرازي قال سمعت زكريا بن دلوية يقول دخل أبو العباس بن مسروق الطوسي على أبي الفضل الهاشمي وهو عليل وكان ذا عيال ولم يعرف له سببا قال فلما قمت قلت في نفسي من أين يأكل هذا الرجل قال فصاح يا أبا العباس رد هذه الهمة الردية فإن لله ألطافا خفية 546
إبراهيم المغربي
ومنهم إبراهيم المغربي
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت إبراهيم ابن الوليد يقول دخلت على إبراهيم المغربي وقد رفسته بغلة فكسرت رجله فقال لولا مصائب الدنيا لقدمنا على الله مفاليس 547
أبو تراب الرملي
ومنهم أبو تراب الرملي
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت عبدالله بن محمد الرازي يقول خرج أبو تراب الرملي سنة من السنين من مكة فقال لأصحابه خذوا أنتم طريق

الجادة حتى آخذ طريق تبوك فقالوا له الحر شديد قال لا بد ولكن إذا دخلتم رملة فانزلوا عند فلان صديق لي قال فدخلوا الرملة فنزلوا عليه فشوى لهم أربع قطع لحم فلما وضع بين أيديهم جاءت الحدأة فأخذت قطعة منها فقلنا لم تكن رزقنا فأكلنا الباقي فلما كان بعد يومين خرج أبو تراب من المفازة فقلنا هل وجدت في الطريق شيئا فقال لا إلا يوم كذا رمى إلي حدأة بقطعة شواء حار فقلنا له قد تغذينا منه فإنه من عندنا أخذته الحدأة فقال أبو تراب كذا كان الصدق 548
سعيد الشهيد
ومنهم سعيد الشهيد المقنع في الحديد المشتاق إلى رؤية المنعم المجيد
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا عباس بن يوسف قال قال ميسرة الخادم غزونا في بعض الغزوات فصادفنا العدو فإذا بفتى إلى جانبي وإذا هو مقنع في الحديد فحمل على الميمنة حتى ثناها وحمل على الميسرة حتى ثناها وحمل على القلب حتى ثناها ثم أنشأ يقول ... أحسن بمولاك سعيد ظنا ... هذا الذي كنت له تمنى ... تنح يا حور الجنان عنا ... مالك قاتلنا ولا قتلنا ... لكن إلى سيدكن اشتقنا ... قد علم السر وما أعلنا ... قال فجعل فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع إلى مصافه فتكالب عليه العدو فإذا به قد حمل على الناس وأنشأ يقول ... قد كنت أرجو ورجائي لم يخب ... أن لا يضيع اليوم كدي والطلب ... يا من ملا تلك القصور باللعب ... لولاك ما طابت ولا طاب الطرب ... فحمل فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع إلى مصافه فتكالب عليه العدو فحمل الثالثة وأنشأ يقول ... يا لعبة الخلد قفي ثم اسمعي ... مالك قاتلنا فكفي وارجعي

ثم ارجعي إلى الجنان فأسرعي ... لا تطمعي لا تطمعي لا تطمعي ... قال فحمل فقاتل حتى قتل رحمه الله 549
سيار النباجي
ومنهم سيار النباجي الباكي النائح المناجي
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو الحسن المذكر ثنا عمر بن يوسف ثنا أحمد بن مسروق قال قال سيار النباجي وكان قد بكى على الله ستين سنة قال نمت عن وردي ذات ليلة فبينا أنا كذلك رأيت كأني دخلت الجنة وإذا نهر يجري على الدر والجوهر حافتاه من المسك الأذفر وعلى شاطئ النهر قباب اللؤلؤ وقضبان الذهب والجوهر وإذا بجوار على الساحل وهن يقلن سبحان المسبح في كل مكان سبحانه سبحانه سبحانه فقلت من أنتن فقلن نحن من خلق الرحمن فقلت لمن أنتن فقلن ... برأنا إله الناس رب محمد ... لقوم على الأقدام بالليل قوم ... يناجون رب العالمين إلههم ... وتسري هموم القوم والناس نوم ... 550
أحمد بن روح
ومنهم أحمد بن روح المستغيث بالمولى من حلول البلوى
أنشدني عثمان بن محمد العثماني قال أنشدني الحسين بن عبدالرحمن القاضي قال حدثني أبي قال سمعت أحمد بن روح ينشد ... إذا حلت البلوى صرخت لسيد ... به تدفع البلوى وينكشف الضر ... أؤمل مولى لا يخيب عبده ... له العز والا لاء والخلق والأمر ... قال وأنشدني أيضا لبعض إخوانه ... ألوذ بباب من أدعوه فردا ... وآمل أن أقرب من حبيبي ... إذا نامت عيون الناس طرا ... قرعت الباب بالقلب الكئيب ... 551
جابر الرحبي
ومنهم جابر الرحبي له الأحوال الرفيعة والألطاف البديعة

حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال سمعت الجنيد بن محمد يقول حدثني أبو جعفر الخصاف قال قال لي جابر الرحبي يوما وأنا أماشيه مر بنا نتسابق مر أنت هكذا حتى أمر أنا هكذا قال فمررت أنا على الجسر فلما أبعدت على الجسر التفت فإذا هو يمشي على الماء ينتضح من تحت قدميه مثل ما يخرج الغبار من تحت قدم الماشي فلما التقينا قلت من يحسن مثل هذا أمشى على الجسر وتمشي أنت على الماء قال فقال لي أوقد رأيتني قال قلت نعم قال أنت رجل صالح 552 ومنهم المستأنس بالحق المستوحش من الخلق اسمه خفي وحاله علوي
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد يقول ثنا عبيد البسري قال سألت رجلا بالكام ما الذي أجلسك في هذا الموضع قال وما سؤالك عن شيء إن طلبته لم تدركه وإن لحقته لم تقع عليه قلت تخبرني ما هو قال علمي بأن مجالسة الله تستغرق نعيم الجنان كلها قلت بم قال أواه قد كنت أظن أن نفسي ظفرت ومن الخلق هربت فإذا أنا كذاب في مقامي لو كنت محبا لله صادقا ما اطلع علي أحد فقلت أما علمت أن المحبين خلفاء الله في أرضه مستأنسون بخلقه يبعثهم على طاعته قال فصاح بي صيحة وقال يا مخدوع لو شممت رائحة الحب وعاين قلبك ما وراء ذلك من القرب ما احتجت أن ترى فوق ما رأيت ثم قال يا سماء ويا أرض اشهدا على أنه ما خطر على قلبي ذكر الجنة والنار قط إن كنت صادقا فأمتني فوالله ما سمعت له كلاما بعدها وخفت أن يسبق إلي الظن من الناس في قتله فتركته ومضيت فبينا أنا على ذلك إذا أنا بجماعة فقالوا ما فعل الفتى فكنيت عن ذلك فقالوا ارجع فإن الله قد قبضه فصليت معهم عليه فقلت لهم من هذا الرجل ومن أنتم قالوا ويحك هذا رجل به كان يمطر المطر قلبه على قلب إبراهيم الخليل عليه السلام أما رأيته يخبر عن نفسه أن ذكر الجنة والنار ما خطر على قلبه قط

فهل كان أحد هكذا إلا إبراهيم الخليل عليه السلام قلت فمن أنتم قالوا نحن السبعة المخصوصون من الأبدال قلت علموني شيئا قالوا لا تحب أن تعرف ولا تحب أن يعرف أنك ممن لا يحب أن يعرف 553
عبدالله بن خبيق
ومنهم الصادق الواثق المشمر اللاحق عبدالله بن حبيق تذوق بالصفاء وتحقق بالوفاء تخرج على يوسف بن أسباط فأعرض عن الشبهات وأماط سكن من الثغور أنطاكية
حدثنا أبو يعلى الحسين بن محمد بن الحسين الزبيري ثنا محمد بن المسيب الأرغياني ثنا عبدالله بن خبيق بن سابق قال قال لي يوسف بن أسباط إياك أن تكون من قراء السوق
حدثنا الحسين بن محمد بن المسيب ثنا عبدالله بن خبيق قال قال لي حذيفة المرعشي كيف تفلح والدنيا أحب إليك من أحب الناس إليك وقال حذيفة إن لم تخش أن يعذبك الله على أفضل عملك فأنت هالك قال وقال الفضل رأس الأدب عندنا أن يعرف الرجل قدره
حدثنا الحسين ثنا محمد ثنا عبدالله قال أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك قال وكان حبر من أحبار بني إسرائيل يقول يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل قل له كم أعاقبك وأنت لا تدري ألم أسلبك حلاوة مناجاتي
وبه قال قيل لابن السماك ما أطيب الطيبات قال ترك الشهوات وقال لي حذيفةالمرعشي ما ابتلي أحد بمصيبة أعظم عليه من قسوة قلبه وقال لي حذيفة إنما هي أربعة أشياء عيناك ولسانك وهواك وقلبك فانظر عينيك لا تنظر بهما إلى مالا يحل لك وانظر لسانك لا تقل به شيئا يعلم الله خلافه من قلبك وانظر قلبك لا يكن فيه غل ولا دغل على أحد من المسلمين وانظر هواك لا تهوى شيئا من الشر فما دام لم تكن فيك هذه الأربع خصال فألق الرماد على رأسك

حدثنا الحسين ثنا محمد ثنا عبدالله قال من عاتب نفسه في مرضات الله آمنه الله من مقته وأنشدني عبدالله بن خبيق ... أف لدنيا أبت تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني ... عيني لحيني تدير مقلتها ... تطلب ما سرها لترديني ...
حدثنا الحسين ثنا محمد ثنا عبدالله قال مكتوب في الحكمة من رضي بدون قدره رفعه الناس فوق غايته وقال عبدالله أنت لا تطيع من يحسن إليك فكيف تحسن إلى من يسيء إليك
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت محمد بن علي بن الخليل يقول سمعت محمد بن جعفر بن سوار يقول سمعت عبدالله بن خبيق يقول لا يستغني حال من الأحوال عن الصدق والصدق مستغن عن الأحوال كلها ولو صدق عبد فيما بينه وبين الله حقيقة الصدق لاطلع على خزائن من خزائن الغيب ولكان أمينا في السموات والأرض قال عبدالله وحشة العباد عن الحق أوحش منهم القلوب ولو أنسوا بربهم ولزمزا الحق لاستأنس بهم كل أحد وسئل عبدالله بماذا ألزم الحق في أحوالي قال بإنصاف الناس من نفسك وقبول الحق ممن هو دنك ! وقال عبدالله طول الاستماع إلى الباطل يطفئ حلاوة الطاعة من القلب ومن أراد أن يعيش حيا في حياته فليزل الطمع عن قلبه
حدثنا عبدالله بن محمد بن عثمان الواسطي ثنا عمر بن عبدالله الهجري قال سمعت عبدالله بن خبيق يقول لا تغتم إلا من شيء يضرك غدا ولا تفرح بشيء لا يسرك غدا وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي وأطال منك الحزن على ما فاتك وألزمك الفكرة في بقية عمرك
حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا عبدالله بن خبيق قال حدثني موسى بن طريف قال لي سمعت يوسف بن أسباط يقول أربعون سنة ما حاك في صدري شيء إلا تركته
حدثنا أبي ثنا إبراهيم ثنا عبدالله قال قال لي يوسف بن أسباط تعلموا صحة العمل من سقمه فإني أتعلمه في اثنتين وعشرين سنة

حدثنا أبي ثنا إبراهيم ثنا عبدالله قال قال لي يوسف بن أسباط إذا رأيت الرجل قد أشر وبطر فلا تعظه فليس للموعظة فيه موضع قال ونظر يوسف إلى رجل في يده دفتر فقال تزينوا بما شئتم فلن يزيدكم الله إلا اتضاعا
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبدالله بن جابر الطرسوسي ثنا عبدالله بن خبيق قال سمعت يوسف بن أسباط يقول يرزق الصادق ثلاث خصال الحلاوة والملاحة والمهابة
د ثنا محمد ثنا عبدالله ثنا عبدالله بن خبيق قال دخل الطبيب على يوسف وأنا عنده فنظر إليه فقال ليس عليك بأس فقال وددت أن الذي تخاف علي كان الساعة أسند عبدالله الكثير فمما تفرد به
حدثنا أبي ثنا عمر بن عبدالله بن عمر الهجري بالأبلة ثنا عبدالله ابن خبيق ثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه هذه ثم هذه ثم يغتسل منهم غسلا واحدا
حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا يوسف بن موسى بن عبدالله المروزي ثنا عبدالله بن خبيق ثنا يوسف بن أسباط عن حبيب بن حسان عن زيد بن وهب عن عبدالله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما فذكر الحديث لم يروه عن حبيب إلا يوسف ولا عنه إلا عبدالله
حدثنا إبراهيم بن محمد النيسابوري ثنا محمد بن المسيب ثنا عبدالله بن خبيق ثنا يوسف بن أسباط عن حبيب بن حسان بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا فلا أزيد عليه حتى ألقى الله تعالى لم يروه عن حبيب إلا يوسف ولا عنه إلا عبدالله
حدثنا أبي ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا عبدالله بن خبيق ثنا

الهيثم بن جميل عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن النعمان بن بشير قال صحبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمعناه يقول إن بين يدي الساعة فتنا يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع قوم أخلاقهم بعرض من الدنيا يسير قال الحسن والله لقد رأيتهم صورا ولا عقول أجساما ولا أحلام فراش نار وذبان طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز
حدثنا أبو يعلى الحسين بن محمد الزبيري ثنا محمد بن المسيب ثنا عبدالله ابن خبيق ثنا الهيثم بن جميل ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله متى الساعة قال إنها قائمة فما أعددت لها قال ما أعددت لها كبير عمل إلا أني أحب الله ورسوله قال فلك ما احتسبت وأنت مع من أحببت
حدثنا أبو يعلى ثنا محمد ثنا عبدالله بن خبيق ثنا يوسف بن أسباط عن ابن أبي ذيب عن القاسم عن بكير بن عبدالله بن الأشج عن مكرز رجل من أهل الشام من بني عامر بن لؤي عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله الرجل يغزو في سبيل الله يريد أن يصيب من عرض الدنيا فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا أجر له فخرج أبو هريرة فأخبر الناس فأعظمهم ذلك فقالوا لعلك لم تفهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فرجع فسأله فقال لا أجر له لا أجر له لا أجر له
حدثنا أبو يعلى ثنا محمد ثنا عبدالله ثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه قال الشيخ رحمه الله وفي الخدم أولياء غيبهم الحق فيه عن الأعيان ومحا أسماءهم وأنسابهم عن الاشتهار والادكار جعلهم أمانا لسكان الممالك وبإقسامهم عليه يدفع عنهم المهالك

حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا أبو العباس الهروي ثنا يونس ابن عبدالأعلى ثنا ابن زيد بن أسلم قال قال محمد بن المنكدر إني لليلة مواجه هذا المنبر أدعو في جوف الليل إذا إنسان عند اسطوانة مقنع رأسه فأسمعه يقول أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك وإني أقسم عليك يا رب إلا سقيتهم قال فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ثم أرسلها الله وكان عزيزا على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل هذا الخير فقال هذا بالمدينة وأنا لا أعرفه فلما سلم الإمام تقنع وانصرف واتبعه ولم يجلس للقاص حتى أتى دار أنس فأخرج مفتاحا ففتح ثم دخل قال ورجعت فلما سبحت أتيته فإذا أنا أشمع نجرا في بيته فسلمت ثم قلت أدخل قال أدخل فإذا هو ينجر أقداحا يعملها قال فقلت كيف أصبحت أصلحك الله قال فاستشهرها واستعظمها مني فلما رأيت ذلك قلت إني سمعت إقسامك البارحة على الله يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من أمر الآخرة قال لا ولكن غير ذلك لا تذكرني لأحد ولا تذكر هذا لأحد حتى أموت ولا تأتني يابن المنكدر فإنك إن تأتني شهرتني للناس قلت إني أحب أن ألقاك قال إلقني في المسجد وكان فارسيا قال فما ذكر ذلك ابن المنكدر حتى مات الرجل قال ابن وهب بلغني أنه انتقل من تلك الدار فلم ير ولم يدر أين ذهب فقال أهل تلك الدار الله بيننا وبين ابن المنكدر أخرج عنا الرجل الصالح
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو أسيد ثنا عبيدالله بن جرير بن جبلة ثنا سليمان بن حرب ثنا السري بن يحيى ثنا عبدالله بن عبيد بن عمير قال خرجت مع أبي من قرية نريد قرية فضللنا الطريق فبينا نحن كذلك إذا نحن برجل قائم يصلي فدنونا منه فإذا حوض يابسة وقربة يابسة وقد انتظرناه لينفتل من صلاته فلم ينفتل فأقبل عليه أبي فقال يا هذا إنا قد ضللنا الطريق فأومأ بيده نحو الطريق فقال له أبي ألا تجعل في قربتك ماء فأومأ بيده أن لا فما برحنا أن جاءت سحابة فأمطرت فإذا ذلك الحوض ملآن فمضينا

حتى أتينا القرية فذكرنا لهم شان الرجل فقالوا ذاك فلان لا يكون بأرض إلا سقوا فقال لي أبي الحمد لله كم من عبد لله صالح لا نعرفه
أخبرنا أبو الأزهر ضمرة بن حمزة بن هلال المقدسي في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم بن أحمد قال حدثني أبي ثنا عبيدالله بن سعيد الهاشمي البصري قدم علينا ثنا أبي ثنا عبدالله بن إدريس عن مالك بن دينار قال احتبس عنا المطر بالبصرة فخرجنا يوما بعد يوم نستسقي فلم نر أثر الإجابة فخرجت أنا وعطاء السليمي وثابت البناني ويحيى البكاء ومحمد بن واسع وأبو محمد السختياني وحبيب أبو محمد الفارسي وحسان بن أبي سنان وعتبة الغلام وصالح المري حتى صرنا إلى مصلى بالبصرة وخرج الصبيان من المكاتب واستسقينا فلم نر أثر الإجابة وانتصف النهار وانصرف الناس وبقيت أنا وثابت البناني في المصلى فلما أظلم الليل إذا بأسود صبيح الوجه دقيق الساقين عظيم البطن عليه مئزران من صوف فقومت جميع ما كان عليه بدرهمين فجاء إلى ماء فتمسح ثم دنا من المحراب فصلى ركعتين كان قيامه وركوعه وسجوده سواء خفيفتين ثم رفع طرفه إلى السماء فقال سيدي إلى كم تردد عبادك فيما لا ينقصك أنفد ما عندك أم نفدت خزائن قدرتك سيدي أقسمت عليك بحبك لي إلا سقيتنا غيثك الساعة الساعة قال مالك فما أتم الكلام حتى تغيمت السماء وأخذتنا كأفواه القرب وما خرجنا من المصلى حتى خضنا الماء إلى ركبنا قال فبقيت أنا وثابت متعجبين من الأسود ثم انصرف فتبعناه قال فتعرضت له فقلت له يا أسود أما تستحي مما قلت قال فقال وماذا قلت قال فقلت له قولك بحبك لي وما يدريك أنه يحبك قال تنح عن همم لا تعرفها يا من اشتغل عنه بنفسه أين كنت أنا حين خصني بالتوحيد وبمعرفته أفتراه بدأني بذلك إلا بمحتبه لي على قدره ومحبتي له على قدري قال ثم بادر يسعى فقلت له رحمك الله ارفق بنا قال أنا مملوك على فرض من طاعة مالكي الصغير قال فجعلنا نتبعه من البعد حتى دخل دار نخاس وقد مضى من الليل نصفه فطال علينا النصف

الباقي فلما أصبحنا أتيت النخاس فقلت له عندك غلام تبينعيه للخدمة قال نعم عندي مائة غلام كلهم لذلك قال فجعل يخرج إلي واحدا بعد آخر وأنا أقول غير هذا حتى عرض علي تسعين غلاما ثم قال ما بقي عندي غيرها ولا واحد قال فلما أردنا الخروج دخلت أنا حجرة خربة في خلف داره فإذا أنا بالأسود نائم فكان وقت القيلولة فقلت هو هو ورب الكعبة فخرجت إلى عند النخاس فقلت له بعني ذلك الأسود فقال لي يا أبا يحيى ذاك غلام مشئوم نكد ليست له بالليل همة إلا البكاء وبالنهار إلا الصلاة والنوم فقلت له ولذلك أريده قال فدعا به وإذا هو قد خرج ناعسا فقال لي خذه بما شئت بعد أن تبريني من عيوبه كلها فاشتريته بعشرين دينارا بالبراءة من كل عيب فقلت ما اسمه قال ميمون قال فأخذت بيده فأتيت به إلى المنزل فبينا هو يمشي معي إذ قال لي يا مولاي الصغير لماذا اشتريتني وأنا لا أصلح لخدمة المخلوقين قال مالك فقلت له حبيبي إنما اشتريناك لنخدمك نحن بأنفسنا وعلى رؤسنا فقال ولم ذاك فقلت أليس أنت صاحبنا البارحة في المصلى فقال وقد اطلعتما على ذلك فقلت أنا الذي اعترضت عليك في الكلام قال فجعل يمشي حتى صار إلى مسجد فدخله وصف قدميه فصلى ركعتين ثم رفع طرفه إلى السماء فقال إلهي وسيدي سرا كان بيني وبينك أظهرته للمخلوقين وفضحتني فيه فكيف يطيب لي الآن عيش وقد وقف على ما كان بيني وبينك غيرك أقسمت عليك إ قبضت روحي الساعة الساعة ثم سجد فدنوت منه فانتظرته ساعة فلم يرفع رأسه فحركته فإذا هو ميت قال فمددت يديه ورجليه فإذا وجه ضاحك وقد ارتفع السواد وصار وجهه كالقمر وإذا بشاب قد أقبل من الباب فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعظم الله أجرنا في أخينا هاكم الكفن فكفنوه فيه فناولني ثوبين ما رأيت مثلهما ثم خرج فكفناه فيهما قال مالك فقبره يستسقى به وتطلب الحوائج إلى يومنا هذا
حدثنا أحمد بن إسحاق قال سمعت عمر بن بحر الأسدي يقول سمعت محمد

ابن المبارك الصوري يقول سنة خمسين ومائتين قال خرجنا حجاجا فإذا نحن بشاب ليس معه زاد ولا راحلة فقلت حبيبي في مثل هذاالطريق بلا زاد ولا راحلة فقال لي تحسن تقرأ فقلت نعم فقرأت بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص فشهق شهقة خر مغشياى عليه ثم أفاق فقال ويحك تدري ما قرأت كاف من كافي وها من هادي وعين من عليم وصاد من صادق فإذا كان معي كاف وهاد وعليم وصادق ما أصنع بزاد وراحلة ثم ولى وهو يقول ... يا طالب العلم هاهنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا ... إن كنت ترجو الجنان تسكنها ... فمثل العرض نصب عينيكا ... إن كنت ترجو الحسان تخطبها ... فأسبل الدمع فوق خديكا ... وقم إذا قام كل مجتهد ... وادعوه كيما يقول لبيكا ...
حدثنا أحمد قال سمعت عمر بن بحر يقول سمعت أبا الفيض باخميم يقول وهو في بلده سنة خمسين ومائتين قال كنت في تيه بني إسرائيل أريد الحج فرأيت غلاما أمرد ماتسيا أمامي على المحجة يؤم البيت العتيق بلا زاد ولا راحلة فقلت لرفيقي إنا لله إن كان مع هذا الغلام يقين وإلا هلك فلحقته فقلت يا فتى فقال لبيك فقلت في هذا الموضع في هذا الوقت بلا زاد ولا راحلة قال فنظر إلي ثم قال يا شيخ ارفع رأسك انظر هل ترى غيره فقلت يا حبيبي اذهب حيث شئت
حدثنا أبو العباس أحمد بن العلاء ثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال قال ذو النون حججت سنة إلى بيت الله الحرام فضللت عن الطريق ولم يكن معي ماء ولا زاد وإني لمشرف على الهلكة وآيس من الحياة فلاحت لى أشجار كثيرة وإذا أنا بمحراب قد كان عهده من متعاهده قريبا فطرحت نفسي تحت فئ شجرة متوقعا لنسيم برد الليل فلما غربت الشمس إذا أنا بشاب متغير اللون نحيل الجسم يؤم نحو المحراب فركل برجله ربوة من الأرض فظهر عين أبيض بماء عذب فشرب وتوضأ به وقام في محرابه فقمت إلى العين

فشربت ماء عذبا وسويق السلت وسكر الطبرزد فشبعت ورويت وتوضأت فقمت إليه أصلي بصلاته حتى برق عمود الصبح فلما رأى الصبح أقبل وثب قائما على قدميه ونادى بأعلي صوته ذهب الليل بما فيه ولم أقض من خدمتك وطراولا من عذب ماء مناجاتك شطرا إلهي خسر من أتعب لغيرك بدنه وألجأ إلى سواك همته فلما أراد أن يمضي ناديته بالذي منحك لذيذ الرغب وأذهب عنك ملال التعب إلا حففتني بجناح الرحمة وأمنتني من جناح الذلة فإني رجل غريب أريد بيت الله الحرام فضللت عن الطريق وليس معي ماء ولا زاد ولا راحلة وإني مشرف على الهلكة آيس من الحياة فقال اسكت يا بطال وهل من موفود وفد إليه فقطع به دون البلاغ إليه لو صححت له في المعاملة لصحح لك في الدلالة ثم قال اتبعني فرأيت الأرض تطوى من تحت أرجلنا حتى رأيت الحجة وسمعت ضجة فقال هذه بكة ثم أنشأ يقول ... من عامل الله بتقواه ... وكان في الخلوة يرعاه ... سقاه كأسا من صفا حبه ... تسلبه لذة دنياه ... فأبعد الخلق وأقصاهم ... وانفرد العبد بمولاه ...
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ثنا عبدالله بن محمد العطشي ثنا أبو حفص عمر بن محمد بن الحكم النسائي قال حدثني محمد بن الحسين البرجلاني قال حدثني حسين بن محمد الشامي قال سمعت ذا النون يقول ركبنا في البحر نريد مكة ومعنا في المركب رجل عليه أطمار رثة فوقع في المركب تهمة فدارت حتى صارت إليه فقلت إن القوم اتهموك فقال أنا تعني فقلت نعم قال فنظر إلى السماء ثم قال أقسمت عليك إلا أخرجت ما فيه من حوت بجوهرة قال فلقد خيل إلي أن ما في البحر سمكة إلا وقد خرجت في فيها لؤلؤة أو جوهرة ثم رمى بنفسه في البحر فذهب
حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر ثنا محمد بن يونس ثنا يوسف بن يعقوب المقري ثنا مبارك بن فضالة عن ثابت البناني قال كنت واقفا بعرفة فإذا أنا بشابين عليهما العباءة القطوانية فقال أحدهما لصاحبه كيف أنت

يا حبيب فأجابه الآخر لبيك يا محب قال فقال أترى أن الرب الذي تواددنا فيه وتحاببنا فيه يعذبنا غدا في القيامة فسمعت قائلا يقول سمعته الآذان ولم تره الأعين ليس بفاعل ليس بفاعل
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد الدينوري الطوسي بمكة يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول سمعت أبا عبدالله المغربي يقول خرجت حاجا فبينا أنا في برية تبوك إذا أنا بامرأة بلا يدين ولا رجلين ولا عينين فتعجبت منها فقلت يا أمة الله من أين أقبلت قالت من عنده قلت وما تريدين قالت إليه قلت يا سبحان الله بادية تبوك وليس فيها مغيث وأنت على هذه الحالة فقالت يا سبحان الله غمض عينيك فغمضتهما ثم قالت افتح عينيك ففتحتهما فإذا أنا بها متعلقة بأستار الكعبة ثم قالت يا أبا عبدالله تتعجب من ضعيف حمله قوي ثم سارت بين السماء والأرض حضرت عمر بن رفيل الشيخ الأمين بجرجان وسمعت منه وحدثني بهذا عنه أبو الحسن علي بن عبدالله الهمداني بمكة قال حكى الشيخ الشبلي أن أبا حمزة كان من شأنه الجلوس في منزله لا يخرج إلا لعظيم لا يسعه القعود عنه فدخل عليه بعض الفقراء يوما وليس عنده شيء فخلع قميصه ودفعه إليه فخرج الفقير فغلب على حمزة الوجد فخرج مجردا فبينا هو يمشي في صحراء إذ وقع في بئر فأراد أن يصيح فذكر العقد بينه وبين الله وكان قد عاهد الله أن لا يستغيث بمخلوق فبينا هو في البئر مر رجلان على جادةالطريق فقال أحدهما للآخر يا أخي هذا البئر في وسط الطريق لو مر به من لا يعلم به لهوى فيه فامض أنت وجئني بقصب وأنا أنقل الحجارة والتراب ففعلا وسدا رأس البئر ومضيا فأردت أن أكلمهما لضعف البشرية أن أخرجاني ثم طموه فمنعني العقد الذي بيني وبين سيدي فقلت سيدي وعزتك لا أستغيث بغيرك فبينا أنا كذلك وقد مضى بعض الليل إذا التراب يتناثر على من رأس البئر كأن إنسانا ينبشه فسمعت قائلا يقول لا ترفع رأسك لا يسقط عليك التراب ثم ناداني يا أبا حمزة تعلق برجلي فتعلقت برجله فإذا هو خشن

اللمس فلما صعدت وصرت فوق البئر على الأرض إذا أنا بسبع عظيم الهيئة فالتفت إلي فسمعت قائلا يقول يا أبا حمزة نجيناك من التلف بالتلف وولى عني في الصحراء فأنشأت أقول ... أهابك أن أبدي إليك الذي أخفي ... وطرفك يدري ما يقول له طرفي ... نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى ... وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف ... تراءيت لي بالغيب حتى كأنما ... تبشرني بالغيب أنك في كفي ... أراك وبي من هيبتي لك حشمة ... فتؤنسني بالعطف منك وباللطف ... وتحيى محبا أنت في الحب حتفه ... وذا عجب كون الحياة من الحتف ...
حدثنا علي بن عبدالله قال حدثني محمد بن الحسن قال سمعت علي بن محمد الناقد يقول قال لي بعض شيوخنا كنت ببعض سواحل الشام فرأيت شابا عليه طمران فأدمت النظر إليه فقال لي شدة الشوق والهوى صيرتني كما ترى فقلت له زدني فقال ... ما قر لي جنب على مضجع ... كم يلبث الجنب على الجمر ... والله لا زلت له عاشقا ... وإن أمت أذكره في القبر ... فمضى وتركني
سمعت أبا القاسم عبدالسلام بن محمد المخرمي الصوفي بمكة يقول قال أبو بكر الجوهري كنت بعسقلان على برج الخضر أحرس فمر بي رجل عليه جبة صوف متخرقة فقمت إليه مسلما وعانقته وأجلسته وجاريت معه في فنون من العلم وكان قدماه حافيتين فقلت له لم لا تسأل أصحابنا في نعل يقيك الحفاء فقال لي يا أخي ... لرد أمس بالحبال ... وحبس عين الشمس بالعقال ... ونقل ماء البحر بالغربال ... أهون علي من ذل السؤال ... واقفا بباب مثلي ... أرتجي منه النوال ... ثم أخرجني من باب المدينة فانتهى بي إلى صخرة منقورة فإذا عليها مكتوب كل بيمينك من عرق جبينك فإن ضعف يقينك فسل المولى يعينك

حدثنا محمد بن محمد بن عمر قال سمعت أحمد بن عيسى الوشاء يقول سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول سمعت ذا النون يقول خرجت في طلب المباحات فإذا أنا بصوت فعدلت إليه فإذا أنا برجل قد غاص في بحر الوله وخرج على ساحل الكمد وهو يقول في دعائه أنت تعلم أني أعلم أن الاستغفار مع الإصرار الحكاية بطولها في ترجمة ذي النون وكذلك التي تليها
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ثنا حيدرة ابن عبيدة بن عبيد قال دخلنا على رجل من العباد نعوده فقلنا له كيف تجدك فقال ذنوب كثيرة ونفس ضعيفة وحسنات قليلة وسفرة طويلة وغاية مهولة قال قلنا ما معك من الزاد لما ذكرته قال معي الأمل في السيد الكريم ثم قال اللهم لا تقطع بمؤملك في تلك الغمرات وارحمه في تلك الحيرة والحسرات إذا انخلعت القلوب يوم الندامات وجعل يتشهد حتى مات
حدثنا عبدالله بن محمد بن حعفر ثنا علي بن حمزة ثنا أبو العيناء قال حدثني الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال من عرف فضل من فوقه عرف فضله من دونه فإن جحد جحده وذكر أن السري بن جابر دخل بلاد الزنج قال فرأيت زنجية تدق الأرز وتبكي وأنشأت تقول بكلامها مالا أقف عليه فقلت ليتني أقف على ترجمتها فلقيت شيخا فسألته عنها فقال هي تقول ... رمقت بعيني يمنة ثم يسرة ... فلم أر غير الله يأمله قلبي ... فجئت بادلال إلى من عرفته ... فبالفضل والإحسان يغفر لي ذنبي ... أياديك لا تحصى وإن طال عهدها ... وإحسانك المبذول في الشرق والغرب ...
حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثني عبدالرحمن بن محمد ثنا أحمد بن روح قال حدثني إبراهيم بن عبدالله قال حدثني عبدالرحيم بن يحيى الرازي عن أبي خالد بن سليم العامري قال بلغني أن راهبا من رهبان القدماء سأل الله حاجة فبعد قضاؤها عليه فرفع رأسه وقال سيدي ومولاي حبستني في أضيق المحابس وجعلتني وحيدا لا أستطيع مذاكرة غيرك فليس لي راحة

إلا عندك وقد صحت لي الظنون فيك إلهي فما بال حاجتي محتبسة وأنت لا تخاف الظنون قال فنودي هاك حاجتك فلهذا الكلام حبست حاجتك قال فخر مغشيا فلم يفق أياما ثم رفع رأسه فقال إلهي أكل هذا تفعل بالمذنبين فصعق وخر ميتا
حدثنا عبدالله بن محمد حدثني أحمد بن سعيد عن عبيدالله بن عبدالملك قال قال ذو النون المصري وصف لي باليمن رجل قد برز على المجتهدين وذكر لي باللب والحكمة فخرجت حاجا إلى بيت الله فلا قضيت نسكي أتيته لأسمع من كلامهم وأنتفع بموعظته فأقمت على بابه أياما حتى ظفرت به وكان أصفر اللون من غير مرض أعمش العينين من غير عمش ناحل الجسم من غير سقم يحب الخلوة ويأنس إلى الوحدة تراه كأنه قريب عهد بمصيبة قال فخرج الشيخ ذات يوم إلى صلاة الجمعة فاتبعناه بأجمعنا لنكلمه فبادر إليه شاب فسلم عليه وصافحه وأبدى له الترحيب والبشر فقال له الشاب إن الله بمنه وفضله جعلك ومثلك أطباء لسقام القلوب ومعالجين لأوجاع الذنوب وبي جرح قد نغل وداء قد استطال فإن رأيت أن تتلطف ببعض مراهمك وتعالجني برفقك فقال له الشيخ سل عما بدا لك قال ما علامة الخوف من الله قال أن تؤمن نفسك من كل خوف إلا الخوف من الله فاضطرب الشاب كما تضطرب السمكة في شبكة الصياد والشيخ قائم بإزائه ثم إن الشاب رجع وأمر يده على وجهه وقال رحمك الله متى يتبين للعبد خوفه من الله قال يا بني إذا أنزل نفسه في الدنيا بمنزلة السقيم وهو يحتمي من كل الطعا مخافة طول الأسقام قال فصاح الشاب صيحة ثم قال أوه عاقبت فأوجعت فقال الشيخ بل داويت فأحسنت وعالجت فرفقت فمكث الشاب ساعة لا يحير جوابا ثم ان الشاب أفاق فأمر يده على وجهه وقال له رحمك الله فما علامة المحب لله قال فانتفض الشيخ فزعا وجرت الدموع على وجهه كنظام اللؤلؤ ثم قال يا شاب ان درجة الحب درجة سنية بهية رفيعة قال فأنا أحب أن تصفها لي قال إن المحبين لله شق لهم عن قلوبهم

فأبصروا بنور القلوب عظمة الله جل جلاله فصارت أبدانهم دنيوية وقلوبهم سماوية وأرواحهم حجبية وعقولهم نورانية تسرح بين صفوف الملائكة بالعيان وتشاهد تلك الأمور بالتحقيق والبيان فعبدوا الله بمبلغ استطاعتهم لا لجنة ولا لنار قال فصاح الشاب صيحة خر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو قد فارق الدنيا فانكب الشيخ يقبل بين عينيه ويبكي ويقول هذا مصرع الخائفين وهذه درجة المجتهدين وهذه منازل المتقين
حدثنا عبدالله بن محمد قال سمعت عمر بن بحرالأسدي يقول سمعت أحمد ابن أبي الحواري يقول بينا أنا ذات يوم في بلاد الشام في قبة من قباب المقابر ليس عليها باب إلا كساء قد أسبلته فاذا أنا بامرأة تدق على باب الحائط فقلت من هذا قالت ضالة دلني على الطريق رحمك الله قلت رحمك الله عن أي الطريق تسألين فبكت ثم قالت يا أحمد على طريق النجاة قلت هيهات إن بيننا وبين طريق النجاة عقابا وتلك العقاب لا تقطع إلا بالسير الحثيث وتصحيح المعاملة وحذف العلائق الشاغلة من أمر الدنيا والآخرة قال فبكت بكاء شديدا ثم قالت يا حمد سبحان من أمسك عليك جوارحك فلم تتقطع وحفظ عليك فؤادك فلم يتصدع ثم خرت مغشيا عليها فقلت لبعض النساء انظروا أي شيء حال هذه الجارية قال أحمد فقمن إليها ففتشنها فاذا وصيتها في جيبها كفنوني في أثوابي هذه فان كان لي عند الله خير فهو أسعد لي وإن كان غير ذلك فبعدا لنفسي قلت ماهيه فحركوها فإذا هي ميتة فقلت للخدام لمن هذه الجارية قالوا جارية قرشية مصابة وكان الذي معها يمنعها من ا لطعام وكانت تشكو إلينا وجعا بجوفها فكنا نصفها لمتطببي الشام والعراق وكانت تقول خلوا بيني وبين الطبيب الراهب تعني أحمد أشكو إليه بعض ما أجد من بلائي لعل أن يكون عنده شفائي
حدثنا أبي ثنا أحمد بن عمر ثنا عبدالله بن محمد بن سفيان ثنا هارون بن عبدالله ثنا محمد بن يزيد بن حبيش قال قال وهيب بن الورد قال رجل بينا أنا أسير في أرض الروم ذات يوم إذ سمعت هاتفا فوق رأس الجبل وهو

يقول يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو أحدا غيرك ثم عاد الثانية فقال يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يستعين على أمره أحدا غيرك ثم عاد الثالثة فقال يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يتعرض لشيء من غضبك برضاء غيرك قال فناديته فقلت أجني أم إنسي قال بل إنسي اشتغل بنفسك بما يعنيك عما لا يعنيك
حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ثنا أبي ثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني علي بن الحسن قال كان رجل بالمصيصة ذاهب نصفه الأسفل لم يبق منه إلا روحه في بعض حسده طريحا على سرير مثقوب فدخل عليه داخل فقال كيف أصبحت يا أبا محمد قال ملك الدنيا منقطع إليه مالي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الاسلام
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عمر بن ا لحسن الحلبي قال حدثني أحمد بن سنان القطان قال سمعت عبدالله بن داود الواسطي يقول بينا أنا وقف بعرفات إذا أنا بامرأة وهي تقول من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له فقلت من أنت فقالت امرأة ضالة فنزلت عن بعيري وقلت لها يا هذه ما قصتك فقرأت ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فقلت في نفسي حرورية لا ترى كلامنا فقلت لها فمن أين أتيت فقالت سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فأركبتها بعيري وقدت بها أريد بها رحال المقدسيين فلما توسطت الرحل قلت يا هذه بمن أصوت فقرأت يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض يا زكريا إنا نبشرك بغلام يا يحيى خذ الكتاب بقوة فناديت يا داود يا زكريا يا يحيى فخرج إلي ثلاثة فتيان من بين الرحالات فقالوا أمنا ورب الكعبة ضلت منذ ثلاثة فأنزلوها فقرأت فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فغدوا فاشتروا تمرا وفستقا وجوزا وسألوني قبوله فقبلته فقلت لهم مالها لا تتكلم قالوا هذه أمنا لا تتكلم منذ ثلاثين سنة إلا بالقرآن مخافة أن تزل

حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمر بن بحر الأسدي قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول قال أبو سليمان الداراني رأيت زحلة العابدة في الموقف وهي تدعو وهي تقول أثقلتني الآثام ونهضتني الأيام يا سيدي الأنام كحلت عيني بكحول الحزن فوعهدك لا نعمت بضحك أبدا حتى أعلم أين محل قراري وإلى أي الدارين داري فلما رأت أيدي الناس مبسوطة بالدعاء قالت يا رب أقامهم هذا المقام خوف النار يا قرة عين الأبرار يلتمسون نائلك ويرجون فضائلك فاجعل زخرف الطاعة لي شعارا ومرضاتك لي دثارا وزد قلبي كمدا بخوفك واعصمني من سخطك فلما انصرف الأمام وضعت يدها على خدها فقالت انصرف الناس ولم أشعر قلبي منك الا ياس ثم صرخت وغشي عليها
حدثنا محمد بن عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر الدينوري المفسر ثنا محمد ابن أحمد الشمشاطي قال سمعت ذا النون المصري يقول بينا أنا أسير على شاطىء نيل مصر إذا أنا بجارية تدعو وهي تقول في دعائها يا من هو عند ألسن الناطقين ويا من هو عند قلوب الذاكرين ويا من هو عند فكرة الحامدين ويا من هو على نفوس الجبارين والمتكبرين قد علمت ما كان مني يا أمل المؤملين قال ثم صرخت صرخة خرت مغشيا عليها
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمر بن بحر الأسدي قال سمعت عبدالله بن محمد البلوي ثم الأنصاري يقول ثنا أبو إسحاق جماع بن سماعة الكتاني قال أخبرني ابن فارس قال أخبرني أعرابي بنجد قال كان لي جار فمرض فعدته فقلت يا أبا نجيد كيف تجدك قال أجدني أسمع حادي الموت قد غرد وهاتف النقلة قد ردد ولي نفس تواقة تشره إلى الدنيا فهي تشغلني عن سماع النداء وتثبطني بتطويل الأمل عن إجابة الداعي ونذيراي شيبي وسقمي يؤيساني وخادعاي حرصي وأملي يطمعاني وأنا كذا نفسي نفس تكره الحمام وتحب المقام ونفس متوطنة بالارتحال ولهة بالإنتقال على أن الحق يغلب الباطل كما يغلب حلم الحليم سفه الجاهل ثم أنشأ يقول

صاح بي الشيب لا مقام ... وبين الرجعة السقام ... صوتان قد أزعجا وحثا ... عمري وراعني الحمام ... لا آمن الدهر والمنايا ... إذ كل عمر له انصرام ...
حدثنا عبدالله بن محمد قال قرأت في كتاب ابن حاتم العكلي حدثكم عبدالجبار عن المغيرة بن سهل عن الربيع بن صبيح عن ا لحسن قال كان في زمن عمر بن الخطاب فتى يتنسك ويلزم المسجد فعشقته جارية فجاءته فكلمته سرا فقال يا نفس تكلمينها سرا فتلقين الله زانية فصرخ صرخة غشى عليه فجاء عم له فحمله إلى منزله فلما أفاق قال له ياعم الق عمر فاقرأ عليه منى ا لسلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه فقال وعليك السلام جزاؤه جنتان جزاؤه جنتان
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر الدينوري المفسر ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا في سواد مصر إذا أنا بأسود ثقاس دقة ساقيه بالخلال في نحافته فدنوت منه فسلمت عليه فقال وعليك السلام ياذا النون قلت عافاك الله كيف عرفتني ولم أتعاهدك قبل اليوم قال يا بطال اتصلت المعرفة بحركات العارفين فعرفتك بمعرفة المحبوب ثم أنشأ يقول ... إن عرفان ذي الجلال لعز ... وبهاء وبهجة وسرور ... وعلى العارفين أيضا بهاء ... وعليهم من الجلالة نور ... فهنيئا لمن أطاعك ربي ... فهو في الخير كله مغمور ... ليس للخائفين غيرك ربي ... أنت سؤلي ومنيتي يا غفور ...
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفسر ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي قال قال أبو عامر كنت جالسا في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم فإذا أنا بغلام أسود قد جاءني برقعة فنظرت فيها فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم متعك الله بمسامرة الفكرة ونعمك بمؤانسة العبرة أفردك بحب الخلوة أنا رجل من إخوانك بلغني قدومك المدينة فسررت

بذلك فأحببت زيارتك فحجبت عن ذلك فالتمست مخرج العذر من كتاب الله فوجدت الله قد منحني ثلاث خصال أذهب عني حرج أهلها وبي من الشوق الى مجالستك والاستماع لمحادثتك مالو كان فوقي لأظلني ولو كان تحتي لأقلني فأسألك إلا ألحفتني جناح ا لمتفضل على بزيارتك والسلام قال أبو عامر فقمت مع الغلام حتى أتى بي منزلا رحبا خربا فقال لي قف حتى أستأذن لك فوقفت حتى خرج فقال لي لج فدخلت فإذا أنا ببيت له باب من جريد النخل فاذا أنا بكهل مستقبل القبلة تخاله من الورع مكروبا ومن الخشية محزونا قد ظهرت في وجهه أحزانه وقد قرحت من البكاء عيناه ومرضت أجفانه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم تخلخل فلم يطق القيام فاذا هو أعرج أعمى مسقام فقال لي متع الله بالأحزان لبك وغسل من ران الذنوب قلبك لم تزل نفسي إليك مشتاقة وقلبي إليك تواقا وبي جرح قد أعيا الناس دواؤه والمتطببين شفاؤه فلا قاله أجود الترياق وإن كان مر المذاق فإنى ممن أصبر على مضض الدواء مخافة ما يتوقع من عظيم البلاء قال فسمعت كلاما حسنا ورأيت منظرا أفظعنى فأطرقت طويلا ثم تأتي من كلامي ما تأتى فقلت يا شيخ ارم ببصر قلبك في ملكوت السماء فتمثل بحقيقة إيمانك جنة المأوى فسترى ما أعد الله فيه للأولياء ثم أشرف بقلبك نارا تتلظى فسترى ما أعد فيها للأشقياء شتان ما بين المنزلتين والدارين شتان أليس الفريقان في الموت سواء قال فأن أنة وزفر زفرة والتوى ثم قال قد وقع دواؤك على دائي وقد علمت أن عندك شفائي زدني يرحمك الله فقلت إنه عالم بخفياتك مطلع على سرائرك قال فصرخ صرخة خر ميتا فاذا أنا بجارية قد رفعت العباءة عليها جبة من صوف قد أقرح السجود حاجبيها وأنفها فلما نظرت إلي قالت أحسنت يا هادي قلوب العارفين ومثير أحزان المحزونين لا أنسى لك هذا الموقف رب العالمين هذا أبي مبتلى منذ عشرين سنة صلى حتى انحنى وصام حتى أقعد وبكى حتى عمى وكان يتمناك على ربه عز و جل ويقول سمعت كلام أبي عامر

مرة فأحيى الله موات قلبي فإن سمعته ثانيا قتلني قال أبو عامر فرأيته في المنام بعد ليال كأنه في روضة من رياض الجنة فقلت له ما صنع الله بك قال غفر لي وأنشأ يقول ... أنت شريكي في الذي نلته ... مستأهلا ذاك أبا عامر ... وكل من أيقظ ذا غفلة ... فنصف ما يعطاه للآمر ... من رد عبدا آبقا مرة ... كان كالمجتهد الصابر ...
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو قرة قال كان بعض التابعين يقول اللهم أنت تعطيني من غير أن أسألك فكيف تحرمني وأنا أسألك اللهم إني أسألك أن تسكن عظمتك قلبي وأن تسقيني شربة من كأس حبك قال أحمد بن أبي الحواري وحدثنا جعفر بن محمد قال كان بعض التابعين يقول اللهم أمت قلبي بخوفك وخشيتك وأحيه بحبك وذكرك
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا الفضيل بن أحمد ثنا أبو حاتم ثنا محمد بن هشام قال سمعت رجلا قام في مسجد الخيف ليالي منى ليلا فنادى يارب العالمين أتاك الخاطئون طامعين في رحمتك راجين تائبين فاقبلنا وإياهم مغفورين ولا تردنا وإياهم خائبين
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أحمد بن نصر قال قال إبراهيم بن الجنيد كان بعض العباد يقول أحيوا قلوبكم بذكر الله وأميتوها بالخشية ونوروها بحب الله وفرحوها بالشوق إليه واعلموا أنكم بالمحبة ترتفعون وبالمغفرة ترهبون وبالشوق ترغبون وبحسن النية تقهرون الهوى وبترك الشهوات تصفو أعمالكم حتى يورثكم ملكوت السموات في عليين فمن أراد منكم الراحة فليعمل في منازل أهل المحبة وإن من أخلاق أهل محبة الله كثرة الذكر في ساعات الليل والنهار بالقلب واللسان فإن أمسك اللسان فالقلب فإن ذكر القلب أبلغ وأنفع قال إبراهيم بن الجنيد قال بعض العباد وجدت الله غيورا يمنعني من كل من أرجوه وإذا سبح قلبي في مودته أجرى

ذكره على لساني فواشوقاه ثم واشوقاه ثم خر مغشيا عليه
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ثنا عبدالله ابن خبيق ثنا سعيد بن عبدالرحمن قال كنت في مجلس يزيد بن هارون وقد نفذ بعض نفقتي في بعض الأسفار فقال بعض أصحاب الحديث من تؤمل لما نزل بك قلت يزيد بن هارون قال إذا لا تقضى حاجتك ولا تنجح طلبتك قال وما علمك قال لأني قرأت أن الله تعالى يقول وعزتي وجلالي وجودي وكرمي وارتفاعي في مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل يؤمل غيري بالأياس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ولأبعدنه من وصلي أيؤمل غيره في الشدائد والشدائد بيدي ويرجو غيري ويقرع بالفقر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنوائبه فقطعت به دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيم جرمه فقطعت رجاءه ومن ذا الذي دعاني فلم أفتح له جعلت آمال عبادي متصلة بي فقطعت من غيري وجعلت رجاءهم مدخرا عندي فلم يرضوا بحفظي وملأت سماواتي ممن لا يملون من تسبيحي وأمرتهم ألا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد إلا بأذني فمالي أراه بآماله معرضا عني ومالي أراه لاهيا عني أعطيته بجودي مالم يسألني ثم انتزعته منه ولم يسألني رده وسأل غيري أنا أبدأ بالعطية قبل أن أسأل ثم أسأل فلا أخيب سائلي أبخيل أنا فيبخلني عبادي أو ليس الدنيا والآخرة لى أو ليس الفضل والرحمة بيدي أو ليس الجود والكرم لي أو ليس أنا محل الآمال فمن يقطعها دوني أو ما يحسن المؤملون أن يؤملوني ولو جمعت أهل سماواتي وأرضي فأعطيت كل واحد منهم من الفكر مثل ما أعطيت الجميع فقلت لهم أملونى فأملونى فأعطيت كل واحد منهم مسألته لم ينقص مما عندي عضو ذرة وكيف ينقص ملك أنا قيمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي وياسوأة من عصاني فلم يراقبني
حدثنا إبراهيم بن عبدالله ثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال سمعت أحمد

ابن موسى الأنصاري قال قال منصور بن عمار حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة فخرجت في ليلة مظلمة طخياء مطلخمة مستحلكة فإذا أنا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك جاهل ولكن خطيئتي عرضت وأعاني عليها شقائي وغرني سترك المرخى علي وقد عصيتك بجهدي وخالفتك بجهلي فالى من أحتمي ومن من عذابك يستنقذني وبحبل من أتصل إذا أنت قطعت حبلك عني واشباباه واشباباه فلما فرغ من قوله تلوت عليه آية من كتاب الله نارا وقودها الناس والحجارة الآية فسمعت دكدكة لم أسمع بعدها حسا فمضيت فلما كان من الغد رجعت في مدرجتي فإذا أنا بجنازة قد أخرجت وإذا أنا بعجوز قد ذهب متنها يعني قوتها فسألتها عن أمر الميت ولم تكن عرفتني فقالت هذا رجل لا جزاه الله إلا جزاءه مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله فتفطرت مرارته فوقع ميتا
قال إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري حدث ابن أبي الدنيا عن محمد بن إسحاق الثقفي بهذه الحكاية وحدثنا أبي ثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف عن أبيه عن شيخ له قال منصور بن عمار خرجت في ليلة من الليالي وظننت أن النهار قد أضاء فإذا الصبح على فقعدت إلى دهليز مشرف فإذا أنا بصوت شاب يدعو ويبكي وهو يقول اللهم وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا بنظرك مستخف ولكن سولت لي نفسي فأعانتني عليها شقوتي وغرني سترك المرخى علي فقد عصيتك وخالفتك بجهلي فمن من عذابك يستنقذني ومن أيدي زبانيتك من يخلصني وبحبل من أتصل إذا أنت قطعت حبلك عني واسوأتاه إذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا فيا ليت شعري مع المثقلين نحط أم مع المخفين نجوز وننجو كلما طال عمري وكبر سني وكثرت ذنوبي وكثرت خطاياي فيا ويلي كم أتوب وكم أعود ولا أستحي من ربي قال منصور فلما سمعت هذا الكلام وضعت فمي على باب داره وقلت أعوذ

بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة الآية قال منصور ثم سمعت للصوت اضطرابا شديدا وسكن الصوت فقلت إن هناك بلية فعلمت على الباب علامة ومضيت لحاجتي فلما رجعت من الغد إذا أنا بجنازة منصوبة وأكفان تصلح وعجوز تدخل الدار وتخرج باكية فقلت يا أمة الله من هذا الميت منك قالت إليك عني لا تجدد على أحزاني قلت إني رجل غريب أخبريني قالت والله لولا أنك غريب ما أخبرتك هذا ولدي ومن زل عن كبدي ومن كنت أظن به سيد عولي من بعدي كان ولدي من موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان إذا جن عليه قام في محرابه يبكي على ذنوبه وكان يعمل هذا الخوص فيقسم كسبه أثلاثا فثلث يطعمني وثلث للمساكين وثلث يفطر عليه فمر علينا البارحة رجل لا جزاه الله خيرا فقرأ عند ولدي آية فيها ذكر النار فلم يزل يضطرب ويبكي حتى مات رحمه الله قال منصور فهذه صفة الخائفين إذا خافوا السطوة قال الشيخ رضي الله تعالى عنه قد ذكرنا طرفا من أحوال من أخفاهم الحق عن الخلق وخصهم بالأنس به ولم ينصبهم أعلاما يقتدى بهم ونعود إلى ذكر بعض من نصبهم الحق للقدوة والتعليم والدعوة والتفهيم وجعلهم خلفاء الأنبياء وأئمة الأصفياء مقتصرين على ذكر جماعة منهم والله خير معين وموفق له إن شاء الله تعالى عدنا مستعينين بالله عز و جل مقتصرين على ذكر جماعة نصبوا وشهروا للقدوة وطهروا من الأكدار وجردوا من الأغيار وهذبوا بصحبة السادة والأخيار واقتبسوا عن الأئمة من اتباع الآثار وأيدوا بالأنوار وحفظوا من تلوين الأسرار وخصوا بصافي الأذكار وعصموا من مسامرة الأشرار وملاحظة الأوزار 544
سهل بن عبد الله
فمنهم ا لشيخ المسكين الناصح الأمين الناطق بالفضل الرصين

أبو محمد سهل بن عبدالله بن يونس بن عيسى بن عبدالله بن رفيع التستري تخرج عن خاله محمد بن سوار ولقي أبا الفيض ذا النون المصري بالحرم عامة كلامه في تصفية الأعمال وتنقية الأحوال عن المعايب والأعلال
سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر الجوربي يقول سمعت أبا محمد بن سهل بن عبدالله يقول أصولنا ستة أشياء التمسك بكتاب الله تعالى والإقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام والتوبة وأداء الحقوق وقال من كان اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه و سلم لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء ولا يجول قلبه سوى ما أحب الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وسئل هل للمقتدي اختيار بالإستحسان قال لا إنما جعل السنة واعتقادها بالاسم ولا تخلو من أربعة الإستخارة والإستشارة والإستعانة والتوكل فتكون له الأرض قدوة والسماء له علما وعبرة وعيشته في حاله لأن حاله المزيد وهو الشكر وقال أيما عبد قام بشيء مما أمره الله به من أمر دينه فعمل به وتمسك به فاجتنب ما نهى الله تعالى عنه عند فساد الأمور وعند تشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي والتفريق إلا جعله الله إماما يقتدى به هاديا مهديا قد أقام الدين في زمانه وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الغريب في زمانه الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بدأ الاسلام غريبا وسيعود كما بدأ وما من عبد دخل في شيء من السنة وكان نيته متقدمة في دخوله لله إلا خرج الجهل من سره شاء أو أبى بتقديمه النية ولا يعرف الجهل إلا عالم فقيه زاهد عابد حكيم وسئل كيف يتخلص العبد من خدعه نفسه وعدوه قال يعرف حاله فيما بينه وبين الله وبعد عرفان حاله فيما بينه وبين الله يعرض نفسه على الكتاب والأثر ويقتدي في الأشياء بالسنة وقال على هذا الخلق من الله أن يلزموا أنفسهم سبعة أشياء فأولها الأمر والنهي وهو الفرض ثم السنة ثم الأدب ثم الترهيب ثم الترغيب ثم السعة فمن لم يلزم نفسه هذه السبعة ولم يعمل بها لم يكمل إيمانه ولم يتم عقله ولم يتهنأ بحياته ولم يجد لذة طاعة ربه قال وسمعت سهلا يقول

أعلموا إخواني أن العباد عبدوا الله على ثلاثة وجوه على الخوف والرجاء والقرب وكل علامة يعرف بها وشهادة تشهد له بها بماله وعليه فعلامة الخائف الإشتغال بالتخلص مما يخاف فلا يزال خائفا حتى يتخلص فأذا تخلص مما يخاف اطمأن وسكن فهذه علامة الخائفين وأما الراجي فإنه رجى الجنة وطلب نعيمها وملكها فأعطي القليل في طلب الكثير فبذل نفسه وخاف أن يسبقه أحد إليها فجد في البذل وتحرز من الدنيا ألا يقف غدا في الحساب فيسبق فهذه علامة الراجي وأما العارف الذي طلب معرفة الله وقربه فإنه بذل ماله فأخرجه ثم نفسه فباعه ثم روحه فأباحه فلو لم تكن جنة ولا نار لما مال ولا زال ولا فتر فهذه علامة العارف فانظروا الآن أيها العقلاء من أي القوم أنتم أموتى لا حياة فيكم أم لا موتى ولا أحياء أم أحياء حيوا بحياة الخلدا ويحك إن الخائف حي بحياة واحدة وللراجي حياتان وللعارف ثلاث حياآت وهي الحياة التي لا موت فيها فحياة الخائف إذا أمن النار فقد حيى بحياة ثم يتم بحياة ثانية ويدخل الجنة بغير حساب والراجي أمن من العذاب ومن الحساب فمر إلى الجنة مع السابقين بغير حساب فصار له أمانان وأما العارف فصار له أمان من النار والأمان الثاني صار إلى الرحمن وصار الراجي إلى الجنة فسبق هو إلى الرحمن فصار له ثلاث حياآت فانظروا من أي القوم أنتم واسلكوا طريق العارفين ولا ترضوا لربكم بهدية الدون فبقدر ما تهدون تكرمون وتقربون وبقدر ما تقربون تنعمون ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال أول ما ينبغي للعبد أن يتخلق به ثلاثة أخلاق وفيها اكتساب للعقل احتمال المؤونة والرفق في كل شيء والحذر أن لا يميل في الهوى ولا مع الهوى ولا إلى الهوى ثم لا بد له من ثلاث أحوال أخر وفيها اكتساب العلم العالي والحلم والتواضع ثم لا بد له من ثلاثة أخر وفيها اكتساب المعرفة وأخلاق أهلها السكينة والوقار والصيانة والإنصاف ومن أخلاق الإسلام والإيمان الحياء وكف الأذى وبذل المعروف والنصيحة وفيها أحكام التعبد وقال أركان الدين أربعة الصدق واليقين والرضا والحب فعلامة الصدق الصبر

وعلامة اليقين النصيحة وعلامة الرضا ترك الخلاف وعلامة الإيثار والصبر يشهد للصدق وقال الجاهل ميت والناسي نائم والعاصي سكران والمصر ندمان
سمعت أبا عمر عثمان بن محمد العثماني يقول سمعت أبا بكر محمد بن يحيى بن أبي بدر يقول سمعت أبا محمد سهل بن عبدالله يقول الانقطاع من الشهوات الخروج من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ومن الإصرار إلى التوبة قال وسمعت أبا محمد سهل بن عبدالله يقول في قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال من يتق الله في دعواه فلا يدعي الحول والقوة ويتبرأ من حوله وقوته ويرجع إلى حول الله وقوته يجعل له مخرجا ويرزق من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه قال لا يصح التوكل إلا لمتق ولا تتم التقوى إلا لمتوكل لقوله تعالى وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قال إن كنتم مصدقين أنه لا دافع ولا نافع غير الله لقوله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم قال وسمعت أبا محمد يقول أركان الدين النصيحة والرحمة والصدق والإنصاف والتفضل والإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم والاستعانة بالله على ذلك إلى الممات قال وسمعت أبا محمد يقول دخل قوم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال من القوم فقالوا مؤمنون فقال إن لكم قوم حقيقة فما حقيقة إيمانكم قالوا الشكر عند الرخاء والصبر عند ا لبلاء فقال النبي صلى الله عليه و سلم فقهاء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان الأمركما تقولون فلا تبنون مالا تسكنون ولا تجمعون ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه تصيرون قال أبو محمد ففسروا لا تبنون ما لا تسكنون يعني الأمل ولا تجمعون ما لا تأكلون يعني الحرص واتقوا الله الذي إليه تصيرون يعني المراقبة
حدثنا عثمان بن محمد ثنا العباس بن أحمد قال سهل بن عبدالله لا يفتح الله قلب عبد فيه ثلاثة أشيء حب البقاء وحب الغنى وهم غد قال

وسئل سهل بن عبدالله متى يستريح الفقير من نفسه قال إذا لم يروقنا غير الوقت الذي هو فيه
حدثنا عثمان بن محمد قال سمعت محمد بن أحمد يقول سمعت أصحابنا يقولون إن أول ما حفظ من كلام سهل بن عبدالله أن قال إن الله لم يبطل حسنات من أخذ الشهوات في هوى نفسه ولا منعهم من الحسنات بجوده وكرمه ولكن حرم عليهم أن يجدوا بقلوبهم شيئا مما يجده الصديقون بقلوبهم إلا في الضرورة من الحلال وذلك أن الله أعز وأغير من أن يعطى آخذ الشهوات شيئا من مواجد القلوب إلا في حال الضرورة قال فقال له إبراهيم كالمنكر عليه يا أخي إيش هذا فقال حق لزمني قال وما هو قال مات ذو النون قال متى قال أمس 1
حدثنا أبو القاسم عبدالجبار بن شيرياز بن زيد النهرجوطي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال قال سهل بن عبدالله لا تفتش عن مساوي الناس ورداءة أخلاقهم ولكن فتش وابحث في أخلاق الاسلام ما حالك فيه حتى تسلم ويعظم قدره في نفسك وعندك
حدثنا عثمان بن محمد قال قرىء علي أبي الحسن أحمد بن محمد الأنصاري قال سمعت محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال سمعت أبا محمد سهل بن عبدالله يقول قال الله لآدم يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلى وخاف غير عدلى لم يعرفني يا آدم إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي أسكنتهم صلبك بعيني من بين خلقي أعزهم بعزي وأقربهم من وصلي وأمنحهم كرامتي وأبيح لهم فضلي وأجعل قلوبهم خزائن كتبي وأسترهم برحمتي وأجعلهم أمانا بين ظهراني عبادي فيهم أمطر السماء وبهم أنبت الأرض وبهم أصرف البلاء هم أوليائي وأحبائي درجاتهم عالية ومقاماتهم رفيعة وهممهم بي متعلقة صحت عزائمهم ودامت في ملكوت غيبي فكرتهم فارتهنت قلوبهم بذكري فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي فطال شوقهم إلى لقائي وإني إليهم لأشد شوقا يا آدم من طلبني من خلقي وجدني ومن

طلب غيري لم يجدني فطوبى يا آدم لهم ثم طوبى لهم ثم طوبة لهم وحسن مآب يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان علي غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم علي قلت يا أبا محمد زدنا من هذا الضرب رحمك الله فإنها ترتاح القلوب وتتحرك فقال نعم إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما فكان داود يقول في مزاميره واها لهم يا ليتني عاينتهم ياليت خدي نعل موطئهم ثم احمرت بعد أدمته أو اصفر لونه وجعل يقول جعل الله نبيه وخليفته خادما لمن طلبه لو عقلت وما أظنك تعقل قدر أولياء الله وطلابه ولو عرفت قدرهم لاستغنمت قربهم ومجالستهم وبرهم وخدمتهم وتعاهدهم قال وسمعت سهل بن عبدالله يقول إذا خلا العبد من الدنيا وهرب من نفسه إلى الله وسقط من قلبه أثر الخلائق لم يعجبه شيء ولم يسكن إلى شيء غير الله قط فالله مؤنسه ومؤدبه وكالئه وحافظه وجليسه وأنيسه إياه يناجي وله ينادي وبه يستأنس وإليه يرغب وإليه يستريح قال الله جل ذكره طوبى لمن خلقته فعرفني ودعوته فأجابني وأمرته فأطاعني ورزقته فحمدني وأعطيته فشكرني وابتليته فصبر لي وعافيته فذكرني ومدحني
سمعت عثمان بن محمد يقول سمعت أبا محمد بن صهيب يقول سمعت سهل وابن عبدالله يقول الدنيا كلها جهل إلا العلم فيها والعلم كله وبال إلا العمل به والعمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه والاخلاص فيه أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا قال وسمعت سهلا يقول شكر العلم العمل وشكر العمل زيادة العلم
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال سمعت أبا محمد بن صهيب يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول ما من قلب ولا نفس إلا والله مطلع عليه في ساعات الليل والنهار فإيما قلب أو نفس رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس قال وسمعت والنية سهلا يقول الله قبلة النية والنية قبلة القلب والقلب قبلة البدن والبدن قبلة الجوارح والجوارح قبلة الدنيا

سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا بكر بن المنذر الهجيمي يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول من ظن أنه يشبع من الخبز جاع قال وسمعت سهلا يقول البطنة أصل الغفلة قال وسمعت سهلا يقول لا يكون العبد مقيما على معصية إلا وجميع حسناته ممزوجة بالهوى لا تخلص له حسناته وهو مقيم عل سيئة واحدة ولا يتخلص من هواه حتى يخرج من جميع ما يعرف من نفسه مما يكرهه الله قال وسمعت سهلا يقول وسئل عن معنى قوله تعالى واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قال لسانا ينطق عنك لا ينطق عن غيرك قال وسمعت سهلا يقول ما أعطى أحد شيئا أفضل من علم يستزيد به افتقارا إلى الله قال وسمعت سهلا يقول إذا جنك الليل فلا تأمل النهار حتى تسلم ليلتك لك وتؤدي حق الله فيها وتنصح فيها لنفسك فإذا أصبحت فكذلك قال وسمعت سهلا يقول الصبر في الدنيا صنفان أهل الدنيا يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها وأهل الآخرة يصبرون على آخرتهم حتى ينالوا منها قال وسمعت سهلا يقول لا يكمل للعبد شيء حتى يصل علمه بالخشية وفعله بالورع وورعه بالإخلاص وإخلاصه بالمشاهدة والمشاهدة بالتبرىء مما سواه
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا الحسن النحاس جارنا يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول الفترة غفلة والخشية يقظة والقسوة موت
سمعت أبا الحسن يقول سمعت محمد بن المنذر يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول من طعن في التوكل فقد طعن في الايمان ومن طعن في التكسب فقد طعن في السنة
سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر الجوربي يقول سئل سهل بن عبدالله عن البلوى من الله للعبد قال هو كإسمه هو عبد والعبد لله والله للعبد وإذا كان من العبد حدث فهو ثالث وهو حجاب فالعبد مبتلى بالله وبنفسه وقال سهل أربعة للعباد على الله وهو حكم بها على نفسه أولها من خاف الله أمنه الله ومن رجاء بلغ به رجاءه وأمله ومن تقرب إليه بالحسنات قبل منه وأثابه للواحدة عشرا ومن توكل عليه قبله ولم يكله إلى نفسه وتولى أمره وقيل أي العمل

يعمل حتى يعرف عيوب نفسه قال لايعرف عيوب نفسه حتى يحاسب نفسه في أحواله كلها قيل فأي منزلة إذا قام العبد بها أقام مقام العبودية قال إذا ترك التدبير قيل فأي منزلة إذا قام بها أقام الصدق قال إذا توكل عليه فيما أمره به ونهاه عنه
سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول البلوى من الله على جهتين فبلوى رحمة وبلوى عقوبة فبلوى رحمة يبعث صاحبه على إظهار فقره وفاقته إلى الله وترك تدبيره وبلوى عقوبة يترك صاحبه على اختياره وتدبيره وقيل مثل الإبتلاء مثل المرض والسقم يمرض الواحد مائة سنة فلا يموت فيه ويمرض آخر ساعة واحدة فيموت فيه كذلك يعصى الله عبد مائة سنة فيختم له بخير وينجو وآخر يتكلم بكلمة معصية في ساعة فيجره إلى الكفر فيهلك فمن ذلك عظم الخطر ودام الجد واشتد البلاء وقال الغضب أشد في البدن من المرض إذا غضب دخل عليه من الإثم أكثر مما يدخل عليه في المرض قال وسمعت سهلا يقول قال الله تعالى كل نعمة مني عليكم إذا عرفتموها صيرتها لكم شكرا وكل ذنب كان منكم إذا عرفتموه صيرته غفرانا وقال ليس في خزائن الله أكبر من التوحيد وقال سهل بن عبدالله تربة المعاصي الأمل وبذرها الحرص وماؤها الجهل وصاحبها الأصرار وتربة الطاعة المعرفة وبذرها اليقين وماؤها العلم وصاحبها السعيد المفوض أموره إلى الله تعالى وقال من ظن ظن السوء حرم اليقين ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق ومن اشتغل بالفضول حرم الورع فإذا حرم هذه الثلاثة هلك وهو مثبت في ديوان الأعداء وقال لا يطلع على عثرات الخلق إلا جاهل ولا يهتك ستر ما اطلع عليه الا ملعون وقال من خدم خدم ومعناه من ترك التدبير والإختيار وفق ومن لم يوفق لم يترك التدبير فان الفرج كله في تدبير الله لنا برضاه والشقاء كله في تدبيرنا ولا نجد السلامة حتى نكون في التدبير كأهل القبور وقال لسان الايمان التوحيد وفصاحته العلم وصحة بصره اليقين مع العقل

وقال النية إسم الأسامي والطاعات أسامي والنية الاخلاص وكما يثبت حكم الظاهر بالفعل كذلك يثبت حكم السر بالنية ومن لا يعرف نيته لا يعرف دينه ومن ضيع نيته فهو حيران ولا يبلغ العبد حقيقة علم النية حتى يدخله الله في ديوان أهل الصدق ويكون عالما بعلم الكتاب وعلم الآثار وعلم الإقتداء وقال المؤمن من راقب ربه وحاسب نفسه وتزود لمعاده وقال الهجرة فرض إلى يوم القيامة من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ومن الإصرار إلى التوبة وقال من اشتغل بما لا يعنيه نال العدو منه حاجته في يقظته ومنامه وقال ألم أقل لك دع دنياك عند أعدائك وضع سرك عند أحبائك وقال ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب الله ولكن من اجتنب ما نهى عنه الله صار حبيب الله ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا بكر محمد بن المنذر الهجيمي يقول قال سهل بن عبدالله الخلق كلهم بالله يأكلون وفي عبادته غيره يشركون قال وسئل سهل عن العقل فقال احتمال المؤونة والأذى من الخلق وقال سهل من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة قال وربما قال لله في الخبز سر وسألت عنه أكثر من عشرة آلاف عابد وعابدة فما أحد منهم أخبرني بسر الخبز
سمعت أبا الحسن يقول سمعت محمد بن المنذر يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول وسأله رجل فقال يا أبا محمد إلى من تأمرني أن أجلس فقال له إلى من تكلمك جوارحه لا من يكلمك لسانه قال وسمعت سهل بن عبدالله يقول من تخلى من الربوبية وأفرد الله بها واعترف بالعبودية وعبد الله بها استحق من الله الملك الأعظم في حياة الأبد ومن نازع الله ربوبيته قصمه الله ألا ترى أنهم يحبون الغنى والله هو الغني وهم الفقراء ويحبون الأمر والنهي والله تعالى يقول ألا له الخلق والأمر ويحبون البقاء والله تعالى

ويريدونها والله لا يريدها فهم يتنازعون الله الربوبية ويعادونه فيما أحب قال سهل والأمل أرض كل معصية والحرص بذر كل معصية والتسويف ماء كل معصية والندم أرض كل طاعة واليقين بذر كل طاعة والعمل ماء كل طاعة وبقدر ما تهدم من دنياك تبني لآخرتك وبقدر ما تخالف نفسك وهواك وشهوتك ترضى مولاك وبقدر ما تعرف عدوك وعداوته يعني إبليس تعرف ربك قال وسمعت سهل بن عبدالله يقول من كان عمله لله جلا ذلك عن قلبه ذكر كل شيء سوى الله قال وسمعته يقول إن الناس دخلوا الجنة بالعمل فاجتهدوا أن تدخلوها بترك العمل وسئل عن حقيقة التوكل فقال نسيان التوكل قال وسمعت سهل بن عبدالله يقول إن الله أجاع الخلق فطلبوا من البعد فمنعهم إياه من القرب وسمعته يقول لزوم الباب طلب العبد إلى مولاه أن يثبته على الايمان ويقبضه عليه
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا الفضل الشيرجي جعفر بن أحمد يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول وسئل عن قوله وذروا ظاهر الأثم وباطنه ظاهره الفعال وباطنه الحب له قال وسمعت سهلا يقول إن الله تعالى لا ينسب إلى الجهل في الأصل ولا ينسب إلى الظلم من الفرع ولا غنا بنا عنه فيما بين طرفة عين ولا أقل
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت أبا الحسن الفارسي يقول سمعت عباس بن عصام يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول لا معين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله ولا زاد إلا التقوى ولا عمل إلا الصبر عليه وقال سهل العيش على أربعة أوجه عيش الملائكة في الطاعة وعيش الأنبياء في العلم وانتظار الوحي وعيش الصديقين في الإقتداء وعيش سائر الناس عالما كان أو جاهلا زاهدا كان أو عابدا في الأكل والشرب وقال سهل الضرورة للأنبياء والقوام للصديقين والقوت للمؤمنين والمعلوم للبهائم والآيات والمعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء والمعونات للمريدين والتمكين

لأهل الخصوص ومن خلا قلبه من ذكر الآخرة تعرض لوساوس الشيطان
سمعت أبي يقول سمعت خالي أحمد بن محمد بن يوسف يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول كفى الله العباد دنياهم فقال عز من قائل أليس الله بكاف عبده واستعبدهم بالآخرة فقال تزودوا فإن خيرالزاد التقوى وسمعت سهلا يقول أول العيش في ثلاث اليقين والعقل والروح وقال وإياي فاتقون موضع العلم السابق وموضع المكر والإستدراج وإياي فارهبون موضع اليقين ومعرفته وقال على قدر قربهم من ا لتقوى أدركوا اليقين وأصل اليقين ومباينة النهي مباينة النهى مباينة النفس فعلى قدر خروجهم من النفس أدركوا اليقين وتتفاضل الناس في القيامة على قدر يقينهم فمن كان أوزن يقينا كان من دونه في ميزانه ومن لم يكن تعبده لله كأنه يراه أو يعلم أنه يراه فهو غافل عن الله وعلى قدر مشاهدته يتعرف الإبتلاء وعلى قدر معرفته بالابتلاء يطلب العصمة وعلى قدر طلبه العصمة يظهر فقره وفاقته إلى الله وعلى قدره فقر وفاقته يتعرف الضر والنفع ويزداد علما وفهما وبصرا وقال سهل ثلاثة أشياء احفظوها مني وألزموها أنفسكم لا تشبعوا ولا تملوا من عملكم فإن الله شاهدكم حيثما كنتم وأنزلوا حاجتكم به وموتوا ببابه وقال شيئان يذهبان خوف الله من قلب العبد أصل الدعوى والمعصية وصحاب المعصية إذا خوفته واحتججت عليه بالإيمان ينقاد ويخضع ويقر بالخوف وصاحب الدعوى لا يقر بالحق ولا ينقاد للخوف البتة ولا يوجد قلب أخلى من الخير ولا أقصى ولا أبعد من خوف الله من قلب المدعي وقال أصل الهلاك الدعوى وأصل الخير الإفتقار وقال حكم المدعي أنه تصحبه هذه الثلاثة الخصال تصحبه التزكية لنفسه وقد نهى عن ذلك وجهله بنعم الله عليه وجهله بحاله
حدثنا عثمان بن محمد قال قرىء علي أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى سمعت أبا عبدالله محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول استجلب حلاوة الزهد بقصر الأمل واقطع أسباب الطمع

بصحة الياس وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر واستجلب نور القلب بدوام الحذر واستفتح باب الحزن بطول الفكر وتزين لله بالصدق في كل الأحوال وتحبب إلى الله بتعجيل الإنتقال وإياك والتسويف فإنه يغرق فيه الهلكى وإياك والغفلة فان فيها سواد القلب وإياك والتواني فيما لا عذر فيه فإنها ملجأ النادمين واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الإستغفار واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر واستدم عظيم الشكر بخوف زوال النعم
حدثنا عثمان بن محمد قال قرىء على أبي الحسن قال يوسف بن الحسين سئل سهل بن عبدالله أي شيء أشق على إبليس قال إشارة قلوب العارفين وأنشد ... قلوب العارفين لها عيون ... ترى مالا يراه الناظرونا ...
حدثنا عثمان بن محمد قال العباس بن أحمد سئل سهل متى يستريح الفقير من نفسه قال إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه
حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدالرحمن الغزالي الأصبهاني بالبصرة ثنا علي بن أحمد بن نوح الأهوازي قال سمعت سهل بن عبدالله يقول خلق الله الخلق ليسارهم ويساروا الخلق فأن لم تفعلوا فناجوني وحدثوني فإن لم تفعلوا فاسمعوا مني فإن لم تفعلوا فانظروا إلي فإن لم تفعلوا فكونوا ببابي وارفعوا حوائجكم فاني أكرم الأكرمين وقال سهل طلب العلم فريضة على كل مسلم قال علم حاله في الحركة والسكون إن أتاه الموت أي شيء حاله فيما بينه وبين الله لأن الله هو المنعم فكيف شكره للمنعم وأدنى ما يجب للرب على العباد ألا يعصوه فيما أنعم عليهم وكيف حاله فيما بينه وبين الخلق على أي جهة على الرحمة والنصيحة أم على المكر والخديعة وقال من أصبح وهمه ما يأكل ولم يكن همه هم قبره وحال لحده لو ختم البارحة القرآن ويصلي اليم خمسمائة ركعة أصبح في يوم مشئوم عليه لهمة بطنه وقال تعالى يعلم ما في أنفسكم فاحذروه قال ما في غيبكم لم تفعلوه ستفعلونه فاحذروه قال فاصرخوا إليه حتى يكون هو الذي يلي الأمر وهو الذي يصلح الشأن وهو الذي يعصم وهو الذي يوفق وهو الذي يختم بخير

وقوله عز و جل فاعلم أنه لا إله إلا الله قال لا نافع ولا دافع غير الله
سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر الجوني يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول معرفة النفس أخفى من معرفة العدو ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا وقال إذا عرف العدو عرف ربه وإذا عرف نفسه عرف مقامه من ربه وإذا عرف عقله عرف حاله فيما بينه وبين ربه وإذا عرف العلم عرف وصوله وإذا عرف الدنيا عرف الآخرة وقال هي نعمة ومصيبة فالنعمة ما دعا الله الخلق إليه من معرفته والمصيبة ما ابتلاهم في أنفسهم ومخالفتها وقال لله ثلاثة أشياء في خلقه المعرفة والإحسان والحكم وثلاثة للعبد مع الله تضعيف الحسنات والعفو عن السيئات ولا تضعف عليهم وفتح باب التوبة إلى الممات وقال ليس لأهل المعرفة همة غير هذه الثلاثة إذا أصلحوا الإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم والإستعانة بالله سبحانه وتعالى والإقتداء هو الإفتقار والصبر على ذلك إلى الممات وقال الأصل الذي أنا أدعو إليه قولي اتقوا يوما لا ليلة بعده وموتا لا حياة بعده والسلام وقال النفس صنم والروح شريك فمن عبد نفسه فقد عبد صنما ومن عبد روحه عبد شريكا ومن آثر الله وعبده بالأخلاص وهدم دنياه وعبد الله في روحه ومع روحه فقد عبدالله وآثره وقال الأنفاس معدودة فكل نفس يخرج بغير ذكر الله فهي ميتة وكل نفس يخرج بذكر الله فهي موصولة بذكر الله
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي فيما كتب إلى قال سمعت أبا محمد الحريري يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول من أخلاق الصديقين ألا يحلفوا الله لا صادقين ولا كاذبين ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ولا يشبعون بطونهم وإذا وعدوا لم يخلفوا ولا يتكلمون إلا والإستثناء في كلامهم ولا يمزحون أصلا قال وسمعت سهلا يقول ذروا التدبير والإختيار فانهما يكدران على الناس عيشهم وقال سهل اعلموا أن هذا زمان لا ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه بالجوع والصبر والجهد لفساد ما عليه أهل الزمان

حدثنا محمد بن الحسن قال سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا يعقوب البلدي يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول لقد أيس العقلاء الحكماء من هذه الثلاثة الخلال ملازمة التوبة ومتابعة السنة وترك أذى الخلق
حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ قال قرأت على جعفر ابن محمد بن يعقوب الثقفي سمعت أبا محمد سهل بن عبدالله يقول مامن نعمة إلا والحمد أفضل منها والنعمة التي ألهم بها الحمد أفضل من النعمة الأولى لأن بالشكر يستوجب المزيد قال وسمعت سهلا يقول أول الحجاب الدعوى فإذا أخذوا في الدعوى حرموا
أخبرنا عبدالجبار بن شيراز في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال سمعت سهل بن عبدالله يقول من نظر إلى الله قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله ومن طلب مرضاته أرضاه الله ومن أسلم قلبه تولى الله جوارحه وقال سهل ما من أحد يسر الله له شيئا من العبادة إلا فرغه لتلك العبادة ولا فرغ الله أحدا إلا أسقط عنه مؤنة الرزق من أين يأخذه وإلا جعل له مقاما عنده وجعل هذا العبد يؤثره في كل حال وعلى كل حال وما من عبد آثر الله إلا سلمه من الدنيا ولم يكله إلى غيره
سمعت أبا الحسن بن جهضم يقول حدثني طاهر بن الحسن قال سمعت إبراهيم البرجي يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول ما أظهر عبد فقره إلى الله في وقت الدعاء في شيء يحل به إلا قال الله لملائكته لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته لبيك
سمعت أبا الحسن يقول ثنا أبو بكر الدينوري قال سمعت سهل بن عبدالله يقول المؤمن أكرم على الله من أن يجعل رزقه من حيث يحتسب يطمع المؤمن في موضع فيمنع من ذلك ويأتيه من حيث لا يحتسب
سمعت أبي يقول سمعت خالي أبا بكر أحمد بن محمد بن يوسف يقول قال سهل بن عبدالله لا يصح الإخلاص إلا بترك سبعة الزندقة والشرك والكفر

والنفاق والبدعة والرياء والوعيد وقال الأكل خمسة الضرورة والقوام والقوت والمعلوم والفقر والسادس لا خير فيه وهو التخليط ومن لم يهتم للرزق سلم من الدنيا وآفاتها وقال ابتداء اليقين المكاشفة لقوله لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ثم المعاينة ثم المشاهدة وقال اليقين نار والإقرار باللسان فتيلة والعمل زيتة وقال من سعادة المرء قلة المؤونة وتخفيف الحال وتسهيل الصلوات ووجدان لذة الطاعة وسئل عن ذكر اللذات قال إذا امتلأ القلب صار روحا وقال من لم يمازج بره بالهوى شاهد قلبه وخلص عمله وقال طوبى لعبد أسر نفسه بعلمه بأن الله يشاهده بالاستماع منه فوقع بصره على مقامه من إيمانه حتى استمكن مقامه من القرب منه وأوصل علمه وصير لسانه رطبا وأخدم جوارحه حتى أدركه المدد من ربه وسئل بم يعرف العبد عقله قال إذا كان وقافا عند همومه حينئذ يعرف عقله ولا يعرف ولا يستكمل إلا بعد هذا وقال أصل العقل الصمت وفرع العقل العافية وباطن العقل كتمان السر وظاهره الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم وقال الايمان بالفرائض وعلمها فرض والعمل بها فرض والاخلاص فيها فرض والايمان بالسنن فرض بأنها سنة وعلمها سنة والعمل بها سنة والاخلاص فيها فرض والاخلاص بالايمان العمل به وقال المؤمنون الذين وعدهم الله الجنة على ثلاث مقامات واحد آمن وليس له عمل فله الجنة وآخر آمن وليس له إثم وعمل صالحا وهذا في صفة قد أفلح المؤمنون والثالث آمن ثم أذنب ثم تاب وأصلح فهو حبيب الله فله الجنة والرابع آمن وأحسن وأساء يتبين لهم عند الموازنة ولله تعالى فيهم مشيئة وقال لا يخرجنكم تنزيه الله إلى التلاشي ولا يخرجنكم التشبيه إلى الجسد الله يتجلى لهم كيف شاء وقال ليس لقول لا إله إلا الله ثواب إلا النظر إلى الله عز و جل والجنة ثواب الأعمال وقال أول الحق الله وآخر الحق ما يراد به وجه الله
سمعت أبا عمر وعثمان بن محمد العثماني يقول سمعت أبا محمد بن صهيب يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول لا يذنب المؤمن ذنبا حتى يكتسب معه

مائة حسنة فقيل يا أبا محمد وكيف هذا قال نعم يا دوست إن المؤمن لا يكتسب سيئة إلا وهو يخاف العقوبة عليها ولو لم يكن كذلك لم يكن مؤمنا وخوفه العقاب عليها حسنة ويرجو غفران الله لها ولو لم يكن هكذا لم يكن مؤمنا ورجاؤه لغفرانها حسنة وهو يرى التوبة منها ولو لم يرها لم يكن مؤمنا ورؤيته التوبة منها حسنة ويكره الدلالة عليها ولو لم يكره الدلالة عليها لم يكن مؤمنا وكراهة الدلالة عليها حسنة ويكره الموت عليها ولو لم يكره الموت عليها لم يكن مؤمنا وكراهته للموت عليها حسنة فهذه خمس حسنات وهي بخمسين حسنة الحسنة بعشر أمثالها لقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فهذه تصير مائة حسنة فما ظنكم بسيئة تعتورها مائة حسنة وتحيط بها والله تعالى يقول إن الحسنات يذهبن السيئات وما ظنكم بثعلب بين مائة كلب أليس يمزقونه ثم بكى سهل وقال لا تحدثوا بهذا الجهال من ا لناس فيتكلوا ويغتروا فإن هذه السيئة هي شيء عليه وحسناته هي أشياء له وما عليه فلله أن يأخذه به ويكون عادلا بعقوبته عليه وماله لا يظلمه الله عز و جل بل يوفيه ثوابه وإن كان بعد حين ومن يصبر على حر نار جهنم ساعة واحدة ولكن بادروا بالتوبة من هذه السيئة حتى تأمنوا العقوبة وتصيروا أحباب الله فإن الله يحب التوابين قال وسمعت سهل بن عبدالله يقول إن الأمراض والأسقام والأحزان والمصائب إنما هي كفارات للصغائر وأما الكبائر فلا يسقطها إلا التوبة ومثله كمثل حبر يصيب الثوب فلا يقلعه إلا الصابون الحاد والمعالجات بالخل والأشنان وغيره ومثل الصغائر كمثل قليل دبس يصيب الثوب فيذهبه الريق وقليل من الماء فقيل يا أبا محمد أليس قد روي أن المصائب كفارات وأجر فضحك وقال يا دوست إن المصائب إذا ضم إليها الصبر والإحتساب تكون كفارة وأجرا كلاهما فأما إذا لم يصبر عليها ولم يحتسبها تكون كفارت وحططا لا أجر فيها ولا ثواب وبيان ذلك أن المصائب فعل غيرك ولا تثاب على فعل غيرك وصبرك واحتسابك فعل لك فتؤجر وتثاب

حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدالرحمن الأصبهاني الغزال بالبصرة ثنا أبو بشر عيسى بن إبراهيم بن دستكوثا قال قال سهل بن عبدالله الحب هو الخوف لأن الكفار أحبوا الله فصار حبهم أمنا وصار حب المؤمنين الخوف
أخبرنا عبدالجبار بن شيرياز فيما كتب إلي وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال سمعت سهل بن عبدالله يقول أصل الدنيا الجهل وفرعها الأكل والشرب واللباس والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر وثمرتها المعاصي وعقوبة المعاصي الاصرار وثمرة الاصرار الغفلة وثمرة الغفلة الاستجراء على الله وقال أيما عبد لم يتورع ولم يستعمل الورع في عمله انتشرت جوارحه في المعاصي وصار قلبه بيد الشيطان وملكه فإذا عمل بالعلم دله على الورع فإذا تورع صار قلبه مع الله وقال العلم دليل والعقل ناصح والنفس بينهما أسير والدنيا مدبرة والآخرة مقبلة والعدو في ذلك منهزم فيصير العبد عند الله خالصا وإنما سموا ملوكا لأنهم ملكوا أنفسهم فقهروها واقتدروا عليها فغلبوها وظفروا بها فأسروها فالعارفون ملكون لأنفسهم مستظهرون عليها والغفلون قد ملكتهم أنفسهم واستظهرت عليهم بتلوين أهوائها وبلوغ محابها ومناها في الأقوال والأحوال وسائر الأفعال ولا يفلت من أسر نفسه وحدعتها وسلطانها وغلبة هواها إلا من عرف نفسه فإذا عرف نفسه على حقيقة معرفتها عرف باريه جل جلاله فإذا عرف نفسه ألزمته معرفتها شريطة العبودية بحق الربوبية وإعطاء الوحدانية حقها
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه أبو الحسن بن جهضم قال حدثني أبو الفضل الشيرجي قال سمعت سهل بن عبدالله يقول إن الله يطلع على أهل قرية أو بلد فيريد أن يقسم لهم من نفسه قسما فلا يجد في قلوب العلماء ولا في قلوب الزهاد موضعا لتلك القسمة من نفسه فيمن عليهم أن يشغلهم بالتعبد عن نفسه

أخبرنا عبدالجبار بن شيراز في كتابه وحدثني عنه أبو الحسن بن جهضم قال سمعت سهل بن عبدالله يقول تظهر في الناس أشياء ينزع منهم الخشوع بتركهم الورع ويذهب منهم العلم بإظهار الكلام ويضيعون الفرائض باجتهادهم في النوافل ويصير نقض العهود وتضييع الأمانة وارتفاعها من بينهم علما ويرفع من بين المنسوبين إلى الصلاح في آخر الزمان علم الخشيةوعلم الورع وعلم المراقبة فيكون بدل علم الخشية وساوس الدنيا وبدل علم الورع وساوس العدو وبدل علم المراقبة حديث النفس ووساوسها قيل ولم ذلك يا أبا محمد قال تظهر في القراء دعوى التوكل والحب والمقامات ترى أحدهم يصوم ويصلي عشرين سنة وهو يأكل الربا ولا يحفظ لسانه من الغيبة ولا عينه وجوارحه مما نهى الله عنه
سمعت أبي رحمه الله تعالى قال سمعت خالي أحمد بن محمد بن يوسف يقول قال سهل بن عبدالله أخلاق الإسلام والإيمان الحياء وكف الأذى وبذل المعروف والنصيحة وفيها أحكام التعبد وقال الدنيا ثلاثة عبيد ورجال وفتيان قوله تعالى وعباد الرحمن ورجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع إنهم فتية آمنوا بربهم وسمعنا فتى يذكرهم وقيل له ما انشراح القلوب قال قبول الوحي فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله وهم المدعون الذين يدعون الحول والقوة والمشيئة والإرادة ويدعون الاستغناء عن الله والقلب يجول فاذا قلت الله وقف والمحمود من الدنيا المساجد شاركنا فيها الملائكة والمذموم البطن والفرج شاركنا فيها أهل الذمة يقول الله تعالى يا عبدي لا تذنب يقول العبد لا بد لي يقول الله فإذا أذنبت فتب إلي حتى أقبلك قال العبد لا أفعل لأن الأصل هو البطن والفرج قال الرب فكن مكانك حتى أجيئك قال العبد بأي شيء تجيء إلي قال بالجوع والفقر والعرى وقال خلق الله الانسان على أربع طبائع طبع البهائم وطبع الشياطين وطبع السحرة وطبع الأبالسة فمن طبع البهائم البطن والفرج قوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا الآية وطبع الشياطين اللهو واللعب والزينة والتكاثر

والتفاخر قوله تعالى لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ومن طبع السحرة المكر والخديعة ويمكرون ويمكر الله يخادعون الله وهو خادعهم ومن طبع الأبالسة الاباء والاستكبار قوله تعالى إلا إبليس أبى واستكبر واستعبد الله العباد بالتسبيح والتقديس والتحميد والشكر حتى يسلموا من طبع الشياطين اللهو واللعب يقول في كتابه ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون وقوله يسبحون الليل والنهار لا يفترون ومن طبع السحرة استعبدهم الله بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم بالنصيحة والرحمة والصدق والانصاف والتفضل والاستعانة بالله والصبر على ذلك إلى الممات ومن طبع الأبالسة استعبدهم الله بالدعاء والصراخ والتضرع والالتجاء قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم يسلم به العباد إذ يعتصمون به وقوله واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ومن يعتصم بالله فقد هدى إلي صراط مستقيم حتى يسلموا من طبع الأبالسة وقال معرفة وإقرار وإيمان وعمل وخوف ورجاء وحب وشوق وجنة ونار فالمعرفة خوف والاقرار رجاء والايمان خوف والعمل رجاء والخوف رهبة والحب رجاء والشوق خوف بعد وقال هي نعمة ومصيبة فالنعمة ما دعا الله الخلق إليه من معرفته والمصيبة ما ابتلاهم في أنفسهم ومخالفتها وقال الله معنا قريب إلينا فلا بدلنا من أن نكون معه نؤثره ونطيعه فيكون إيثارنا له صدقنا بعلمنا فيه وقال العاصون يعيشون في رحمة العلم والمطيعون يعيشون في رحمة القرب وقال ما خلق الله الخلق لأنفسهم ولا لغيرهم إنما خلقهم إظهارا لملكه والملك لا يكون إلا بتول وتبر فقال وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون وقال لا بد للخلق أن يعبدوا شيئا فمن لا يعبد الله فلا بد له من عبادة شيء ومن لا يطيع الله فلا بد له من أن يطيع شيئا ومن لم يتول الله فلا بد له من أن يتولى شيئا غير الله وكذلك جميع الأشياء لذلك خلقهم وقال ليس وراء الله منتهى قال نهاية ينتهي إليه وقال ليس له وراء وليس وراء الله وراء هو وراء كل شيء جل الله وعز شأنه

سمعت محمد بن الحسن بن علي قال سمعت أحمد بن محمد بن سالم يقول كنت عند سهل بن عبدالله ودخل عليه رجل وقال يا أستاذ أي شيء القوت قال الذكر الدائم قال الرجل لم أسألك عن هذا إنما سألتك عن قوام النفس فقال يا رجل لا تقوم الأشياء إلا بالله فقال الرجل لم أعن هذا سألتك عما لا بد منه فقال يا فتى لا بد من الله
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله ابن شاذان يقول سمعت بن سالم يقول سئل سهل بن عبدالله عن سر النفس فقال للنفس سر ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا على فرعون فقال أنا ربكم الآعلى ولها سبع حجب سماوية وسبع حجب أرضية فكلما يدفن العبد نفسه أرضا سما قلبه سماء فإذا دفنت النفس تحت الثرى وصل القلب إلى العرش قال وسمعت سهلا يقول القلب رقيق يؤثر فيه الشيء اليسير فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة فإن أثر القليل عليه كثير قال وسمعت سهلا يقول كل شيء دون الله فهو وسوسة قال وسئل سهل عن قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه قال من عرف نفسه لربه عرف ربه لنفسه
سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر الجوربي يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول الطهارة على ثلاثة أوجه طهارة العلم من الجهل وطهارة الذكر من النسيان وطهارة الطاعة من المعصية وقال جناية الخاص أعظم عند الله من جناية العام وجناية الخاص السكون إلى غير الله تعالى والأنس بسواه وقال تستأنس الجوارح أولا بالعقل ثم يستأنس العقل بالعلم ثم يستأنس العبد بالله وقال من اهتم للخير لا يكون للرب عنده قدر وقال كل عقوبة طهارة إلا عقوبة القلب فإنها قسوة قال وسمعت سهلا يقول يا معشر المسلمين قد أعطيتم الإقرار من اللسان واليقين من القلب وإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وإن له يوما يبعثكم فيه ويسألكم عن مثاقيل الذر من أعمالكم من خير يجزيكم به أو شر يعاقبكم عليه إن شاء أو يعفو عنه قال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل فإن الخردلة إذا

كسرت يكون البعض منها شيئا قال إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير قيل فكيف الحيلة يا أبا محمد قال حققوها بالأعمال الصالحة المرضية قيل وكيف لنا تحقيقها بالأعمال الصالحة قال في خمسة أشياء لا بد لكم منها أكل الحلال ولبس الحلال الذين تؤدون بهما الفرائض وحفظ الجوارح كلها عما نهاكم الله عنه وأداء حقوق الله عز و جل كما أمركم بها وكف الأذى لكي لا تذهب أعمالكم في القيامة وتسلم لكم أعمالكم والخامسة الاستعانة بالله وبما عنده واليأس عما في أيدي الناس وذكره آناء الليل والنهار كي يتم لكم ذلك فاجتهدوا في ذلك إلى الممات قيل كيف تصبح للعبد هذه الخصال قال لا بد له من عشرة أشياء يدع خمسا ويتمسك بخمس يدع وساوس العدو والقبول منه ويتبع العقل فيما ينصحه ويكون فيه رضى الله ويدع اهتمامه للدنيا واغتباطه بها لأهلها ويدع اتباع الهوى ويؤثر الله على كل حال من أحواله ويدع المعصية والاستعانة بها ويشتغل بالطاعة ويرغب فيها ويجتنب الجهل والقيام عليه ولا يدنو من شيء من أمر الدنيا حتى يحكم عليه فيه ويطلب بدل الجهل العلم والعمل به فهذه عشرة أشياء قيل له كيف له بفهم هذا ويعلم إيش عليه ويعمل به قال لا بد له من خمسة أشياء لا يتعنى ولا يتعب نفسه ولا يفنى عمره في جمع مال يصير آخره إلى الميراث ولا يتعب نفسه ولا يشتغل ببناء يصير آخره إلى الخراب ولا يرغب في أكل ما يصير آخره إلى التفل والكنيف ولا في لباس يصير آخره الى المزابل ولا يتخذ أحبابا يصيرآخرهم إلى التراب ويخلص وده وحبه لله الواحد القهار الذي لم يزل ولا يزال حيا قيوما فعالا لما يشاء قيل وكيف يقوى على هذا وبم يقوى عليه قال بإيمانه قيل كيف بإيمانه قال بعلمه أنه عبدالله وأن الله مولاه وشاهده عالم به وبضمائره قائم عليه قال الله عز و جل أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ويعلم أن مضرته ومنفته بيده قادر على فرحه وسروره قادر على غمه وأنه به رؤف رحيم فهذه خمسة أشياء لا بد له منها وخمسة أخر لا بد له منها

لزوم قلبه على مشاهدة الله إياه وقيامه عليه مطلع على ضميره قال الله عز و جل واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه فيراه بقلبه قريبا منه فيستحي منه ويخافه ويرجوه ويحبه ويؤثره ويلتجىء إليه ويظهر فقره وفاقته له وينقطع إليه في جميع أحواله فهذه مالا بد للخلق أجمعين منها أن يعملوا بها بعث الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام بهذا ولهذا وفى هذا وأنزل الكتاب لهذا وجاءت الآثار عن نبينا صلى الله عليه و سلم على هذا وعن أصحابه والتابعين وعملوا به حتى فارقوا الدنيا وكانوا على هذا لا ينكره إلا جاهل
سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول سمعت جدي يقول بلغني أن يعقوب بن الليث اعتقل بطنه في بعض كور الأهواز فجمع الأطباء فلم يغنوا عنه شيئا فذكر له سهل بن عبدالله فأمر بإحضاره في العماريات فأحضر فلما دخل عليه قعد على رأسه وقال اللهم أريته ذل المعصية فأره عز ا لطاعة ففرج عنه من ساعته فأخرج إليه مالا وثيابا فردها ولم يقبل منه شيئا فلما رجع إلى تستر قال له بعض أصحابه لو قبلت ذلك المال وفرقته على الفقراء فقال له انطر إلى الأرض فنظر فإذا الأرض كلها بين يديه ذهبا فقال من كان حاله مع الله هذا لا يستكثر مال يعقوب بن الليث
سمعت أبا الفضل أحمد بن عمران الهروي يحكي عن بعض أصحاب أبي العباس الخواص قال كنت أحب الوقوف على شيء من أسرار سهل بن عبدالله فسألت بعض أصحابه عن قوته فلم يخبرني أحد منهم عنه بشيء فقصدت مجلسه ليلة من ا لليالي فإذا هو قائم يصلي فأطلت القيام وهو قائم لا يركع فإذا أنا بشاة جاءت فرجمت باب المسجد وأنا أراها فلما سمع حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج وفتح الباب فدنت الشاة منه ووقفت بين يديه فمسح ضرعها وكان قد أخذ قدحا من طاق المسجد فحلبها وجلس فشرب ثم مسح بضرعها وكلمها بالفارسية فذهبت في الصحراء ورجع هو إلى محرابه وقال أبو

الحسن بن سالم عرفت سهلا سنين من عمره كان يقوم الليل بفرد رجل يناجي ربه حتى يصبح
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا نصر عبدالله بن علي يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت محمد بن الحسن قال قال سهل أعمال البر يعملها البر والفاجر ولا يجتنب المعاصي الا صديق وقال سهل من أحب أن يطلع الخلق على ما بينه وبين الله فهو غافل
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت عباس بن عصام يقول سمعت سهل بن عبدالله يقول البلوى من الله على وجهين بلوى رحمة وبلوى عقوبة فبلوى الرحمة تبعث صاحبها على إظهار فقره إلى الله تعالى وترك التدبير وبلوى العقوبة تبعث صاحبها على اختياره وتدبيره
أسند سهل بن عبدالله وأخبرني يوسف بن عمر بن مسرور أبو الفتح القواس ثنا عبيد الله أبو القاسم الصناعني ثنا ابن واصل ثنا سهل بن عبدالله التستري قال أخبرني خالي محمد بن سوار عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغزو ومعه عدة من نساء الأنصار يسقين الماء وبداوين الجرحى
حدثناه محمد ابن علي أبي يعلى ثنا قطن بن بشير ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يغزو بأم سليم ومعها نسوة يسقين الماء ويداوين الجرحى 1
حدثنا محمد بن المظفر إملاء ثنا أبو علي محمد بن الضحاك بن عمرو ثنا سهل بن عبدالله الزاهد ثنا سليمان بن عبدالرحمن ثنا محمد بن عبدالرحمن القشيري ثنا عبدالملك بن أبي سليمان عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أعطيت في على خمسا أما إحداها فيوارى عورتي والثانية يقضى ديني والثالثة أنه متكائي في طول الموقف والرابعة فإنه عوني على حوضي والخامسة فاني لا أخاف عليه أن يرجع كافرا

بعد إيمان ولا زانيا بعد إحصان كذا حدثناه ابن المظفر وقال سهل لزاهد هو التستري فقلت له ببلدنا سهل بن عبدالله أبو طاهر أهو ذاك فأبى إلا التستري 555
سهل بن عبدالله بن الفرحان
قال الشيخ رضي الله تعالى عنه ومنهم الطاهر المطهر أبو طاهر سهل بن عبدالله الفرحان الأسفر ديري قرية من ربض المدينة مدينة أصبهان رحمة الله تعالى عليه كان مجاب الدعوة لقي أحمد بن عصام الأنطاكي وأحمد بن أبي الحواري وأبا يوسف الغسولي وعبدالله بن خبيق ونظراءهم بالشام فأقام بالثغر مدة وكتب بمصر والشام الحديث الكثير كان أهل بلدنا مفزعهم إلى دعائه عند النوائب والمحن كان سبب طهارته اذا دخل الحمام للتنظف ورأى بعض الناس عراة سأل ربه أن يكفيه أمر التنظف ودخول الحمام فسقطت شعرته فلم تنبت بعد دعوته وكانت له شجرة جوز تحمل كل سنة كثيرا فسقط منها رجل فاستعظم ذلك وقال اللهم أيبسها فيبست فلم تحمل بعد ذلك وله آثار كثيرة في إجابة أدعيته مشهورة اقتصرنا منها على ما ذكرنا فأما رفيع حاله من إدمان الذكر والمشاهدة والحضور والمسامرة والتعري من حظوظ النفس والموافقة والتبري من رؤية الناس والمخالطة فشائع ذائع حكى ذلك عنه مشايخنا من إخوانه وزواره ولقي من الجهال فيما نقل من مذهب الشافعي فأنه أول من حمل من علم الشافعي مختصر حرملة ابن يحيى عن الشافعي فاستعظم ذلك الجهال الذين كانوا على مذهب أهل العراق فصبر على أذاهم ولم يعارضهم بشيء محتسبا في ذلك إلى أن مضى حميدا رشيدا رحمه الله توفي سنة ست وسبعين ومائتين تقدم موته على موت أبي محمد سهل بن عبدالله التستري
فمما رواه ما حدثناه أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن يوسف ثنا أبو طاهر سهل بن عبدالله ثنا أبو أيوب سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي ثنا الوليد بن

مسلم ثنا عفير بن معدان أبو كامل عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم قال اللهم رب هذه الدعوة الصادقة الحق المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيا ومماتا ثم سل الله حاجتك غريب من حديث سليم وعفير لا أعلم رواه عنه إلا الوليد
حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا سهل بن عبدالله ثنا هشام بن عمار ثنا بقية بن الوليد حدثني يوسف بن كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من السرق أن تأكل كلما اشتهيت غريب من حديث الحسن عن أنس لا أعلم رواه عنه إلا نوح
حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا سهل بن عبدالله ثنا محمد بن أبي السرى ثنا بقية عن بن الهيعة عن دراج عن ابن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله عز و جل يوم القيامة أين جيراني فتقول الملائكة ومن ينبغي أن يكون جارك فيقول عمار مسجدي غريب من حديث أبي الهيثم سليمان بن عمرو العتواري لا أعلم رواه له راويا إلا دراجا 556
أحمد بن مسروق
قال الشيخ ومنهم المستأنس بالحق المستوحش من الخلق أبو العباس الطوسي أحمد بن محمد بن مسروق من ساكني بغداد صحب الحارث بن أسد المحاسبي ومحمد بن منصور الطوسي والسرى بن المفلس السقطي ومحمد بن الحسين البرجلاني
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت عبدالله بن محمد الرازي يقول سمعت أبا العباس بن مسروق يقول من ترك التدبير عاش في ماحة

سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا سعيد بن عطاء يقول إن الجنيد ابن محمد رأى فيما يرى النائم قوما من الأبدال فسأل هل ببغداد أحد من الأولياء فقالوا نعم أبو العباس بن مسروق من أهل الأنس بالله تعالى
أخبرنا جعفر بن محمد الخلدي في كتابه وحدثني عنه الحسين بن يحيى الفقيه أبو علي قال سئل ابن مسروق عن التوكل فقال اشتغالك عمالك بما عليك وخروجك مما عليك لمن ذاك له وإليه قال وسئل عن ا لتصوف فقال خلو الأسرار مما منه بد وتعلقها بما ليس منه بد
أخبرني جعفر بن محمد وحدثني محمد بن الحسين قال سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت جعفرا يقول سألت أبا العباس بن مسروق مسألة في العقل فقال لي يا أبا أحمد من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله
أخبرني جعفر في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال قال أبو العباس بن مسروق مررت مع الجنيد بن محمد في بعض دروب بغداد وإذا مغن يغني ... منازل كنت تهواها وتألفها ... أيام كنت على الأيام منصورا ...
فبكى الجنيد بكاء شديدا ثم قال يا أبا العباس ما أطيب منازل الألفة والأنس وأوحش مقامات المخالفات لا أزال أحن إلى بدء إرادتي وجدة سعي وركوبي للأهوال طمعا في الوصول وها أنا في أيام الفترة أتلهف على أوقاتي الماضية فقال أبو العباس من يكن سروره بغير الحق فسروره يورث الهموم ومن لم يكن أنسه في خدمة ربه فهو من أنسه في وحشة
أخبرني جعفر وحدثني عنه محمد بن الحسين قال سمعت أبا بكر الرازي يقول قال أبو العباس بن مسروق شجرة المعرفة تسقى بماء الفكرة وشجرة الغفلة تسقى بماء الجهل وشجرة التوبة تسقى بماء الندامة وشجرة المحبة تسقى بماء الانفاق والموافقة والايثار ومتى طمعت في المعرفة ولم تحكم قبلها مدارج الإرادة فأنت في جهل ومتى ما طلبت الإرادة قبل تصحيح مقام التوبة فأنت في غفلة مما تطلبه

قال الشيخ رضي الله تعالى عنه أسند الكثير ولقينا جماعة من الرواة عنه
حدثنا أبو إسحاق بن حمزة ثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الصوفي ثنا عبدالأعلى ثنا حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب وأيوب بن سيرين عن عمران بن حصين وقتادة وحميد عن الحسين عن عمر أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهم فأعتق اثنين ورد أربعة في الرق
حدثنا أبو مخلد بن جعفر ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن بكار ثنا حفص بن سليمان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان ابن عفان سمعته على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كانت له سريرة صالحة أو سيئة ألبسه الله عز و جل منها رداء يعرف به
حدثنا مخلد بن جعفر ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن بكار ثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن شقيق عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن حسان السمتي ثنا عبدالله أبو عثمان الحمصي عن الأوزاعي عن عبيدة بن لبابة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لله عز و جل عبادا خصهم بالنعم لمنافع العباد يقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها حولها منهم وجعلها في غيرهم
حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا شيبان بن فروخ ثنا محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من شتم الأنبياء ثم أصحابي ثم المسلمين
حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن أحمد بن مسروق ثنا يعقوب بن إسحاق ثنا أحمد بن عبيدالله الغزاني ثنا محمد بن السماك عن عائد عن عطاء عن

عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقال للعاق اعمل ما شئت من الطاعة فإني لا أغفر لك ويقال للبار اعمل ما شئت فإني أغفر لك
حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو العباس بن مسروق ثنا خالد بن عبدالصمد ثنا عبدالملك بن قريب الأصمعي قال حدثني القاسم بن سلام مولى الرشيد أمير المؤمنين وكان من أهل الدين والأدب عن الرشيد عن المهدي عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه عن ابن عباس قال بلغ النبي صلى الله عليه و سلم عن الزبير إمساك فأخذ بعمامته فجبذها إليه وقال يا ابن العوام أنا رسول الله إليك وإلى الخاص والعام يقول الله عز و جل أنفق أنفق عليك ولا ترد فيشتد عليك الطلب إن في هذه السماء بابا مفتوحا ينزل منه رزق كل امرئ بقدر نفقته أو صدقته ونيته فمن قلل قلل عليه ومن كثر كثر عليه فكان الزبير بعد ذلك يعطي يمينا وشمالا 557
محمد بن منصور
ومنهم الطوسي محمد بن منصور رضي الله تعالى عنه كان قلبه باليقين معمورا وفي محبته بمأموله مسرورا وعن كل من سواه مأخوذا ومأسورا
حدثنا زيد بن علي المغربي ثنا الحسين بن مصعب ثنا محمد بن منصور الطوسي قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم فقلت مرني بشيء حتى ألزمه قال عليك باليقين
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا محمد بن العباس ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا الحسن بن الربيع قال سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول سمعت حبيبي الفضيل بن عياض يقول خمسة من السعادة اليقين في القلب والورع في الدين والزهد في الدنيا والحياء والعلم
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الحسن بن علوية يقول قال محمد بن منصور ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب في غير شيء والكلام في غير نفع والعظة في غير موضعها وإفشاء السر

والثقة بكل أحد ولا يعرف صديقه من عدوه
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت أبا الحسين يقول سمعت الحسن يقول للمؤمن أربع علامات كلامه ذكر وصمته تفكر ونظرة عبرة وعلمه بر وقال العبد لا يستحق اليقين حتى يقطع كل سبب بينه وبين العرش إلى الثرى حتى يكون الله عز و جل مراده لا غير ويؤثر الله على كل ما سواه
سمعت أحمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت الحسين بن عبدالرحمن يقول أنشدني محمد بن منصور ... كفلت لطالب الدنيا بهم ... طويل لا يؤول إلى انقطاع ... وذل في الحياة بغير عز ... وفقر لا يدل على انتفاع ... وشغل ليس يعقبه فراغ ... وسعي دائم مع كل ساعي ... وحرص لا يزال عليه عبدا ... وعبد الحرص ليس بذي اقتناع
سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران يقول سمعت منصورا يقول سمعت الحسين بن محمد يقول أنشدني محمد بن منصور ... إنما الدنيا وإن سرت ... قليل من قليل ... ليس تعدو أن تبدي ... لك في زي جميل ... ثم ترميك من المأ ... من بالخطب الجليل ... إنما العيش جوار لله ... في ظل ظليل
قال الشيخ رضي الله تعالى عنه أسند محمد بن منصور الكثير
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا صالح بن إسحاق الجهبذي دلني عليه يحيى بن معين ثنا معروف بن واصل عن يعقوب بن أبي نباتة عن عبدالرحمن الأغر عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات العزي ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار فيغضب الله عز و جل فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤن من حروقهم كما يبرأ القمر من كسوفه فيدخلون الجنة

ويسمون فيها بالجهنميين فقال رجل يا أنس أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار نعم أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هذا
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن العباس ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا يحيى بن إسحاق السبحي ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم عن أبي سلمة عن أم حبيبة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ويل للعرب من شر قد اقترب فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق سبعين فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن زهير التستري ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا علي بن ثابت ثنا المفضل بن صدقة عن سعيد بن مسروق عن المسيب بن رافع عن أبي أيوب الأنصاري قال قلت يا رسول الله ما هذه الأربع ركعات التي تصليها عند الزوال قال هذه الساعة تفتح فيها أبواب السماء فلا ترتج حتى تصلي الظهر فأحب أن أقدم خيرا
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن العباس ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا يونس بن محمد المؤدب ثنا حماد بن زيد عن سعيد الثوري عن زيد بن أسلم عن عبدالرحمن بن وعلة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أيما إهاب دبغ فقد طهر
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن زهير ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا هاشم بن القاسم ثنا محمد بن طلحة عن زبيد قال حدثني جامع بن أبي راشد ودموعه تنحدر عن أم بشر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله عز و جل بأسه بأهل الأرض قلت يا رسول الله وإن كان فيهم صالحون قال نعم وإن كان فيهم صالحون يصيبهم ما أصاب الناس ثم يرجعون إلى رحمة الله

حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن زهير ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري وهشام بن عروة كلاهما عن عروة عن عائشة قالت كانت بربرة تحت مملوك فخيرها فعتقت فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرها بيدها
حدثنا أبو محمد بن حيان حدثنا محمد بن الحسن الصوفي ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا حمزة بن زياد الطوسي ثنا ثويب أبو حامد قال حمزة سألت عنه بقية فقال هذا مرابط منذ ستين سنة عن خالد بن معدان عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم الرجل أنا لشرار أمتي فقالوا فكيف أنت لخيارهم قال أما خيارهم فيدخلون الجنة بصلاحهم وأما شرارهم فيدخلون الجنة بشفاعتي
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ثنا هارون الحضرمي ثنا محمد ابن منصور الطوسي ثنا أبو الجواب ثنا عمار بن رزيق عن قطن عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الخراساني عن عمران قال سمعت عبدالله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من قال لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله كتب له بكل حرف عشر حسنات ومن أعان على خصومة باطل لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يخرج مما قال وليس بخارج
حدثنا محمد بن أحمد ثنا محمد بن هارون ثنا محمد بن منصور ثنا يعقوب ابن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني يحيى بن سعيد وغيره عن القاسم عن عائشة أنها كانت تقول قد خير رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه ثم لم يذهب من طلاقهن شيء 558
أبو تراب
ومنهم أبو تراب عسكر بن الحصين وقيل ابن محمد بن الحصيني النخشبي

صاحب حاتم الأصم ولقي أبا حمزة العطار البصري معروف بالتوكل والسياحة والفتوة توفي بالبادية ونهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين صحبه أبو بكر بن أبي عاصم النبيل وأبو عبدالله بن الجلاء وأبو عبيدة البسري
سمعت أبا عبدالله أحمد بن إسحاق يقول سمعت أبا بكر أحمد بن أبي عاصم يقول سمعت أبا تراب الزاهد يقول سمعت حاتما الأصم يقول عن شقيق قال اصحب الناس كما تصحب النار خذ منفعتها واحذر أن تحرقك
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا قال سمعت أبا تراب الزاهد يقول قال حاتم الأصم الزهد إسم والزاهد الرجل وللزاهد ثلاث شرائع أولها الصبر بالمعرفة والاستقامة على التوكل والرضا بالقضاء وأما تفسير الصبر بالمعرفة فإذا نزلت الشدة أن تعلم بقلبك أن الله يراك على حالك وتصبر وتحتسب وتعرف ثواب ذلك الصبر ومعرفة ثواب الصبر أن تكون مستوطن النفس في ذلك الصبر وتعلم أن لكل شيء وقتا والوقت على وجهين إما يجيء بالفرج وإما يجيء بالموت فإذا كان هذان الشيئان عندك فأنت حينئذ عارف صابر وأما الاستقامة على التوكل فالتوكل إقرار باللسان وتصديق بالقلب فإذا كان مقرا مصدقا أنه رازق لا شك فيه فإنه مستقيم والاستقامة على معنيين أن تعلم أن مالك لا يفوتك فتكون واثقا وساكنا وما لغيرك لا تناله فلا تطمع فيه وعلامة صدق هذا اشتغاله بالمفروض وأما الرضا بالقضاء فالقضاء ينزل على وجهين قضاء تهواه فيجب عليك الشكر والحمد وأما القضاء الذي لا تهواه فيجب عليك أن ترضى وتصبر
سمعت والدي يقول سمعت أبا عبدالله بن الجلاء بمكة يقول لقيت زيادة على خمسمائة شيخ ما لقيت مثل أربعة أولهم أبو تراب النخشبي توفي بالبادية فأكلته السباع قال وكان أبو تراب يقول لأصحابه أنتم تحبون ثلاثة أشياء وليست لكم تحبون النفس وهي لله وتحبون الروح والروح لله وتحبون المال والمال للورثة وتحبون اثنين ولا تجدونهما الفرح والراحة وهما في الجنة
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا عسكر

ابن الحصين السائح قال رئي إبراهيم بن أدهم في يوم صائف وعليه جبة فرو مقلوبة في أصل ميل مستلقيا رافعا رجليه يقول طلب الملوك الراحة فأخطؤا الطريق
سمعت أبا القاسم عبدالسلام بن محمد البغدادي بمكة يقول قال رجل لأبي تراب يوما ألك حاجة فقال يوم يكون لي إليك حاجة وإلى أمثالك لا يكون لي إلى الله حاجة وقال الذي منع الصادقين الشكوى إلى غير الله الخوف من الله وقال حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك وحقيقة الفقر أن تفتقر إلى من هو مثلك
سمعت أحمد بن إسحاق يقول ثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال سمعت أبا تراب يقول سمعت حاتما يقول لي أربع نسوة وتسعة من الأولاد ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في شيء من أرزاقهم
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا ثنا أبو تراب عسكر بن الحصين قال جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال يا أبا عبدالرحمن أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد فقال رأس الزهد الثقة بالله ووسطه الصبر وآخره الأخلاص أسند أبو تراب غير حديث
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا محمد بن عبدالله بن مصعب ثنا أبو تراب الزاهد عسكر بن الحصين ثنا محمد بن نمير ثنا محمد بن ثابت عن شريك ابن عبدالله عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن ربهم يطعمهم ويسقيهم
حدثنا أبو محمد ابن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا ثنا أبو تراب ثنا نعيم ابن حماد المصري ومعاذ بن أسد قالا عن الفضل بن موسى السياني عن الحسين بن واقد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أن لي قرصة بيضاء ملبكة بالسمن واللبن فقام رجل

فجاء به فقال له النبي صلى الله عليه و سلم في أي شيء كان فقال في عكة ضب فلم يأكله النبي صلى الله عليه و سلم
حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق ثنا عبدالصمد بن علي بن مكرم قال حدثني أحمد بن سليمان بن المبارك ثنا أبو تراب الزاهد البلخي ثنا واصل بن إبراهيم ثنا أبو حمزة عن رقية عن سلمة بن كهيل عن جندب ابن سفيان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من سمع سمع الله به ومن راآى راآى الله به
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا ثنا أبو تراب ثنا أحمد بن نصر ثنا عبدالمنعم بن إدريس عن أبيه قال قال وهب بن منبه أوحى الله عز و جل إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي ونعمتي فإن الحاسد عدو لنعمتي مضل الفضلي ساخط لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يكن كذلك فليس مني ولست منه
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال سمعت أبا عبيد حازم ابن أبي حازم يقول سمعت أخي أحمد بن محمد يقول قال أبو تراب النخشبي وقفت ستا وخمسين وقفة فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات ما رأيت قط أكثر منهم ولا أكثر خشوعا وتضرعا ودعاء فأعجبني ذلك وقلت اللهم من لم تتقبل حجته من هذا الخلق فاجعل ثواب حجتي له فأفضنا وبتنا بجمع فرأيت في منامي هاتفا يهتف بي تتسخى علي وأنا أسخى الأسخياء وعزتي وجلالي ما وقف هذا الموقف أحد قط إلا غفرت له فانتبهت فرحا بهذه الرؤيا فرأيت يحيى بن معاذ الرازي فقصصت عليه الرؤيا فقال إن صدقت رؤياك فإنك تعيش أربعين يوما فلما كان يوم أحد وأربعين يوما جاؤا إلى يحيى بن معاذ فقالوا إن أبا تراب قد مات فقمنا فغدونا رحمه الله قال الشيخ ذكر جماعة من جماهير العارفين من العراقيين اقتصرنا على ذكرهم من دون كلامهم وأخبارهم منهم من تنسب إليه الكتب المصنفة كأبي سعيد الخزاز وطبقته ومنهم من رفع الله رايته بما انتشر عنه من كثرة أصحابه وتلامذته رحمة الله علينا وعليهم أجمعين

أبو إسحاق الآجري
فمنهم أبو إسحاق الآجري إبراهيم بغدادي له الآيات العجيبة والكرامات اللطيفة
أخبرنا جعفر بن محمد الخلدي في كتابه وحدثني عنه أبو عمر العثماني ثنا أبو العباس بن مسروق وأبو محمد الحريري وأبو أحمد المغازلي وغيرهم عن إبراهيم الآجري قالوا جاء يهودي يقتضيه شيئا من ثمن قصب فكلمه فقال له أرني شيئا أعرف به شرف الإسلام وفضله على ديني حتى أسلم قال فقال له وتفعل قال نعم فقال له هات رداءك قال فأخذه فجعله في رداء نفسه ولف رداءه عليه ورمى به في النار نار تنور الآجر ودخل في أثره فأخذ الرداء وخرج من الباب ففتح رداء نفسه وهو صحيح وأخرج رداء اليهودي حراقا أسود من جوف رداء نفسه فأسلم اليهودي
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابة قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت عبدون الزجاج يقول قال لي إبراهيم الآجري يا غلام لأن ترد إلى الله عز و جل من همك ذرة خير لك مما طلعت عليه الشمس 560
القاسم الجريري
ومنهم القاسم الجريري كان في حاله مسددا ومن أسباب الدنيا مجردا كان بشر بن الحارث يزوره فيما أخبرت عن عبدالله بن مسلم قال دخل بشر بن الحارث على القاسم الجريري عائدا في مرضه فوجد تحت رأسه لبنة طارحا نفسه على قطعة بازية خلقة فلما خرج من عنده قال جيرانه قد جاورنا ثلاثين سنة فما سألنا حاجة قط 561
أبو يعقوب الزيات ومن أقرانه أبو يعقوب الزيات كان مغتنما لوقته مشتغلا بنفسه يراعي خطراته ويشتغل بخلواته كان جماعة النساك يعظمون حاله
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أبو طاهر محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول دققت على أبي يعقوب الزيات بابه في

جماعة من أصحابنا فقال ما كان لكم شغل في الله يشغلكم عن المجيء إلي قال الجنيد فقلت إذا كان مجيئنا إليك من شغلنا به لا ننقطع عنه ففتح الباب فسألته عن مسألة في التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني فأعطى التوكل حقه ثم قال استحييت من الله عز و جل أن أجيبك وعندي شيء فقلت له ما قولك في رجل له في كل علم من العلوم حظ ويحسن القيام بصفات الحق وصفات الخلق ترى مجالسة الناس فقال إن كنت أنت وإلا فلا وذكر يوما لبعض المريدين تحفظ القرآن فقال لا فقال واغوثا بالله مريد لا يحفظ القرآن كأترجة لا ربح لها فبما يتنعم فبما ينزنم فبما يناجي ربه أما تعلم أن عيش العارفين سماع النغم من أنفسهم وغيرهم 562
أبو جعفر بن الكوفي
ومنهم أبو جعفر بن الكوفي رحمه الله تعالى
سمعت أبا الحسن بن مقسم يرفع منه جدا وأنه فاق أقرانه في الاجتهاد وكثرة الأوراد أكثر نساك بغداد تأدبوا به وتوارثوا منه شريف الآداب وحميد الأخلاق
وحدثني عنه جعفر بن محمد بن نصير قال ذهب إليه يوما الجنيد ابن محمد بصرة دراهم عرضها عليه فأبى أن يأخذها منه وذكر غناه عنها فقال له الجنيد إن وجدت غنى عنها ففي أخذها سرور رجل مسلم فأخذها ثم سألته فقلت يرحمك الله الرجل يتكلم في العلم الذي لم يبلغ استعمال كل عمله كلامه أحب إليك أم سكوته فسكت ساعة مطرقا رأسه ثم رفع رأسه إلي فقال إن كنت هو فتكلم قال الشيخ وكان أبو جعفر بن الكوفي ممن تخرج بأبي عبدالله البراثي الزاهد ومن تلامذته
حدثني أبو عمر العثماني ثنا محمد بن علي البغدادي ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن الحسين البرجلاني ثنا حكيم بن جعفر قال كنا نأتي أبا عبدالله بن أبي جعفر الزاهد وكان يسكن براثا وكانت له امرأة متعبدة

يقال لها جوهرة وكان أبو عبدالله يجلس على جلة خوص نجرانية وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى مستقبل القبلة في بيت واحد قال فأتيناه يوما وهو جالس على الأرض ليس تحته الجلة فقلنا يا أبا عبدالله ما فعلت الجلة التي كنت تقعد عليها قال إن جوهرة أيقظتني البارحة فقالت أليس يقال في الحديث إن الأرض تقول لابن آدم تجعل بيني وبينك سترا وأنت غدا في بطني قال قلت نعم قالت فأخرج هذه الجلال لا حاجة لنا فيها قال فقمت والله فأخرجتها 563
أبو هاشم الزاهد
ومنهم أبو هاشم الزاهد كان إلى الحق وافدا وعن الخلق حائدا وفيما سوى الحق زاهدا من أقران أبي عبدالله بن أبي جعفر البراثي
أخبرنا محمد بن أحمد البغدادي فيما كتب إلي وقد رأيته وحدثني بهذا عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن مسروق ثنا محمد بن الحسين قال حدثني بعض أصحابنا قال قال أبو هاشم الزاهد إن الله تعالى وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المريدين به دونها وليقبل المطيعون إليه بالإعراض عنها فأهل المعرفة بالله فيها مستوحشون وإلى الآخرة مشتاقون
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه أبوعمرو العثماني ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن الحسين البرجلاني ثنا حكيم بن جعفر قال نظر أبو هاشم إلى شريك يعني القاضي يخرج من دار يحيى بن خالد فبكى وقال أعوذ بك من علم لا ينفع قال محمد بن الحسين وحدثني سعيد بن صبيح المؤدب قال قال أبو هاشم لفلح الجبال بالأبر أيسر من إخراج الكبر من القلوب وقال أبو هاشم لو أن الدنيا قصور وبساتين والآخرة أكواخ لكانت الآخرة أهلا أن تؤثر على الدنيا لبقاء تلك ونفاذ هذه 564
العباس بن مساحق
ومنهم العباس بن مساحق المخرومي كان في المحبة محمولا وإلى المحبوب مرتحلا ومنقولا

حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد ابن عيسى الرازي ثنا أبو بكر محمد بن عبدالله الرازي قال سمعت الوضاح بن حكيم يقول رأيت على العباس بن مساحق المخزومي عباءة شديدة البلا فقلت رحمك الله ما هذه العباءة التي أراها عليك قال وما أنكرت منها قلت شدة بلاها قال يا ابن حكيم أولا يمكن في هذه التبلغ إلى الله عز و جل بلى والله لقد خرج محبوا الله من الدنيا في أشد من هذه الحالة وما على رجل أن يكون لله محبا وأن عليه مدارع الحديد والله يا ابن حكيم لقد ذاقوا من حلاوة طاعته والشوق إليه ما سلى قلوبهم عن الدنيا فلم ينظروا إليها إلا بعين المقت لها ولم يرجعوا منها إلى طمع بعد معرفتهم بغرورها إذ سمعوا الله يقول إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد فجفوا والله مضاجعهم وخربوا من العمارة فروشهم وعملوا إلى الرحيل إلى سيدهم وعمروا بالأبدان محاريبهم وبالقلوب درجاتهم 565
عبيدالله العمري
ومنهم المتخلي من الدنيا المتزود فيها للعقبى عبيدالله بن عبدالله العمري
حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك ثنا عبدالله بن سفيان ثنا عمر بن عبدالله العمري قال قرأت على باب دار عبيدالله بن عبدالله مكتوب ... اعمل فأنت من الدنيا على حذر ... واعلم بأنك بعد الموت مبعوث ... واعمل بأنك ما قدمت من عمل ... محصى عليك وما جمعت موروث
حدثنا عمر بن أحمد ثنا محمد بن موسى ثنا محمد بن الهيثم ثنا المثنى بن جامع ثنا أبو جعفر الحذاء قال قال العمري كما أحسنتم الظن بما لم يضمن فأحسنوا الظن بما قد ضمن

علي بن معبد
ومنهم المعاتب بالعتاب لاستهانته بالتراب علي بن معبد المنبه بالصواب
حدثنا عمر بن أحمد قال سمعت أحمد بن مسعود الزبيري يقول سمعت هارون بن كامل يقول سمعت علي بن معبد يقول كتبت كتابا فأخذت طينا من حائط فوقع في نفسي منه شيء فقلت تراب وما تراب فرأيت فيما يرى النائم كأني يقال لي سيعلم الذي يقول وما تراب 567 ومنهم النازح عن الأناس والأشخاص المادح لمؤنسه بما أولاه من المحبة والإخلاص
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا محمد بن زيد السائح ثنا جعفر بن محمد ابن سهل أبو محمد السامري بعسقلان قال سمعت ذا النون المصري يقول بينا أنا أسير في جبال لكام إذ مررت على واد كثير الأشجار والنبات فبينا أنا واقف أتعجب من حسن زهراته وخضرة العشب في جنباته ومن تناغي الأطيار بحنين في أفنتيه ومن خرخرة الماء على رضراضه ومن جولان الوحش في أنديته ومن صوت عواصف الرياح الذارية في أغصان شجراته إذ سمعت صوتا أهطل مدامعي وهيج لما نطق به بلا بل حزني قال ذو النون فاتبعت الصوت حتى أوقعني بباب مغارة في سفح ذلك الوادي فإذا الكلام يخرج من جوف المغارة فاطلعت فيه فإذا أنا برجل من أهل التعبد والاجتهاد وذوي العزلة والانفراد فسمعته وهو يقول سبحان من أمرح قلوب المشتاقين في زهرة رياض الطاعة بين يديه سبحان من أوصل الفهم إلى عقول ذوي البصائر فهي لا تعتمد إلا عليه سبحان من أورد حياض المودة نفوس أهل المحبة فهي لا تحن إلا إليه ثم أمسك قال ذو النون فقلت السلام عليك يا حليف الأحزان وقرين الأشجان ويا من ألف السكن وطول الظعن عن مفارقة الصبر والعزاء قال فأجابني وهو يقول وعليك السلام أيها الرجل ما الذي أوصلك إلى مكان من قد أفرده خوف المسألة عن

الأنام ومن هو مشتغل بما فيه من محاسبته لنفسه عن التصنع في الكلام فقلت أوصلني إليك الآثار والرغبة في الصفح والاعتبار فقال لي يا فتى إن لله عبادا قدح في قلوبهم زند الشغف بنار الرمق فأرواحهم بشدة الاشتياق إلى الله تسرح في الملكوت وبأبصار أحداق القلوب ينظرون إلى ما ذخر لهم في حجب الجبروت قلت يرحمك الله صفهم لي فقال أولئك أقوام أووا إلى كنف رحمته ثم قال سيدي بهم فألحقني ولأعمالهم فوفقني فقد نالوا ما أرادوا لأنك كنت لهم مؤدبا ولعقولهم مؤبدا فقلت يرحمك الله ألا توصني بوصية أحفظها عنك قال أحب الله شوقا إلى لقائه فإن له يوما يتجلى فيه لأوليائه ثم أنشأ يقول ... قد كان لي دمع فأفنيته ... وكان لي جفن فأدميته ... وكان لي جسم فأبليته ... وكان لي قلب فأضنيته ... وكان لي يا سيدي ناظر ... أرى به الحق فأعميته ... عبدك أضحى سيدي مدنفا ... لو شئت قبل اليوم داويته ... ثم أنشأ يقول ... مدامعي منك قريحات ... بالخوف والوجد نضيجات ... أقلقها زرع نبات الهوى ... أجفانها مرضى صحيحات ... طوبى لمن عاش وأجفانه ... من المعاصي مستريحات ... 568
علي بن رزين
ومنهم الممكن المكين أبو الحسن علي بن رزين كان عن الأطعمة والأشربة معدولا وفي المشاهدة مقبولا ومحمولا تخرج به أبو عبدالرحمن المغربي أستاذ إبراهيم بن شيبان
سمعت أبا بكر الطوسي الدينوري بمكة يقول سمعت شيخي إبراهيم يقول سمعت أبا عبدالله المغربي يقول كان لي شيخ أصحبه يشرب في كل أربعة أشهر شربة من ماء يعني صاحبه علي بن رزين عاش مائة وعشرين سنة توفي سنة خمس وعشرين ومائتين قال الشيخ وكان أبو عبدالله

لمغربي محمد بن إسماعيل تلميذ علي بن رزين مات عن مائة وعشرين سنة وقبر مع أستاذه علي بن رزين على جبل طور سينا سنة تسع وتسعين ومائتين وقيل إن إبراهيم الخواص أخذ طريق التوكل من أبي عبدالله وكان أستاذه وأستاذ إبراهيم بن شيبان ذكر ذلك لي أبو بكر الطرسوسي بمكة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وحكى عن إبراهيم بن شيبان أستاذه قال سمعت أبا عبدالله المغربي يقول المخصوصون من الله عز و جل على منازل ثلاثة منهم من ضن بهم عن البلاء لكيلا يستغرق الجزع صبرهم فيجدون في صدورهم حرجا من قضائه أو يكرهون حكمه ومنهم من يضن بهم عن مجاورة العصاة ومخالطتهم لتسلم قلوبهم وصدورهم للعالم ومنهم من صب عليهم البلاء صبا وأمدهم بالصبر والرضا فما ازدادوا بالبلاء إلا حبا ورضاء بحكمه ولله عباد أوجدهم نعما مجردة عليهم وأسبغ عليهم ظاهر العلم وباطنه وأخمل عن الناس ذكرهم قال وكان أبو عبدالله يقول ... يا من يعد الوصال ذنبا ... كيف اعتذاري من الذنوب ... إن كان ذنبي إليك حبي ... فإنني منه لا أتوب ... 569
عمرو النيسابوري
ومنهم أبو حفص عمرو بن سلمة ا لنيسابوري وقيل عمر كان أحد المتحققين له الفتوة الكاملة والمروءة الشاملة تخرج به عامة الأعلام النيسابوريون منهم أبو عثمان النيسابوري وشاه الكرماني صحب عبيدالله الأباوردي وكان من رفقاء أحمد بن خضروية المروزي توفي سنة سبع وقيل أربع وستين ومائتين
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول سمعت أبي يقول قال أبو حفص المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت قال وكان لا يذكر الله إلا على الحضور وتعظيم الحرمة فإذا ذكر الله عز و جل تغير عليه حاله فإذا رجع قال ما أبعد ذكرنا عن ذكر المحققين فما أظن أن من ذكر الله عز و جل حاضرا من غير غفلة يبقى بعد ذكره حيا إلا الأنبياء فإنهم مؤيدون

بقوة النبوة وخواص الأولياء مؤيدون بقوة الولاية
سمعت أبا بكر بن حمدان يقول كان أبو حفص حدادا فكان غلامه يوما ينفخ عليه الكير فأدخل يده في النار وأخرج الحديد من النار فغشي على غلامه وترك أبو حفص الحانوت وأقبل على أمره
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول سمعت أبي يقول سمعت أبا حفص يقول تركت العمل فرجعت إليه وتركني العمل فلم أرجع إليه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبي يقول سمعت أبا علي الثقفي يقول كان أبو حفص يقول من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال وكان يقول من نعت الفقير الصادق أن يكون في كل وقت بحكمه فإذا ورد عليه وارد يشغله عن حكم وقته يستوحش منه وينفيه
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت عبدالرحمن بن الحسين يقول اجتمع مشايخ بغداد عند أبي حفص وسألوه عن الفتوة فقال تكلموا أنتم فإن لكم العبارة واللسان فقال الجنيد الفتوة إسقاط الرؤية وترك النسبة فقال أبو حفص ما أحسن ما قلت ولكن الفتوة عندي أداء الانصاف وترك مطالبة الانصاف فقال الجنيد قوموا يا أصحابنا فقد زاد أبو حفص على آدم وذريته قال وكان أبو حفص يقول من إهانة الدنيا أني لا أبخل بها على أحد ولا أبخل بها على نفسي لاحتقارها واحتقار نفسي عندي
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا أحمد بن عيسى يقول سمعت أبا حفص يقول الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها والإقبال على الله لاحتياجك إليه وقال أبو حفص الحداد حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه وسئل أبو حفص من الرجال فقال القائمون مع الله بوفاء العهود قال الله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وسئل أبو حفص عن العبودية فقال ترك مالك والتزام ما أمرت به

حمدون بن أحمد
قال الشيخ ومن أقران أبي حفص من شيوخ نيسابور الشيخ الصالح أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة صحب أبا تراب النخشبي وكان فقيها على مذهب الثوري وهو شيخ الملامتيين
سمعت عبدالله بن أحمد بن فضالة صاحب الخان بنيسابور يقول سمعت عبدالله بن محمد بن منازل يقول قيل لحمدون بن أحمد ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا قال لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضاء الرحمن ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق قال عبدالله وسأله يوما أبو القاسم المنادي عن مسألة فقال له أرى في سؤالك قوة وعزة نفس تظن أنك قد بلغت بهذا السؤال الحال الذي تخبر عنه أين طريقة الضعف والفقر والتضرع والالتجاء وعندي أن من ظن نفسه خيرا من نفس فرعن فقد أظهر الكبر وقال له عبدالله بن منازل يوما أوصني قال إن استطعت أن لا تغضب لشيء من الدنيا فافعل وقال من أصبح وليس له هم طلب قوت من حلال وهم ما جرى عليه في سابق العلم له وعليه فإنه يتفرغ إلى كل شيء وقال كفايتك تساق إليك ميسرا من غير تعب ولا نصب وإنما التعب في الفضول
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن أحمد التميمي يقول سمعت أحمد بن حمدون يقول سمعت أبي يقول وسئل عن طريق الملازمة فقال خوف القدرية ورجاء المرجئة وقال لا يجزع من المصيبة إلا من اتهم ربه وقال لا أحد أدون ممن يتزين لدار فانية ويتحمد إلى من لا يملك ضره ولا نفعه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن أحمد الفراء يقول سمعت عبدالله بن منازل يقول سئل حمدون من العلماء قال المستعملون لعلمهم والمتهمون آراءهم والمقتدون بسير السلف والمتبعون لكتاب

الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم لباسهم الخشوع وزينتهم الورع وحليتهم الخشية وكلامهم ذكر الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر وصمتهم تفكر في آلاء الله ونعمه نصيحتهم للخلق مبذولة وعيوبهم عندهم مستورة يزهدون الخلق في الدنيا بالإعراض عنها ويرغبونهم في الآخرة بالحرص على طلبها قال وتسفه عليه رجل فسكت حمدون وقال يا أخي لو نقصتني كل نقص لم تنقصني كنقصي عندي ثم قال تسفه رجل على إسحاق الحنظلي فاحتمله وقال لأي شيء تعلمنا العلم وقال أنت عبد مالم تطلب من يخدمك فإذا طلبت خادما خرجت من العبودية وقال للخلق في يوسف عليه السلام آيات وليوسف في نفسه آية وهي أعظم الآيات معرفته بمكر النفس وخدعها حين قال إن النفس لأمارة بالسوء وقال قد أخبر الله تعالى عن حقيقة طباع الخلق فقال لو ملكتم ما أملكه من فنون الرحمة وخزائن الخير لغلب عليكم سوء طباعكم في الشح والبخل وذلك في قوله تعالى قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا
أسند الحديث حدثنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن فضلوية النيسابوري ثنا عبدالله بن محمد بن منازل ثنا حمدون بن أحمد القصار ثنا إبراهيم الزراع ثنا ابن نمير عن الأعمش عن سعيد بن عبدالله عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيا أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وأين وضعه وعن علمه ما عمل فيه 571
محمد بن الفضل
قال الشيخ ومن حكماء المشرق من المتأخرين جماعة منهم أبو عبدالله محمد بن الفضل بن العباس بلخي الأصل سكن سمرقند صحب أحمد بن خضروية المروزي وسمع الحديث الكثير من قتيبة بن سعيد ومن في طبقته
سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله الرازي بنيسابور يقول سمعت محمد بن

الفضل يقول الرحمن هو المحسن إلى البر والفاجر وقال ذهاب الإسلام من أربعة أولها لا يعملون بما يعلمون والثاني يعملون بمالا يعلمون والثالث لا يتعلمون مالا يعلمون والرابع يمنعون الناس من التعلم وقال الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا وقال العجب ممن يقطع الأودية والمفاوز والقفار ليصل إلى بيته وحرمه لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا ينقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه فإن فيه آثار مولاه
سمعت محمد بن الحسين يقول قال محمد بن الفضل أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل وقال محمد بن الفضل ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب في غير شيء والكلام في غير نفع والعظة في غير موضعها وإفشاء السر والثقة بكل أحد ولا يعرف صديقه من عدوه وقال العارف يدافع عيشه يوما بيوم ويأخذ عيشه يوما بيوم
أسند الحديث أخبرنا محمد بن الحسين ثنا علي بن القاسم الخطابي ثنا أبو عبدالله محمد بن الفضل الزاهد بسمرقند ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث ابن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة صحيح ثابت أخرجه مسلم عن قتيبة
حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا قتيبة بن سعيد مثله سواء 572
محمد بن علي الترمذي
ومنهم أبو عبدالله الترمذي محمد بن علي بن الحسن صحب أبا تراب النخشبي ولقي يحيى بن الجلاء له التصانيف المشهورة كتب الحديث مستقيم الطريقة يرد على المرجئة وغيرها من المخالفين تابع للآثار
حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال

حدثني أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي قال نور المعرفة في القلب وإشراقه في عيني الفؤاد في الصدر فبذكر الله يرطب القلب ويلين وبذكر الشهوات واللذات يقسو القلب وييبس فإذا شغل القلب عن ذكر الله بذكر الشهوات كان بمنزلة شجرة إنما رطوبتها ولينها من الماء فإذا منعت الماء يبست عروقها وذبلت أغصانها وإذا منعت السقي وأصابها حر القيظ يبست الأغصان فإذا مددت غصنا منها انكسر فلا يصلح إلا للقطع فيصير وقود النار فكذلك القلب إذا يبس وخلا من ذكر الله فأصابته حرارة النفس ونار الشهوة وامتنعت الأركان من الطاعة فإذا مددتها انكسرت فلا تصلح إلا أن تكون حطبا للنار وإنما يرطب القلب بالرحمة وما من نور في القلب إلا ومعه رحمة من الله بقدر ذلك فهذا هو الأصل والعبد ما دام في الذكر فالرحمة دائمة عليه كالمطر فإذا قحط فالصدر في ذلك الوقت كالسنة الجدباء اليابسة وحريق الشهوات فيها كالسمائم والأركان معطلة عن أعمال البر فدعا الله الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم وهيأ لهم فيها ألوان العبادة لينال العبد من كل قول وفعل شيئا من عطاياه والأفعال كالأطعمة والأقوال كالأشربة فهي عرس الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتى لا يبقى عليهم دنس ولا غبار فإن الله اختار الموحدين ليباهي بهم يوم الجمع الأكبر في تلك العرصات الملائكة لان آدم وولده ظهر خلقهم من يده بالمحبة والملائكة ظهر خلقهم من القدرة لقوله كن فكان فمن محبته للآدميين يفرح بتوبتهم خلقهم والشهوات والشياطين في دار الابتلاء ليباهى بهم في ذلك الجمع ويقول يا معشر ملائكتى إن محاسنكم خرجت منكم ومن النور خلقتكم وأنتم في أعالي المملكة تعاينون عظمتي وحجتي وسلطاني وقد عريتم من الشهوات والشياطين والآدميون خرجت منهم هذه المحاسن من نفوسهم الشهوانية والشياطين قد أحاطت بهم في أداني المملكة ومن التراب خلقتهم فلذلك استوجبوا مني داري وجواري
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت منصور بن عبدالله

يقول قال محمد بن علي الترمذي كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره وقال محمد ليس في الدنيا حمل أثقل من البر لأن من برك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الحسن بن علي يقول سمعت محمد بن علي الترمذي يقول من جهل أوصاف العبودية فهو بنعوت الربوبية أجهل وقال الدنيا عروس الملوك ومرآة الزهاد أما الملوك فتجملوا بها وأما الزهاد فنظروا إليها وأبصروا آفتها فتركوها قال وسئل محمد بن علي عن الخلق فقال ضعف ظاهر ودعوى عريضة وقال اجعل مراقبتك لمن لا يغيب عن نظره إليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى ثنا يحيى بن منصور القاضي ثنا أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي ثنا محمد بن رزام الابلي ثنا محمد بن عطاء عن الهجيمي ثنا محمد بن نصر عن عطاء عن ابن عباس قال تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية رب أرني أنظر إليك قال يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده ولا رطب إلا تفرق إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسامهم 573
أبو بكر الوراق
ومنهم الحكيم أبو بكر محمد بن عمر الوراق البلخي له الكتب في المعاملات
أسند الحديث حدثني محمد بن الحسين قال سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا بكر بن أحمد بن سعيد يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول شكر النعمة مشاهدة المنة
أخبرني محمد قال سمعت أبا الحسين يقول سمعت أحمد بن مزاحم يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم فحياته الهدى وموته الضلالة وصحته الطهارة

والصفاء وعلته الكدورةوالعلاقة ويقطته الذكر ونومه الغفلة ولكل واحد من ذلك علامة فعلامة الحياة الرغبة والرهبة والعمل بها والميت بخلاف ذلك وعلامة الصحة اللذة والسقم بخلاف ذلك وعلامة اليقظة السمع والبصر والنائم بخلاف ذلك
حدثنا أبو بكر الرازي قال سمعت غيلان السمرقندي يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول من اكتفى بالكلام دون الزهد تزندق ومن اكتفى بالزهد دون الكلام والفقه ابتدع ومن اكتفى بالفقة دون الزهد والورع تفسق ومن تفنن في هذه الأمور كلها تخلص قال ودخل على أبي بكر الوراق رجل فقال إني أخاف من فلان فقال لا تخف منه فإن قلب من تخافه بيد من ترجوه
أخبرني محمد بن موسى النجيدي قال سمعت أبا بكر بن أحمد البلخي يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول لو قيل للطمع من أبوك قال الشك في المقدور ولو قيل ما حرفتك قال اكتساب الذل ولو قيل ما غايتك قال الحرمان وقال أبو بكر العبد لا يستحق اليقين حتى يقطع كل سبب بينه وبين العرش إلى الثرى حتى يكون الله مراده لا غيره ويؤثر الله على ما سواه واليقين نور يستضيء به العبد في أحواله فيبلغه إلى درجات المتقين
أسند الحديث أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى ثنا علي بن الحسن البلخي ثنا محمد بن محمد بن حاتم ثناأبو بكر محمد بن عمر الوراق البلخي ثنا أبو عمران موسى بن حزام الترمذي ثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن عبدالرحمن ابن أبي سعيد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من أعظم الأمانة عند الله الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم لا ينشر سرها
حدثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا عمر ابن معاوية عن عمر بن حمزة العمري ثنا عبدالرحمن بن سعد مولى آل بني سفيان قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن

من شرار الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها 574
شاه الكرماني
ومنهم أبو الفوارس الكرماني شاه بن شجاع تعرى من الأغراض تحرزا من الاعرض كان من أبناء الملوك وتشمر للسلوك تخفف للاستباق متحققا بالاشتياق صحب أبا تراب النخشبي وأبا عبيد البسري كان ظريفا في الفتوة عريفا في المروءة
سمعت أبا الفضل الصرام الهروي يقول سمعت أبا عمرو بن نجيد يقول قال شاه الكرماني شغل العارف بثلاثة أشياء بالنظرإلى معبوده مستأنسا به ملاحظا لمننه وفوائده شاكرا له معترفا به ومنيبا تائبا إليه
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا علي الأنصاري يقول قال شاه الكرماني من عرف ربه طمع في عفوه ورجا فضله وقال الفتوة من طباع الأحرار واللؤم من شيم الأندال وما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى أولياء الله بما يحبون لأن محبة أولياء الله دليل على محبة الله
سمعت أبا عبدالرحمن السلمي يقول سمعت جدي أبا عمرو بن نجيد يقول كان شاه الكرماني بن شجاع حاد الفراسة وقلما أخطأت فراسته وكان يقول من شخص بصره عن المحارم وأمسك عن الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ فراسته قال وكان يقول من نظر إلى الخلق بعينه طالت خصومته معهم ومن نظر إليهم بعين الله عذرهم فيما هم فيه وقل اشتغاله بهم
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول سمعت محفوظا يقول كان شاه يأمر أصحابه أن يظهر واله ما يجري على سرهم ثم كان يداوي كل واحد منهم بدوائه ويقول ليس بعاقل من كتم الطبيب علته

سمعت أحمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت ابن النجيد يقول قال شاه الكرماني من صحبك ووافقك على ما تحب وخالفك فيما يكره فإنما يصحب هواه ومن صحب هواه فهو يطلب راحة الدنيا
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا عمرو بن نجيد يقول قال شاه الكرماني علامة الركون إلى الباطل التقرب إلى المبطلين
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت الحسين الفارسي يقول سمعت أبا علي الأنصاري يقول سمعت شاه بن شجاع يقول الفضل لأهل الفضل مالم يروه فإذا رأوه فلا فضل لهم والولاية لأهل الولاية مالم يروها فإذا رأوها فلا ولاية لهم وقال المعجب بنفسه محجوب عن ربه
ذكر لي أبو عامر عبدالوهاب بن محمد عن أبي عبدالله محمد بن أحمد قال كنت عند سهل بن عبدالله جالسا فسقطت بيننا حمامة فجعلت أنحيها فقال سهل أطعمها واسقها فقمت ففتت لها خبزا ووضعت لها ماء فلقطت الخبز وسقطت على الماء فشربت ومضت طائرة فقلت لسهل أي شيء هذا الطير فقال لي يا أبا عبدالله مات أخ لي بكرمان فجاءت هذه تعزيني به قال أبو عبدالله وأظنه ذكر شاه بن شجاع وكان من الأبدال فكتبت تاريخ اليوم والوقت فقد قوم من أهل كرمان فعزونا فيه وذكروا أنه مات في اليوم والوقت الذي سقطت عندنا الحمامة وأنشد أبو عامر قال أنشدني عبدالله الأقرقوهي لشاه بن شجاع ... والله ما الله يبدو لكم وبكم ... والله والله ما هذا هو الله ... فهذه أحرف تبدو لكن وبكم ... إذا تمعنيت معناها هو الله ... 575
يوسف الرازي
ومنهم المتخلي من رؤية الناس المتحلي بالإخلاص خيفة رب الناس تارك للتزين والتصنع مفارق للتلون والتمنع أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي كان وحيدا فريدا وعلى المتنطعين شديدا صحب ذا النون المصري

وأبا تراب النخشبي وأبا سعيد الخزاز
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت أبا جعفر الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول علم القوم بأن الله يراهم فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه ومن ذكر الله بحقيقة ذكره نسي ذكر غيره ومن نسي ذكر كل شيء في ذكره حفظ عليه كل شيء إذ كان الله له عوضا من كل شيء قال وقال رجل ليوسف دلني على طريق المعرفة فقال أر الله الصدق منك في جميع أحوالك بعد أن تكون موافقا للحق ولا ترق إلى حيث لم يرق بك فتزل قدمك فإنك إذا رقيت سقطت وإذا رقي بك لم تسقط وإياك أن تترك اليقين لما ترجوه ظنا
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول قال يوسف ابن الحسين عارضني بعض الناس في كلام وقال لي لا تستدرك مرادك من علمك إلا أن تتوب فقلت مجيبا له لو أن التوبة تطرق بابي ما أذنت لها على أني أنجو بها من ربي ولو أن الصدق والإخلاص كانا لي عبدين لبعتهما زهدا مني فيهما لأني إن كنت عن الله في علم الغيب سعيدا مقبولا لم أتخلف باقتراف الذنوب والمأثم وإن كنت عنده شقيا مخذولا لم تسعدني توبتي وإخلاصي وصدقي وإن الله تعالى خلقني إنسانا بلا عمل ولا شفيع كان لي إليه وهداني لدينه الذي ارتضاه ومن يبتغ غير سبيل المؤمنين الآية ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه الآية فاعتمادي على فضله وكرمه أولى بي إن كنت حرا عاقلا من اعتمادي على أفعالي المدخولة وصفاتي المعلولة لأن مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا من قلة المعرفة بالكريم المتفضل
سمعت أبا بكر الرازي بنيسابور يقول قال يوسف بن الحسين في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه وقال بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصح العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة يفهم الزهد ويوفق له وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا يرغب في الآخرة وبالرغبة في الآخرة ينال رضا الله عز و جل

سمعت أبا بكر الرازي يقول قال يوسف بن الحسين إذا رأيت الله قد أقامك لطلب شيء وهو يمنعك ذلك فاعلم أنك معذب وقال يتولد الإعجاب بالعمل من نسيان رؤية المنة فيما يجري الله لك من الطاعات
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول قال يوسف ابن الحسين نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أوتوا ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد وإرفاق النسوان
سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت منصور بن عبدالله الهروي يقول سمعت يتيمك الرازي يقول لما ورد كتاب يوسف بن الحسين على الجنيد اشتهيت أن أراه من حسن كلامه فخرجت من بغداد زائرا له فلما جئت الري سألت عن دار يوسف فقالوا إيش تعمل به هو رجل زنديق فسألت حتى دللت عليه فدخلت عليه فلما وقعت عيني عليه امتلأت هيبة من رؤيته وكان بين يديه مصحف يقرأ فيه فسلمت عليه فقال لي من أين أقبلت قلت من بغداد قال وإلى أي شيء جئت قلت زائرا إليك فقال لي لو قال لك بحلوان أو بقرميسين أو بهمدان رجل تقيم عندي حتى أقوم بكفايتك فأشتري لك جارية ودارا كان ذلك يمنعك من زيارتي قلت ما ابتليت بشيء من هذا ولو كان بدا لي لا أدري كيف كنت في ذلك الوقت قال أعيذك بالله أنت كيس عسى تقول شيئا قلت نعم قال غن لي فابتدأت فقلت ... رأيتك تبني دائبا في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني ... كأني بكم واللبث أفضل قولكم ... ألا ليتنا نبني إذا اللبث لا يغنى ... قال فبكى حتى ابتل المصحف الذي بين يديه ثم قال يا بني ألوم أهل الري أن يقولوا يوسف بن الحسين زنديق أنا من الغداة أقرأ في كتاب الله ولا أبكي وقلت أنت ذين البيتين أبصر أي شيء وقع
سمعت أبا الحسن علي بن هارون صاحب الجنيد يقول قرأت في جواب يوسف بن الحسين إلى الجنيد من تفتت عذاره وانقطع حزامه

وساح في مفاوز الخطرات يلاحظ عنها أحكام السعادات يقول في حدائه ... كيف السبيل إلى مرضات من غضبا ... من غير جرم ولم نعرف له سببا ... وأقول ... لتعرف نفسي قدرة الخالق الذي ... يدبر أمر الخلق وهو شكور ... وأشكركم في السر والجهر دائبا ... وإن كان قلبي في الوثاق أسير ... قال وسمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت أبا سليمان الداراني يقول ليس أعمال الخلق بالذي ترضيه ولا تسخطه إنما رضي عن قوم فاستعملهم بأعمال الرضى وسخط على قوم فاستعملهم بأعمال السخط وإني ربما تمثلت بهذه الأبيات ... يا موقد النار في قلبي بقدرته ... لو شئت أطفأت عن قلبي بك النار ... لا عار إن مت من شوقي ومن حزني ... على فعالك بي لا عار لا عارا ... قال وسمعت أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم يقول من جهل قدره هتك ستره
سمعت أبا عمرو العثماني يقول أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول تكلمت خدع الدنيا على ألسنة العلماء وأماتت قلوب القراء فتن الدنيا فلست ترى إلا جاهلا متحيرا أو عالما مفتونا فيا من جعل سمعي وعاء لعلم عجائبه وقلبي منبعا لذكره ويا من من علي بمواهبه اجعلني بحبلك معتصما وبجودك متمسكا وبحبالك متصلا وأكمل نعمتك عندي بدوام معرفتك في قلبي كما أكملت خلقى وسددنى للتى تبلغنى إليك واجعل ذلك مضموما إلى نعمائك عندي واهدني للشكر حتى أعلم مكان الزيادة منك في قلبي ولا تنزع محبتك من قلبي ياذا الجلال والإكرام والجمال والنور والبهاء والحمد لله أولا وآخرا
حدثنا عثمان بن محمد ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ثنا يوسف بن الحسين قال سألت ذا النون من أجالس قال جالس من الناس من تقهرك هيبته وتخوفك في السر والعلانية رؤيته ويخبرك عن نفسك بالذي هو أعلم به منك

ونحو هذا إلا أن كلامه دلني على مجالسة من تقع على هيبته قال يوسف وقيل لذي النون أين مجلس الآمنين فقال في مقعد صدق عند مليك مقتدر قال يوسف وسألت ذا النون يوما من الأيام من أصحب قال لا تصحب من ينخدع بغيرك قال يوسف فعرضت هذه الكلمة على طاهر المقدسي فقال نهاك عن صحبة الخلائق بأسرها قال وسمعت يوسف يقول زار ذو النون أخا له في شقة بعيدة فقال ذو النون ما بعد طريق أدى إلى صديق ولا ضاق مكان من حبيب قال وسمعت ذا النون وقيل له مالك إذا رأيت العاصي لا تحقد عليه وتقبح فعله وتهجره فقال لأني أنظر إلى الصانع في الصنع فيهون على المصنوع قال وسمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت الفتح بن شخرف يقول قال لي ذو النون من قطع الآمال من الخلق وصل إلى الخالق ولن يصل عبد إلى محبوبه دون قطع الآمال ممن دونه فمن أحب لقاء الله فليرم بكنفه عنده وليخلص وليشمر وليصبر ويرضى ويستسلم مخاطرا بنفسه فتؤديه مخاطرة نفسه إلى نفسه قال وسمعت يوسف بن الحسين يقول حدثني محمد بن يحيى السرخسي الناسك قال سمعت أبا يزيد البسطامي يقول الحب لله على أربعة فنون ففن منه وهو منته وفن منك وهو ودك وفن له وهو ذكرك له وفن بينكما وهو العشق قال يوسف فذكرت ذلك لذي النون فقال هذا الكمال الزاهد يقول كيف أصنع والعارف يقول كيف يصنع بي ثم قال تاه القوم في جماله وجلاله قال وسمعت يوسف بن الحسين يقول قال ذو النون مقامات الرجال تسعة عشر مقاما أولها الإجابة وأعلاها التوكل وقال ذو النون الناس أعداء ما جهلوا وحساد ما منعوا من جهل قدره هتك ستره قال وأتاه رجل يوما فقال يا أبا الفيض أوصني فقال بم أوصيك إن كنت ممن قد أيدت منه في علم الغيب بصدق التوحيد فقد سبق لك قبل أن تخلق إلى يومنا هذا دعاء النبيين والمرسلين والصديقين وذلك خير من وصيتي وإن يكن غير ذلك فلن ينفعك النداء قال وسمعته يقول استعبدنا بالعناء فلا بد من الانقياد له قال وسئل لم أحب الناس

الدنيا قال لأن الله تعالى جعل الدنيا خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم إليها قال الحبيب يسبق الاغتفار قبل الاعتذار وقال من يسكن قلبك عليه فلا تفش سرك إليه وسئل من دون الناس غما قال أسوؤهم خلقا قيل وما علامة سوء الخلق قال كثرة الخلاف وقال صدور الأحرار قبور الأسرار وسئل يوما فيم يجد العبد الخلاص قال الخلاص في الإخلاص فإذا أخلص تخلص قيل فما علامة الإخلاص قال إذا لم يكن في عملك محبة حمد المخلوقين ولا مخافة ذمهم فأنت مخلص إن شاء الله
أسند الحديث
حدثنا عثمان بن محمد ثنا أبو الحسين الصوفي محمد بن عبدالله الرازي بدمشق حدثني أبو يعقوب يوسف بن الحسين الصوفي الرازي ثنا أحمد بن حنبل ثنا مروان بن معاوية ثنا هلال بن سعيد أبو المعلى عن أنس بن مالك قال أهدي إلى النبي صلى الله عليه و سلم طوائر ثلاث فأكل طيرا واستخبأ خادمه طيرين فردهما عليه من الغد فقال النبي صلى الله عليه و سلم ألم أنهك أن ترفع شيئا لغد إن الله يأتي برزق كل غد قال يوسف كنت أتيت أبا عبدالله في أيام المتوكل فسألني عن بلدي وقال ما حاجتك وفي أي شيء جئت إلي فقلت لتحدثني فقال أما بلغك أني قد أمسكت عن الحديث فقلت بلى ولكن حدثني بشيء أذكرك به وأترحم عليك فحدثني بهذا الحديث ثم قال هذا من بايتك يا صوفي تسألني عن شيوخ الري فقال إيش خبر أبي زرعة حفظه الله فقلت بخير فقال خمسة أدعو الله لهم في دبر كل صلاة أبواي والشافعي وأبو زرعة وآخر ذهب عني إسمه قال الشيخ وحدث وحدث بهذا الحديث عن يوسف بن الحسين شيخنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم فيما أملاه ثنا يوسف بن الحسين الرازي الصوفي ثنا أحمد بن حنبل بإسناده مثله ولم يذكر الكلام
حدثنا أبو محمد بن حيان إملاء ثنا أحمد بن عصام الرازي حدثني يوسف بن الحسين ثنا عامر بن سيار ثنا محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال من اشترى مالا يحتاج إليه أوشك أن يبيع ما يحتاج إليه

سعيد بن إسماعيل
ومنهم العارف الفاصح والعابد الناصح كان بالحكم منطيقا فصيحا وللمريدين شفيقا نصيحا علمهم الآداب الرفيعة ونبههم على ملازمة الشريعة كان إلى موافقة الحق مجذوبا وعن حظوظ النفس مطهر مسلوبا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد الحيرى رازى المولد خرج زائرا إلى أبي حفص النيسابوري مع شيخه شاه الكرماني فقبله أبو حفص وحسه عنده وصار له سكنا وعلى ابنته ختنا كان حميد الأخلاق مديد الأرفاق بقيت بركته وآثاره على أهل نيسابور وتوفي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين فيما ذكره لي أبو عمرو بن حمدان وأنه حضر الصلاة عليه ودفن بمقبرة الحيرة عند قبر أستاذه أبي حفص النيسابوري وزرت قبريهما سنة إحدى وسبعين وثلثمائة
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول سمعت أبا عثمان الحيري يقول من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لقوله تعالى وإن تطيعوه تهتدوا
سمعت عبدالله بن محمد المعلم صاحب الخان يقول سمعت أبا عمر بن نجيد يقول قال محمد بن الفضل البلخي إن الله تعالى زين أبا عثمان بفنون عبوديته وأبرزه للناس ليعلمهم آداب العبودية
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت جدي أبا عمر بن نجيد يقول سمعت أبا عثمان يقول منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته
سمعت محمد بن أحمد بن عثمان يقول سمعت أبا عثمان يقول موافقة الاخوان خير من الشفقة عليهم
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول قرأت بخط أبي أحمد بن حمدان سمعت أبا عثمان يقول صلاح القلب من أربع خصال التواضع لله والفقر إلى الله والخوف من الله والرجاء لله قال وسمعت أبا عثمان يقول لا يكمل

الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة أشياء في المنع والعطاء والعز والذل قال وسمعت أبا عثمان يقول أهل العداوة من ثلاثة أشياء من الطمع في المال والطمع في إكرام الناس والطمع في قبول الناس قال وسمعت أبا عثمان يقول الخوف من الله يوصلك إلى الله والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى وقال أبو عثمان سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله عن قلبك وخوفك من غير الله أذهب خوفك من الله عن قلبك ورجاؤك ممن دونك أذهب رجاءك له عن قلبك وقال أبو عثمان حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذل نفسه بالمعصية وقال أبو عثمان أصل التعلق بالخيرات قصور الأمل وقال أبو عثمان أنت مسجون ما تبعت مرادك وشهوتك فإذا فوضت وسلمت استرحت
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالله الرازي يقول لما تغير الحال على أبي عثمان وقت وفاته مزق ابنه أبو بكر قميصا كان عليه ففتح أبو عثمان عينيه وقال يا بني خلاف السنة في الظاهر رياء باطن في القلب
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن أحمد الملامتي يقول سمعت الحسين الوراق يقول سألت أبا عثمان عن الصحبة فقال الصحبة مع الله عز و جل بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة والصحبة مع الرسول صلى الله عليه و سلم باتباع سنته ولزوم ظاهر العلم والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والحرمة والصحبة مع الأهل والولد بحسن الخلق والصحبة مع الاخوان بدوام البشر والانبساط ما لم يكن إثما والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ورؤية نعمة الله عليك أن عافاك مما ابتلاهم به
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت محمد بن أحمد بن يوسف يقول سمعت أبا عثمان يقول تعززوا بعز الله كي لا تذلوا وقال أبو عثمان العاقل من تأهب للمخاوف قبل وقوعها والتفويض رد ما جهلت علمه إلى عالمه والتفويض مقدمة للرضا والرضا باب الله

الأعظم والذكر الكثير أن تذكره في ذكرك له أنك لم تصل إلى ذكره إلا به وبفضله
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول سمعت أبا الحسين الوراق يقول سئل أبو عثمان كيف يستجيز للعقل أن يزيل للأئمة عمن يظلمه قال ليعلم أن الله سلطه عليه وقال محفوظ سئل أبو عثمان ما علامة السعادة والشقاوة فقال علامة السعادة أن تطيع الله وتخاف أن تكون مردودا وعلامة الشقاوة أن تعصي الله وترجو أن تكون مقبولا أسند الحديث فمن مسانيد حديثه
أخبرنا محمد بن الحسين ثنا سعيد بن عبدالله بن سعيد بن إسماعيل قال وجدت في كتاب جدي أبي عثمان بخطه حدثني أبو صالح حمدون القصار صاحب أبي محمد بن يحيى النيسابوري ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبثر عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات وعليه صوم شهر رمضان أطعم عنه وليه كل يوم مسكينا
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبدان بن محمد المروزي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبثر بن القاسم عن أشعث بن سوار عن محمد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أفطر يوما من رمضان فمات قبل أن يقضيه فعليه بكل يوم مد لمسكين قال سليمان لم يروه عن أشعث إلا عبثر ومحمد الذي يروي عنه أشعث هذا الحديث محمد بن سيرين وقيل محمد بن أبي ليلى 577
أحمد بن عيسى
ومنهم العارف المعروف الكامل بالبيان موصوف له الكتب المذكورة والأجوبة المشهورة أبو سعيد الخزاز أحمد بن عيسى صحب ذا النون ونظراءه انتشرت بركاته على أصحابه ومتبعيه سيد من تكلم في علم الفناء والبقاء

سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول ثنا العباس بن أحمد الرملي قال قال أبو سعيد الخزاز المعرفة تأتي القلب من وجهين من عين الجود ومن بذل المجهود
سمعت أبا الحسن علي بن عبدالله الجهضمي يقول سمعت يحيى بن المؤمل يقول سمعت شيخي أبا بكر الدقاق يقول سمعت أحمد بن عيسى يقول فارقوا الأشياء على الأحكام والوداع تفرغ قلوبكم لما تستقبلون فإنه من فارق شيئا ولم يحكمه فإنه راجع إليه وقتا لا محالة لما بقي عليه منه وفيما تستقبلون شغل عما تخلفون
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت عمر بن علي الفرغاني يقول سمعت ابن الكاتب يقول سمعت أبا سعيد الخزاز يقول إن الله عجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم وأجزل لهم نصيبهم من كل كائن فعيش أبدانهم عيش الجانين وعيش أرواحهم عيش الربانيين لهم لسانان لسان في الباطن يعرفهم صنع الصانع في المصنوع ولسان في الظاهر يعلمهم علم المخلوقين فلسان الظاهر يكلم أجسامهم ولسان الباطن يناجي أرواحهم
سمعت أبا الفضل الهروي سمعت أبا بكر الدقاق يقول انتبه يوما أبو سعيد الخزاز من غفوته وقال اكتبوا ما وقع لي فيه هذه الغفوة إن الله جعل العلم دليلا عليه ليعرف وجعل الحكمة رحمة منه عليهم ليؤلف فالعلم دليل إلى الله والمعرفة دالة على الله فبالعلم تنال المعلومات وبالمعرفة تنال المعروفات والعلم بالتعلم والمعرفة بالتعرف فالمعرفة تقع بتعريف الحق والعلم يدرك بتعريف الخلق ثم تجري الفوائد بعد ذلك
سمعت أبا الفضل الطوسي يقول سمعت غلام الدقاق يقول سمعت أبا سعيد السكري يقول سمعت أبا سعيد الخزاز يقول كل باطن يخالف ظاهرا فهو باطل
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت

محمد بن علي الكتاني يقول سمعت أبا سعيد الخزاز يقول للعارفين خزائن أودعوها علوما غريبة وأنباء عجيبة يتكلمون بها بلسان الأبدية ويخبرون عنها بعبارة الأزلية
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت علي بن عبدالله يقول سمعت أبا العباس الطحان يقول قال أبو سعيد الخزاز المحب يتعلل إلى محبوبه بكل شيء ولا يتسلى عنه بشيء ويتبع آثاره ولا يدع استخباره وأنشدنا ... اسائلكم عنها فهل من مخبر ... فمالي بنعم مذ نأت دارها علم ... فلو كنت أدري أين خيم أهلها ... وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا ... إذا لسلكنا مسلك الريح خلفها ... ولو أصبحت نعم ومن دونها النجم ...
سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول ثنا أبو بكر الكتاني وأبو الحسن الرملي قالا سألنا أبا سعيد الخزاز فقلنا أخبرنا عن أوائل الطريق إلى الله فقال التوبة وذكر شرائطها ثم ينقل من مقام التوبة إلى مقام الخوف ومن مقام الخوف إلى مقام الرجاء ومن مقام الرجاء إلى مقام الصالحين ومن مقام الصالحين إلى مقام المريدين ومن مقام المريدين إلى مقام المطيعين ومن مقام المطيعين إلى مقام المحبين ومن مقام المحبين إلى مقام المشتاقين ومن مقام المشتاقين إلى مقام الأولياء ومن مقام الأولياء إلى مقام المقربين وذكروا لكل مقام عشر شرائط إذا عاناها وأحكمها وحلت القلوب هذه المحلة أدمنت النظر في النعمة وفكرت في الأيادي والإحسان فانفردت النفوس بالذكر وجالت الأرواح في ملكوت عزه بخالص العلم به واردة على حياض المعرفة إليه صادرة ولبابه قارعة وإليه في محبته ناطرة أما سمعت قول الحكيم وهو يقول ... أراعي سواد الليل أنسا بذكره ... وشوقا إليه غير مستكره الصبر ... ولكن سرورا دائما وتعرضا ... وقرعا لباب الرب ذي العز والفخر ... فحالهم أنهم قربوا فلم يتباعدوا ورفعت لهم منازل فلم يخفضوا ونورت قلوبهم لكي ينظروا إلى ملك عدن بها ينزلون فتاهوا بمن يعبدون

وتعززوا بمن به يكتفون حلوا فلم يظعنوا واستوطنوا محلته فلم يرحلوا فهم الأولياء وهم العاملون وهم الأصفياء وهم المقربون أين يذهبون عن مقام قرب هم به آمنون وعزوا في غرف هم بها ساكنون جزاء بما كانوا يعملون قلثل ! هذا فليعمل العاملون
سمعت أبا عمرو العثماني يقول سمعت أبا الحسن الرازي يقول قال أبو سعيد الخزاز كل ما فاتك من الله سوى الله يسير وكل حظ لك سوى الله قليل وقال الناس في الفرح بالله على أربع طبقات إنما هو المعطى والمعطي والإعطاء والعطاء فمن الناس من فرح بالمعطي ومنهم من فرح بالمعطى وهو نفسه ومنهم من فرح بالإعطاء ومنهم من فرح بالعطاء فينبغي أن يكون فرحك في العطاء بالمعطي ولذتك في اللذات بخالق اللذات وتنعمك في النعم بالمنعم دون النعم لأن ذكر النعمة عند ذكر المنعم حجاب ورؤية النعمة عند رؤية المنعم حجاب
أسند الحديث فمن مسانيده
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور القواس ثنا علي بن محمد المصري ثنا أبو سعيد أحمد بن عيسى الخزاز البغدادي الصوفي ثنا عبدالله بن إبراهيم الغفاري ثنا جابر بن سليم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سوء الخلق شؤم وشراركم أسوؤكم خلقا 578
أحمد النوري
ومنهم أبو الحسين أحمد بن محمد المعروف بالنوري أحد الأئمة له اللسان الجاري بالبيان الشافي عن أسرار المتوجهين إلى الباري لقي أحمد بن أبي الحواري وصحب سريا السقطي يعرف بابن البغوي
سمعت عبدالمنعم بن حيان يحكي عن أبي سعيد الأعرابي محنته وغيبته عن إخوانه في أيام محنة غلام الخليل وأنه أقام بالرقة سنين متخليا عن الإيناس ثم عاد بعد المدة المديدة إلى بغداد وفقد أناسه وجلاسه

وأشكاله وانقبض عن الكلام لضعف في بصره وانحلال في جسمه وقوته
حدثنا عثمان بن محمد ا لعثماني ثنا أبو بكر محمد بن حمدان ثنا محمد ابن أحمد أبي سفيان ومحمد بن علي القحطبي قالا قدم أبو الحسين النوري وكان صوفيا متكلما في بعض قدماته من مكة في غير أوان الحج فخرجنا فاستقبلناه فوق بغداد فرأينا في وجهه تغيرا فقلنا يا أبا الحسين تغير الأسرار من تغير الأبشار فقال إلا إن الحق تحمل كل كل وثقل عن قلوب أوليائه ثم أنشدني ... أخرجني من وطني ... كما ترى صيرني ... صيرني كما ترى ... أسكن قفر الدمن ... إذا تغيبت بدا ... وإن بدا غيبني ... وافقته حتى إذا ... وافقني خالفني وقال لا تشهد ما ... تشهد أو تشهدني ...
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول رئي النوري في رجوعه من الحرم ولم يبق منه إلا خاطره فقال له رجل هل يلحق الأسرار ما يلحق الصفات فقال لا إن الحق أقبل على الأسرار فحملها وأعرض عن الصفات فمحقها ثم أنشأ يقول ... أهكذا صيرني ... أزعجني عن وطني ... غربني شردني ... شردني غربني ... حتى إذا غبت بدا ... وإن بدا غيبني ... واصلني حتى إذا ... واصلته فاصلني ... يقول لا تشهد ما ... تشهد أو تشهدني ...
سمعت عمر البناء البغدادي بمكة يحكى لما كانت محنة غلام الخليل ونسب الصوفية إلا الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم فأخذ في جملة من أخذ النوري في جماعة فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فتقدم النوري مبتدرا إلى السياف ليضرب عنقه فقال له السياف ما دعاك إلى الابتدار إلى القتل ن بين أصحابك فقال آثرت حياتهم على حياتي هذه اللحظة فتوقف السياف والحاضرون عن قتله ورفع أمره إلى الخليفة فرد أمرهم إلى قاض القضاء وكان يلي القضاء يومئذ إسماعيل بن إسحاق فقدم إليه النوري فسأله عن مسائل في العبادات والطهارة والصلاة فأجابه ثم قال له

وبعد هذا لله عباد يسمعون بالله وينظرون بالله ويصدرون بالله ويردون بالله ويأكلون بالله ويلبسون بالله فلما سمع إسماعيل كلامه بكى بكاء طويلا ثم دخل على الخليفة فقال إن كان هؤلاء القوم زنادقة فليس في الأرض موحد فأمر بتخليتهم وسأله السلطان يومئذ من أين يأكلون فقال لسنا نعرف الأسباب التي يستجلب بها الأرزاق نحن قوم مدبرون وقال من وصل إلى وده أنس بقربه ومن توصل بالوداد فقد اصطفاه من بين العباد
حدثنا أبو الفضل الهروي قال حكي لي عن جعفر بن الزبير الهاشمي أن أبا الحسين النوري دخل يوما الماء فجاء لص فأخذ ثيابه فبقي في وسط الماء فلم يلبث إلا قليلا حتى رجع إليه اللص معه ثيابه فوضعها بين يديه وقد جفت يمينه فقال النوري رب قد رد علي ثيابي فرد عليه يمينه فرد الله عليه يده ومضى
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول سمعت علي بن عبدالرحيم يقول دخلت على النوري ذات يوم فرأيت رجليه منتفختين فسألته عن أمره فقال طالبتني نفسي بأكل التمر فجعلت أدافعها فتأبى علي فخرجت فاشتريت فلما أن أكلت قلت لها قومي حتى تصلي فأبت فقلت لله علي وعلي ان قعدت على الأرض أربعين يوما فما قعدت
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول سمعت أبا الحسين النوري يقول كان في نفسي من هذه الآيات شيء فأخذت من الصبيان قصبة وقمت بين زورقين وقلت وعزتك لئن لم تخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال لأغرقن نفسي قال فخرجت لي سمكة فيها ثلاثة أرطال قال فبلغ ذلك الجنيد فقال كان حكمه أن يخرج له أفعى فتلدغه
سمعت محمد بن موسى يقول حكى فارس الجمال عن النوري قال كانت المراقع غطاء على الدر فصارت مرابل على جيف
سمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي يقول سمعت علي بن عبدالله

البغدادي يقول سمعت فارسا الجمال يقول لحق أبا الحسين النوري علة والجنيد علة فالجنيد أخبر عن وجده والنوري كتم فقيل للنوري لم تخبر كما أخبر صاحبك فقال ما كنا نبتلى ببلوى فنوقع عليه الشكوى ثم أنشأ يقول ... إن كنت للسقم أهلا ... فأنت للشكر أهلا ... عذب فلم تبق قلبا ... يقول للسقم مهلا ... فأعيد على الجنيد ذلك فقال الجنيد ما كنا شاكين ولكنا أردنا أن نكشف عن عين القدرة فينا ثم بدأ يقول ... أجل ما منك يبدو ... لأنه عنك جلا ... وأنت يا أنس قلبي ... أجل من أن تجلا ... أفنيتني عن جميعي ... فكيف أرعى المحلا ... قال فبلغ ذلك الشبلي فأنشأ يقول ... محنتي فيك أنني ... لا أبالي بمحنتي ... يا شفائي من السقام ... وإن كنت علتي ... تبت دهرا فمذ عرفتك ... ضيعت فيك توبتي ... قربكم مثل بعدكم ... فمتى وقت راحتي ...
سمعت علي بن عبدالله الجهضمي يقول سعت علي بن عبيدالله الخياط يقول سمعت أبا محمد المرتعش يقول سمعت أبا الحسين النوري يقول ويوصي بعض أصحابه عشرة وأي عشرة احتفظ بهن واعمل عليهن جهدك فأولى ذلك من رأيته يدعى مع الله عز و جل حالة تخرجه عن حد علم الشرع فلا تقربن منه والثانية من رأيته يركن إلى غير أبناء جنسه ويخالطهم فلا تقربن منه والثالثة من رأيته يسكن إلى الرئاسة والتعظيم له فلا تقربن منه ولا ترتفق به وإن أرفقك ولا ترج له فلاحا والرابعة فقير رجع إلى الدنيا إن مت جوعا فلا تقربن منه ولا ترفق به إن أرفقك فإن رفقه يقسي قلبك أربعين صباحا والخامسة من رأيته مستغنيا بعلمه فلا تأمن جهله والسادسة من رأيته مدعيا حالة باطنه لا يدل عليها ولا يشهد عليها حفظ ظاهره فاتهمه على دينه والسابعة من رأيته يرضى عن نفسه ويسكن إلى وقته فاعلم أنه مخدوع فاحذره أشد الحذر والثامنة مريد يسمع القصائد ويميل إلى

الرفاهة لا ترجون خيره والتاسعة فقير لا تراه عند السماع حاضرا فاتهمه واعلم أنه منع بركة ذلك لتشويش سره وتبديد همه والعاشرة من رأيته مطمئنا إلى أصدقائه وإخوانه وأصحابه مدعيا لكمال الخلق بذلك فاشهد بسخافة عقله ووهن ديانته
سمعت أبا الحسن يقول حدثني عبدالواحد بن بكر حدثني علي بن عبدالرحيم قال رأيت أبا الحسن النوري قائما حيال الكعبة يحرك شفتيه كأنه يسأل شيئا ثم أنشأ يقول ... كفى حزنا أني أناديك دائبا ... كأني بعيد أو كأنك غائب ... وأسأل منك الفضل من غير رغبة ... ولم أر مثلي زاهدا فيك راغب ...
سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول قرأت على أبي محمد عبدالله بن محمد الرازي بنيسابور عن أبي الحسين النوري قال أعلى مقامات أهل الحقائق انقطاعهم عن الخلائق وسبيل المحبين التلذذ بمحبوبهم وسبيل الراجين التأميل لمأمولهم وسبيل الفانين الفناء في محبوبهم ومأمولهم وسبيل الباقين البقاء ببقائه ومن ارتفع عن الفناء والبقاء فحينئذ لا فناء ولا بقاء وقال إن المحبة للمحبوب تتزايد من لطائف المحبوب
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال قرأت على أبي محمد عبدالله بن محمد الرازي قال أنشدنا النوري ... كادت سرائر سري أن تسر بما ... أوليتني من سرور لا أسميه ... فصاح للسر سر منك يرقبه ... كيف السرور بسر دون مبديه ... فظل يلحظه سرا ليلحظه ... والحق يلحظني ألا أراعيه ... وأقبل السر يغني الكل عن صفتي ... وأقبل الحق يغنيني ويغنيه ...
حدثني عثمان بن محمد قال أخبرني أحمد بن الحسين قال سمعت أبا الحسن القناد يقول كتبت إلى النوري وأنا حديث ... إذا كان كل الكل في النور فانيا ... أبن لي عن أي الوجودين أخبر فأجابني في الحال

إذا كنت فيما ليس بالوصف فانيا ... فوقتك في الأوصاف عندي تحير ...
حدثنا عثمان بن محمد قال أخبرنا الحسن بن أحمد أبو علي الصوفي قال كتب النوري إلى الجنيد يسأله عن السر ووصفه في شعره ثلاثة أوصاف ... يناجيك سر سائل عن ثلاثة ... سرائرهم كتم وإعلانهم ستر ... فتى ضاع كتم السر بين ضلوعه ... عن إدراكه حتى كان لم يكن سر ... فأسبل أستار التخفر صائنا ... لكل حديث أن يكون هو السر ... فكتام سر مدرك الكتم لم ينل ... سوى حد كتم السر من ظنه ذكر ... فكاتمه المكنون ثم تكاتمت ... جوانحه فالكل من بته صفر ... ضنين بما يهواه ما لاح لائح ... يقاربه إلا احتمى صوبها الفكر ... ومكتتم وافى الضمائر وامتطى ... لمودعه جحدا وليس به غدر ... لامهم تاج الفخار ذكرته ... ومن شربه في حاله المنهل الغمر ... فقال الجنيد والله ما رميت بسري إلى أحدهما لأفضله على الآخر إلا جذبني إليه وقد أرجأت أمرهما إلى الله
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله الرزي يقول سمعت القناد يقول سمعت أبا الحسين النوري يقول رأيت غلاما جميلا ببغداد فنظرت إليه ثم أردت أن أردد النظر فقلت له لم تلبسون النعال الصرارة وتمشون في الطرقات قال أحسنت أتحسن العلم ثم أنشأ يقول ... تأمل بعين الحق إن كنت ناظرا ... إلى صفة فيها بدائع قاطر ... ولا تعط حظ النفس منها لما بها ... وكن ناظرا بالحق قدرة قادر ... ومن مسانيد حديثه فيما أخبرنيه محمد بن عمر بن الفضل بن غالب في كتابه وقد لقيته وسمعت منه غير شيء
حدثنا محمد بن عيسى الدهقان قال كنت أمشي مع أبي الحسين أحمد بن محمد النوري المعروف بابن البغوي الصوفي فقلت له ما الذي تحفظ عن السري السقطي فقال ثنا السري عن معروف الكرخي عن ابن السماك عن الثوري

عن الأعمش عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قضى لأخيه المسلم حاجة كان له من الأجر كمن خدم الله عمره قال محمد بن عيسى الدهقان فذهبت إلى السري السقطي فسألته فقال سمعت معروف بن فيروز يقول خرجت إلى الكوفة فرأيت رجلا من الزهاد يقال له السماك فقال حدثني الثوري عن الأعمش مثله 579
الجنيد بن محمد الجنيد
ومنهم المربي بفنون العلم المؤيد بعيون الحلم المنور بخالص الإيقان وثابت الإيمان العالم بمودع الكتاب والعامل بحلم الخطاب الموافق فيه للبيان والصواب أبو القاسم الجنيد بن محمد الجنيد كان كلامه بالنصوص مربوطا وبيانه بالأدلة مبسوطا فاق أشكاله بالبيان الشافي واعتناقه للمنهج الكافي ولزومه للعمل الوافي
سمعت أبا الحسن علي بن هارون بن محمد وأبا بكر محمد بن أحمد المفيد يقولان سمعنا أبا القاسم الجنيد بن محمد غير مرة يقول علمنا مضبوط الكتاب والسنة من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وكان في أول أمره يتفقه على مذهب أصحاب الحديث مثل أبي عبيد وأبي ثور فأحكم الأصول وصحب الحارث بن أسد المحاسبي وخاله السري بن مفلس فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا محمد الخواص يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول كان الحارث بن أسد المحاسبي يجيء إلى منزلنا فيقول أخرج معي نصحر فأقول له تخرجني من عزلتي وأمنى على نفسي إلى الطرقات والآفات ورؤية الشهوات فيقول اخرج معي ولا خوف عليك فأخرج معه فكان الطريق فارغ من كل شيء لا نرى شيئا نكرهه فإذا حصلت معه في المكان الذي يجلس فيه قال لي سلني فأقول له ما عندي سؤال أسألك فيقول سلني عما يقع في نفسك فتنثال على السؤالات فأسأله عنها فيجيبني عليها في الوقت ثم يمضى إلى منزله فيعملها كتبا فكنت أقول

للحارث كثيرا عزلتي وأنسى وتخرجني إلى وحشة رؤية الناس والطرقات فيقول لي كم تقول أنسي وعزلتي لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا ولو أن النصف الآخر تاوا عني ما استوحشت لبعدهم
قرأت على أبي الحسين محمد بن علي بن حبيش الناقد الصوفي صاحب أبي العباس بن عطاء ببغداد سنة تسع وخمسين وثلثمائة من كتابه فأقر به قلت سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يقول إن أول ما يحتاج إليه من عقد الحكمة تعريف المصنوع صانعه والمحدث كيف كان أحدثه وكيف كان أوله وكيف أحدث بعد موته فيعرف صفة الخالق من المخلوق وصفة القديم من المحدث فيعرف المربوب ربه والمصنوع صانعه والعبد الضعيف سيده فيعبده ويوحده ويعظمه ويدل لدعوته ويعترف بوجوب طاعته فإن من لم يعرف مالكه لم يعترف بالملك لمن استوجبه ولم يضف الخلق في تدبيره إلى وليه والتوحيد علمك وإقرارك بأن الله فرد في أوليته وأزليته لا ثاني معه ولا شيء يفعل فعله وأفعاله التي أخلصها لنفسه أن يعلم أن ليس شيء يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يسقم ولا يبرى ولا يرفع ولا يضع ولا يخلق ولا يرزق ولا يميت ولا يحيي ولا يسكن ولا يحرك غيره جل جلاله فقد سئل بعض العلماء فقيل له بين التوحيد وعلمنا ما هو فقال هو اليقين فقيل له بين لنا فقال هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونها فعل الله وحده لا شريك له فإذا فعلت ذلك فقد وحدته وتفسير ذلك أنك جعلت الله واحدا في أفعاله إذا كان ليس شيء يفعل أفعاله وإنما اليقين اسم للتوحيد إذا تم وخلص وإن التوحيد إذا تم تمت المحبة والتوكل وسمي يقينا فالتوكل عمل القلب والتوحيد قول العبد فإذا عرف القلب التوحيد وفع ما عرف فقد تم وقد قال بعض العلماء إن التوكل نظام التوحيد فإذا فعل ما عرف فقد جاء بالمحبة واليقين والتوكل وتم إيمانه وخلص فرضه لأنك إذا عرفت أن فعل الله لا يفعله شيء غير الله ثم تخاف غيره وترجو غيره لم تأت بالأمر الذي ينبغي فلو عملت ما عرفت لرجوت الله وحده حين عرفت أنه لا

يفعل فعله غيره فالقول فيمن يقصر علم قلبه أنه ناقص التوحيد لأن القلب مشتغل بالفتنة التي هي آفة التوحيد قلت ماهو قال ظنك أن شيئا يفعل فعل الله فاسم ذلك الظن فتنة والفتنة هي الشرك اللطيف قلت أو ليس الفتنة من أعمال القلب قال لا ولكنها داخلة عليه ومفسدة له قلت وما هي قال ظنك بالله إذ ظننت أن من يشاء يفعل فعله والكلام في هذا يطول ولكن من يفهم يقنع باليسير
سمعت الحسين بن موسى يقول سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت عبد الواحد بن علوان يقول سمعت الجنيد يقول فيما يعظني به يا فتى الزم العلم ولو ورد عليك من الأحوال ما ورد ويكون العلم مصحوبك فالأحوال تندرج فيك وتنفد لأن الله عز و جل يقول والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير فيما كتب إلي وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال رأيت الجنيد في النوم فقلت ما فعل الله بك قال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في الأسحار
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا الحسين بن الدراج يقول ذكر الجنيد أهل المعرفة بالله وما يراعونه من الأوراد والعبادات بعدما ألطفهم الله به من الكرامات فقال الجنيد العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رؤوس الملوك
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه الحسين بن يحيى الفقيه الأسفيعاني قال سمعت الجنيد يقول الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه وقرأت على محمد بن علي بن حبيش فقلت سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يقول سألت عن المعرفة وأسبابها فالمعرفة من الخاصة والعامة هي معرفة واحدة لأن المعروف بها واحد ولكن لها أول وأعلى فالخاصة

في أعلاها وإن كان لا يبلغ منها غاية ولا نهاية إذ لا غاية للمعروف عند العارفين وكيف تحيط المعرفة بمن لا تلحقه الفكرة ولا تحيط به العقول ولا تتوهمه الأذهان ولا تكيفه الرؤية وأعلم خلقه به أشدهم إقرارا بالعجز عن إدراك عظمته أو تكشف ذاته لمعرفتهم بعجزهم عن إدراك من لا شيء مثله إذ هو القديم وما سواه محدث وإذ هو الأزلي وغيره المبدأ وإذ هو الإله وما سواه مألوه وإذ هو القوي من غير مقو وكل قوي فبقوته قوي وإذ هو العالم من غير معلم ولا فائدة استفادها من غيره وكل عالم فبعلمه علم سبحانه الأول بغير بداية والباقي إلى غير نهاية ولا يستحق هذا الوصف غيره ولا يليق بسواه فأهل الخاصة من أوليائه في أعلى المعرفة من غير أن يبلغوا منها غاية ولا نهاية والعامة من المؤمنين في أولها ولها شواهد ودلائل من العارفين على أعلاها وعلى أدناها فالشاهد على أدناها الإقرار بتوحيد الله وخلع الأنداد من دونه والتصديق به وبكتابه وفرضه فيه ونهيه والشاهد على أعلاها القيام فيه بحقه واتقاؤه في كل وقت وإيثاره في جميع خلقه واتباع معالي الأخلاق واجتناب مالا يقرب منه فالمعرفة التي فضلت الخاصة على العامة هي عظيم المعرفة في قلوبهم بعظيم القدر والإجلال والقدرة النافذة والعلم المحيط والجود والكرم والآلاء فعظم في قلوبهم قدره وقدر جلالته وهيبته ونفاذ قدرته وأليم عذابه وشدة بطشه وجزيل ثوابه وكرمه وجوده بجنته وتحننه وكثرة أياديه ونعمه وإحسانه ورأفته ورحمته فلما عظمت المعرفة بذلك عظم القادر في قلوبهم فأجلوه وهابوه وأحبوه واستحيوا منه وخافوه ورجوه فقاموا بحقه واجتنبوا كل ما نهى عنه وأعطوه المجهود من قلوبهم وأبدانهم أزعجهم على ذلك ما استقر في قلوبهم من عظيم المعرفة بعظيم قدره وقدر ثوابه وعقابه فهم أهل الخاصة من أوليائه فلذلك قيل فلان بالله عارف وفلان بالله عالم لما رأوه مجلا هائبا راهبا راجيا طالبا مشتاقا ورعا متقيا باكيا حزينا خاضعا متذللا فلما ظهرت منهم هذه الأخلاق عرف المسلمون أنهم بالله أعرف وأعلم من

عوام المسلمين وكذلك وصفهم الله فقال إنما يخشى الله من عباده العلماء وقال داود عليه السلام إلهي ما علم من لم يخشك فالمعرفة التي فضلت بها الخاصة العامة هي عظيم المعرفة فإذا عظمت المعرفة بذلك واستقرت ولزمت القلوب صارت يقينا قويا فكملت حينئذ أخلاق العبد وتطهر من الأدناس فنال به عظيم المعرفة بعظيم القدر والجلال والتذكر والتفكر في الخلق كيف خلقهم وأتقن صنعتهم وفي المقادير كيف قدرها فاتسقت علىالهيئات التي هيأها والأوقات التي وقتها وفي الأمور كيف دبرها على إرادته ومشيئته فلم يمتنع منها شيء عن المضي على إرادته والاتساق على مشيئته وقد قال بعض أهل العلم إن النظر في القدة يفتح باب التعظيم لله في القلب ومر بعض الحكماء بمالك بن دينار فقال له مالك عظنا رحمك الله فقال بم أعظك إنك لو عرفت الله أغناك ذلك عن كل كلام لكن عرفوه على دلالة أنهم لما نظروا في اختلاف الليل والنهار ودوران هذا الفلك وارتفاع هذا السقف بلا عمد ومجاري هذه الأنهار والبحار علموا أن لذلك صانعا ومدبرا لا يعزب عنه مثقال ذرة من أعمال خلقه فعبدوه بدلائله على نفسه حتى كأنهم عاينوه والله في دار جلاله عن رؤيته ففي ذلك دليل أنهم بعظيم قدره أعرف وأعلم إذ هم له أجل وأهيب
سمعت أبا الحسن علي بن هارون بن محمد السمسار يقول سمعت الجنيد ابن محمد يقول اعلم يا أخي أن الوصول إذا ما سألت عنه مفاوز مهلكة ومناهل متلفة لا تسلك إلا بدليل ولا تقطع إلا بدوام ورحيل وأنا واصف لك منها مفازة واحدة فافهم ما أنعته لك منها وقف عند ما أشير لك فيها واستمع لما أقول وافهم ما أصف اعلم أن بين يديك مفازة إن كنت ممن أريد بشيء منها وأستودعك الله من ذلك وأسأله أن يجعل عليك واقية باقية فإن الخطر في سلوكها عظيم والأمر المشاهد في الممر بها جسيم فإن من أوائلها أن يوغل بك في فيح برزخ لا أمد له إيغالا ويدخل بك بالهجوم فيه إدخالا وترسل في جويهنته إرسالا ثم تتخلى منك لك ويتخلى منك له فمن أنت

حينئذ وماذا يراد بك وماذا يراد منك وأنت حينئذ في محل أمنه روع وأنسه وحشة وضياؤه ظلمة ورفاهيته شدة وشهادته غيبة وحياته ميتة لا درك فيه لطالب ولا مهمة فيه لسارب ولا نجاة فيه لهارب وأوائل ملاقاته اصطلام وفواتح بدائعه احتكام وعواطف ممره احترام فإن غمرتك غوامره انتسفتك بوادره وذهب بك في الارتماس وأغرقتك بكثيف الانطماس فذهبت سفالا في الانغماس إلى غير درك نهاية ولا مستقر لغاية فمن المستنقذ لك مما هنالك ومن المستخرج لك من تلك المهالك وأنت في فرط الإياس من كل فرج مشوه بك في إغراق لجة اللجج فاحذر ثم احذر فكم من متعرض اختطف ومتكلف انتسف وأتلف بالغرة نفسه وأوقع بالسرعة حتفه جعلنا الله وإياك من الناجين ولا أحرمنا وإياك ما خص به العارفين واعلم يا أخي أن الذي وصفته لك من هذه المفاوز وعرضت ببعص نعته إشارة إلى علم لم أصفه وكشف العلم بها يبعد والكائن بها يفقد فخذ في نعت ما تعرفه من الأحوال وما يبلغه النعت والسؤال ويوجد في المقاربين والأشكال فإن ذلك أقرب بظفرك لظفرك وأبعد من حظك لحظك وأحذر من مصادمات ملاقاة الأبطال والهجوم على حين وقت النزال والتعرض لأماكن أهل الكمال قبل أن تمات من حياتك ثم تحيى من وفاتك وتخلق خلقا جديدا وتكون فريدا وحيدا وكل ما وصفته لك إشارة إلى علم ما أريده
سمعت علي بن هارون يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول وقرأه علينا في كتاب كتب به إلى بعض إخوانه اعلم رضي الله عنك أن أقرب ما استدعى به قلوب المريدين ونبه به قلوب الغافلين وزجرت عنه نفوس المتخلفين ما صدقته من الأقوال جميع ما اتبع به من الأفعال فهل يحسن يا أخي أن يدعو داع إلى أمر لا يكون عليه شعاره ولا تظهر منه زينته وآثاره وألا يكون قائله عاملا فيه بالتحقيق وبكل فعل بذلك القول يليق وأفك من دعا إلى الزهد وعليه شعار الراغبين وأمر بالترك وكان من

الآخذين وأمر بالجد في العمل وكان من المقصرين وحث على الاجتهاد ولم يكن من المجتهدين إلا قل قبول المستمعين لقيله ونفرت قلوبهم لما يرون من فعله وكان حجة لمن جعل التأويل سببا إلى اتباع هواه ومسهلا لسبيل من آثر آخرته على دنياه أما سمعت الله تعالى يقول وقد وصف نبيه شعيبا وهو شيخ الأنبياء وعظيم من عظماء الرسل والأولياء وهو يقول وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وقول الله جل ذكره لمحمد المصطفى صلى الله عليه و سلم قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وأمر الله له بالدعاء إليه بقوله عز من قائل أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فهذه سيرة الأنبياء والرسل والأولياء والذي يجب يا أخي على من فضله الله بالعلم به والمعرفة له أن يعمل في استتمام واجبات الأحوال وأن يصدق القول منه الفعل بذلك أولا عند الله ويحظى به من اتبعه آخرا واعلم يا أخي أن لله ضنائن من خلقه أودع قلوبهم المصون من سره وكشف لهم عن عظيم أثرهم به من أمره فهم بما استودعهم من ذلك حافظون وبجليل قدر ما أمنهم عليه علماء عارفون قد فتح لما اختصهم به من ذلك أزهانهم وقرب من لطيف الفهم عنه لما أراده أفهامهم ورفع إلى ملكوت عزه همومهم وقرب من المحل الأعلى بالإدناء إلى مكين الإيواء بحبهم وأفرد بخالص ذكره قلوبهم فهم في أقرب أماكن الزلفى لديه وفي أرفع مواطن المقبلين به عليه أولئك الذين إذا نطقوا فعنه يقولون وإذا سكتوا فبوقار العلم به يصمتون وإذا حكموا فبحكمه لهم يحكمون جعلنا الله يا أخي ممن فضله بالعلم ومكنه بالمعرفة وخصه بالرفعة واستعمله بأكمل الطاعة وجمع له خيري الدنيا والآخرة
أخبرني جعفر بن محمد بن نصر في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال قال أبو القاسم الجنيد بن محمد وسئل عن ما تنهى الحكمة فقال الحكمة تنهى عن كل ما يحتاج أن يعتذر منه وعن كل ما إذا غاب علمه عن غيرك أحشمك ذكره في نفسك فقال له السائل فبم تأمر الحكمة

قال تأمر الحكمة بكل ما يحمد في الباقي أثره ويطيب عند جملة الناس خبره ويؤمن في العواقب ضرره قال فمن يستحق أن يوصف بالحكمة قال من إذا قال بلغ المداو الغاية فيما يتعرض لنعته بقليل القول ويسير الإشارة ومن لا يتعذر عليه من ذلك شيء مما يريد لأن ذلك عنده حاضر عتيد قال فبمن تأنس الحكمة وإلى من تستريح وتأوي قال إلى من انحسمت عن الكل مطامعه وانقطعت من الفضل في الحاجات مطالبه ومن اجتمعت همومه وحركاته في ذات ربه ومن عادت منافعه على سائر أهل دهره
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب قال سمعت أبا القاسم الجنيد ابن محمد يقول إن لله عبادا صحبوا الدنيا بأبدانهم وفارقوها بعقود إيمانهم أشرف بهم علم اليقين على ما هم إليه صائرون وفيه مقيمون وإليه راجعون فهربوا من مطالبة نفوسهم الأمارة بالسوء والداعية إلى المهالك والمعينة للأعداء والمتبعة للهوى والمغموسة في البلاء والمتمكنة بأكناف الأسواء إلى قبول داعي التنزيل المحكم الذي لا يحتمل التأويل إذ سمعوه يقول يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لم يحييكم فقرع أسماع فهومهم حلاوة الدعوة لتصفح التمييز وتنسموا بروح ما أدته إليهم الفهوم الطاهرة من أدناس خفايا محبة البقاء في دار الغرور فأسرعوا إلى حذف العلائق المشغلة قلوب المراقبين معها وهجموا بالنفوس على معانقة الأعمال وتجرعوا مرارة المكابدة وصدقوا الله في معاملته وأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه وهانت عليهم المصائب وعرفوا قدر ما يطلبون واغتنموا سلامة الأوقات وسلامة الجوارح وأماتوا شهوات النفوس وسجنوا همومهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم وحرسوا قلوبهم عن التطلع في مراقي الغفلة وأقاموا عليها رقيبا من علم من لا يخفى عليه مثقال ذذرة في بر ولا بحر ومن أحاط بكل شيء علما وأحاط به خبرا فانقادت تلك النفوس بعد اعتياصها واستبقت منافسة لأبناء جنسها نفوس ساسها وليها وحفظها بارئها وكلأها كافيها فتوهم يا أخي إن كنت ذا بصيرة ماذا يرد عليهم في وقت

مناجاتهم وماذا يلقونه من نوازل حاجاتهم تر أرواحا تتردد في أجساد قد أذبلتها الخشية وذللتها الخدمة وتسربلها الحياء وجمعها القرب وأسكنها الوقار وأنطقها الحذار أنيسها الخلوة وحديثها الفكرة وشعارها الذكر شغلها بالله متصل وعن غيره منفصل لا تتلقى قادما ولا تشيع ظاعنا غذاؤها الجوع والظمأ وراحتها التوكل وكنزها الثقة بالله ومعولها الإعتماد ودواؤها الصبر وقرينها الرضا نفوس قدمت لتأدية الحقوق ورقيت لنفيس العلم المخزون وكفيت ثقل المحن لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول سمعت الجنيد يقول ما من شيء أسقط للعلماء من عين الله من مساكنة الطمع مع العلم في قلوبهم قال وسمعت الجنيد يقول فتح كل باب وكل علم نفيس بذل المجهود
سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول قال الجنيد لولا أنه يروى أنه يكون في آخر الزمان زعيم القوم أرذلهم ما تكلمت عليكم
حدثنا عثمان بن محمد ثنا بعض أصحابنا قال قيل للجنيد ما القناعة قال ألا تتجاوز إرادتك ما هو لك في وقتك
سمعت علي بن عبدالله الجهضمي يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت محمد بن الحريض يقول لما قال الجنيد إن بدت عين من الكرم ألحقت المسيء بالمحسن قال أبو العباس بن عطاء متى تبدو فقال له الجنيد هي بادية قال الله سبقت رحمتي غضبي
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول لو أن العلم الذي أتكلم به من عندي لفني ولكنه من حق بدا وإلى الحق يعود وربما رفع في قلبي أن زعيم القوم أرذلهم

سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا عبدالله الدارمي يقول سمعت أبا بكر العطوي يقول كنت عند الجنيد حين مات فختم القرآن ثم ابتدأ من البقرة فقرأ سبعين آية ثم مات رحمه الله
حدثنا أبو الحسن علي بن هارون قال سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يقول وسأله جعفر ما تقول أكرمك الله في الذكر الخفي ما هو الذي لا تعلمه الحفظة ومن أين زاد عمل السر على عمل العلانية سبعين ضعفا فأجابه فقال وفقنا الله وإياكم لأرشد الأمور وأقربها إليه واستعملنا وإياكم بأرضى الأمور وأحبها إليه وختم لنا ولكم بخير فأما الذكر الذي يستأثر الله بعلمه دون غيره فهو ما اعتقدته القلوب وطويت عليه الضمائر مما لا تحرك به الألسنة والجوارح وهو مثل الهيبة لله والتعظيم لله والاجلال لله واعتقاد الخوف من الله وذلك كله فيما بين العبد وربه لا يعلمه إلا من يعلم الغيب والدليل على ذلك قوله عز و جل يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وأشباه ذلك وهذه أشياء امتدح الله بها فهي له وحده جل ثناؤه وأما ما تعلمه الحفظة فما وكلت به وهو قوله ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقوله كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون فهذا الذي وكل به الملائكة الحافظون ما لفظ به وبدا من لسانه وما يعلنون ويفعلون هو ما ظهر به السعي وما أضمرته القلوب مما لم يظهر على الجوارح وما تعتقده القلوب فذلك يعلمه جل ثناؤه وكل أعمال القلوب ما عقد لا يجاوز الضمير فهو مثل ذلك والله أعلم وما روى في الخبر من فضل عمل السر على عمل العلانية وأن عمل السر يزيد على عمل العلانية سبعين ضعفا فذلك والله أعلم لأن من عمل لله عملا فأسره فقد أحب أن ينفرد الله عز و جل بعلم ذلك العمل منه ومعناه أن يستغني بعلم الله في عمله عن علم غيره وإذا استغنى القلب بعلم الله أخلص العمل فيه ولم يعرج على من دونه فاذا علم جل ذكره بصدق قصد العبد إليه وحده وسقط عن ذكر من دونه أثبت ذلك العمل في أعمال الخالصين الصالحين المؤثرين الله على من سواه وجازاه الله بعلمه بصدقة من الثواب

سبعين ضعفا على ما عمل من لا يحل محله والله أعلم
حدثنا علي بن هارون قال سمعت الجنيد بن محمد يقول في كتابه إلى أبي العباس الدينوري من استخلصه الحق بمفرد ذكره وصافاه يكون له وليا منتخبا مكرما مواصلا يورثه غرائب الأنبياء ويزيده في التقريب زلفى ويثبته في محاضر النجوى ويصطنعه للخلة والاصطفاء ويرفعه إلى الغاية القصوى ويبلغه في الرفعة إلى المنتهى ويشرف به من ذروة الذرى على مواطن الرشد والهدى وعلى درجات البررة الاتقياء وعلى منازل الصفوة والأولياء فيكون كله منتظما وعليه بالتمكين محتويا وبأنبائه خبيرا عالما وعليه بالقوة والاستظهار حاكما وبإرشاد الطالبين له إليه قائما وعليهم بالفوائد والعوائد والمنافع دائما ولما نصب له الأئمة من الرعاية لديه به لازما وذلك امام الهداة السفراء العظماء الأجلة الكبراء الذين جعلهمم للدين عمدا وللأرض أوتادا جعلنا الله وإياك من أرفعهم لديه قدرا وأعظمهم في محل عزه أمرا إن ربي قريب سميع
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانىء يقول سألت أبا القاسم الجنيد بن محمد عن قوله لا أحب الآفلين قال لا أحب من يغبب عن عياني وعن قلبي وفي هذا دلالة أني إنما أحب من يدوم لي النظر إليه والعلم به حتى يكون ذلك موجودا غير مفقود وكذلك رأينا أن أشد الأشياء على المحبين أن يغيب عنهم من أحبوه وأن يفقدوا شاهدهم
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر يقول سألت أبا القاسم الجنيد بن محمد عن الايمان ما هو فقال الايمان هو والتصديق الايقان وحقيقة العلم بما غاب عن الأعيان لأن المخبر لي بما غاب عني أن كان عندي صادقا لا يعارضني في صدقه ريب ولا شك أوجب علي تصديقي إياه إن ثبت لي العلم بما أخبر به ومن تأكيد حقيقة ذلك أن يكون تصديق الصادق عندي يوجب علي أن يكون ما أخبرني به كأني له معاين وذلك صفة قوة الصدق في التصديق وقوة الأيقان الموجب لاسم الإيمان وقد روى عن الرسول صلى

الله عليه وسلم أنه قال لرجل اعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك فأمره بحالتين إحداهما أقوى من الاخرى لأني كأني أرى الشيء بقوة العلم به وحقيقة التصديق له أقوى من أن أكون أعلم أن ذلك يراني وإن كان علمي بأنه يراني حقيقة علم موجبة للتصديق والمعنى الاول أولى وأقوى والفضل بجمعهما على تقديم إحداهما على الأخرى قال أحمد وسألته عن علامة الايمان قال الايمان علامته طاعة من آمنت به والعمل بما يحبه ويرضاه وترك التشاغل عنه بشيء ينقضي عنده حتى أكون عليه مقبلا ولموافقته مؤثرا ولمرضاته متحريا لأن من صفة حقيقة علامة الايمان ألا أوثر عليه شيئا دونه ولا أتشاغل عنه بسبب سواه حتى يكون المالك لسري والحاث لجوارحي بما أمرني من آمنت به وله عرفت فعند ذلك تقع الطاعة لله على الاستواء ومخالفة كل الأهواء والمجانبة لما دعت إليه الأعداء والمتاركة لما انتسب إلى الدنيا والاقبال على من هو أولى وهذه بعض الشواهد والعلامات فيما سألت عنه وصفة الكل يطول شرحة قال وسألته ما الايمان فقال هذا سؤال لا حقيقة له ولا معنى ينبىء عن مزيد من علم وإنما هو الايمان بالله جل ثناؤه مجردا وحقيقته في القلوب مفردا وإنما هو ما وقر في القلب من العلم بالله والتصديق وبما أخبر من أموره في سائر سمواته وأرضه مما ثبت في الايقان وإن لم أره بالعيان فكيف يجوز أن يكون للصدق صدق وللآيقان إيقان وإنما الصدق فعل قلبي والايقان ما استقر من العلم عندي فكيف يجوز أن يفعل فعلي وإنما أنا الفاعل أو يعلم علمي وإنما أنا العالم والسؤال في لابتداء غير مستقيم ولو جاز أن يكون للآيمان إيمان وللتصديق تصديق جاز أن يوالي ذلك ويكرر إلى غاية تكثر في العدد وجاز أن يكون كما عاد على ثواب إيماني وثواب تصديقي أن يعود علي إيمان إيماني ثواب وعلى تصديق تصديقي جزاء ولو أردت استقصاء القول في واجب ذلك لا تسع به الكتاب وطال به الخطاب وهذا مختصر من الجواب

أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال سمعت الجنيد بن محمد يقول أعلم الناس بالآفات أكثرهم بلاء وآفة
أخبرنا جعفر وحدثني عنه عثمان قال كنت أمشي مع الجنيد فلقيه الشبلي فقال له يا أبا القاسم ما تقول فيمن الحق حسبه نعتا وعلما ووجودا فقال له يا أبا بكر جلت الألوهية وتعاظمت الربوبية بينك وبين أكابر الطبقة ألف طبقة في أول طبقة منها ذهب الإسم قال وسمعت الجنيد يقول من ظن أنه يصل ببذل المجهود فمتعن ومن ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فمتن ومتعلم يتعلم الحقيقة يوصله الله إلى الهداية قال صلى الله عليه و سلم كل ميسر لما خلق له
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا القاسم المطرز يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول لرجل وهو يكلمه في شيء لا تيأس من نفسك وأنت تشفق من ذنبك وتندم عليه بعد فعلك
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا الحسن المحلي يقول سمعت الجنيد يقول كان التوكل حقيقة واليوم هو علم 1
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا محمد الخواص يقول سمعت الجنيد يقول منذ عشرين سنة ما ناصيت أحدا إلى حق فعاد إلي وقال الجنيد إذا أصبت من يصبر على الحق فتمسك به قال قلت وأنى به هات من يصبر لي على سماع الحق لا يتعرض إليه
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أبو الحسن بن مقسم قال سمعت الجنيد يقول لو بدت عين من الكرم لألحقت المسيئين بالمحسنين وبقيت أعمال العاملين فضلا لهم
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا محمد المرتعش يقول سمعت الجنيد يقول كتب إلي بعض إخواني من عقلاء أهل خراسان اعلم يا أخي يا أبا

القاسم أن عقول العقلاء إذا تناهت تناهت إلى حيرة
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا القاسم المطرز يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول أضر ما على أهل الديانات الدعاوي
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن إسحاق الرازي يقول سمعت العباس بن عبدالله يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول عليكم بحفظ الهمة فان حفظ الهمة مقدمة الأشياء 1
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن إسحاق الرازي يقول سمعت العباس بن عبدالله يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول المروءة امتحان ذلل الاخوان 2
سمعت أبا الحسن علي بن هارون يقول سمعت الجنيد بن محمد أبا القاسم يقول ورأى رويما وقد تولى القضاء فقال من أراد أن ينظرإلى من خبأ في سره حب الدنيا عشرين سنة فلينظر إلى هذا
سمعت أبا الحسن علي بن هارون يقول أخبرني بعض أصحابنا عن أبي القاسم الجنيد قال إنه وقف على سائل فسألته فقال حركني فعل لي فقال الجنيد لا ولكن فعل الله فيك يقتضي منك شكر ما جعله فيك
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد المفيد يقول حضرت الجنيد يوما فسأله أصحابه فقالوا يا أستاذ متى يكون الله عز و جل مقبلا على عبده فلهى عنهم ولم يجبهم فألحوا عليه وكان ظريفا لا يحب أن يتبشع جوابه على أحد فالتفت إليهم فقال واعجباه يقف بين يدي ربه بلا حضور ويقتضي بهذه الوقفة إقبالا
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت محمد بن سعيد يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول وسئل عن حقيقة الشكر فقال ألا يستعان بشيء من نعمه على معاصيه
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا بكر بن سعيد وأبا بكر

ختن الجنيد يقولان سمعنا الجنيد يقول الورع في الكلام أشد منه في الاكتساب أنشدني أبو الحسن بن مقسم قال أنشدني أبو بكر ختن الجنيد قال أنشدني الجنيد بن محمد ... تحمل عظيم الجرم ممن تحبه ... وإن كنت مظلوما فقل أنا ظالم ... قال وأنشدني ... أناس أمناهم فنموا حديثنا ... فلما كتمنا السر عنهم تقولوا ... ولم يحفظوا الود الذي كان بيننا ... ولا حين هموا بالقطيعة أجملوا ...
سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا القاسم المطرز يقول سمعت الجنيد يقول لا تسكن إلى نفسك وإن دامت طاعتها لك في طاعة ربك
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا القاسم ا لنقاشي الصوفي يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول متى أردت أن تشرف بالعلم وتنسب إليه وتكون من أهله قبل أن تعطى العلم ماله عليك احتجب عنك نوره وبقي عليك وسمه وظهوره ذلك العلم عليك لا لك وذلك أن العلم يشير إلى إستعماله وإذا لم يستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته
سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا القاسم النقاشي يقول سمعت الجنيد يقول الإنسان لا يعاب بما في طبعه إنما يعاب اذا فعل بما في طبعه
أنشدني أبو الحسن بن مقسم قال أنشدني علي بن الحسن القرشي قال أنشدني الجنيد بن محمد ... هل من سبيل إلى حبيب ... أوقفني موقف العبيد ... والله والله لو بدأني ... بكل ضرب من الصدود ... ما كان لي من هواه بد ... ولو تقطعت بالوجود ...
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا القاسم الحفار يقول سمعت الجنيد وقد سأله رجل كيف الطريق إلى الله تعالى فقال توبة تحل الإصرار وخوف يزيل الغرة ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات ومراقبة الله في خواطر القلوب
سمعت أحمد بن جعفر بن مالك يقول سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد

يقول وسأله سائل العناية قبل أم البداية فقال العناية قبل الطين والماء قال وسمعت أبا القاسم الجنيد يقول يامن هو كل يوم في شأن اجعلني من بعض شأنك
أخبرنا جعفر بن محمد فيما كتب إلي قال سمعت الجنيد يقول المريد الصادق غني عن علوم العلماء يعمل على بيان يرى وجه الحق من وجوه الحق ويتوقى وجوه الشر من وجوه الشر قال وسمعت الجنيد يقول اعتللت بمكة فقوى علي فيها الوجود حتى لم أقدر أن أقول سبحان الله والحمد لله قال سمعت الجنيد يقول مكثت مدة طويلة لا يقدم أحد البلد من الفقراء إلا سلبت حالي ودفعت إلى حاله فأطلبه حتى إذا وجدته تكلمت بحاله وكنت لا أرى في النوم شيئا إلا رأيته في اليقظة
سمعت أبا عمرو العثماني يقول سمعت أبا الحسن يقول سمعت الجنيد يقول ليس يتبشع علي ما يرد علي من العالم لأني قد أصلت أصلا وهو أن الدار دارهم وغم وبلاء وفتنة وأن العالم كله شر ومن حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره فان تلقاني بكل ما أحب فهو فضل وإلا فالأصل هو الأول
سمعت أبا الحسن الجهضمي يقول سمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا عبدالله الفارسي يقول وقف أبو عبدالله المغربي علي الجنيد وقد سئل عن قوله سنقرئك فلا تنسى قال الجنيد سنقرؤك التلاوة فلا تنس العمل وسئل عن قوله ودرسوا ما فيه قال تركوا العمل بما فيه فقال المغربي حرجت أمة أنت بين ظهرانيها لا تفوض أمرها إليك قال ووقف الشبلى عليه فقال ما تقول يا أبا القاسم فيمن وجوده حقيقة لا علما فقال يا أبا بكر بينك وبين أكابر الناس سبعون قدما أدناها أن تنسى نفسك
حدثنا الجهضمي ثنا محمد بن الحسن ثنا أبو القاسم بردان الهاوندي قال سمعت الجنيد يقول جئت إلى أبي الحسن السدى يوما فدققت عليه الباب فقال من هذا فقلت جنيد فقال ادخل فدخلت فاذا هو قاعد مستوفز وكان معي أربعة دراهم فدفعتها إليه فقال لي أبشر فانك تفلح فإني

احتجت إلى هذه الأربعة دراهم فقلت اللهم ابعثها إلي على يدي رجل يفلح عندك
حدثنا علي بن عبدالله ثنا منصور بن أحمد ثنا جعفر الدئلي قال سمعت الجنيد بن محمد يقول البلاء على ثلاثة أوجه على المخلطين عقوبات وعلى الصادقين تمحيص جنايات وعلى الأنبياء من صدق الاختيارات
سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول سمعت حكيم بن محمد يقول حضر الجنيد أبو القاسم موضعا فيه قوم يتواجدون على سماع يسمعونه وهو مطرق قيل له يا أبا القاسم ما تراك تتحرك قال وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد قال سمعت أبا القاسم الجنيد يقول ينبغي للعاقل ألا يفقد من إحدى ثلاثة مواطن موطن يعرف فيه حاله أمزاد أم منتقص وموطن يخلو فيه بتأديب نفسه وإلزامها ما يلزمها ويتقصى فيه على معرفتها وموطن يستحضر عقله برؤيته مجاري التدبير عليه وكيف تقلب فيه الاحكام في آناء الليل وأطراف النهار ولن يصفو عقل لا يصدر إلى فهم هذا الحال الأخير إلا بأحكام ما يجب عليه من إصلاح الحالين الأولين فأما الموطن الذي ينبغي له أن يعرف فيه حاله أمزاد هو أم منتقص فعليه أن يطلب مواضع الخلوة لكي لا يعارضه مشغل فيفسد ما يريد إصلاحه ثم يتوجه إلى موافقة ما ألزم من تأدية الفرض الذي لا يزكو حال قربه إلا بإتمام الواجب من الفرائض ثم ينتصب انتصاب عبد بين يدي سيده يريد أن يؤدي إليه ما أمر بتأديته فحينئذ تكشف له خفايا النفوس الموارية فيعلم أهو ممن أدى ما وجب عليه أم لم يؤد ثم لا يبرح من مقامه ذلك حتى يوقع له العلم ببرهان ما استكشفه بالعلم فان رأى خلللا أقام على إصلاحه ولم يجاوزه إلى عمل سواه وهذه أحوال أهل الصدق في هذا المحل والله يؤيد بنصره من يشاء إن الله لقوي عزيز وأما الموطن الذي يخلو فيه بتأديب نفسه ويتقصى فيه حال معرفتها فإنه ينبغي لمن عزم على ذلك وأراد المناصحة في المعاملة فإن

النفوس ربما خبت فيها منها أشياء لا يقف على حد ذلك إلا من تصفح ما هنالك في حين حركة الهوى في محبة فعل الخيرالمألوف فإن النفس إذا ألفت فعل الخير صار خلقا من أخلاقها وسكنت إلى أنها موضع لما أهلت له وترى أن الذي جرى عليها من فعل ذلك الخير فيها هي له أهل ويرصدها العدو المقيم بفنائها المجعول له السبيل على مجاري الدم فيها فيرى هو بكيده خفي غفلتها فيختلس منها بمساءلة الهوى ما لا يمكنه الوصول إلى اختلاسه في غير تلك الحال فإن تألم لوكزته منه وعرف طعنته أسرع بالأمانة إلى من لا تقع الكفاية منه إلا به فاستقصى من نفسه علم الحال التي منا وصل عدوه إليه فحرسها بلياذة اللجأ وإلقاء الكنف وشدة الافتقار وطلب الاعتصام كما قال النبي بن النبي بن النبي الكريم بن الكريم بن الكريم كذا قال النبي صلى الله عليه و سلم الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن عليهم السلام وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين وعلم يوسف عليه السلام أن كيد الأعداء مع قوة الهوى لا ينصرف بقوة النفس فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم وأما الموطن الذي يستحضر فيه عقله لرؤية مجارى الأحكام وكيف يقلبه التدبير فهو أفضل الأماكن وأعلى المواطن فإن الله أمر جميع خلقه أن يواصلوا عبادته ولا يسأموا خدمته فقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فألزمهم دوام عبادته وضمن لهم عليها في العاجل الكفاية وفي الأخرى جزيل الثواب فقال يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وهذه كلها تلزم كل الخلق ووقف ليرى كيف تصرف الأحكام وقد عرض لرفيع العلم والمعرفة ألا يعلم أنه قال كل يوم هو في شأن يعني شأن الخلق وأنت أيها الواقف أترى أنك من الخلق الذي هو في شأنهم أو ترى شأنك مرضيا عنده ولن يقدر أحد على استحضار عقله إلا بانصراف الدنيا وما فيها عنه وخروجها من قلبه فاذا انقضت الدنيا وبادت أهلها وانصرفت عن ا لقلب خلا بمسامرة

رؤية التصرف واختلاف الأحكام وتفصيل الأقسام ولن يرجع قلب من هذا وصفه إلى شيء من الانتفاع بما في هذه التي عنها خرج ولها ترك ومنها هرب ألا ترى إلى حارثة حين يقول عزفت نفسي عن الدنيا ثم يقول وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني باهل الجنة يتزاورون وكأني وكأني وهذه بعض أحوال القوم
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول كان يعارضني في بعض أوقاتي أن أجعل نفسي كيوسف وأكون أنا كيعقوب فأحزن على نفسي لما فقدت منها كما حزن يعقوب على فقده ليوسف فمكثت أعمل مدة فيما أجده على حسب ذلك
أخبرنا جعفر في كتابه وحدثنا عنه محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول كنت يوما عند السرى بن المغلس بن الحسين وهو متزر بمئزر وكنا خاليين فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيم دنف مضنى واجهد ما يكون فقال انظر إلى جسدي هذا فلو شئت أن أقول إن ما بي هذا من المحبة كان كما أقول كان وجهه يصفر ثم اشرأب حمرة حتى تورد ثم اعتل فدخلت عليه وعوده فقلت له كيف تجدك فقال ... كيف أشكو ما بي إلى طبيبي ... والذي أصابني من جبيبي ... فأخذت المروحة أروحه فقال كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل ثم أنشأ يقول ... القلب محترق والدمع مستبق ... والكرب مجتمع والصبر مفترق ... كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه ا لهوى والشوق والقلق ... يا رب إن كان شيء فيه لي فرج ... فامنن علي به ما دام لي رمق ... حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول أعلى درجة الكبر وشرها أن ترى نفسك ودونها وأدناها في الشر أن تخطر ببالك
أخبرني محمد بن أحمد بن هارون قال سمعت علي بن الحسين الغلاب

يقول قيل للجنيد هل عاينت أو شاهدت قال لو عاينت تزندقت ولو شاهدت تحيرت ولكن حيرة في تيه وتيه في حيرة قال وسمعت الجنيد بن محمد يقول حرم الله المحبة على صاحب العلاقة قال وسئل الجنيد عن الدنيا ما هي قال ما دنا من القلب وشغل عن الله
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يقول دخلت يوما على سرى السقطي فرأيت عليه هما فقلت أيها الشيخ أرى عليك هما فقال الساعة دق على داق الباب فقلت أدخل فدخل على شاب في حدود الأرادة فسألني عن معنى التوبة فأخبرته وسألني عن شرط التوبة فأنبأته فقال هذا معنى التوبة وهذا شرطها فما حقيقتها فقلت حقيقة التوبة عندكم أن لا تنسى ما من أجله كانت التوبة فقال ليس هو كذلك عندنا فقلت له فما حقيقة التوبة عندكم فقال حقيقة التوبة ألا تذكر ما من أجله كانت التوبة وأنا أفكر في كلامه قال الجنيد فقلت ما أحسن ما قال قال فقال لي يا جنيد وما معنى هذا الكلام فقال يا أستاذ إذا كنت معك في حال الجفاء ونقلتني من حال الجفاء إلى حال الصفاء فذكري للجفاء في حال الصفاء غفلة قال ودخلت عليه يوما آخر فرأيت عليه هما فقلت أيها الشيخ أراك مشغول القلب فقال أمس كنت في الجامع فوقف على شاب وقال لي أيها الشيخ يعلم العبد ان الله تعالى قد قبله فقلت لا يعلم فقال بلى يعلم وقال لي ثانيا بلى يعلم فقلت له فمن أين يعلم قال إذا رأيت الله عز و جل قد عصمني من كل معصية ووفقني لكل طاعة علمت أن الله تبارك وتعالى قد قبلني
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد قال سمعت الجنيد ابن محمد يقول رأيت بعد أن أديت وردي ووضعت جنبي لأنام كأن هاتفا يهتف بي إن شخصا ينتظرك في المسجد فخرجت فإذا شخص واقف في سواء المسجد فقال لي يا أبا القاسم متى تصير النفس داءها دواءها قلت إذا خالفت هواها صار داؤها دواءها قال قلت هذا لنفسي فقالت لا أقبل منك حتى تسأل

عنه الجنيد فقلت من أنت قال أنا فلان الجني وقد جئت إليك من المغرب قال وسمعت الجنيد بن محمد يقول لا نكون عبدالله بالكلية حتى لا تبقى عليك من غير الله بقية قال وسمعت الجنيد يقول لا تكن عبدالله حقا وأنت لشيء سواه مسترقا
حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن هارون قال سمعت عبدالواحد بن محمد الاصطخري أبا الأزهر يقول سمعت إبراهيم بن عثمان يقول سمعت الجنيد ابن محمد يقول دخلت البادية بعقد التوكل في وسط السنة فمضت علي أيام فانتهيت إلى مجمع ماء وخضرة فتوضأت وملأت ركوتي وقمت أركع فإذا بشاب قد أقبل بزي التجار كأنه قد غدا من بيته إلى سوقه أو يرجع من سوقه إلى بيته فسلم علي فقلت الشاب من أين فقال من بغداد فقلت متى خرجت من بغداد قال أمس فتعجبت منه وكنت قد مضت علي أيام حتى بلغت إلى ذلك الموضع فجلس يكلمني وأكلمه فأخرج شيئا من كمه يأكله فقلت له أطعمني مما تأكل فوضع في يدي حنظلة فأكلته فوجدت طعمه كالرطب ومضى وتركني فلما دخلت مكة بدأت بالطواف فجذب ثوبي من ورائي فالتفت فإذا أنا بشاب كالشن البالي عليه قطعة عباء وعلى عاتقه بعضه فقلت له زدني في المعرفة فقال أنا الشاب الذي أطعمتك الحنظل فقلت له ما شأنك فقال يا أبا القسام ذرؤنا حتى إذا أوقعونا قالوا استمسك
أخبرنا جعفر بن محمد فيما كتب إلي وحدثني عنه عثمان بن محمد قال سئل الجنيد أيما أتم استغراق العلم في الوجود أو استغراق الوجود في العلم قال استغراق العلم في الوجود ليس العالمون بالله كالواجدين له قال وسأله الحريري عن قول عيسى عليه السلام تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك قال هو والله ألم تعلم ما أنا لك عليه ومالك عندي ولا أعلم مالي عندك إلا ما أخبرتني به وأطلعتني عليه فهذا معناه
حدثنا محمد بن أحمد بن هارون قال سمعت أبا زرعة الطبري يقول سمعت الحسين بن يسين يقول سمعت الجنيد يقول الأقوات ثلاثة فقوت

بالطعام وهو مولد للأعراض وقوت بالذكر فهذا يشممهم الصفات وقوت برؤية المذكور وهو الذي يفنى ويبيد قال ثم أنشد يقول ... إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها ... فلم تلبث النفس التي أنت قوتها
أخبرنا محمد بن أحمد المفيد في كتابه وحدثنا عنه عثمان بن محمد قبل أن لقيته ثنا عبدالصمد بن محمد الجبلي قال كتب الجنيد إلى أبي إسحاق المارستاني يا أخي كيف أنت في ترك مواصلة من عرضك للتقصير ودعاك إلى النقص والفتور وكيف ينبغي أن تكون مباينتك له وهجرانك وكيف إعراض سرك ونبو قلبك وعزوف ضميرك عنه حقيق عليك على ما وهبه الله لك وخصك به من العلم الجليل والمنزل الشريف أن تكون عن المقبلين علىالدنيا معرضا وأن تكون لهم بسرك وجهرك قاليا وأن تكون لهم في بلائهم إلى الله شافعا فذلك بعض حقك لك وحري بك أن تكون للمذنبين ذائدا وأن تكون لهم بفهم الخطاب إلى الله رائدا وفي استنقاذهم وافدا فتلك حقائق العلماء وأماكن الحكماء وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأعمهم نفعا لجملة خلقه جعلنا الله وإياك من أخص من أخلصه بالإخلاص إليه وأقربهم في محل الزلفى لديه أيحسن بالعاقل اللبيب والفهم الأديب الطالب المطلوب المحب المحبوب المكلأ المعلم المزلف المقرب المجالس المؤانس أن يعير الدنيا طرفه أو يواقفها بلحظه وقد سمع سيده ومولاه وهو يقول لأجل أصفيائه وسيد رسله وأنبيائه ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه الآية أفشاهد أنت لفهم الخطاب وإمكان رد الجواب فترك حظه من الله مما فاته ومصافاته وكافأته ومكانه منه وموالاته أن يواد من لا يواده أو يألف من لا يوافقه غض يا أخي بصر سرك وبصيرة قلبك عن الإيماء إلى النظر إليهم دون المواصلة لهم وصن بالمضمون من ضميرك عن أن تكون لك بالقوم مؤالفة فوالله لا والى الله من يحاده ولا أقبل على من يبغضه ولا عظم من يعظم ما صغره وقلله إلا أن ينزع عن ذلك فكن من ذلك على يقين وكن لأماكن من أعرض عن

الحق مستهينا وبعد يا أخي فتفضل باحتمالي إن غلظ عليك مقالي وتجشم الصبر على أن يوافق قلبك ما في كتابي فإن المناصحة والمفاصحة خير من الإغضاء مع المتاركة وأني أختم كتابي وأستدعي جوابي بقولي الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وسلم تسليما كثيرا
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانئ يقول سألت أبا القاسم الجنيد بن محمد قلت متى يكون الرجل موصوفا بالعقل قال إذا كان للأمور مميزا ولها متصفحا وعما يوجبه عليه العقل باحثا يبحث يلتمس بذلك طلب الذي هو به أولى ليعمل به ويؤثره على ما سواه فإذا كان كذلك فمن صفته ركوب الفضل في كل أحواله بعد إحكام العمل بما قد فرض عليه وليس من صفة العقلاء إغفال النظر لما هو أحق وأولى ولا من صفتهم الرضا بالنقص والتقصير فمن كانت هذه صفته بعد إحكامه لما يجب عليه من عمله ترك التشاغل بما يزول وترك العمل بما يفنى وينقضي وذلك صفة كل ما حوت عليه الدنيا وكذلك لا يرضى أن يشغل نفسه بقليل زائل ويسير حائل يصده التشاغل به والعمل له عن أمورالآخرة التي يدوم نعيمها ونفعها ويتصل بقاؤها وذلك أن الذي يدوم نفعه ويبقى على العامل له حظه وما سوى ذلك زئل متروك مفارق موروث يخاف مع تركه سوء العاقبة فيه ومحاسبة الله عليه كذلك صفة العاقل لتصفحه الأمور بعقله والأخذ منها بأوفره قال الله تعالى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك أولوا الألباب كذلك وصفهم الله وذوو الألباب هم ذوو العقول وإنما وقع الثناء عليهم بما وصفهم الله به للأخذ بأحسن الأمور عند استماعها وأحسن الأمور هو أفضلها وأبقاها على أهلها نفعا في العاجل والآجل وإلى ذلك ندب الله عز و جل من عقل في كتابه
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال سمعت محمد بن عبدالله الرازي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول ما أخذنا

التصوف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله وأصله العزوف عن الدنيا كما قال حارثة عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بأسقاط الأعمال وهذه عندي عظيمة والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها وإنه لأوكد في معرفتي وأقوى في حالي
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول حاجة العارفين إلى كلاءته ورعايته قال الله عز و جل قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ونجح قضاء كل حاجة من الدنيا تركها وفتح كل باب شريف بذل المجهود قال ورأيت الجنيد في المنام فقلت أليس كلام الأنبياء إشارات عن مشاهدات فتبسم وقال كلام الأنبياء بناء عن حضور وكلام الصديقين إشارات عن مشاهدات قال وكتب الجنيد إلى بعض إخوانه من أشار إلى الله وسكن إلى غيره ابتلاه الله وحجب ذكره عن قلبه وأجراه على لسانه فإن انتبه وانقطع عمن سكن إليه ورجع إلى من أشار إليه كشف الله ما به من المحن والبلوى فإن دام نزع الله على سكونه من قلوب الخلق الرحمة عليه وألبس لباس الطمع لتزداد مطالبته منهم مع فقدان الرحمة من قلوبهم فتصير حياته عجزا وموته كدا ومعاده أسفا ونحن نعوذ بالله من السكون إلى غيره وقال الجنيد لو أقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله وقال رجل للجنيد علام يتأسف المحب قال على زمان بسط أورث قبضا أو زمان أنس أورث وحشة وأنشأ يقول

قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم ... فكدرته يد الأيام حين صفا ...
كتب إلي جعفر بن محمد وأخبرني عنه يوسف بن محمد القواس قال سمعت الجنيد بن محمد يقول إن الله عز و جل يخلص إلى القلوب من بره حسبما خلصت القلوب به إليه من ذكره فانظر ماذا خالط قلبك
كتب إلى جعفر بن محمد وأخبرني عنه محمد بن عبدالله قال سمعت الجنيد يقول يا ذاكر الذاكرين بما به ذكروه ويا بادئ العارفين بما به عرفوه ويا موفق العاملين لصالح ما عملوه من ذا الذي يشفع عندك إلا بإذنك ومن ذا الذي يذكرك إلا بفضلك
حدثنا علي بن هارون بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول وكتب إلى بعض أخوانه الحمد لله الذي استخلص لنفسه صفوة من خلقه وخصهم بالعلم والمعرفة به فاستعملهم بأحب الأعمال إليه وأقربها من الزلفى لديه وبلغهم من ذلك الغاية القصوى والذروة المتناهية العليا وبعد فإني أوصيك بترك الالتفات إلى كل حال ماضية فإن الالتفات إلى ما مضى شغل عما يأتي من الحالة الكائنة وأوصيك بترك الملاحظة للحال الكائنة وبترك المنازلة لها بجولان الهمة لملتقي المستقبل من الوقت الوارد بذكر مورده ونسق ذكر موجوده فإنك إذا كنت هكذا كنت تذكر من هو أولى ولا تضرك رؤية الأشياء وأوصيك بتجريد الهم وتفريد الذكر ومخالصة الرب بذلك كله واعمل على تخليص همك من همك لهمك واطلب الخالص من ذكر الله جل ثناؤه بقلبك وكن حيث يراك لما يراد لك ولا تكن حيث يراد لك لما تريد لنفسك واعمل على محو شاهدك من شاهدك حتى يكون الشاهد عليك شاهدا لك بما يخلص من شاهدك واعلم أنه إن كنت كلك له كان لك بكل الكل فيما تحبه منه فكن مؤثرا له بكل من انبسط له منك ومنه بدا لك ومنه به يبسط عليك ما لا يحيط به علمك ولا تبلغ إليه أمانيك وآمالك وإذا بليت بمعاشرة طائفة من الناس فعاشرهم على مقادير أماكنهم وكن مشرفا عليهم

بجميل ما آتاك الله وفضلك به وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول سمعت الجنيد بن محمد وسئل عن الرضا فقال سألتم عن العيش الهنيء وقرة العين من كان عن الله راضيا قال بعض أهل العلم أهنأ العيش عيش الراضين عن الله فالرضا استقبال ما نزل من البلاء بالطاقة والبشر وانتظار مالم ينزل منه بالتفكر والاعتبار وذلك أن ربه عنده أحسن صنعا به وأرحم به وأعلم بما يصلحه فإذا نزل القضاء لم يكرهه وكان ذلك إرادته مستحسنا ذلك الفعل من ربه فإذا عد ما نزل به إحسانا من الله عز و جل فقد رضي فالرضى هو الأرادة مع الاستحسان أن يكون مريدا لما صنع محبا راضيا عن الله بقلبه
سمعت أبا الحسن علي بن هارون بن محمد يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول وكتب إلى بعض إخوانه كتابا يقول فيه إن الله جل ثناؤه لا يخلي الأرض من أوليائه ولا يعريها من أحبائه ليحفظ بهم من جعلهم سببا لحفظه ويحفظ بهم من جعلهم سببا لكونه وأنا أسأل المنان بفضله وطوله أن يجعلنا وإياك من الأمناء على سره الحافظين لما استحفظوه من جليل أمره تجميلا منه لنا بأعظم الرتب وإشرافا بنا على كل ظاهر ومحتجب وقد رأيت الله تعالى وتقدست أسماؤه زين بسيط أرضه وفسيح سعة ملكه بأوليائه وأولي العلم به وجعلهم أبهج لامع سطع نوره وعن لقلوب العارفين ظهوره وهم أحسن زينة من السماء البهجة بضياء نجومها ونور شمسها وقمرها أولئك أعلام لمناهج سبيل هدايته ومسالك طرق القاصدين إلى طاعته ومنار نور على مدارج الساعين إلى موافقته وهم أبين في منافع الخليقة أثرا وأوضح في دفاع المضار عن البرية خيرا من النجوم التي بها في ظلمات البر والبحر يهتدي وبآثارها عند ملتبس المسالك يقتدى لأن دلالات النجوم تكون بها نجاة الأموال والأبدان ودلالات العلماء بها تكون سلامة الأديان وشتان ما بين من يفوز بسلامة دينه وبين من يفوز بسلامة دنياه وبدنه

سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البغدادي يقول سئل الجنيد بن محمد عن المحبة أمن صفات الذات أم من صفات الأفعال فقال إن محبة الله لها تأثير في محبوبه بين فالمحبة نفسها من صفات الذات ولم يزل الله تعالى محبا لأوليائه وأصفيائه فأما تأثيرها فيمن أثرت فيه فإن ذلك من صفات الأفعال فاعلم أرشدك الله للصواب
أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول اعلم أنه إذا عظمت فيك المعرفة بالله وامتلأ من ذلك قلبك وانشرح بالانقطاع إليه صدرك وصفا لذكره فؤادك واتصل بالله فهمك ذهبت آثارك وامتحيت رسومك واستضاءت بالله علومك فعند ذلك يبدو لك علم الحق
سمعت عبدالمنعم بن عمر يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول سمعت أبا بكر العطار يقول حضرت الجنيد أبا القاسم عند الموت في جماعة من أصحابنا قال وكان قاعدا يصلي ويثني رجله إذا أراد أن يسجد فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجله فثقلت عليه حركتها فمد رجليه فرآه بعض أصدقائه ممن حضر ذلك الوقت يقال له البسامي وكانت رجلا أبي القاسم تورمتا فقال ما هذا يا أبا القاسم قال هذه نعم الله الله أكبر فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري يا أبا القاسم لو اضطجعت فقال يا أبا محمد هذا وقت منة الله أكبر فلم يزل ذلك حاله حتى مات رحمه الله قال الشيخ كان الجنيد رحمه الله ممن أحكم علم الشريعة فكان عنده اقتباس آثار الزريعة وقبوله المدرجة البديعة وكان القيام بحقائق الآثار يدفعه عن الرواية والآثار
ومن مسانيد حديثه ما حدثناه أبو عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري الحافظ بها قال حدثني بكير بن أحمد الصوفي بمكة ثنا الجنيد أبو القاسم الصوفي ثنا الحسن بن عرفة ثنا محمد بن كثير الكوفي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم احذروا

فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال للمتفرسين
حدثنا محمد بن عبدالله بن سعيد ثنا عبدان بن أحمد ثنا عبدالحميد بن بيان ثنا محمد بن كثير ثنا عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله
سمعت علي بن هارون بن محمد يقول سمعت الجنيد بن محمد يدعو بهذا الدعاء فجاءه رجل فشكا إليه الضيق فعلمه وقال قل اللهم إني أسألك منك ما هو لك وأستعيذك من كل أمر يسخطك اللهم إني أسألك من صفاء الصفاء صفاء أنال به منك شرف العطاء اللهم ولا تشغلني شغل من شغله عنك ما أراد منك إلا أن يكون لك اللهم اجعلني ممن يذكرك ذكر من لا يريد بذاكره منك إلا ما هو لك اللهم اجعل غاية قصدي إليك ما أطلبه منك اللهم املأ قلبي بك فرحا ولساني لك ذكرا وجوارحي فيما يرضيك شغلا اللهم امح عن قلبي كل ذكر إلا ذكرك وكل حب إلا حبك وكل ود إلا ودك وكل إجلال إلا إجلالك وكل تعظيم إلا تعظيمك وكل رجاء إلا لك وكل خوف إلا منك وكل رغبة إلا إليك وكل رهبة إلا لك وكل سؤال إلا منك اللهم اجعلني ممن لك يعطي ولك يمنع وبك يستعين وإليك يلجأ وبك يتعزز ولك يصبر وبحكمك يرضى اللهم اجعلني ممن يقصد إليك قصد من لا رجوع له إلا إليك اللهم اجعل رضائي بحكمك فيما ابتليتني في كل وقت متصلا غير منفصل واجعل صبري لك على طاعتك صبر من ليس له عن الصبر صبر إلا القيام بالصبر واجعل تصبري عما يسخطك فيما نهيتني عنه تصبر من استغنى عن الصبر بقوة العصمة منك له اللهم واجعلني ممن يستعين بك استعانة من استغنى بقوتك عن جميع خلقك اللهم واجعلني ممن يلجأ إليك لجأ من لا ملجأ له إلا إليك واجعلني ممن يتعزى بعزائك ويصبر لقضائك أبدا ما أبقيتني اللهم وكل سؤال سألته فمن أمر منك لي بالسؤال فاجعل سؤالي لك سؤال محابك ولا تجعلني ممن يتعمد بسؤاله مواضع الحظوظ بل يسأل القيام بواجب حقك

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال سمعت عبدالرحمن بن أحمد يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول وهو يدعو بهذا الدعاء الحمد لله إلهي حمدا كإحصاء علمك حمدا يرقى إليك على الألسنة الطاهرة مبرأ من زيغ وتهمة معرى من العاهات والشبهات قائما في عين محبتك بحنين صدق إخلاصه ليكون نور وجهك العظيم غايته وقدس عظمتك نهايته لا يستقر إلا عند مرضاتك خالصا بوفاء إرادتك نصب إرادتك حتى يكون لمحامدك سائقا قائدا إلهي ليس في أفق سمواتك ولا في قرار أرضك في فسحات أقاليمها من يحب أن يحمد غيرك إذ أنت منشئء المنشآت لا تعرف شيئا إلا منك وكيف لا تعرفك الأشياء ولم يقر الخلق إلا لك وبدؤه منك وأمره إليك وعلانتيه وسره محصى في إرادتك فأنت المعطي والمانع وقضاؤك الضار والنافع وحلمك يمهل خلقك وقضاؤك يمحو ما تشاء من قدرك تحدث ما شئت أن تحدثه وتستأثر بما شئت أن تستأثره وتخلق ما أنت مستغن عن صنعه وتصنع ما يبهر العقول من حسن حكمته لا تسأل عما تفعل لك الحجة فيما تفعل وعندك أزمة مقادير البشر وتصاريف الدهور وغوامض سر النشور ومنك فهم معرفة الأشخاص الناطقة بتفريدك لا يغيب عنك ما في أكنة سرائر الملحدين ولا يتوارى عن علمك اكتساب خواطر المبطلين ولا يهيم في قضائك إلا الجاهلون ولا يغفل عن ذكرك وشكرك إلا الغافلون ولا تحتجب عنك وساوس الصدور ولا وهم الهواجس ولا إرادة الهمم ولا عيون الهمم التي تخرج بصائر القلوب إلهي فكيف أنظر إن نظرت إلا إلى رحمتك وإن غضضت فعلى نعمك فمن فضلك جعلت حكمك يحتمل على عطفك ومن فضلك جعلت نعمك تعم جميع خلقك فهب لي من لدنك ما لا يملك غيرك مما تعلمه يا وهاب يا فعال لما يريد واجعلني من خاصة أوليائك يا خير مدعو وأكرم راحم إنك أنت على كل شيء قدير
سمعت أبا الحسن علي بن هارون يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول اعلم أن المناصحة منك للخلق والإقبال على ما هو أولى بك فيك وفيهم أفضل

الأعمال لك في حياتك وأقربها إلى أوليائك في وقتك واعلم أن أفضل الخلق عند الله منزلة وأعظمهم درجة في كل وقت وزمن وفي كل محل ووطن أحسنهم إحكاما لما عليه في نفسه وأسبقهم بالمسارعة إلى الله فيما يحبه وأنفعهم بعد ذلك لعباده فخذ بالحظ الموفر لنفسك وكن عاطفا بالمنافع على غيرك واعلم أنك لن تجد سبيلا تسلكه إلى غيرك وعليك بقية مفترضة من حالك واعلم أن المؤهلين للرعاية إلى سبيل الهداية والمرادين لمنافع الخليقة والمرتبين للنذارة والبشارة أيدوا بالتمكين وأسعدوا براسخ علم اليقين وكشف لهم عن غوامض معالم الدين وفتح لهم في فهم الكتاب المستبين فبلغوا ما أنعم به عليهم من فضله وجاد به من عظيم أمره إحكام ما به أمروا والمسارعة إلى ما إليه ندبوا والدعاية إلى الله بما به مكنوا وهذه سيرة الأنبياء صلوات الله عليهم فيمن بعثوا إليهم من الأمم وسيرتهم في تأدية ما علموه من الحكم وسيرة المتبعين لآثارهم من الأولياء والصديقين وسائر الدعاة إلى الله من صالحي المؤمنين
كتب إلى جعفر بن محمد وقال أنشدني الجنيد بن محمد ... سرت بناس في الغيوب قلوبهم ... وجالوا بقرب الماجد المتفضل ... ونالوا من الجبار عطفا ورأفة ... وفضلا وإحسانا وبرا يعجل ... أولئك نحو العرش هامت قلوبهم ... وفي ملكوت العز تأوي وتنزل ... أنشدني عثمان بن محمد العثماني قال أنشدني الحسين بن أحمد بن منصور الصوفي للجنيد بن محمد ... تريد مني اختبار سري ... وقد علمت المراد مني ... فليس لي من سواك حظ ... فكيفما شئت فامتحني ... كل بلاء علي مني ... ياليتني قد أخذت عني ...
كتب إلي جعفر بن محمد بن نصير الخلدي وسمعت أبا طاهر المحتسب يقول قرأت على أبي محمد جعفر بن محمد بن نصير وهو يسمع قال كان الجنيد ابن محمد يدعو بهذا الدعاء على ممر الأيام الحمد لله حمدا دائما كثيرا طيبا مباركا موفورا لا انقطاع له ولا زوال ولا نفاد له ولا فناء كما ينبغي لكريم وجهك

وعز جلالك وكما أنت أهل الحمد في عظيم ربوبيتك وكبريائك ولك من كل تسبيح وتقديس وتمجيد وتهليل وتحميد وتعظيم ومن كل قول حسن زاك جميل ترضاه مثل ذلك اللهم صل على عبدك المصطفى المنتخب المختار المبارك سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم وعلى أشياعه وأتباعه وأنصاره وإخوانه من النبيين وصل اللهم على أهل طاعتك أجمعين من أهل السموات والأرضين وصل على جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ورضوان ومالك اللهم وصل على الكروبيين والروحانيين والمقربين والسياحين والحفظة والسفرة والحملة وصل على ملائكتك وأهل السموات وأهل الأرضين وحيث أحاط بهم علمك في جميع أقطارك كلها صلاة ترضاها وتحبها وكما هم لذلك كله أهل وأسألك اللهم بجودك ومجدك وبذلك وفضلك وطولك وبرك وإحسانك ومعروفك وكرمك وبما استقل به العرش من عظم ربوبيتك أسألك يا جواد يا كريم مغفرة كل ما أحاط به علمك من ذنوبنا والتجاوز عن كل ما كان منا واد اللهم مظالمنا وقم بأودنا في تبعاتنا جودا منك ومجدا وبذلا منك وطولا وبدل قبيح ما كان منا حسنا يا من يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب أنت كذلك لا كذلك غيرك اعصمنا فيما بقي من الأعمار إلى منتهى الآجال عصمة دائمة كاملة تامة وكره إلينا كل الذي تكره وحبب إلينا كل الذي ترضاه وتحبه واستعملنا به على النحو الذي تحب وأدم ذلك لنا إلى أن تتوفانا عليه أكد على ذلك عزائمنا واشدد عليها نياتنا وأصلح لها سرائرنا وابعث لها جوارحنا وكن ولي توفيقنا وزيادتنا وكفايتنا هب لنا اللهم هيبتك وإجلالك وتعظيمك ومراقبتك والحياء منك وحسن الجد والمسارعة والمبادرة إلى كل قول زكي حميد ترضاه وهب لنا اللهم ما وهبت لصفوتك وأوليائك وأهل طاعتك من دائم الذكر لك وخالص العمل لوجهك على أكمله وأدومه وأصفاه وأحبه إليك وأعنا على العمل بذلك إلى منتهى الآجال اللهم وبارك لنا في الموت إذا نزل بنا أجعله يوم حباء وكرامة وزلفى وسرور واغتباط ولا تجعله يوم ندم ولا يوم أسى وأوردنا من قبورنا على سرور وفرح وقرة عين واجعلها رياضا من رياض

جنتك وبقاعا من بقاع كرامتك ورأفتك ورحمتك لقنا فيها الحجج وآمنا فيها من الروعات واجعلنا آمنين مطمئنين إلى يوم تبعثنا يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه لا ريب في ذلك اليوم عندنا آمنا من روعاته وخلصنا من شدائده واكشف عنا عظيم كربه واسقنا من ظمئه واحشرنا في زمرة محمد صلى الله عليه و سلم المصطفى الذي انتخبته واخترته وجعلته الشافع لأوليائك المقدم على جميع أصفيائك الذي جعلت زمرته آمنة من الروعات أسألك يا من إليه لجؤنا إليه إيابنا وعليه حسابنا أن تحاسبنا حسابا يسيرا لا تقريع فيه ولا تأنيب ولا مناقشة ولا مواقفة عاملنا بجودك ومجدك كرما واجعلنا من السرعان المغبوطين واعطنا كتبنا بالأيمان وأجزنا الصراط مع السرعان وثقل موازيننا يوم الوزن ولا تسمعنا لنار جهنم حسيسا ولا زفيرا وأجرنا منها ومن كل ما يقرب إليها من قول وعمل واجعلنا بجودك ومجدك وكرمك في دار كرامتك وحبورك مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا واجمع بيننا وبين آبائنا وأمهاتنا وقراباتنا وذرياتنا في دارة قدسك ودار حبورك على أفضل حال وأسرها وضم إلينا إخواننا الذين هم على ألفتنا والذين كانوا على ذلك من كل ذكر وأنثى بلغهم ما أملوه وفوق ما أملوه واعطهم فوق ما طلبوه واجمع بينا وبينهم في دار قدسك ودار حبورك على أفضل حال وأسرها وعم المؤمنين والمؤمنات جميعا برأفتك ورحمتك الذين فارقوا الدنيا على توحيدك كن لنا ولهم وليا كالئا كافيا وارحم جفوف أقلامهم ووقوف أعمالهم وما حل بهم من البلاء والأحياء منهم تب على مسيئهم واقبل توبتهم وتجاوز عن المسرف منهم وانصر مظلومهم واشف مريضهم وتب علينا وعليهم توبة نصوحا ترضاها فإنك الجواد بذلك المجيد به القادر عليه وكن اللهم للمجاهدين منهم وليا وكالئا وكافيا وناصرا وانصرهم على عدوهم نصرا عزيزا واجعل دائرة السوء على أعدائك وأعدائنا أسفك الله دماءهم وأبح حريمهم واجعلهم فيئا لإخواننا من المؤمنين وأصلح الراعي والرعية وكل من وليته شيئا من أمور المسلمين صلاحا باقيا دائما اللهم أصلحهم في أنفسهم وأصلحهم لمن وليتهم

عليهم وهب لهم العطف والرأفة والرحمة بهم وأدم ذلك لنا فيهم ولهم في أنفسهم اللهم اجمع لنا الكلمة واحقن الدماء وأزل عنا الفتنة وأعذنا من البلاء كله تقول ذلك لنا بفضلك من حيث أنت به أعلم وعليه أقدر ولا ترنا في أهل الإسلام سيفين مختلفين ولا ترنا بينهم خلافا اجمعهم على طاعتك وعلى ما يقر إليك فإنك ولي ذلك وأهله اللهم إنا نسألك إن تعزنا ولا تذلنا وترفعنا ولا تضعنا وتكون لنا ولا تكن علينا وتجمع لنا سبيل الأمور كلها أمور ا لدنيا التي هي بلاغ لنا إلى طاعتك ومعونة لنا على موافقتك وأمور الآخرة التي فيها أعظم رغبتنا وعليها معولنا وإليها منقلبنا فإن ذلك لا يتم لنا إلا بك ولا يصلح لنا إلا بتوفيقك اللهم وهب لنا هيبتك وإجلالك وتعظيمك وما وهبت لخاصتك من صفوتك من حقيقة العلم والمعرفة بك من علينا بما مننت به عليهم من آياتك وكراماتك واجعل ذلك دائما لنا يا من له ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير اللهم وهب لنا العافية الكاملة في الأبشار وجميع الأحوال وفي جميع الإخوان والذريات والقرابات وعم بذلك جميع المؤمنين والمؤمنات أجر علينا من أحكامك أرضاها لك وأحبها إليك وأعونها على كل مقرب من قول وعمل يا سامع الأصوات ويا عالم الخفيات ويا جبار السموات صل على عبدك المصطفى محمد وعلى آل محمد أولا وآخرا ظاهرا وباطنا واسمع واستجب وافعل بنا ما أنت أهله يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين 580
محمد بن يعقوب
ومنهم العارف بالأصول العازف عن الفضول له القلب الخاشع والأذن السامع أحكم علم الآثار وأتقنها وألف في المعاملات والأحوال وأوضحها أبو جعفر محمد بن يعقوب بن الفرجي صحب الحارث بن أسد المحاسبي وطبقته له مصنفات في معاني الصوفية كتاب الورع وكتاب صفات المريدين كان من الأئمة في علوم النساك يرفع من الفقراء وينصرهم ويضع من المدعين ويزري عليهم
كتب إلي جعفر بن محمد بن نصير فيما أذن لي قال سمعت المرتعش يقول

قال أبو جعفر بن الفرجي مكثت عشرين سنة لا أسأل عن مسألة إلا ومنازلتي فيها قبل قولي وقال إذاصح الود سقطت شروط الأدب وحكى عبدالمنعم بن عمر عن أبي سعيد بن الأعرابي أنه قيل لأبي جعفر بن الفرجي إنك تنكر الزعقة والصيحة فقال إنما أنكرها على الكذابين وقال ما زعقت من عمري إلا ثلاث زعقات فإني انتهيت ببغداد يوما إلى الجسر وأخرج رجل من الشطاحين من السجن يضرب ثم رد إلى السجن والناس يتعجبون من صبره على الجلد فجئت إليه فقلت مسألة فقال أوسعوا له ما مسألتك قلت أسهل ما يكون الضرب عليكم أي وقت قال إذا كان من ضربنا له يرانا قال فصحت ولم أملك السكوت قال أبو سعيد بن الأعرابي أخبرني عمي يحيى بن أحمد قال أخبرني ابن المرزبان الصيقل قال أردت الخروج إلى مكة فرافق الجمال بيني وبين إنسان لا أعرفه فقلت له بعد أن رافقني نحتاج من الزاد كذا وكذا ومن الزيت كذا وكذا فقال قد اشتريت جميع ذلك فلا تشتر شيئا وظننت أنه يحاسبني عليه كما يفعل الرفقاء وكان في الطريق يسرف ويوسع النفقة فأقول في نفسي كل هذا يحاسبني به فكنت أحتشمه أن أقول له اقصر واحتمله فلما صرت بمكة عزم علي المقام بمكة فقلت له الحساب فقال سبحان الله تذكر مثل هذا وأقبل ينكر علي ذلك فقلت لا بد منه فأبى ذلك وقال من يفعل ذلك فسألت عنه فإذا هو الفرجي
وروي عن أبي جعفر محمد بن الفرجي قال خرجت من الشام على طريق المفازة فوقعت في التيه فمكثت فيه أياما حتى أشرفت على الموت قال فبينا أنا كذلك إذا أنا براهبين يسيران كأنهما خرجا من مكان قريب يريدان ديرا لهما قريبا فقمت إليهما فقلت أين تريدان قالا لا ندري قلت أتدريان أين أنتما قالا نعم نحن في ملكه ومملكته وبين يديه فأقبلت على نفسي أوبخها وأقول لها راهبان يتحققان بالتوكل دونك فقلت لهما أتأذنان في الصحبة قالا ذلك إليك فاتبعتهما فلما جن الليل قاما إلى صلاتهما وقمت إلى صلاتي فصليت المغرب بتيمم فنظرا إلي وقد تيممت فضحكا مني فلما

فرغا من صلاتهما بحث أحدهما الأرض بيده فإذا بماء قد ظهر وطعام موضوع فبقيت أتعجب من ذلك فقالا مالك أدن فكل واشرب فأكلنا وشربنا وتهيأت للصلاة ثم نضب الماء فذهب فلم يزالا في الصلاة وأنا أصلي على حدة حتى أصبحنا وصلينا الصبح ثم أخذنا في المسير فمكثنا على ذلك إلى الليل فلما جننا اليوم تقدم الآخر فصلى بصاحبه ثم دعا بدعوات وبحث الأرض بيده فنبع الماء وحضر الطعام فلما كانت الليلة الثالثة قالا يا مسلم هذه نوبتك الليلة فاستخر الله قال فتعبت فيها واستحييت ودخل بعضي في بعض قال فقلت اللهم إني أعلم أن ذنوبي لم تدع لي عندك جاها ولكن أسألك ألا تفضحني عندهما ولا تشمتهما بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وبأمة نبيك فإذا بعين خرارة وطعام كثير فأكلنا من ذلك الطعام وشربنا ولم نزل كذلك حتى بلغتني النوبة الثانية ففعلت كذلك فإذا بطعام اثنين وشراب فكففت يدي وأريهما أني آكل ولم آكل فسكتا عني فلما كانت النوبة الثالثة أصابني كذلك فقالا لي يا مسلم ما هذا قالت لا أدري فلما كان في جوف الليل غلبتني عيناي فإذا بقائل يقول يا محمد أردنا بك الإيثار الذي اختصصنا به محمدا صلى الله عليه و سلم من بين الأنبياء والرسل فهي علامته وكرامتك وكرامة أمته من بعده إلى يوم القيامة قال فبلغت نوبتي وكان الأمر على هذه الصورة فقالا لي يا مسلم ما هذا مالنا نرى طعامك ناقصا قلت أولا تعلمان ما هذا قالا لا قلت هذا خلق خص الله به نبينا محمدا صلى الله عليه و سلم وخص به أمته إن الله عز و جل يريد به الإيثار فقد آثرتكما قال فقالا نحن نشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لقد صدقت قولك هذا خبر نجده في كتبنا خص الله به محمدا صلى الله عليه و سلم وأمته فأسلما فقلت لهما في الجمعة والجماعة قالا ذلك الواجب قلت نعم قالا فاسأل الله أن يخرجنا من هذا التيه إلى أقرب الأماكن من الشام قال فبينا نحن نسير إذ أشرفنا على بيوتات بيت المقدس ومما أسند
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن يعقوب بن الفرجي الرملي ثنا إبراهيم ابن المنذر المجذمي ثنا عبدالله بن وهب ثنا قرة بن عبدالرحمن عن يزيد

بن أبي حبيب عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي قال استسلف رسول الله صلى الله عليه و سلم من رجل تمرا فلما جاءه يتقاضاه قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس عندنا اليوم فإن شئت أخرت عنا حتى يأتينا فنقضيك فقال الرجل واعذراه فتذمر عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم دعه يا عمر فإن لصاحب الحق مقالا انطلقوا إلى خولة بنت حكيم الأنصارية فالتمسوا لنا عندها تمرا فانطلقوا فقالت والله ما عندي إلا تمر ذخيرة فأخبروا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال خذوه فاقضوه فلما قضوه قبل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له قد استوفيت قال نعم قد أوفيت وأطبت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن خيار عباد الله الموفون المطيبون قال سليمان تفرد به قرة عن يزيد
حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن إبراهيم ومحمد بن أحمد بن شبوية قالا ثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم ثنا محمد بن يعقوب الفرجي ثنا محمد بن عبدالملك بن قريب الأحمر قال حدثني أبي ثنا أبو معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سرعة المشي تذهب بهاء المؤمنين
أخبرنا أبو مسعود محمد بن إبراهيم بن عيسى المقدسي في كتابه ثنا محمد بن يعقوب الفرجي ثنا خالد بن يزيد ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع
حدثنا عبدالمنعم بن عمر ثنا أبو سعيد الأعرابي ثنا محمد بن يعقوب الفرجي ثنا علي بن المديني ثنا المعتمر بن سليمان عن سفيان الثوري عن أبي سلمة عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بشر أمتي بالسناء والرافعة والتمكين وأن من عمل عمل الآخرة يريد به الدنيا فليس له في الآخرة من نصيب
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا أحمد بن عمرو بن جابر ثنا محمد بن يعقوب

الفرجي ثنا أحمد بن عيسى أبو طاهر ثنا ابن أبي فديك ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر 581
عمرو بن عثمان المكي
ومنهم العارف البصير والعالم الخبير له اللسان الشافي والبيان الكافي معدود في الأولياء محمود في الأطباء أحكم الأصول وأخلص في الوصول أبو عبدالله عمر بن عثمان المكي ساح في البلاد وباح بالوداد وصحب الأصفياء من العباد
سمعت أبا محمد بن عبدالله بن محمد بن جعفر يقول سمعت أبا عبدالله عمرو بن عثمان المكي وأملى علي في جواب مسألة سئل عنها يخاطب السائل أقم على نفسك الموازنة بعقلك في تفقد حالك ومقامك هذا إن كل ما عارضك من الأشغال من كل شيء أعني من حق أو باطل أزالك عن مقامك هذا بانصراف اليسير من عقلك فذلك كله عذر فاهرب وافزع إلى الله عند اعتراض الخواطر وسورة العوارض وحيرة الهوى إلى مولاك وسيدك ومن بين يديه ضرك ونفعك الذي خلصت في نفسك وحدانيته وقدرته وتفريد سلطانه وتفريد فعل ربوبيته إذ لا قابض ولا باسط ولا نافع ولا ضار ولا معين ولا ناصر ولا عاصم ولا عاضد إلا الله وحده لا شريك له في سمائه وأرضه وهذا أول مقام قامه أهل الإيمان من تصحيح القدرة في إخلاص تفريد أفعال الربوبية وهو أول ماقام قامه المؤمنون وأول مقام قامه المخلصون وأول مقام قامه المتوكلون في تصحيح العلم المعقود بشرط التوكل في الأعمال قبل الأعمال واعلم رحمك الله أن كل ما توهمه قلبك أو رسخ في مجاري فكرتك أو خطر في معارضات قلبك من حسن أو بهاء أو إشراف أو ضياء أو جمال أو شبح ماثل أو شخص متمثل فالله بخلاف ذلك كله بل هو تعالى أعظم وأجل وأكمل ألم تسمع إلى قوله تعالى ليس كمثله شيء وقوله عز و جل ولم يكن له كفوا أحد أي لا شبه ولا نظير ولا مساوي ولا مثل وقف عند خبره عن نفسه مسلما مستسلما

مذعنا مصدقا بلا مباحثة التنفير ولا مفاتشة التفكير جل الله وعلا الذي ليس له نظير ولا يبلغ كنه معرفته خالص التفكير ولا تحويه صفة التقدير السموات مطويات بيمنيه والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الظاهر على كل شيء سلطانا وقدرة والباطن لكل شيء علما وخبرة خلق الأشياء على غير مثال ولا عبرة ولا تردد ولا فكرة تعالى وتقدس أن يكون في الأرض ولا في السماء وجل عن ذلك علوا كبيرا أقام لقلوب الموقنين مدا يمسكه التسليم عن التيه في بحور الغيوب المضروبة دون ذي الجلال والكبرياء فشكر لهم تسليمهم واعترافهم بالجهل بما لا علم لهم به وسمي ذلك منهم رسوخا وربانية أو إيمانا لقوله تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما خبر عن ملائكته إذ قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا عجزت الملائكة المقربون أن تحد أحسن الخالقين أو تكيف صفة رب العالمين فهم خشوع خضوع خنوع في حجرات سرادقات العرش محبوسون أن يتأملوا ساطع النور الأوهج فهم يضجون حول عرشه بالتقديس ضجيجا ويعجون بالتسبيح عجيجا باهتون راهبون خائفون مشفقون وجلون لما بدا لهم من عظيم القدرة ولما أيقنوا به وسلموا له من شموخ الرفعة فكيف تطمع يا أخي نفسك أو تطلق فكرك في شيء من الاحتواء على صفة من هذا وصفه وقانا الله تعالى وإياك اعتراض الشكوك وعصمنا وإياك في كنف تأييده من التخطي بالأفهام إلى اكتناه من لا تهجم عليه الظنون ولا تلحقه في العاجلة العيون جل وتعالى عن خطرات الهفوات وعن ظنون الشبهات علوا كبيرا فبهذا فاعرف ربك ومولاك ومن لا تأخذه سنة ولا نوم فيكون سلاحك وعظم عدتك ومجاهدتك وجنتك من عدوك عند من يلقى إليك في خالقك فهذا الذي وصفت لك فإليه فالتجئ وبه فاستمسك ثم عد إليه بملق اللوذان واستكانة الخضوع أن يعصمك الله ويثبتك فهو المثبت لقلوب أوليائه بصحة اليقين من الزوال كما أمسك أرضه بالجبال من الزلزال والسلام
سمعت أبا محمد عبدالله بن محمد يقول سمعت عمرو بن عثمان يقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني