نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate واق

الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

مجلد 12. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء المؤلف : أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني

 

مجلد 12. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء
المؤلف : أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني

إن الله جعل الاختبار موصولا بالاختيار والإجابة مؤداة إلى الأبرار بتوفيق هدايته وابتداء رأفته وجعل رحمته مفتاحا لكل خير في أرضه وسمائه فكان مما اختار لنفسه عبادا اتخذهم لنفسه ورضيهم لعبادته واصطنعهم لخدمته واجتباهم لمحبته ونصبهم لدعوته وأبرزهم لإجابته واستعملهم بمرضاته فألطف لهم في الدعوة باختصاص المنة فأظهر دعوته في قلوبهم بإظهار صنعه وصنعائه وما غذاهم به من لطفه وألطافه وبره ونعمائه فوطأ لهم الطريق وكشف عن قلوبهم فسارعت قلوبهم بإجابة التحقيق وذلك لما عرفوا واستبانوا مما به لله دانوا مما تعرف به إليهم من البر والتحف والكرامات والطرف والفوائد السنية والمواهب الهنية فسارعت لإجابته بخالص موافقته والإعراض عن مخالفته والعطف على كل ما عطف به عليها والإقبال على كل ما دعاها إليه بلا تثبط في مسير ولا التفات في جد ولا تشمير فوصلوا الغدو بالتبكير وقطعوا فيها العلائق وانفردوا به دون الخلائق فساروا سير متقدمين وجدوا جد معتزمين وحثوا حث مبادرين وداوموا مداومة ملازمين وانتصبوا انتصاب خائفين للفوت والحرمان وخوف السلب لما تقدم إليهم من الإحسان فعبدوه بأبدان خفاف وعاملوه بفطن لطاف وقصدوه بإرادات صادقة وهمم خالصة ورغبات طامحة وقلوب صافية فابتدؤا من معاملة الله فيما به ابتدأهم حين دعاهم إذ يقول تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم فطلبوا طيب الحياة بإخلاص الإجابة وعملوا في الظفر بالحياة إذ دعاهم الله إليها ونبههم بلطفه عليها فجعلوا إقامتهم وإرادتهم وأملهم ومناهم الظفر بالحياة فعملوا في تحقيق موجباتها في الأحوال الواردة بهم عليها
سمعت أبا محمد عبدالله بن محمد بن جعفر يقول سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول في وصف سياسة النفوس قال يبتدئ بعد الإجابة بتوفيق النفوس لما كان منها من مخالفة الملك ومعصيته الجبار فألزمها التوبة والتنصل والاعتذار وتكرير الاستغفار الاجتهاد في حل الإصرار باللجأ والاستئجار والاعتصام بمليكهم الجبار فوافقوها موافقة على موازنة وعاتبوها معاتبة على محاضرة

ووبخوها بما فرط منها من الجهل والتضييع والشرور والتمادي والتمرد في ركوب المعاصي فوبخوها بين يديه وعاتبوها معاتبة من قد عرض عليه وقرروها تقرير مناقشة الحساب وجرعوها ما توعده الله من أليم العذاب وشديد العقاب ثم أقاموها مقام الخزي فأبدلوها بحال الرفاهات والقشف والتقشف والضر والتخفف فأبدلوها بالشبع جوعا وبالنوم سهرا وبالراحة تعبا وبالقعود نصبا وبطيب المطاعم الخبيث الخشن وبلين الملابس الخشن الجافي وبأمن الوطن خوف البيات ثم أزعجوها عن توطن ما به ألزموها فمنعوها استواء الأوقات في بذل الاجتهاد وأخذوها بدائم الازدياد على سبيل الموازنة وأقاموها مقام التصفح والتفتيش والمحاسبة والتوقيف على كل لحظة وخطرة وهمة ولفظة وفكرة وأمنية وشهوة وإرادة ومحبة فهكذا أبدا دأبهم وفي هذه أبدا حالهم على هذه السياسة بشرط هذه المجاهدة وانتصاب هذه المكابدة وإحاطة هذه المراوضة ومع هذا فالهرب إلى الله فيها والاعتضاد بالله عليها والتأوي إلى الله منها والاستعاذة بالله من شرها والاستعانة بالله على كيدها والصراخ إلى الله عند شرودها واستغث بالملك الأعلى الذي هو صريخ الأخيار ومنجأ الأبرار وملتجأ المتقين وناصر الصاحلين لأن الله تعالى إذا شكر لوليه عظيم ما جاهد وجسيم ما كابد ومشقة ما احتمل وجهد ما انتصب تولاه بالنصرة والتأييد والعز والتأييد ومن نصره لم يخذل ومن أعزه لم يقهر ومن تولاه لم يذل فروحها روح اليقين وأضاء لها علامات التصديق من الله بالقبول وأنارت لها علامات التحقيق وتوالت عليها مداومة المزيد وعادت عليها تكرار التحف والبر والكرامات وعطفت عليها عواطف الفضل بالرحمة والبذل لأن الله تعالى المبتدئ عبده بما ابتدأبه العبد من بذل في قربة أو من اجتهاد في وسيلة أو من منافسة في فضيلة أو من مسارعة إلى خدمة أو من إخلاص في نية أو من تكامل في رغبة أو من تحقيق في محبة فالله المبتدئ لها بذلك بما به أقامها وبما به إليها دعاها فهذه كلها صفة الحياة ومشاربها وانبجاس أحوالها وتشعب مذاقاتها بكل ما وصفناه من غم وسرور

وراحة وجهد ورفاهة وتعب وموافقة ونصب وبكاء وحزن وخوف وكمد فذلك كله من صفة الحياة التي دعا الله إليها ونبه قلوبهم عليها بقوله سبحانه وتعالى استجيبو لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم
سمعت أبا محمد عبدالله بن محمد يقول سمعت عمرو بن عثمان يقول المخلصون من الورعين هم الذين تفقدوا قلوبهم بالأعمال والنيات في كل أحوالهم وأعمالهم وحركاتهم وسكونهم مواظبين للاستقامة المفترضة على طاعة الله وله محافظين ومن دخول الفساد عليهم مشفقين فأورثهم الله مراقبته فهنالك تنتصب قلوبهم بمداومة المحافظة لنظر الله إليهم ونظره إلى سرائرهم وعلمه بحركاتهم وسكونهم فهنالك تقف القلوب بعلم الله فلا تنبعث بخطرة ولا همة ولا إرادة ولا محبة ولا شهوة إلا حفظوا علم الله بهم في ذلك فلم تبرز حركات الضمير إلى تحريك الجوارح إلا بالتحصيل والتمييز لقوله تعالى إن الله كان عليكم رقيبا ولقوله سبحانه وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضو فيه فإذا انتصبت المراقبة بدوام انتصاب القلوب بها فهنالك يكون تمام الإخلاص والحيطة في العمل وهنالك يورثهم الله الحياء فدوام المراقبة يفشي الحياء ويمده ويزيد فيه والحياء يعمر القلوب بدوام الطهارة ويخرج من القلوب حلاوة الماء ثم حلاوة الشهوات ودوام الحياء يوجب على القلوب إعظام حرمات الله بإعظام مقام الله حياء من جلال الله لأن إجلال حرمات الله في القلوب غاسل للقلوب بماء الحياة الوارد عليها من فوائد الله فتخلق الدنيا في قلوبهم وتصغر الأشياء فيها وتقوى حركات اليقين بصفاء النظر إلى الموعود فيوصلها بالمعروف ويرجع عليها اليقين بالتوبيخ في إعظام الدنيا والسعي لها ولجمعها
سمعت أبا محمد يقول سمعت عمرو بن عثمان يقول اعلم أن حد الشكر في القلوب خارج من الاشتغال بالفرح على النعم والاشتغال ببهجتها بما يغلب على النفوس من شرهها عليها وعظيم حظها فيها فالشكر خارج من ذلك فإذا ما حل بالقلوب زهرات النعم ورونق صفوها وخفض العيش فيما هاج في القلوب

ذكر المنعم بها والمتولي للامتنان بها فاتصل فرحهم بشكره وأوصلتهم النعمة إلى الإبتهاج بالمنعم والذكر له والثناء عليه فهذا حد الشكر فيما ذاقته القلوب فلما صرفت الأفراح عن حظوظ النفوس إلى مواضع الشكر ابتهاجا بالمنعم دون حظ النفوس بالنعمة خلصت تلك الأفراح رضاء عن الله وبشاشة القلوب بمر الفضاء واختلاف الأحكام بمخالفة المحاب والسرور بمر القضاء ويكون السرور مقرونا بالمحبة لله التي هي معقودة في عقود الإيمان وموجودة في أصل العرفان لأنه لا يصح إلا بثلاث حالات إخلاص لتوحيده ورضى به أنه رب ومحبة له على كل شيء إذ هو إلهه ومالك ضره ونفعه ورفعه ووضعه وحياته وموته فولهت القلوب إليه بضر الفاقة فهذا معنى المحبة المفترضة في عقود الإيمان كفرض الإيمان قال الشيخ رضي الله تعالى عنه كان عمرو بن عثمان رحمه الله تعالى حظوظه في فنون العلم غزيرة وتصانيفه بالمسانيد والروايات شهيرة
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا عمرو بن عثمان ثنا يونس بن عبدالأعلى ثنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وكل على خير واحرص عل ما ينفعك ولا تعجر فإن فاتك شيء فقل كذا قدر وكذا كان وإياك ولو فإنها مفتاح عمل الشيطان غريب من حديث ابن عيينة عن ابن عجلان 582
رويم بن أحمد
ومنهم الفطن المكين له البيان والتبيين والرأي المتين رويم بن أحمد أبو الحسن الأمين كان بالقرآن عالما وبالمعاني عارفا وعلى الحقائق عاكفا قلد بفصل الخطاب ولم تؤثر فيه العلل والأسباب كان سمي جده رويم بن يزيد المقرئ الراوي عن ليث بن سعد وإسماعيل بن يحيى التميمي
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه الحسين بن يحيى الفقيه إلا سفيد فاني قال سمعت رويما يقول الاخلاص ارتفاع رؤيتك عن فعلك والفتوة أن تعذر إخوانك في زللهم ولا تعاملهم بما يحوجك إلى الاعتذار منهم

أخبرني عبدالواحد بن بكر قال سمعت أحمد بن فارس يقول حضرت رويما وسأله أبو جعفر الحداد أيهما أفضل الصحو أو السكر فانزعج رويم كالمغضب فقال لا والله أو تهدأهدو الصخر في قعور البحار فإن هدأت استودعك وإن انزعجت طالبك أما سمعته يقول فمستقر ومستودع وسأله بعض الناس أن يوصيه بوصية فقال ليس إلابذل الروح وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية فإن أمرها هذا مبني على الأصول
سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن حبيش يقول كان رويم يقول السكون إلى الأحوال اغترار وكان يقول رياء العارفين أفضل من إخلاص المريدين
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه أبو عمرو العثماني قال سمعت رويم بن أحمد المقرئ يقول لما رأيت الطالبين قد تحيروا والمريدين قد فتروا والمتعبدين والعلماء بما غلب عليهم من سلطان الهوى قد سكروا لما رأوا المنتسبين إلى علم المعرفة على طبقات مختلفة ومقامات متفاوتة من استصغار الأحوال وأهلها والتراخي عن الأعمال والإعراض عنها تسوروا على ذرى قصرت عنها مقاماتهم عجزا عن بلوغها واغترارا بما سمعوه من علوها احتجت أن أعلم السبب الذي أوقعهم في هذه الشبهة وأوقهم في هذه المنزلة قبل أوانها والاستحقار للنزول فيها قبل حينها فرأيته سببين كل سبب منهما على أصلين أحدهما استعجال المنزلة قبل وقتها عجزا عما عمل فيه الصادقون وبذله المحققون والآخر الجهل بطريق السالكين إليها وإغفال التقوى عما لها وعليها رضي منهم باسم لا حقيقة تحته تأويهم ولا مكانا منه يغنيهم فلما رأيت ذلك من أمرهم دعاني داع إلى التبيين لأمورهم والنداء لمن سمع منهم والكشف عن سببهم والتحذير عن مثل غرتهم ومن أين أتوا وعلى ماذا عولوا وبما تعلقوا فيما إليه ذهبوا فنقبت عن سرائرهم بالمساءلة لكبرائهم والمباحثة لأئمتهم في تكوين المكونات على اختلافهم في الأصول والمقامات أصلين عظيمين تمسك كل فرقة منهم بأصل ففرقة قالت لما رأيت كل حادثة تحت الكون من الأفعال وغيرها من الأجسام

والأعراض لا تخلو من أحد أمرين إما محدث ظهر إلى الكون بغير علة ولا سبب جعله مقدما لأجرائه فيكون ذلك المحدث عنه أو يكون حدثها ظهر عن علة وسبب تقدمها فرأيت مدار قول هذه الفرقة فيما به تعلقت وإليه رجعت أن المخترعات أفعالها وأقوالها لله الواحد القهار فلم أدفع الأصل فيما إليه أشارت ودخلت الشبهة عليهم إذ لم يفرقوا بين ما أحدثه المحدث من الخير والشر والهدى لمن اهتدى والغي لمن غوى فدخلت عليهم هذه العلة الجامعة من المختلفات من أفعاله المحدثات بين ذواتها وهيئاتها والعذب للفرات والملح الأجاج والحسن والقبيح والعدل والجور والخبيث والطيب وما فرف بين ذلك إذ يقول وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج وقال هل يستوي الأعمى والبصير وقال أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وقال مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا وقال لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فرأيت الله وإن كان هو منشئ الأشياء بسبب وبغير سبب قد فضل خلقه بين منشآته وبين ذلك في آياته فذهب على هذه الفرقة ما فضل الله به بعض الأشياء على بعض وكل ذلك بأمره قد نفذ فيه حكمه وبرئ من عاره وإثمه وغاب عنها إحداث الله للخلق على طبائع مختلفة ودواع متباينة إذ طبع النفوس أرضية بشرية مطالبة بحاجتها وشهواتها وطبع الروح نزهة تطالب بصفائها وتقتضي شرف علوها وجعل العقل سراجا بينهما كل ينازعه ويجذبه إليه ليستعين به فيما يطلبه من حظه فمن غلب عليه منها أداه ذلك إلى ملك القلب فمتى ملك القلب أحدهما فإن كان ذلك تأثير العقل انقادت له الجوارح ثم رأيت النفس وإن كان طبعها العاجلة في فعل ذلك بها تأثيرا لها وما طبع عليه من قبول الانفعال وكذلك للروح تأثير انفعالها فيما فعل فيه ورأيت سلطان النفس الهوى ووزيرها الجهل وفعلها الجور ورأيت ذلك كله وإن كان في قبضة التدبير وسلطان القهر خارجا من الجبر

ممكنا من النظر والتصفح والإقدام والإحجام سببا للبلاء ومجرى للاختبار الموجب للولاية المظهر للعداوة ثم رأيت المقامات في ذلك مختلفة والأحوال متباينة والمعارف متفاوتة فمن بين مقصر قد أحاطت به رؤية التقصير واعترف بتخلفه وأزرى على نفسه وبين سابق قد بذل في العبادة لله جهده فلم يبلغ من ذلك إربه متعلق بعبادته ناظر إلى مجاهدته وتحصيل محاسبته لنفسه وآخر مع جهده مأخوذ عن أحواله وقد وصل به آماله وصدقه في أعماله وأخلص في قصده واستفرغ جهده فبلغ من ذلك حظه فأعرضت عن ذكر هؤلاء أجمعين وفرقة أخرى من العارفين أشرفت على عجائبهم في مقاماتهم وعظيم طرقهم في سيرهم وسيرهم وقطع مفازهم في تيه مضلة العقول وتنسم عقاب الحيرة وقطع لجة الهلكة وصراط الإستقامة فرأيتهم بعين لا يستتر عنها متوار في حجابه قد خدع المغرور منهم بمكانه فمن بين صريع تحت إشارته في بحر عميق بين علم الجمع والتفريق فرأيته أسوأحالا ممن خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق وفرقة أخرى قد أنس بالفناء في مكانه واستبطن البقاء مع أهل زمانه فلا هو بعلم الفناء يقوم ولا على روح البقاء يدوم فعمه في طغيانه ولم تختلف عليه أحكامه ولم يعرف الحق من الباطل ولا فرق بين المخلوق والخالق ولا الفاعل والمفعول ولا الفعل من الإنفعال ولا تميز له الظاهر من الباطن ولا العاجز من القادر فكان كمن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله وفرقة منهم رأت أنه مكن في مقامه ولاحت له الأحكام فلم يكن عنده لها مكان إلا ما علق منها على الخلق وإنما كانت الأحكام عنجهم معلقة على الخلق لرؤية آثارهم وحضور إراداتهم واختلاف أحوالهم والمشاهدة منهم في أنفسهم من بين عقل متين وهوى مائل فلذلك علق عليهم لأمره عندهم وقصدوا بالنهي وبعثت إليهم الرسل فتمكن منهم الجهل واستوثق منهم العجب فلم يمكن

فيها علاج العلماء ولم يصل إليها لطيف حكمة الحكماء لتعلقهم بفقد من الوجد ولو حلت من وجود الحق هذا المحل لأجرت الأحكام مجاريها وسلمت من سكرة المعرفة ودواهيها وأما الفرقة التي علت بها الإشارة إلى علم التوحيد الذين صحبوا الأحوال في أوقاتها بالوفاء والأعمال بالإخلاص والصفاء فلم يرتقوا إلى مقام قبل إحكام المقام قبله ولم يتعلقوا بعلم لم يحلوا منه مقام أهله وينزلوه نزول المتحققين له حتى يعلو إلى غاية الأحوال الزاكية وتفقهوا بعلمها إلى أن أداهم ذلك إلى علم المعرفة فأذعنوا لله إذعان المحققين وهم في ذلك كله خالون منها بعلاقة الحق التي عنها نشأت العلوم الزاكية غلبت عليهم الحقيقة في كل ما أثبته عليهم من الأفعال فلم يحلوا منها من مقام رفيع ونفس مختلسة وطبع منتزع إلا بعلاقة الحقيقة الأزلية والعين الألوهية والعلوم الربانية بما منحت في ذلك من القوة وأعطيت فيه من الصفوة وتجديد الوحدانية وفناء البشرية فكانت العلوم فيه والاختيارات بتلك العلاقة المبدية لتلك الحقيقة التي أبدعت الحق فأحقت الحق وأبطلت الباطل وبذلك أخبر الله أولياءه إذ يقول ليحق الحق ويبطل الباطل وقال تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق فلم يتجرد الحق على حقيقة لولي من أوليائه ولا صفى من أصفيائه إلا ظهر به على كل باطل فقهره ودفعه وان كان الحق أبدعه واخترعه فلم يكن الحق في مكان فيبقى فيه أثر لباطل أو سلطان لأن من أفنى الحق حركاته البشرية ونفسه الطبيعية وأهواءه النفسانية وأوهامه الآرائية استولى عليه من الحقيقة التي عنها وبها كان التصرف والاختيار والإقدام والإحجام والسكون والحركات فله علامة موجبة بصحة مقامه وعلو شأنه لا يختلف عليه منه الأفعال ولا تضطرب عليه الأقوال ولا تتفاوت منه الأفعال كاختلافها على من بقيت عليه آثاره في أفعاله وغلب هواه بهاءه فأسر عقله جهله فهو مغرور بما تعلق من اعتقاد علوم لم يسعه بالنزول في حقائقها ولا تلحظ مثقال ذرة مما روى منها أهلها من علم التوحيد ومذاق التجريد وهو غير موحد وطمع في التجريد وهو غير مجرد قد اتخذ إلهه

هواه وأضله الله على علم طمعا فيما لم يسعد به بحقيقة هيهات إن أهل هذه الإشارة ناس لم تبق لهم همة تومى إلى ذكر فعل مذموم دون أن يجري ذلك عليهم بعلم من العلوم إذ كانت حركاتهم عن الحق بالحق في جميع الأحكام لا تعترضها خواطر البشرية ولا يليق فيها فعل الأفعال الطبيعية لا يقولون إلا بالحق ولا ينطقون عن الهوى بذلك خبرنا عن المصطفى صلى الله عليه و سلم فقال وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى فأما الفرقة التي اغترت بما لم تؤت ولم تفارق العلل المستولية عليهم من حركات طباعهم الداعية إلى حاجتها وشهواتها فأولئك مثلهم كما قال الله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون وقوله فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء فهم رهائن أعمالهم لزم كل عبد منهم طائره في عنقه إذ يقول وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه الآية وقال كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين جعلنا الله وإياكم من أصحاب اليمين وهم أهل القوة
وفيما كتب إلي جعفر وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت رويما يقول الصبر ترك الشكوى والرضاء استلذاذ البلوى واليقين المشاهدة والتوكل إسقاط رؤية الوسائط والتعلق بأعلى الوثائق والأنس أن تستوحش من سوى محبوبك وسئل عن المحبة فقال الموافقة في جميع الأحوال وأنشد ... ولو قلت لي مت مت سمعا وطاعة ... وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا ... وقيل له كيف حالك فقال كيف يكون حال من دينه هواه وهمته شقاؤه ليس بصالح نقي ولا عارف تقي قال الشيخ ذكرنا لجده حديثا مسندا لموافقة اسمه اسمه
حدثنا محمد بن جعفر بن ا لهيثم ثنا جعفر بن محمد الصائغ ثنا رويم بن يزيد المقرئ ثنا إسماعيل بن يحيى التيمي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال رأى النبي صلى الله عليه و سلم أبا الدرداء يمشي قدام أبي بكر فقال يا أبا الدرداء

أتمش قدام رجل ما طلعت الشمس على رجل مسلم خير عنه قال فما رئي أبو الدرداء بعد هذا يمشي إلا خلف أبي بكر
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن العباس الأخرم ثنا الحسن بن ناصح المخرمي ثنا رويم بن يزيد ثنا إسماعيل عن ابن جريج مثله 583
أحمد بن محمد بن عطاء
ومنهم العامل الظريف والكامل النظيف كان مودع القرآن شعاره وظاهر البيان دثاره له اللسان المبسوط والبيان بالحق مربوط أوقف على مراتب المأسورين ومقامات أهل البلاء من المأخوذين فتمنى ما حصوا به من الصفاء والاعتلاء فعومل بما تمنى من المحن والابتلاء أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء
سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن حبيش صاحب الجنيد بن محمد يقول صحبت أبا العباس بن عطاء عدة سنين متأدبا بآدابه وكان له كل يوم ختمة وفي كل شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات وبقي في ختمة يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة يستروح إلى معاني مودعها فمات قبل أن يختمها وسمعته يقول في قوله عز و جل إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة فقال في البيت مقام إبراهيم وفي القلب آثار رب إبراهيم وللبيت أركان وللقلب أركان فأركان البيت الصم من الصخور وأركان القلب معادن النور
سمعت أبا سعيد عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب بن نصير الرازي بينسابوري صاحب يوسف بن الحسين يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول من ألزم نفسه آداب السنة غمر الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولا وفعلا ونية وعقدا
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول قرن ثلاثة أشياء بثلاث قرنت الفتنة بالمنية وقرنت المحنة بالاختيار وقرنت البلوى بالدعاوى وسئل إلى م تسكن قلوب العارفين قال إلى قوله بسم الله الرحمن

الرحيم لأن في بسم الله هيبته وفي اسمه الرحمن عونه ونصرته وفي اسمه الرحيم مودته ومحبته ثم قال سبحان من فرق بين هذه المعاني في لطافتها في هذه الأسامي في غوامضها
سمعت أبي يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول إذا كانت نفسك غير ناظرةلقلبك فأدبها بمجالسة الحكماء فمن أراد أن يستضيء بنور الحكمة فليلاق بها أهل الفهم والعقل وسمعته يقول القلب إذا اشتاق إلى الجنة أسرعت إليه هدايا الجنة وهي المكروه لأن المكاره هدايا الجنة إلى أبدان الصادقين ومن فر بنفسه إلى حصن المكروه رحلت شهوات الطمع عن قلبه وقال من علامة الصدق رضى القلب بحلول المكروه
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول قال أبو العباس بن عطاء من تأدب بآداب الصالحين فإنه يصلح لبساط الكرامة ومن تأدب بآداب الأولياء فإنه يصلح لبساط القربة ومن تأدب بآداب الأنبياء فإنه يصلح لبساط الأنس والانبساط وسمعته يقول قال أبو العباس بن عطاء لم تزل الشفقة بالمؤمن حتى أوفدته على خير أحواله ولم تزل الغفلة بالفاجر حتى أوفدته على شر أحواله
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول أدن قلبك من مجالسة الذاكرين لعله ينتبه عن غفلته وأقم شخصك في خدمة الصالحين لعله يتعود ببركتها طاعة رب العالمين قال وسئل أبو العباس وأنا حاضر عن أقرب شيء إلى مقت الله والعياذ بالله فقال رؤية النفس وأفعالها وأشد من ذلك مطالب الأعواض عن أفعالها قال وسمعته يقول من علامات الأولياء أربعة صيانة سره فيما بينه وبين الله وحفظ جوارحه فيما بينه وبين الله واحتمال الأذى فيما بينه وبين خلق الله ومداراته مع الخلق على تفاوت عقولهم
سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول من شاهد الحق بالحق انقطعت عنه الأسباب كلها وما دام ملاحظا لشيء فهو

غير مشاهد لحقيقة الحق وهذا مقام من صفت له الولاية فلم يحجب عنه المنتهى والغاية وسئل عن قوله تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع فقال المضطجعون على مراتب مضطجع على فراشه ومضطجع في نفسه ومصطجع في دنياه فالمضطجع على فراشه فهو الظالم متى انتبه ذكر الله تعالى أعطى ثوابه عشرة أمثالها والمضطجع في دنياه فهو المقتصد متى انتبه وجل من مطالعة الدنيا واستغفر أعطي ثوابه سبعمائة ضعف وأما المضطجع في نفسه فهو السابق متى شاهد نفسه ورأى ضلالتها ظن أنه من الهالكين حينئذ يفتقر إلى الله بطلب السلامة من نفسه فهذا ممن ثوابه فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين قال أبو العباس ذكر الثواب عن ذكر الله غفلة عن الله
أنشدني محمد بن علي بن حبيش قال أنشدني أحمد بن سهل بن عطاء ... بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ... لا بي ولا بشفيع إلىالناس ... إذا يئست وكاد اليأس يقلقني ... جاء الغنى عجبا من جانب اليأس ... قال ابن حبيش فزدته ثالثا بين يديه ... أعود في كل أمر جل مطلبه ... عندي إلى كاشف الضر والبأس ... ل وأنشدني ابن عطاء ... دبوا إلى المجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وشدوا نحوه الأزرا ... وساوروا المجد حتى مل أكثرهم ... وعانق المجد من وافى ومن صبرا ... لا تحسب المجد تمرا أنت تأكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ... قال وأنشدني رحمه الله ... ذكرك لي مؤنس يعارضني ... يوعدني عنك منك بالظفر ... فكيف أنساك يا مدا هممي ... وأنت مني بموضع من النظر ... وسئل ما العبودية قال ترك الاختيار وملازمةالافتقار وقال إياك أن تلاحظ مخلوقا وأنت تجد إلى ملاحظة الحق سبيلا قال الشيخ كان كثير الحديث
حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أبو العباس بن عطاء الصوفي ثنا

يوسف بن موسى القطان ثنا الحسن بن بشر البلخي ثنا الحكم بن عبدالملك عن قتادة عن أبي مليح عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بني تميم
حدثنا محمد بن علي ثنا أبو العباس بن عطاء ثنا الفضل بن زياد ثنا ابن أبي ليلى قال حدثني أبي عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال قضم الملح في جماعة خير من أكل الفالوذج في فرقة قال الشيخ ذكر جماعة من أعلام البغداديين كان المفزع إلى أدعيتهم عند المحن والنوازل لصفاء أحوالهم ووفاء أقوالهم فكانت آثارهم في الإجابة مشهورة وأوقاتهم بالمشاهد والمسامرة معمورة صحبوا بشر بن الحارث الحافي وأصحاب معروف الكرخي حماهم الحق عن التبدل وحلاهم بخلوة الذكر والاشتهار لقينا أصحابهم وكانوا على سمتهم مشتهرين بالذكر شاهدين مغتنمين للوقت مجاهدين منهم إبراهيم بن السري السقطي وبدر بن المنذر المغازلي وأبو أحمد القلانسي وخير النساج وأبو بكر بن مسلم بن حمزة البصري عداده في البغداديين 584
إبراهيم بن السري
سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد ين يحيى يقول سمعت إبراهيم بن السري السقطي يقول سمعت أبي يقول عجبت لمن غدا أو راح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه نواح لا يربح أبدا
سمعت إبراهيم بن محمد يقول سمعت أباالعباس يقول سمعت إبراهيم بن السري يقول سمعت أبي يقول لو أشفقت هذه النفوس على أبدانها شفقتها على أولادها لللاقت السرور في معادها 585
بدر المغازلي
وأما بدر المغازلي فأطبقت الألسنة من الحنبلية وأصحاب الحديث أنه كان يعد من البدلاء عرف له أحوال عجيبة

حدثنا عنه أبو بكر بن خلاد ثنا بكر بن المنذر أبو بكر المغازلي الشيخ الصالح ثنا معاوية بن عمرو ثنا زهير بن معاوية عن العلاء بن المسيب أن سهيلا بن أبي صالح حدثه عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا أحب الله عبدا قال لجبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم يقول لأهل السماء إن الله يحب عبده فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول قال العلاء فقلت ما القبول قال المودة في الأرض 586
القلانسي
قال الشيخ وأما أبو أحمد القلانسي فمخصوص بالتواضع والفتوة والاحتمال وطيبة القلب والابتذال صحب أبا حمزة وتخرج عليه
سمعت عمر بن أحمد بن شاهين يقول سمعت علي بن محمد المصري يقول سمعت عمرو بن سعيد القلانسي يقول سمعت يحيى بن الحسن القلانسي يقول رأيت ربي عز و جل في النوم فقلت يا رب اغفر لي ما مضى قال إن أردت أن أغفر لك ما مضى فأصلح لي ما بقي قال قلت يا رب فأعني عليه
سمعت عبدالمنعم بن عمر يقول قال أبو سعيد بن الأعرابي سمعت الكتاني يقول قال منية البصري سافرت مع أبي أحمد القلانسي فجعنا جوعا شديدا ففتح علينا بشيء من طعام فآثرني به وكان معنا سويق فقال لي كالمازح تكون جملي فقلت نعم فكان يوجرني ذلك السويق يحتال بذلك أن يؤثرني على نفسه وكان قد صحب أبا محمد الرباطي المروزي وسلك معه البادية وورث عنه هذه الأخلاق الحميدة وذلك أن أبا محمد اشترط عليه أن يكون هو الأمير في سفرهما فحكى عنه أنه كان يطعمه ويجوع ويسقيه ويعطش ويؤثره بأسباب الرفق وذكر أن مطرا أصابهما في رياح وظلمة شديدة بالبادية فقال يا أحمد اطلب الميل فلما صرنا إلى الميل أقعدني في أصله ووضع يده عليه وهو قائم وجللني بكساء كان معه فوق ظهره وعلى رأسه حتى صرت كأني في بيت لا يصيبني المطر ولا الرياح فكلما قلت له قال لا تعترض على

وأنا الأمير وكان أبو حمزة وابن وهب وجماعة المشايخ يكرمونه ويقدمونه على غيره قال أبو سعيد بن الأعرابي ولقد صحبته إلى أن مات فما رأيته قط يبيت ذهبا ولا فضة كان يخرجه من الليل ويذهب مذهب شقيق في التوكل وكان يقول بناء مذهبنا على شرائط ثلاث لا نطالب أحدا من الناس بواجب حقنا ونطالب أنفسنا بحقوق الناس ونلزم أنفسنا التقصير في جميع ما نأتي به 587
خير النساج
وأما أبو الحسن خير النساج كان من أهل سامرا سكن بغداد وصحب أبا حمزة والسري السقطي له الحظ الجسيم في الكرامات
سمعت علي بن هارون صاحب الجنيد يحكي عن غير واحد من أصحابه ممن حضر موته قال غشي عليه عند صلاة المغرب ثم أفاق فنظر إلى ناحية من باب البيت فقال قف عافاك الله فإنما أنت عبد مأمور ما أمرت به لا يفوتك وما أمرت به يفوتني قدعني أمضي لما أمرت به ثم امض أنت لما أمرت به فدعا بماء فتوضأ للصلاة وصلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد فمات رحمه الله فرآه بعض أصحابه في المنام فقال له ما فعل الله بك قال لا تسألني عن هذا ولكن استرحت من دنياكم الوضرة
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه قال سألت خيرا النساج أكان النسج حرفتك قال لا قلت فمن أين سميت به قال كنت عاهدت الله واعتقدت أن لا آكل الرطب أبدا فغلبتني نفسي يوما فأخذت نصف رطل فلما أكلت واحدة إذا رجل نظر إلي وقال يا خير يا آبق هربت مني وكان له غلام هرب اسمه خير فوقع علي شبهه وصورته فخنقني فاجتمع الناس فقالوا هذا والله غلامك خير فبقيت متحيرا وعلمت بماذا أخذت وعرفت جنايتي فحملني إلى حانوته الذي فيه كان ينسج غلمانه وقالوا يا عبد السوء تهرب من مولاك ادخل واعمل عملك الذي كنت تعمل وأمرني بنسج الكرباس فدليت رجلي على أن أعمل فأخذت بيدي آلته فكأني كنت أعمل من سنين فبقيت معه شهرا أنسج له فقمت ليلة فتمسحت وقمت إلى

صلاة الغداة فسجدت وقلت في سجودي إلهي لا أعود إلى ما فعلت فأصبحت وإذا الشبه ذهب عني وعدت إلى صورتي التي كنت عليها فأطلقت فثبت على هذا الاسم فكان سبب النسج اتباعي شهوة عاهدت الله عز و جل أن لا آكلها فعاقبني الله بما سمعت وكان يقول لا نسب أشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه ولا علم أرفع من علم من علمه الله الأسماء كلها فلم تنفعه في وقت جريان القضاء عليه ولا عبادة أتم ولا أكثر من عبادة إبليس فلم ينجه ذلك من أن صار إلى ما سبق له من الله تعالى وقال توحيد كل مخلوق ناقص بقيامه بغيره وحاجته إلى غيره قال الله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله المحتاجون إليه في كل نفس والله هو الغني عنكم وعن توحيدكم وأفعالكم الحميد الذي يقبل منك ما لا يحتاج إليه ويثيب على ما تحتاج إليه
أخبرني الحسن بن جعفر قال أخبرني عبدالله بن إبراهيم الجريري قال قال أبو الخير الديلمي كنت جالسا عند خير النساج فأتته امرأة وقالت اعطني المنديل الذي دفعته إليك قال نعم فدفعه إليها فقالت كم الأجرة قال درهمان قالت ما معي الساعة شيء وأنا قد ترددت إليك مرارا ولم أرك آتيك به غدا إن شاء الله فقال لها خير إن أتيتيني به ولم ترني فارم به في الدجلة فإني إذا رجعت أخذته فقالت المرأة كيف تأخذ من الدجلة فقال خير التفتيش فضول منك افعلي ما أمرتك فقالت إن شاء الله فمرت المرأة قال أبو الخير فجئت من الغد وكان خير غائبا فإذا بالمرأة جاءت ومعها خرقة فيها درهمان فلم تر خيرا فقعدت ساعة ثم قامت ورمت بالخرقة في الدجلة فإذا بسرطان قد تعلقت بالخرقة وغاصت فبعد ساعة جاء خير وفتح باب حانوته وجلس عل الشط يتوضأ وإذا بسرطان خرجت من الماء تمشي نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له رأيت كذا وكذا فقال أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجبته إلى ذلك وقلت نعم

أبو بكر بن مسلم
وأما أبو بكر بن مسلم فمن المستأنسين بالله لا ينفك عن مشاهدته ومذاكرته كان الجنيد من تلامذته
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه قال سمعت الجنيد بن محمد يقول عبرت يوما إلى أبي بكر بن مسلم في نصف النهار فقال لي ما كان لك في هذا الوقت عمل يشغلك عن المجىء إلي قلت إذا كان مجىء إليك العمل فما أعمل
سمعت أبا عمرو العثماني يقول سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد يقول سمعت الحسن بن علي بن خلف البربهاري يقول مرض أبو بكر بن مسلم فعاده المروزي في خلق من الناس فكأن أبا بكر بن مسلم كره ذلك لأجل الجماعة الذين جاؤا معه فكتب إليه يعاتبه على ذلك وكتب في آخر الرقعة ... يا من يريد بزعمه إلا خمالا ... إن كان حقا فاستعد خصالا ... اترك التذاكر والمجالس كلها ... واجعل خروجك للصلاة خيالا ... بل كن بها حيا كأنك ميت ... لا ترتجي عند القريب وصالا ... وأنس بربك واعلمن بأنه ... عون المريد يسدد العمالا ... من ذا يريد مع الحبيب مؤانسا ... من ذا يريد بغيره أشغالا ... لا تأنسن مع الحياة بغيره ... وابذل قواك وقطع الأوصالا ... فلئن سلمت لأنت أكرم من يشا ... ولئن هلكت فما ظلمت خلالا ... من ذاق كأس الخوف ضاق بذرعه ... حتى ينال مراده إن نالا ... حاشا مؤمل سيدي من بخسه ... جل الجواد إلهنا وتعالى ... 589
سمنون بن حمزة
قال الشيخ ومنهم سمنون بن حمزة أبو الحسن الخواص وقيل أبو بكر بصري سكن بغداد ومات قبل الجنيد سمى نفسه سمنون الكذاب وكان سبب ذلك أبياته التي قال فيها

فليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فامتحني ... فحصر بوله من ساعته فسمى نفسه سمنون الكذاب
أخبرني عبدالمنعم عن أبي بكر الواسطي قال قال سمنون يا رب قد رضيت بكل ما تقضيه علي فاحتبس بوله أربعة عشر يوما فكان يلتوي كما تلتوي الحية على الرمل يتقلب يمينا وشمالا فلما أطلق بوله قال يا رب تبت إليك وأنشدت عن جعفر عن سمنون ... أنا راض بطول صدك عني ... ليس إلا لأن ذاك هواكا ... فامتحن بالجفا صبري على ... الود ودعني معلقا برجاكا ... ومن أبياته التي امتحن فيها ما حدثناه عثمان بن محمد العثمان قال أنشدني علي بن عبدالله بن سويد قال أنشدنا محمد بن أحمد أن ابن الصباح قال أنشدنا علي بن غياث البزاز قال أنشدنا سمنون أبو الحسن أو أبو بكر البصري ... أفديك بل قل أن يفديك ذو دنف ... هل في المذلة للمشتاق من عار ... بي منك شوق لو أن الصخر يحمله ... تفطر الصخر عن مستوقد النار ... قد دب حبك في الأعضاء من جسدي ... دبيب لفظي من روحي وإضماري ... ولا تنفست إلا كنت مع نفسي ... وكل جارحة من خاطري جاري ... قال وأنشدنا أيضا سمنون لنفسه ... شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها ... فأنت والقلب شيء غير مفترق ... وما تطابقت الأحداق من سنة ... إلا وجدتك بين الجفن والحدق ... وأنشدني عثمان بن محمد قال أنشدني أبو علي الحسن بن أحمد الصوفي لسمنون ... ولو قيل طأ في النار أعلم أنه ... رضي لك أو مدن لنا من وصالكا ... لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... سرورا لأني قد خطرت ببالكا ... وأنشدني عثمان قال أنشدني علي بن عبدالله بن سويد قال حدثني محمد بن حمدان قال رأيت سمنونا وقد أدخل رأسه في زر نافقته وعليه جربان من أدم ثم أخرج رأسه بعد ساعة وزفر وقال

تركت الفؤاد عليلا يعاد ... وشردت نومي فمالي رقاد ...
وأنشدني محمد بن الحسين بن موسى قال أنشدنا محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز قال أنشدنا أبو جعفر الفرغاني قال أنشدنا سمنون البصري ... أحن بأطراف النهار صبابة ... وبالليل يدعوني الهوى فأجيب ... وأيامنا تفنى وشوقي زائد ... كان زمان الشوق ليس يغيب
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر العجان يقول سمعت سمنونا يقول إذا بسط الجليل غدا بساط المجد دخل ذنوب الأولين والآخرين في حاشية من حواشيه وإذا أبدى عينا من عيون الجود ألحق المسيء بالمحسن
أخبرت عن عمر بن رفيل وقد لقيته بجرجوايا قال سمعت أبا القاسم الهاشمي يقول كنت في بيت المقدس في برد شديد وعلي جبة وكساء وأخذ البرد والثلج يسقط فرأيت شابا عليه خرقتان في صحراء يمشي فقلت يا حبيبي لو استترت ببعض هذه الأروقة فتكنك من البرد فقال لي يا أخي سمنون ... ويحسن ظني أنني في فنائه ... وهل أحد في كنه يجد القرا
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال قال أبو أحمد القلانسي فرق رجل ببغداد على الفقراء أربعين ألف درهم فقال لي سمنون يا أبا أحمد ما ترى ما أنفق هذا وما قد عمله نحن ما نرجع إلى شيء ننفقه فامض بنا إلى موضع نصلي فيه بكل درهم أنفقه ركعة فذهبنا إلى المدائن فصلينا أربعين ألف ركعة وزرنا قبر سلمان وانصرفنا وكان يقول أول وصل العد هجرانه لنفسه وأول هجران العبد للحق تعالى مواصلته لنفسه وكان يقول مضى الوقت فصار الوقت مقتا وقتك خراب وقلبك في المحراب ومن كانت عبادته عناء كانت ثمرته ضناء ومنهم المشهورون بالنسك والتعبد السالكون مسلك أوليائهم من المتعبدين الذين تخرجوا على المتحققين وراضوا أنفسهم رياضة العلماء

المتقين كعلي بن الموفق وأبي عثمان الوراق وأيوب الحمال وأبي عبدالله الجلاء رحمهم الله كانت بواطنهم بالمشاهدة عامرة وظواهرهم عن المناظرة والمذاكرة شاغلة فلم ينقل عنهم غير الأحوال المكنية اللطيفة 590
علي بن الموفق
حدثنا إبراهيم بن محمد النيسابوري قال سمعت أبا عبدالله محمد بن إبراهيم بن عبدويه العبدي قال حدثني أبو عمر عبدالرحمن بن أبي قرصافة العسقلاني قال سمعت أبا القاسم البزاز يقول قال لي علي بن الموفق حججت نيفا وخمسين حجة فجعلت ثوابها للنبي صلى الله عليه و سلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ولأبوي وبقيت حجة فنظرت إلى أهل الموقف بعرفات وضجيج أصواتهم فقلت اللهم إن كان في هؤلاء أحد لم تقبل منه حجته فقد وهبت له هذه الحجة ليكون ثوابها له قال فبت تلك الليلة بالمزدلفة فرأيت ربي عز و جل في المنام فقال لي يا علي بن الموفق علي تتسخى قد غفرت لأهل الموقف ومثلهم وأضعاف ذلك وشفعت كل رجل منهم في أهل بيته وخاصته وجيرانه وأنا أهل التقوى وأهل المغفرة
وحكي لي عن أبي عبدالله الخواص المصري قال سمعت علي بن الموفق يقول خرجت يوم الجمعة إلى الرواح فسألتني أهلي حاجة فخرجت وأنا مغموم بها فهتف بي هاتف يا ابن الموفق تحزن وأنا لك
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول يحكى عن العباس بن يوسف الشكلي قال سمعت علي بن الموفق يقول حججت سنة من السنين في محمل فرأيت رجالة فأحببت المشي معهم فنزلت وأقعدت واحدا في محملي ومشيت معهم فتقدمنا إلى البريد وعدلنا عن الطريق فنمنا فرأيت في منامي جواري معهن طسوت ذهب وأباريق فضة يغسلن أرجل المشاة فبقيت أنا فقالت إحداهن لصاحبتها ليس هذا منهم هذا له محمل فقالت بل هو منهم لأنه أحب المشي معهم فغسلن رجلي فذهب عني كل تعب كنت أجده

أبو عثمان الوراق
وأما أبو عثمان الوراق فله العبادة المشهورة كان الإمام أحمد بن حنبل يحمد سيرته كان للفقر معتنقا ولا يرى الامساك والادخار يتبع آثار ما درج عليه الصدر الأول من صفوة الصحابة وأهل الصفة ويقول بالإيثار والمواساة أكثر نجوم البغداديين به تخرجوا وعنه أخذوا التجرد وسياسة النفوس ورياضتها كان يجمع المتعبدين في مسجده يقرئهم القرآن ويعلمهم الأحكام ويحثهم على الورع والتقلل ويواخي بين أصحابه فيضيف الضعيف إلى القوي ويواخي بين المتكسب ومن لا حرفة له وبين البصير والضرير وبين القارئ وبين من لا يقرأ ليعلمه ويلقنه لا يمنع المكتسب من الكسب فإذا كان الليل اجتمع أمرهم واحد فأكلوا موضعا واحدا وهو كأحدهم إن كان عنده شيء أحضره كان لا يبيت شيئا كان إذا سافر وغزا هو وأصحابه ينزلون المساجد لا يحضرون الدعوات والاجتماع إن فتح عليهم في المسجد قبلوه وبذلوه وكان يصون أصحابه عن التعرض والمسألة فإن جاءه ممن تسكن إليه نفسه قبله لهم كانت طريقته طريقة السلف المرضية 592
أبو أيوب الحمال
وأما أبو أيوب الحمال فمن المجتهدين ومن الأسخياء له كرامات عجيبة
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول أخبرني محمد بن وهب عن بعض أصحابه أنه حج مع أيوب الحمال قال فلما دخلنا البادية وسرنا منازل إذا بعصفور تحوم حولنا فرفع أيوب رأسه إليه وقال له قد جئت إلى ههنا فأخذ كسرة خبز ففتته في كفه فانحط العصفور وقعد على كفه يأكل منها ثم صب له ماء فشربه ثم قال اذهب الآن فطار العصفور فلما كان من الغد رجع العصفور ففعل أيوب مثل فعله في اليوم الأول فلم يزل كل يوم يفعل به ذلك إلى آخر السفر ثم قال أيوب تدري ما قصة هذا العصفور كان يجيئني

في منزلي كل يوم فكنت أفعل به ما رأيت فلما خرجنا تبعنا يقتضي مني ما كنت أفعل به في المنزل
وحكى جعفر بن محمد عن محمد بن خالد قال سمعت أيوب يقول عقدت على نفسي أن لا أمشى غافلا ولا أمشي إلا ذكرا فمشيت مشية غفلة فأخذتني عرجة فعلمت من أين أتيت فبكيت واستغثت فتبت فزالت العلة والعرجة فرجعت إلى الموضع الذي غفلت فيه فرجعت إلى الذكر فمشيت سليما 593
أبو عبدالله الجلاء
وأما أبو عبدالله الجلاء أحمد بن يحيى فهو بغدادى سكن الرملة صحب ذا النون وأبا تراب وأباه يحيى الجلاء له النكت اللطيفة أحد أئمة القوم لم يكن بالشام في حاله له شبيه مذكور تخرج به جماعة من المذكورين
سمعت والدي يذكر عن بعض أصحابه أنه كان يقول يحتاج العبد أن يكون له شيء يعرف به كل شيء وكان يقول من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد ومن رأى الأفعال كلها من الله فهو موحد
سمعت محمد بن الحسن بن علي اليقطيني يقول حضرت أبا عبدالله فقيل له هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا عدة ولا زاد يزعمون أنهم متوكلة فيموتون قال هذا فعل رجال الحق فإن ماتوا فالدية على القاتل
سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أحمد بن علي يقول سئل أبو عبدالله الجلاء عن الحق فقال إذا كان الحق واحدا يجب أن يكون طالبه واحداني الذات وقال سمت همم المريدين إلى طلب الطريق إليه فأفنوا نفوسهم في الطلب وسمت همم العارفين إلى مولاهم فلم تعطف على شيء سواه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبدالله الرازي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول سمعت أبا عبدالله الجلاء يقول الحق استصحب أقواما للكلام واستصحب أقواما للخلة فمن استصحبه الحق لمعنى ابتلاه

بأنواع المحن فليحذر أحدكم طلب رتبة الأكابر وكان يقول من بلغ بنفسه الى رتبة سقط عنها ومن بلغ به ثبت عليها وكان إذا سئل عن المحبة قال مالي وللمحبة أنا أريد أن أتعلم التوبة وسئل كيف تكون ليالي الأحباب فأنشأ يقول ... من لم يبت والحب حشو فؤاده ... لم يدر كيف تفتت الأكباد ...
حدثنا محمد بن الحسين قال سمعت محمد بن عبدالعزيز الطبري يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول سمعت ابن الجلاء يقول قلت لأبي وأمي أحب أن تهباني لله قالا قد وهبناك لله فنبت عنهما مدة فرجعت من غيبتي وكانت ليلة مطيرة فدققت عليهما الباب فقالا من قلت ولدكما قالا كان لنا ولد فوهبناه لله ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبنا وما فتحا لي الباب 594
ابن أبي الورد
وأما محمد بن محمد بن أبي الورد وقيل أحمد فمن جلة المشايخ وكبارهم صحب بشرا الحافي والحارث بن أسد المحاسبي وسريا السقطي محله في الورع محل شيوخه وأئمته
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال قال ابن أبي الورد بساط المجد بسط للأولياء ليأنسوا به وليرفع عنهم حشمة بديهة المشاهدة وبساط الهيبة بسط للأعداء ليستوحشوا من قبائح أفعالهم ولا يشاهدوا ما يستريحون إليه في المشهد الأعلى وقال أحمد ابن أبي الورد وصل القوم بخمس بلزوم الباب وترك الخلاف والنفاذ في الخدمة والصبر على المصائب وصيانة الكرامات وقال إن ولى الله إذا أراد ثلاثة أشياء زاد منها ثلاثة أشياء إذا زاد جاهه زاد تواضعه وإذا زاد ماله زاد سخاؤه وإذا عمره زاد اجتهاده وكان يقول طرح الدنيا إلى المقبلين عليها والاعراض عنها وعن المقبلين عليها من عمل الأكياس لأن من عزفت نفسه عن محبة الدنيا أحبه أهل الأرض ومن أعرض بقلبه عن محبة الدنيا أحبه أهل السماء

سمعت محمد بن الحسين اليقطيني يقول سمعت علي بن عبدالحميد يقول سمعت ابن أبي الورد يقول آفة الخلق في حرفين اشتغال بنافلة وتضييع فريضة وعمل جوارح بلا مواطأة القلب وإنما منعوا الوصول بتضييع الأصول أسند الكثير عن بشر بن الحارث وغيره
حدثنا أبو أحمد الغطريفي من أصله ثنا أبو إسحاق بن يزيد الهاشمي ثنا محمد بن محمد بن أبي الورد العابد قال سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول ثنا المعافي بن عمران عن إسرافيل عن مسلم عن حبة العوفي عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل الثوم نيئا فلولا أن الملك يأتيني لأكلته
حدثنا أبو أحمد ثنا أبو إسحاق بن يزيد إملاء ثنا محمد بن أبي الورد قال سمعت بشر بن الحارث يقول رحلت إلى عيسى بن يونس ماشيا على قدمي فأكرمني وأدناني وقال لي ما الذي أقدمك قلت أحببت لقاءك والنظر إليك قال يا أخي ومن أنا وأي شيء عندي وما أحسن ثم قال معك شيء تسأل عنه قلت نعم حديثان حديث عبدالله بن عراك بن مالك وحديث الحسن عن عائشة أم المؤمنين فقال عيسى نعم حدثنا عبدالله بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ثم قال عيسى حدثنا عمرو بن عبيد المحدث المذموم عن الحسن عن عائشة أنها قالت يا رسول الله هل على النساء قتال فقال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة
حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي بمكة ثنا علي بن عبدالحميد الجرجاني ثنا محمد بن محمد بن أبي الورد قال حدثني سعيد بن منصور ثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبدالله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان العابد أما زهدك في الدنيا فتعجلت راحة نفسك

وأما انقطاعك إلى فتعززت بي فماذا عملت فيما لي عليك قال يا رب ومالك علي قال هل واليت لي وليا أو عاديت لي عدوا 595
صدقة المقابري
وأما صدقة المقابري فمن أقران المتقدمين كبشر بن الحارث وطبقته وكان من التحقق والتحفظ بالمحل العالي
سمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي يحكى عن بعض مشايخه قال كان صدقة المقابري من المبالغين في التحقق كان يقول أتى علي عشرون سنة لم أكلم أحدا حتى أومر بكلامه ولا تركت بكلامي أحدا حتى أومر بترك كلامه
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم ثنا عبدالله بن إسحاق ثنا سعدان قال قال صدقة المقابري لرجل كان يواخيه ويصحبه كيف تجدك فقال إن الذي بي من البلاء أقل مما أصبت من لذة الهوى ولو أصابني من البلاء بقدر ما نلت من لذة الهوى إذا لاجتمع علي جميع البلاء وكان كثيرا ينشد أبياتا للثقفي ... أما ترى الموت ما ينفك مختطفا ... من كل ناحية نفسا فيحويها ... قد نغصت أملا كانت تؤمله ... وقام في الحي ناعيها وباكيها ... وأسكنوا الترب تبلى فيه أعظمهم ... بعد النضارة ثم الله يحييها ... وصار ما جمعوا منها وما دخروا ... من الأقارب يحويه أدانيها ... فامهد لنفسك في أيام مدتها ... واستغفر الله مما أسلفته فيها ... 596
طاهر المقدسي
ومنهم طاهر المقدسي صحب ذا النون وأعلام النساك من الشاميين وغيرهم
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا القاسم الدمشقي يقول سمعت طاهرا المقدسي يقول وسئل لم سميت الصوفية بهذا الإسم فقال لاستتارها عن الخلق بلوائح الوجد وانكشافها بشمائل القصد وكان يقول حد المعرفة التجرد من النفوس وتدبيرها في ما يجل أو يصغر وكان يقول

لا يطيب العيش إلا لمن وطىء بساط الأنس بالقدس والقدس بالأنس ثم غاب عن مشاهدتها بمطالعة القدوس
سمعت محمد بن الحسين قال أنشدني عبدالله بن محمد الدمشقي قال أنشدني طاهرالمقدسي لبعضهم ... أراعي النجوم ولا علم لي ... بعد النجوم بحيث الظلام ... وكيف ينام فتى لا ينام ... إذا نام عنه عيون الحمام ... أسير يسير إليه هواه ... فيضحى الأسير قتيل الغرام ... فلم يبق منه سوى اسمه ... يقال له عاشق والسلام ... بفرط النحول وحب القليل ... وحزن مذيب يطول السقام ... وقال طاهر المفاوز عنه منقطعة والطريق إليه منطمسة توق من علالاته واحذر أماكن الاتصال فإنها خدع وقف حيث وقف القوم تسلم وأنشد ... وكذبت طرفي فيك والطرف صادق ... وأسمعت أذني فيك ما ليس تسمع ... ولم أسكن الأرض التي تسكنونها ... لكي لا يقولوا إنني بك مولع ... فلا كبدي تهدأ ولا لك رحمة ... ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع ...
سمعت محمدا يقول سمعت أحمد بن علي بن جعفر الفارسي يقول سمعت علي بن الحسين بن حمدان يقول سمعت أبي يقول قال طاهر المقدسي لو عرفت الناس قدر أنوار العارفين لاحترقوا في أنوارهم ولو بدا الأهل الأحوال لحترقت أحوالهم
سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد يقول قال أبو عبيد البسري سألت رجلا بالكام مالذي أجلسك في هذا الموضع قال وما سؤالك عن شيء إن طلبته لم تدركه وإن لحقته لم تقع عليه قلت تخبرني ما هو قال علمي بأن مجالستي مع الله تستغرق نعيم الجنان كلها ثم قال أوه قد كنت أظن أن نفسي قد ظفرت ومن الخلق هربت فإذا أنا كذاب في مقامي لو كنت محبا له صادقا ما اطلع علي أحد فقلت أما علمت أن المحبين خلفاء الله في أرضه مستأنسون بخلقه يبعثونهم على طاعته قال فصاح بي

صحية وقال يا مخدوع لو شممت رائحة الحب وعاين قلبك ما وراء ذلك من القرب ما احتجت أن ترى فوق ما رأيت ثم قال يا سماء ويا أرض اشهدا على أنه ما خطر على قلبي ذكر الجنة والنار قط إن كنت صادقا فأمتني قال فوالله ما سمعت له كلاما بعدها وخفت فخفت أن يسبق إلى الظن من الناس في قتله فتركته ومضيت فبينا أنا كذلك إذا أنا بجماعة فقالوا ما فعل الفتى فكنيت عن ذلك فقالوا ارجع فان الله قد قبضه فصليت معهم عليه فقلت لهم من هذا الرجل ومن أنتم قالوا ويحك هذا رجل كان به يمطر المطر قلبه على قلب إبراهيم الخليل أما رأيته يخبر عن نفسه أن ذكر النار ما خطر على قلبه قط فهل كان أحد هكذا إلا إبراهيم عليه السلام قلت فمن أنتم قالوا نحن السبعة المخصوصون من الأبدال قلت علموني شيئا قالوا لا تحب أن تعرف ولا تحب أن يعرف أنك ممن لا يحب أن يعرف قال الشيخ كذا حدثناه العثماني عن البسري ورأيت من رواية بعضهم عن طاهر المقدسي سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر يقول قال طاهر إن الانقطاع إلى الله لا يكون بمشاركة الدنيا ومن ألجأ نفسه إلى الانقطاع إليه اتخذ أنس الناس وحشة عند ما أنس بالانقطاع إلى نفسه
حدثنا عثمان بن محمد ثنا محمد بن أحمد البغدادي ثنا عباس بن يوسف عن طاهر قال خرجت من عسقلان أريد غزة في طلب البدلاء فاذا أنا بفتى عليه أطمار رثة مارا على ساحل البحر قال فكأني لم أعبأ به فالتفت إلى فقال ... لا تنأ عني بأن ترى خلقي ... فإنما الدر داخل الصدف ... علمي جديد وملبسي خلق ... ومنتهى اللبس منتهى الصدف ... 597
نصر الصامت
ومنهم المبالغ في الرياضة المتابع في السياسة قمع هواه وكفى عناه العابد القانت المعروف بنصر الصامت
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المعدل ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا إسحاق

ابن سفيان ثنا نصر بن الحريش الصامت قال حججت أربعين حجة ما كلمت فيها أحدا فسمى الصامت أسند الحديث الكثير
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا الحسن بن علي بن الوليد الفسوي ثنا نصر بن الحريش الصامت ثنا المشمعل بن ملحان عن الحسن بن دينار عن أيوب عن أبي قلابة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بالتكبير ويفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ثنا أبو الحسن بن أبان ثنا إسحاق بن سنين ثنا نصر بن الحريش الصامت ثنا المشمعل بن ملحان عن سويد بن عمر عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله 598
محمد بن إبراهيم البغدادي
ومنهم المتوكل السابح والمتجرد الرائح كان لفنون العلم جامعا وكلامه للقلوب نافعا شيخ القوم ولسانهم في المحبة والشوق والأنس والقرب وموارد القلوب ومعاني الخطوب وصفاء الذكر نقاء السر يحث على تصحيح الأعمال والتخفف عن الأثقال جالس الإمام أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وكان يقول لا يكون الصوفي صوفيا حتى لا يسمع له صوت ولا يوطأ له عقب ولا تكون له رئاسة أبو حمزة محمد بن إبراهيم البغدادي كان مولى عيسى بن أبان القاضي عرف له آيات وكرامات تقدم له ذكر
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم حدثني أبو بكر الخياط الصوفي قال سمعت أبا حمزة يقول سافرت سفرة على التوكل فبينا أنا أسير ذات ليلة والنوم في عيني إذ وقعت في بئر فرأيتني قد حصلت فيها فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقها وطولها فجلست فيها فبينا أنا جالس إذ وقف على رأسها رجلان فقال أحدهما لصاحبه لا نجوز ونترك هذه في طريق السابلة والمارة فقال

الآخر فما نصنع قال نطمسها قال فبدرت نفسي أن تقول أنا فيها فتوقفت فنوديت تتوكل علينا وتشكو بلاءنا إلى سوانا فسكت فمضيا ثم رجعا ومعهما شيء جعلاه على رأسها غطوها به فقالت لي نفسى أمنت طمها ولكن حصلت مسجونا فيها فمكثت يومي وليلتي فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي ولا أراه تمسك بي شديدا فظننت أنه جنى فمددت يدي ألتمس ما أريد أن أتمسك به فوقعت يدي على شيء حشن فتمسكت فعلاها وطرحني فتأملت فوق الأرض فإذا هو سبع فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق من مثله فهتف بي هاتف يا أبا حمزة استنقذناك من البلاء بالبلاء وكفيناك ما تخاف قال الشيخ هذه الحكاية قد تقدمت فيما رويته عن عمرو بن نفيل عن الشبلي وأعدتها لأن رواية ابن مقسم أعلى
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه قال حدثني أبو بكر الكتاني قال قال أبو الأزهر وجماعة من إخواننا اجتمع نفر على باب يفتحونه فلم ينفتح فقال لهم أبو حمزة تنحوا فأخذ الغلق بيده فحركه وقال بكذا إلا فتحته فانفتح وكان يقول اللهم إنك تعلم أني من أفقر خلقك إليك فإن كنت تعلم أن فقري إليك بمعنى وهو غيرك فلا تسد فقري وكان يقول إذا صاح المحب للدنيا فإنما ذاك شيطان يصيح في جوفه وحكى لي عبدالواحد بن بكر قال حدثني محمد بن عبدالعزيز قال سمعت أبا عبدالله الرملي يقول تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس فقبلوه فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع فزعق أبو حمزة وقال لبيك لبيك فنسبوه إلى الزندقة وقالوا حلولي زنديق فشهدوا وأخرج وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع هذا فرس الزنديق فذكر أبو عمرو البصري قال اتبعته والناس وراءه يخرجونه من باب الشام فرفع رأسه إلى السماء وقال ... لك من قلبي المكان المصون ... كل صعب على فيك يهون ...
وأخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه عن أبي بكر الكتاني قال سمعت أبا حمزة يقول لولا الغفلة لمات الصديقون من روح ذكر الله وحكى

عنه خير النساج قال قال أبو حمزة إني لأستحي من الله أن أدخل البادية على شبع وأنا معتقد للتوكل فيكون شبعي زادا تزودته وسئل عن الأنس فقال ضيق الصدر من معاشرة الخلق وكان يقول من استشعر الموت حبب إليه كل باق وبغض إليه كل فان ومن استوحش من نفسه أنس قلبه بموافقة مولاه وقال لبعض أصحابه خف سطوة العدل وارج دقة الفضل ولا تأمن مكره وإن أنزلك الجنان ففي الجنة وقع لأبيك آدم عليه السلام ما وقع وقد يقطع بقوم فيها فيقال لهم كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية فشغلهم عنه بالأكل والشرب ولا مكر فوق هذا ولا حسرة أعظم منه وسئل أيفزع المحب إلى شيء سوى محبوبه فقال لا إنه بلاء دائم وسرور منقطع وأوجاع متصلة لا يعرفها إلا من باشرها وأنشد ... يلاقي الملاقي شجوه دون غيره ... وكل بلاء عند لاقيه أوجع ... وكان يقول من نصح لنفسه كرمت عليه ومن تشاغل عن نصيحتها هانت عليه ومن خصه الله بنظر شفقة فإن تلك النظرة تنزله منازل أهل السعادة وتزينه بالصدق ظاهرا وباطنا والعارف يخاف زوال ما أعطى والخائف يخاف نزول ما وعد والعارف يدافع عيشه يوما بيوم ويأخذ عيشه ليوم 599
حسن المسوحي
ومنهم حسن المسوحي كان من العاملين بالتحقيق والقائمين بالتصديق أحكم علم الأصول وسهل له سبيل الوصول
سمعت أبا عمرو العثماني وذكر أنه كان يتكلم على الناس ولم يكن يجاوز علم الأصول في العبادات والأحوال وحكي عن الجنيد بن محمد بن مسروق أنه لم يكن له منزل يأوي إليه وكان يأوي باب الكناس في مسجد يكنه من الحر والبرد وحكي عنه أنه استلقى يوما في مسجده فكظه الحر فغلبته عيناه فرأى كأن سقف المسجد انشق فنزلت منه جارية عليها قميص فضة يتخشخش ولها ذؤابتان فجلست عند رجلي فقبضت رجلي عنها فمدت يدها ومست رجلي فقلت لها يا جارية أنت لمن قالت أنا لمن دام على مثل ما أنت عليه

أبو عبدالله البراثي
ومنهم أبو عبدالله البراثي صاحب النكت المرضية والأحوال الزكية من كبار المشايخ ومتقدميهم
أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد المفيد فيما كتب إلي وحدثني عنه العثماني ثنا أحمد بن مسروق حدثني البرجلاني قال سمعت أبا عبدالله البراثي يقول حملتنا المطامع على أسوأ الصنائع نذل لمن لا يقدر لنا على ضر ولا نفع ونخضع لمن لا يملك لنا رزقا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكيف أزعم أني أعرف ربي حق معرفته هيهات هيهات للمعرفة تحقيق ولكن المؤمن على جملة معرفة التوحيد وأهل التحقيق للمعرفة هم المجتهدون المجدون لله في طاعته
أخبرنا محمد في كتابه ثنا أحمد بن مسروق ثنا محمد بن الحسين حدثني حكيم بن جعفر قال سمعت أبا عبدالله البراثي يقول بالمعرفة هانت على العاملين عبادتهم وبالرضا عن تدبيره زهدوا في الدنيا ورضوا لأنفسهم بتدبيره وكان يقول كرمك سيدي أطمعنا في عفوك وجودك أطمعنا في فضلك وذنوبنا تؤيسنا من ذلك وتأبى قلوبنا لمعرفتها بك أن تقطع رجاءها منك فتفضل بها يا كريم وجد بعفوك يا رحيم وكان يقول اما بينك وبين ملاقاة السرور ومجالسة الأبرار في كل لذة وحبور إلا أن تحرج نفسك من بين جنبيك والمولى عنك راض ثم يبكي ويقول وأنى لنا بالرضا ونحن نعلم ما عندنا من الخطايا والآثام ثم يبكي 601
أبو شعيب البراثي
ومنهم أبو شعيب البراثي ذو الأحوال العالية من متقدمي شيوخ بغداد
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول كان أبو شعيب البراثي أول من سكن براثى في كوخ يتعبد فيه فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار من أبناء الدنيا كانت ربيت في قصور الملوك فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله وما كان عليه فصارت كالأسير له فعزمت على التجرد عن الدنيا والاتصال

بأبي شعيب فجاءت إليه وقالت أريد أن أكون لك خادما فقال لها إن أردت ذلك فغيري من هيئتك وتجردي عما أنت فيه حتى تصلحين لما أردت فتجردت عن كل ما تملكه ولبست لبسة النساك وحضرته فتزوجها فلما دخلت الكوخ رأيت قطعة خصاف وكان يجلس عليها أبو شعيب تقيه من الندى فقالت ما أنا بمقيمة فيها حتى تخرج ما تحتك لأني سمعتك تقول إن الأرض تقول يا ابن آدم تجعل اليوم بيني وبينك حجابا وأنت غدا في بطني فما كنت لأجعل بيني وبينها حجابا فأخذ أبو شعيب الخصاف ورمى به فمكثت معه سنين كثيرة يتعبدان أحسن عبادة وتوفيا على ذلك متعاونين 602
بنان البغدادي
ومنهم بنان البغدادي وقيل واسطي سكن مصر كان بالمعروف أمارا وللأديان ذكارا أمر أمير مصر ابن طولون بمعروف فوجد عليه فأغراه أبو عبدالله القاضي عليه حتى ضربه سبع درر وألقاه إلى السبع فدعا على أبي عبيدالله فحبسه ابن طولون بدل كل درة سنة
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت الحسين بن أحمد الرازي يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها واحتال عليه أبو عبيدالله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال حبسك الله بكل درة سنة فحبسه ابن طولون سبع سنين وحكى أبي عن أبي علي الروذباري قال سمعت بنانا يقول دخلت بادية تبوك فاستوحشت فهتف بي هاتف نقضت العهد لم تستوحش أليس حبيبك معك
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالله بن علي يقول سمعت محمد بن الفضل يقول سمعت الزبير بن عبدالواحد يقول سمعت بنانا يقول الحر عبد ما طمع والعبد حر ما قنع

سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت الحسين بن عبدالله القرشي يقول سمعت بنانا يقول من كان يسره ما يضره متى يفلح
سمعت أحمد بن عمر أن الهروي يقول سمعت الرقي يقول سمعت بنانا يقول إن أفردته بالعبودية أفردك بالعناية والأمر بيدك إن نصحت صافوك وإن خلطت خلوك وإن كان رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب جملة تؤدي بصاحبه إلى ركوب الفواضل أسند الحديث
حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا إسحاق بن سلمة الكوفي ثنا بنان بمصر ثنا محمد بن الحكم من ولد سعيد بن العاص قال حدثني محمد بن خفتان ثنا يحيى بن أبي زائدة عن بنان عن قيس عن أبي بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في سعد اللهم سدد رميته وأجب دعوته
حدثنا محمد بن عبيدالله بن المرزبان ثنا علي بن سعيد ثنا بنان الصوفي ثنا عبيدالله بن عمرو الجشمي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير قال خطب أبو بكر الصديق فقال أين الوضأة الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور الوحا الوحا ثم النجاء النجاء 603
إبراهيم الخواص
ومنهم المتبتل المتوكل تبتل عن الخلق وتوكل على الحق أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص له في التوكل الحال المشهور والذكر المنشور
سمعت أبا محمد بكر بن أحمد بن المفيد يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله الأنصاري يقول سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص يقول من لم يصبر لم يظفر وإن لإبليس وثاقين ما أوثق بنو آدم بأوثق منهما خوف الفقر والطمع

وسمعت أبا بكر يقول سمعت محمدا يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول من صفة الفقير أن تكون أوقاته مستوية في الانبساط لفقره صائنا له محتاطا لا تظهر عليه فاقة ولا تبدو منه حاجة أقل أخلاقه الصبر والقناعة راحته في القلة وتعذيبه في الكثرة مستزحش من الرفاهات متنعم بالخشونات فهو بضد ما فيه الخليقة يرى ما هو عليه معتمده وإليه مستراحه ليس له وقت معلوم ولا سبب معروف فلا تراه إلا مسرورا بفقره فرحا بضره مؤنته على نفسه ثقيلة وعلى غيره خفيفة يعز الفقر ويعظمه ويخفيه بجهده ويكتمه حتى عن أشكاله يستره قد عظمت من الله تعالى عليه فيه المنة وجل قدرها في قلبه من نعمة فليس يريد بما اختار الله له بدلا ولا يبغى عنه حولا فمن نعوتهم اثنتي عشرة خصلة أولها أنهم كانوا بوعد الله مطمئنين والثانية من الخلق آيسين والثالثة عداوتهم للشياطين والرابعة كانوا من حيث الحق في الأشياء خارجين والخامسة كانوا على الخلق مشفقين والسادسة كانوا لأذى الناس محتملين والسابعة كانوا لمواضع العداوة لا يدعون النصيحة لجميع المسلمين والثامنة كانوا في مواطن الحق متواضعين والتاسعة كانوا بمعرفة الله مشتغلين والعاشرة كانوا الدهر على طهارة والحادية عشر كان الفقر رأس مالهم والثانية عشر كانوا في الرضا فيما قل أو كثر وأحبوا أو كرهوا عن الله واحدا فهذه جملة من صفاتهم يقصر وصف الواصفين عن أسبابهم وكان يقول أربع خصال عزيزة عالم مستعمل لعلمه وعارف ينطق عن حقيقة فعله ورجل قائم لله بلا سبب ومريد ذاهب عن الطمع وقال الحكمة تنزل من السماء فلا تسكن قلبا فيه أربعة الركون إلى الدنيا وهم غد وحب الفضول وحسد أخ قال ولا يصح الفقر للفقير حتى تكون فيه خصلتان إحداهما الثقة بالله والأخرى الشكر لله فيما زوي عنه مما ابتلي به غيره من الدنيا ولا يكمل الفقير حتى يكون نظر الله له في المنع أفضل من نظره له في العطاء وعلامة صدقه في ذلك أن يجد للمنع من الحلاوة مالا يجد للعطاء لا يعرفه غير بارئه الذي خصه بمعرفته وأياديه فهو لا يرى سوى مليكه ولا يملك إلا ما كان من

تمليكه فكل شيء له تابع وكل شيء له خاضع قال وسمعت أبا إسحاق يقول من أراد الله لله بذل له نفسه وأدناه من قربه ومن أراده لنفسه أشبعه من جنانه وأرواه من رضوانه وقال ... عليل ليس يبرئه الدواء ... طويل الضر يفنيه الشفاء ... سرائره بواد ليس تبدو ... خفيات إذا برح الخفاء ...
أخبرني محمد بن نصير في كتابه وأخبرني عنه أبو الفضل الطوسي قال بت ليلة مع إبراهيم فانتبهت فإذا هو يناجي إلى الصباح وهو يقول ... برح الخفاء وفي التلاقي راحة ... هل يشتفي خل بغير خليله ... قال وسمعت إبراهيم بن أحمد يقول من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة له
سمعت محمد بن أحمد يقول سمعت أبا بكر الأنصاري يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول علم العبد بقرب قيام الله على العبد يوحشه من الخلق ويقيم له شاهد الأنس بالله وعلم العبد بأن الخلق مسلطين مأمورين يزيل عنه خوفهم ويقيم في قلبه خوف المسلط لهم
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الأزدي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين وقال إبراهيم على قدر إعزاز المؤمن لأمر الله يلبسه الله من عزه ويقيم له العز في قلوب المؤمنين فذلك قوله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وقال إبراهيم عقوبة القلب أشد العقوبات ومقامها أعلى المقامات وكرامتها أفضل الكرامات وذكرها أشرف الأذكار وبذكرها تستجلب الأنوار عليها وقع الخطاب وهي المخصوصة بالتنبيه والعتاب
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول سمعت محمد بن عبيدالله الأنصاري يقول سمعت إبراهيم بن أحمد الخواص يقول الفقير يعمل على الإخلاص وجلاء القلب وحضوره للعمل والغني يعمل على كثرة الوساوس وتفرقة القلب

في مواضع الأعمال والفقير ضعف بدنه في العمل قوة معرفته وصحة توكله والفقير يعمل على إدراك حقيقة الإيمان وبلوغ ذروته والغني يعمل على نقصان في إيمانه وضعف من معرفته والفقير يفتخر بالله عز و جل ويصول به والغنى يفتخر بالمال ويصول بالدنيا والفقير يذهب حيث شاء والغني مقيد مع ماله والفقير يكره إقبال الدنيا والغني يحب إقبالها والفقير فوق ما يقول والغني دون ما يقول والناس رجلان رجل وعبد فالرجل مهموم بتدبير نفسه متعوب بالسعي في مصلحته والبعد طرح نفسه في ظل الربوبية وكان من حيث العبودية وعلى قدر حسن قبول العبد عن الله تكون معونة الله له والمتوكلون الواثقون بضمانه غابوا عن الأوهام وعيون الناظرين فعظم خطر ما أوصلهم إليه وجل قدر ما حملهم عليه وعظمت منزلتهم لديه فيا طيب عيش لو عقل ويا لذة وصل لو كشف ويا رفعة قدر لو وصف وفي ذلك يقول ... معطلة أجسامهم لا عيونهم ... ترى ما عليهم من قضاياه قد يجري ... جوارحهم عن كل لهو وزينة ... محجبة ما أن تمر إلى أمر ... فهم أمناء الله في أهل أرضه ... ملوك كرام في البراري وفي البحر ... رؤوسهم مكشوفة في بلادهم ... وهم بصواب الأمر أسبابهم تجري ... عدول ثقات في جميع صفاتهم ... أرق عباد الله مع صحة السر ... هنيئا لمغبوط يصول بسيد ... يعادل قرب الأمر والبعد في الفكر ... فيا زلفة للعبد عند مليكه ... فصار كمن في المهد ربي وفي الحجر ... ويا حسرة المحجوب عن قدر ربه ... بأدناسه في نفسه وهو لا يدري ... قال والعارف بالله يحمله الله بمعرفته وسائر الناس تحملهم بطونهم ومن نظر الأشياء بعين الفناء كانت راحته في مفارقتها ولم يأخذ منها إلا لوقته قال والرزق ليس فيه توكل إنما فيه صبر حتى يأتي الله به في وقته الذي وعد وإنما يقوي صبر العبد على قدر معرفته بما صبر له أو لمن صبر والصبر ينال بالمعرفة وعلى الصابر حمل مؤونة الصبر حتى يستحق ثواب الصابرين لأن الله تعالى جعل الجزاء بعد الصبر قال الله تعالى وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن

قال إني جاعلك للناس إماما فالجزاء إنما وقع له عليه السلام بعد ما أتم حمل البلوي قال وسمعت أبا إسحاق يقول الحركة للمريدين طهارة ولسائر الناس إباحة وللمخصوصين عقوبة لهم إذا مالوا إلى ما فيه الحظ لأنفسهم لأن الأسباب إنما تبطئ على العارفين وتمتنع عن الحركة إليهم لما فيهم من الحركة إليها فإذا فنيت آثارها تحركت إليهم وأقبل الملك بكليته عليهم وكفى بالثقة بالله مع صدق الانقطاع إليه حياطة من العبد لنفسه وأهله وولده وكل مريد يتوجه إلى الله وهموم الأرزاق قائمة في قلبه فإنه لا يفلح ولا ينفذ في توجهه قال وسمعت أبا إسحاق يقول علامة حقيقة المعرفة بالقلب خلع الحول والقوة وترك التملك مع الله في شيء من ملكه ودوام حضور القلب بالحياء من الله وشدة انكسار القلب من هيبة الله فهذه الأحوال دلائل المعارف والحقيقة فمن لم يكن على هذه الأحوال فإنما هو على الأسماء والصفات قال وسمعته يقول التوكل على ثلاث درجات على الصبر والرضى والمحبة لأنه إذا توكل وجب عليه أن يصبر على توكله بتوكله لمن توكل عليه وإذا صبر وجب عليه أن يرضى بجميع ما حكم عليه وإذا رضي وجب عليه أن يكون محبا لكل ما فعل به موافقة له قال الشيخ كان أبو إسحاق من المحققين في التوكل المنخلعين من حظوظهم التاركين لأحكام نفوسهم فكان الحق يحملهم ويلطفهم بلطائف لطفه من ذلك ما أخبرنيه عبدالواحد بن بكر حدثني محمد بن عبدالعزيز قال سمعت أبا بكر الحربي يقول قلت لإبراهيم الخواص حدثني بأحسن شيء مر عليك فقال خرجت من مكة عن طريق الجادة واعتقدت فيما بيني وبين الله تعالى ألا أذوق شيئا أو أنظر إلى القادسية فلما صرت بالربذةإذا أنا أعرابي يعدو وبيده السيف مسلول وبيده الأخرى قعب لبن فصاح بي يا إنسان فلم ألتفت إليه فلحقني فقال اشرب هذا وإلا ضربت عنقك فقلت هذا شيء ليس فيه شيء فأخذت فشربته فلا والله ما عارضني شيء بعد ذلك إلى أن بلغت القادسية
وفيما حدث به عبدالواحد عن همام بن الحارث قال سمعت إبراهيم

الخواص يقول ركبت البحر وكان معي في المركب رجل يهودي فتأملته أياما كثيرة لا أراه يذوق شيئا ولا يتحرك ولا ينزعج من مكانه ولا يتطهر ولا يشتغل بشيء وهو ملتف بعباء مطروح في زاوية ولا يفاتح أحدا ولا ينطق فسألته وكلمته فوجدته مجردا متوكلا يتكلم فيه بأحسن كلام ويأتي بأكمل بيان فلما أنس بي وسكن إلي قال لي يا أبا إسحاق إن كنت صادقا فيما تدعيه فالبحر بيننا حتى نعبر إلى الساحل وكنا في اللجج فقلت في نفسي واذلاه إن تأخرت عن هذا الكافر فقلت له قم بنا فما كان بأسرع بأن زج بنفسه في البحر ورميت بنفسي خلفه فعبرنا جميعا إلى الساحل فلما أن خرجنا قال يا إبراهيم نصطحب على شريطة ألا نأوي المساجد ولا البيع ولا الكنائس ولا العمران فنعرف فقلت لك ذلك حتى أتينا مدينة فأقمنا على مزبلة ثلاثة أيام فلما كان يوم الثالث أتاه كلب في فمه رغيفان فطرحهما بين يديه وانصرف فأكل ولم يقل لي شيئا ثم أتاني شاب ظريف نظيف حسن الوجه والبزة طيب الرائحة ومعه طعام نظيف في منديل فوضعه بين يدي وقال لي كل وغاب عني فلم أر له أثرا فقلت لليهودي هلم فلم يفعل ثم أسلم وقال لي يا إبراهيم أصلنا صحيح إلا أن الذي لكم أحسن وأصلح وأظرف وحسن إسلامه وصار أحد أصحابنا المتحققين بالتصوف
حدثنا عبدالواحد ثنا أحمد بن العلاء قال سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت إبراهيم الخواص وقد سأله بعض أصحابنا وهو يتأوه ما هذا التأوه فقال أوه كيف يفلح من يسره ما يضره ثم أنشأ يقول ... تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأحوجني طول البلاء إلى الصبر ... وقطعت أيامي من الناس آيسا ... لعلمي بصنع الله من حيث لا أدري ... وذكر خير النساج قال قال لي إبراهيم الخواض عطشت عطشا شديدا بالحاجر فسقطت من شدة العطش فإذا أنا بماء قد سقط على وجهي وجدت برده على فؤادي ففتحت عيني فإذا أنا برجل ما رأيت أحسن منه قط على فرش أشهب عليه ثياب خضر وعمامة صفراء وبيده قدح أظنه قال من ذهب

أو من جوهر فسقاني منه شربة وقال لي ارتدف خلفي فارتدفت فلم يبرح من مكانه حتى قال لي ما ترى قلت المدينة قال انزل واقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم السلام وقل له أخوك رضوان يقرأ عليك السلام
يحكى عن أبي إسحاق لطائف من صنع الله للمتحققين المخلصين في التوكل اقتصرنا منها على ما ذكرنا ومن وثق بالله وسكن إلى ضمانه فيما ضمن من الكفاية فالألطاف عنه لا تنقطع ومواد إنعامه عليه غير ممتنع 604
أبو عبدالله خاقان
ومنهم من يسبي بسره الفتيان ويجذب بدعوته من الخسران إلى الرجحان وكان ذا بيان وبرهان أبو عبدالله خاقان
سمعت والدي قال سمعت جعفر الحذاء الشيرازي يقول وذكر خاقان فقال إنه كان صاحب آيات وكرامات وذكر أن ابن فضلان الرازي قال كان أبي أحد الباعة ببغداد وكنت على سرير حانوته جالسا فمر إنسان فظننت أنه من الفقراء البغداديين وأنا حينئذ لم أبلغ الحلم فجذب قلبي وقمت إليه وسلمت عليه ومعي دينار فدفعته إليه فتناوله ومضى ولم يقبل علي فقلت في نفسي ضيعت الدينار فإنه مهوس فتبعته حتى انتهى إلى مسجد الشونيزية فرأى فيه ثلاثة من الفقراء فدفع الدينار إلى أحدهم واستقبل هو القبلة يصلي فخرج الذي أخذ الدينار وأنا أتبعه وراءه أراقبه فاشترى طعاما وحمله فأكله الثلاثة والشيخ مقبل على صلاته يصلي فلما فرغوا أقبل عليهم فقال أتدرون ما حبسني عنكم قالوا لا يا أستاذ قال شاب ناولني الدنيار فكنت أسأل الله أن يعتقه من رق الدنيا وقد فعل فلم أتمالك أن قعدت بين يديه وقلت صدقت يا أستاذ فلم أرجع إلى والدي إلا بعد حجتين وكان هذا الشيخ خاقان 605
إبراهيم المارستاني
ومنهم المعلم المفهم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المارستاني

كان الجنيد له مواخيا وعليه حاميا وحانيا وذلك أن الجنيد بلغه أن بعض المتأولين زين له تأويلا فمال إليه فكتب إليه الجنيد رسالة
أخبرنا بها أبو بكر محمد بن أحمد بن المفيد وحدثنا بها عنه أبو عمرو العثماني ثنا عبدالصمد بن محمد الجبلي قال كتب الجنيد إلى إبراهيم بن أحمد المارستاني رسالة فيها يا أبا إسحاق لا ضيع الله ميلي إليك ولا إقبالي عليك أنا عليك عاتب واجد ولما تقدم من فعلك غير حامد أرضيت أن تكون لبعض عبيد الدنيا عبدا أو يكون بطاعتك له عليك مهيمنا وربا يتخولك ببعض ما يعطيك ويمتهنك بيسير ما يزريك مبتذلا لك ثم يدنسك بأوساخ وضره ويجتذبك بمأثور ضرره فسبحان من بسط إليك به رحمته ورأفته فاستنقذك بذلك من وبال ما اخترته لنفسك وملت إليه لقد كدت أن تغرق في خلجان بحرها أو تهلك في بعض مفاوزها ولقد أوجب علي من الشكر لما جدد من النعمة عليك ووهب لي من السلامة فيك مالا أقوم به عجزا عن واجب حقه إلا أن يقوم به لي عني وأنا أسأل المنان المتطول بفضله المبتدي بكرمه وامتنانه أن يقوم لي عني بما قصر له به شكري بادئا في ذلك بالحمد والجود كما هو أهله بل مالا أحصيه من نعمه فليت شعري أبا إسحاق كيف معرفتك بما جدد لك من نعمه وآلائه وزوى عنك من عطب فرط بلائك وكيف علمك بعد معرفتك فيما ألزمك المنعم عليك والمنان بفضله وإحسانه فيما أسدى إليك ألك ليل ترقده أم نهار تمهده أم مستراح عن الجد تجده أم طعام تعهده أم سبب من الأسباب دون ذلك تقصده على أن ذلك غير نائب عنك في وجوب حق النعمة عليك فيما جدد به من عتيد البر لديك لكنه الغاية الممكنة من فعلك والاجتهاد في بلوغ الأجر من عملك فكن له بأفضل ما هيأ لك عاملا وعليه به في سائر أوقاتك مقبلا ثم كن له بعد ذلك خاضعا مذعنا ضارعا معترفا فإن ذلك يسير من كثير وجب له عليك وبعد يا أخي فاحذر ميل التأويل عن الحقائق وخذ لنفسك بأحكم الوثائق فإن التأويل كالصفاء الزلال الذي لا تثبت عليه الأقدام وإنما هلك من

هلك من المنسوبين إلى العلم والمشار إليهم بالفضل بالميل إلى خطأ التأويل واستيلاء ذلك على عقولهم وهم في ذلك على وجوه شتى وإني أعيذك بالله وأستعينه لك وأعيذك به من ذلك كله وأسأله أن يجعل عليك جنة من جنته وواقية من واقيته وإحسانه وبعد يا أخي كيف أنت في ترك مواصلة من عرضك للتقصير ودعاك إلى النقص والفتور وكيف ينبغي أن تكون مباينتك له وهجرانك وكيف إعراض سرك ونبو قلبك وعزوف ضميرك عنه وحقيق عليك ما وهبه الله لك وخصك به من العلم الجليل والمنزل الشريف أن تكون عن المقبلين على الدنيا معرضا وأن تكون لهم في بلائهم إلى الله شافعا فذلك بعض حقك لك وحري بك أن تكون للمذنبين ذائدا وأن تكون لهم بفهم الخطاب إلى الله رائدا وفي استنقاذهم وافدا فتلك حقائق العلماء وأماكن الحكماء وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده وأعمهم نفعا لجملة خلقه جعلنا الله وإياك من أخص من أخلصه بالإخلاص إليه وأقربهم في محل الزلفى لديه
سمعت أبا الحسن بن مقسم يحكي عن أبي محمد الجريري قال سمعت أبا إسحاق المارستاني يقول رأيت الخضر عليه السلام فعلمني عشر كلمات وأحصاها بيده اللهم إني أسألك الإقبال عليك والإصغاء إليك والفهم عنك والبصيرة في أمرك والنفاذ في طاعتك والمواظبة على إرادتك والمبادرة في خدمتك وحسن الأدب في معاملتك والتسليم والتفويض إليك 606
أبو جعفر المجذوم
ومن الأتقياء الأبرياء والضعفاء الأقوياء الأخفياء الأولياء المجذوم أبو جعفر كان مسكينا خاضعا فكان الحق له معينا صانعا
سمعت ابا الفضل أحمد بن عمران الهروي يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا الحسين الدراج يقول كان يصحبني كل سنة حججت جماعة من المشاة من الفقراء وغيرهم لمعرفتي بالطرق والمياه فكنت أتولى القيام بأمرهم فعزمت سنة من السنين أن أحج منفردا لا يصحبنى أحد ولا أصحب أحدا فخرجت فدخلت مسجد القادسية فرأيت رجلا مجذوما مبتلى في المحراب فسلم

علي وقال يا أبا الحسين عزمت الحج فأجبته مغتاظا عليه فقلت نعم فقال لي فالصحبة فقلت في نفسي هربت من الأصحاء الأقوياء ابتلي بمجذوم مبتلى فقلت لا فقال لي افعل فقلت والله لا فعلت فقال لي يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي فقلت نعم كالمنكر عليه فتركته فصليت العصر ومشيت نحو المغيثة فبلغتها من الغد ضحوة فدخلت مسجدها فإذا الشيخ جالس في المحراب فسلم علي وقال لي يا أبا الحسين يصنع الله بالضعيف حتى يتعجب القوي فاعترضني الوسواس في أمره ولم أجلس وغدوت ماشيا حتى بلغت القرعاء مع الصبح فدخلت المسجد فإذا بالشيخ قاعد فقال لي يا أبا الحسين يصنع الله بالضعيف حتى يتعجب القوي قال فبادرت إليه ووقعت على وجهي بين يديه وقلت المعذرةإلى الله وإليك فقال لي مالك قلت أخطأت قال وما هو قلت الصحبة قال قد حلفت وأكره أن أحنثك قلت فأراك في كل منزل قال هذا نعم قال فطار عني ما كان من التعجب والجزع وما كان بي إلا أن يجمعني وإياه المنازل فكنت ألقاه في المنازل إلى أن بلغت المدينة فغاب عني فلم أره فلما قدمت مكة ذكرت ذلك لمشايخنا أبي بكر الكتاني وأبي الحسن المزين وغيرهما فاستحمقوني وقالوا ذاك أبو جعفر المجذوم ما منا أحد إلا ويسأل الله رؤيته ولقاءه منذ كذا فقلت قد كان ذاك فقالوا إن لقيته فتلطف له وأعلمنا لعلنا نراه فقلت نعم فطلتبه بمنى وعرفات فلم أره فلما كان يوم النحر وأنا أرمي الجمرة جذبني إنسان وقال السلام عليك أبا الحسين فنظرت فإذا هو فلحقني من رؤيته أن صحت وغشي علي وسقطت فذهب فقصدت مسجد الخيف وأخبرت أصحابي فعاتبوني فكنت أصلي يوم الوداع خلف المقام ركعتين رافعا يدي فجذبني إنسان من خلفي فالتفت فقال يا أبا الحسين عزمت عليك أن لا تصيح فقلت نعم لكن أسألك الدعاء لي فقال سل ما شئت فسألت الله ثلاثا فأمن على دعائي وغاب عني فلم أره قال منصور فسألت أبا الحسين الدراج عن سؤالاته قال أحدهما قلت رب حبب إلي الفقر فليس

شيء أحب إلي منه والثاني قلت اللهم لا تجعلني أبيت عندي ما أدخره لغد فأنا من تلك السنة أبيت وليس لي شيء أدخره والثالثة قلت اللهم إذا أذنت لأوليائك في النظر إليك فارزقني ذلك واجعلني منهم فأنا أرجو أن يمن الله علي بالثالثة إن شاء الله 607
أبو عبدالله المغربي
ومنهم أبو عبدالله المغربي كان من المعمرين صحب علي بن رزين قيل إنه توفي عن مائة وعشرين سنة وقبره بجبل طور سينا عند قبر أستاذه علي بن رزين كان من المحققين له النكت الوثيقة والاستغاثة على الطريقة
سمعت أبا عبدالله محمد بن أحمد بن دينار الدينوري بمكة يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول سمعت أبا عبدالله المغربي يقول أهل الخصوص مع الله على ثلاث منازل قوم ضن بهم علن البلاء لكيلا يستغرق البلاء صبرهم فيكرهون حكمه ويكون في صدورهم حرج من قضائه وقوم ضن بهم عن مجاورة العصاة لتسلم صدورهم للعالم فيستريحون ولا يغتمون وقوم صب عليهم البلاء صبا فصبرهم ورضاهم فازدادوا بذلك له حبا ورضي بحكمه وله عباد منحهم نعما تجدد عليهم وأسبغ عليهم باطن العلم وظاهره وأخمل ذكرهم وكان يقول أفضل الأعمال عمارة الأوقات في الموافقات وكان يقول الفقير الذي لا يرجع إلى مستند في الكون غير الالتجاء إلى من إليه فقره ليغنيه بالاستغناء به كما عززه بالافتقار إليه وقال أعظم الناس ذلا فقير داهن غنيا أو تواضع له وأعظم الخلق عزا غني تذلل لفقير أو حفظ حرمته وقال الراضون بالفقر هم أمناء الله في أرضه وحجته على عباده بهم يدفع البلاء عن الخلق
وأنشدني محمد بن الحسين قال أنشدني الورثاني لأبي عبدالله المغربي ... يا من يعد الوصال ذنبا ... كيف اعتذاري من الذنوب ... إن كان ذنبي إليك حبي ... فإنني منه لا أتوب

عبدالرحيم بن عبدالملك
ومنهم عبدالرحيم بن عبدالملك كان من المتحققين الواثقين صحب المتقدمين من أصحاب السرى وبشر
ذكر لي أبو بكر المفيد عن إبراهيم الخواص قال دخلت مسجد التوبة فرأيت عبدالرحيم مستندا إلى سارية فقلت للقيم متى قعد هذا الرجل ههنا فقال اليوم ثلاثة أيام قاعدا على ما تراه لم يخرج ولم يتكلم فقعدت بحذائه فلما أمسينا قلت له أي شيء تريد حتى أحمله ونأكل فسكت عني فكررت عليه فقال أريد مصلية معقدة وخبزا حارا فخرجت إلى باب الشام فطلبت ذلك فلم أجده فعاتبت نفسي وقلت يا فضول من دعاك إلى أن تستدعي شهوته لو اشتريت خبزا وإداما وحملت استغنيت عن ذلك ورجعت مغتما إلى المسجد فإذا رجل يدق على باب المسجد فقلت من فقال افتح ففتحت فإذا على رأسه زنبيل فحطه وقال لي أسألك أن يأكل أهل المسجد من هذا الطعام فأخرج منه خبزا حارا ومصلية معقدة في قدر فبهت وقلت لا نمسه حتى تخبرني به فقال أنا رجل صانع واشتهيت مصلية معقدة وخبزا حارا فاشتريت اللحم وما يصلحه وأمرتهم بطبخه وأن يخبزوا خبزا حارا وجئت العتمة من الدكان وبعد ما فرغ منه ما كان خبر الخبز فحلفت بالطلاق أن لا يأكل من هذا الخبز أو المصلية أحد إلا من في مسجد التوبة فأحب أن تأكلوه قال إبراهيم فرفعت رأسي وقلت يا سيدي أنت أردت أن تطعمه لم غممتني في الوسط 609
محمد السمين
ومنهم الفاتك الأمين القوي المكين المعروف بمحمد السمين
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول قال محمد السمين كنت في وقت من أيامي محمولا أعمل على

الشوق وأنا أجد من ذلك وأنا مستقبل فخرج الناس في غزاة وخرجت معهم فاشتدت شوكة الروم على المسلمين والتقوا ولحق المسلمين من ذلك خوف لكثرتهم فرأيت نفسي مروعا تضطرب فكبر ذلك علي فوبخت نفسي ألومها وأقول لها أين ما كنت تدعينه من الشوق وأعاتبها أقول لها لما ظفرت بما كنت تؤملين تغيرت واضطربت فبينا أنا في عتابي وتوبيخي لها وقع لي أن أنزل إلى هذا البحر وأغتسل وبحضرتنا نهر من أنهار الروم فخلعت ثيابي واتزرت ودخلت البحر فاغتسلت فأعطيت قوة وذهب عني الروع والاضطراب بتلك القوة واشتدت بي العزيمة فخرجت ولبست ثيابي وأخذت سلاحي وأتيت الصف فحملت حملةلا أحس من نفسي شيئا فخرقت صفوف المسلمين وصفوف الروم وصرت من وراء صفوف الروم فكبرت تكبيرة فسمع العدو تكبيرتي وقدروا أن كمينا للمسلمين قد خرج عليهم من ورائهم فولوا منهزمين وحمل عليهم المسلمون فقتل منهم نحو أربعة آلاف رجل وجعل الله ذلك التكبير سببا للفتح والنصر
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت محمد بن عبدالله الفرغاني يقول سمعت مؤملا المغازلي يقول كنت أصحب محمد السمين فسافرت معه حتى بلغنا ما بين تكريت وموصل فبينا نحن في برية نسير إذ زأر السبع من قريب فجزعت وتغيرت وظهر ذلك على صفتي وهممت أبادر فضبطني محمد وقال يا مؤمل التوكل ههنا ليس في مسجد الجامع 610
محمد بن سعيد القرشي
ومنهم أبو عبدالله محمد بن سعيد القرشى ذو البيان الشافي واللسان الموافي
سمعت أبا عمرو عثمان بن محمد العثماني يقول قال أبو عبدالله القرشي في كتابه شرح ا لتوحيد في نعت المتحقق بالله في وجده به إن لله عبادا اختارهم من خلقه واصطفاهم لنفسه وانتخبهم لسره وأطلعهم على غامض وحيه ولطيف حكمته ومخزون علمه أبانهم عن أوصافهم المنتشئة عن طبائعهم ولم يردهم إلى علومهم المردودة إلى استخراجهم بحكم عقولهم ولم يخرجهم إلى المرسوم من

حكمة حكمائهم بل كان هو لسانهم الذي به ينطقون وبصرهم الذي به يبصرون وأسماعهم التي بها يسمعون وأيديهم التي بها يبطشون وقلوبهم التي بها يفكرون وبه في جميع أوصافهم يتصرفون بائن عن الحلول في ذواتهم وأبدأ الأشياء فيما بينه وبينهم قهر كل موجود وغمر كل محدود وأفنى كل معهود ظهر لأهل صفوته فلم يعترضهم الشك في ظهوره وحققهم به فلم يطلبوا الإدراك في تحصيله ألبس حقائقهم لبسة البقاء وأشهدهم نفسه بعد الفناء فلم يجعل للعلم إلى كيفيته سبيلا ولا إلى نعت ذلك تمثيلا بل جعل في الأصول وحكم العقول على صحة ذلك علما ودليلا ليهديه الحق إلى ذي العقل الأصيل والسالك في الوجه الجميل وذلك قول السيد الجليل في ذكره الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله ما زاغ البصر وما طغى وقوله ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى فقال ابن عباس وهو من المختصين بالحكمة في التنزيل وأسماء بنت أبي بكر إن محمدا صلى الله عليه و سلم رأى ربه وكذلك رواه أنس وغيره وأقول في ذلك ... لنعت لحاظ العين إن كان لحظها ... إلى وصفها حقا يليق ويرجع ... وأثبت لحظ العين منك بلبسة ... إلهية يعنى بها الطبع أجمع ... فأشهدنا مالا يحد ظهوره ... وليس له علم به اللفظ يصدع ... فلم يعترضها الشك فيما تحققت ... ولم يبق منها ما يشك ويجزع ... كذا من بجمع الحق كان ظهوره ... يخلصه من طبعه ثم يجمع ...
أخبرنا عبدالواحد بن بكر قال حدثني أحمد بن سعيد قال سمعت أبا عبدالله القرشي وسئل عن البكاء الذي يعتري العبد من أي وجه يعتريه فقال الباكي في بكائه مستريح إلى لقائه إلا أنه منقطع راجع عما كان بينه وبينه فدخل عليه استراحة وشفاء ثم أنشأ يقول ... بكيت بعين ليس تهدى دموعها ... وأسعدها قلب حزين متيم ... فنوديت كيف تبكي فقلت لأنني ... فقدت أوانا كنت فيه أكلم

وكان جزائي منكم غير ما أرى ... فقد حل بي أمر جليل معظم ... فقال كذا من كان فينا بحظه ... إذا لحظ وصف قد يبيد ويعدم ... ولكننا لا نشتكي ضر ما بنا ... ونستره حتى يبين فيعلم ... قال وسمعت أبا عبدالله القرشي وسئل عن شرط الحياء فقال شرط الحياء موافقة من أنت منوط بمعونته فإذا استولى عليك من مشهد الحياء عين المشاهدة رجعت إليه به 611
علي السامري
ومنهم القارئ التالي الساري إلى المعالي الموافق للباري علي بن الحسين السامري ثابت في قصده واف بعهده
سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول ذكر عمر بن ملكان عن أبيه قال كان بيني وبين علي السامري مؤاخاة فلما قبض كنت أتمنى مدة أن أراه فأعلم حاله عند الله فرأيته في بعض الليالي في زينة حسنة وهيئة جميلة وقد غمض إحدى عينيه فقلت له يا أخي عهدي بك ولم يكن بعينك بأس فارقتنا وعيناك صحيحتان فما بال التي أغمضتها قال اعلم أني كنت في بعض الليالي أقرأ كتاب الله فمرت بي آية وعيد فأشفقت هذه يعني عينه الناظرة فبكت وقنطت هذه فأمسكت فلما أفقت عاتبتها فقلت لها ما بالك لم تشفقي شفقة أختك هذه وقلت لها في عتابي لها وحبي لمحبوبي لئن أباحني منه مناي لأمنعنك مالك منه فغمضتها عند ذلك وفاء بما قلت فقلت له يا أخي فهل قلت في ذلك شيئا فأنشأ يقول ... بكت عيني غداة البين حزنا ... وأخرى بالبكا بخلت علينا ... فجازيت التي جادت بدمع ... بأن أقررتها بالحب عينا ... وعاقبت التي بخلت بدمع ... بأن غمضتها يوم التقينا ... 612
أبو جعفر الحداد
ومنهم أبو جعفر الحداد المتشمر في التزود والاجتهاد صحب أبا تراب وأكابر العباد

أخبرني عبدالواحد بن بكر ثنا محمد بن عبدالعزيز قال حدثني أبو عبدالله الحضرمي قال مكث أبو جعفر الحداد عشرين سنة يعمل في كل يوم بدينار وينفق على الفقراء ويصوم ثم يخرج من بين الصلاتين المغرب والعشاء فيتصدق ما يفطر عليه من الأبواب وكان يقول الفراسة هي أول خاطر فلا معارض فإن اعترض فيها معارض بشيء يزيل المعنى فليست بفراسة فإن ذلك خاطر أو محادثة النفس وحكى عنه أحمد بن النعمان أنه قال كنت جالسا على بركة بالبادية فيها ماء وقد مر علي ستة عشر يوما لم آكل ولم أشرب فانتهى إلي أبو تراب فقال لي ما جلوسك ههنا فقلت أنا بين المعرفة والعلم أنتظر ما يغلب علي فأكون معه فقال أبو تراب سيكون لك شأن وحكى عنه أبو الحسين العلوي قال قال أبو جعفر إذا رأيت ضر الفقير على ثوبه فلا ترج خيره 613 614 أبو جعفر الكبير وأبو الحسن الصغير ومنهم المعروفان بالمزينين الكبير أبو جعفر والصغير أبو الحسن جاورا الحرم سنين عدة وماتا بمكة كانا جميعا من الاجتهاد متمتعين وبالعبادة متنعمين
سمعت والدي يقول سمعت أبا جعفر المزين الكبير يقول سمعت أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن يرفعهم بقدر عظمته ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن بقدر جوده وكرمه ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته
سمعت أبا جعفر الخايط الأصبهاني بمكة يقول سمعت أبا جعفر المزين يقول محنتنا وبلاؤنا صفاتنا فمتى فنيت حركات صفاتنا أقبلت القلوب منقادة للحق منصرفة لحالها
سمعت أحمد بن أبي عمران الهروي يقول حكى أبو نصر الهروي قال سمعت أبا الحسن المزين الصغير يقول دخلت البادية على التجريد حافيا حاسرا وكنت قاعدا على بركة الربذة فخطر بقلبي أنه ما دخل العام البادية أحد أشد

تجريدا مني فجذبني إنسان من ورائي وجعل يقول يا حجام كم تحدث نفسك بالأباطيل فردني إلى المحسوسة
سمعت عبدالمنعم بن عمر يقول سمعت المرتعش يقول قال أبو الحسن المزين إن الذي عليه أهل الحق في وحدانيته أن الله تعالى غير مفقود فيطلب ولا ذو غاية فيدرك فمن أدرك موجودا معلوما فهو بالموجود مغرور والموجود عندنا معرفة حال وكشف علم بلا حال لأن الحق باق بصفة الوحدانية التي هي نعت ذاته ليس كمثله شيء وهو شيء ليس كالأشياء والتوحيد هو أن تفرده بالأولية والأزلية دون الأشياء جل ربنا عن الأكفاء والأمثال 615
أبو أحمد القلانسي
1 - ومنهم الحفي المؤانسي أبو أحمد القلانسي كان ذا فتوة كاملة ومروءة شاملة
أخبرنا عبدالمنعم بن عمر فيما قرأت عليه قال سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول سمعت محمد بن علي الكتاني يقول قال منبه البصري سافرت مع أبي أحمد القلانسي فجعنا جوعا شديدا ففتح علينا بطعام فآثرني به وكان معنا سويق فقال لي كالمازح تكون جملي فقلت نعم فكان يؤجرني ذلك السويق يحتال بذلك ليوصله إلي ويؤثرني على نفسه وروي عن أبي أحمد قال دخلت على قوم من الفقراء بالبصرة فأكرموني فقلت لبعضهم ليلة أين إزاري فسقطت من أعينهم وقيل لأبي أحمد القلانسي علام بنيت المذهب قال على ثلاث خصال لا نطالب أحدا من الناس بواجب حقنا ونطالب أنفسنا بحقوق الناس ونلزم التقصير أنفسنا في جميع ما نأتي وكان من دعائه لإخوانه لا جعلنا الله وإياكم ممن يكون حظه الأسى والأسف على مفارقة الدنيا وجعل أحب الأوقات إلينا وإليكم يوم اللقاء الذي يكون فيه دوام البقاء وكان يقول العبد مأخوذ عليه أن يراعي ظاهر أعمال وباطنها فظاهرها بذل المجهود وخلع الراحة واحتمال مكاره النفس والزهد في فضول الدنيا وباطن الأعمال التقوى والورع الصادق والصدق والصبر

والرضا والتوكل والمحبة له وفيه والإيثار له وإجلال مقامه والحياء منه وحسن موافقته وإعزاز أمره فهذه الأعمال الظاهرة والباطنة مطايا العابدين ونجائبهم وعليها يسيرون إلى الله ويسابقون بها إلى ثوابه وينزلون بها في قربه 616
أبو سعيد القرشي
ومنهم أبو سعيد القرشي كان بالعلل والآفات عارفا وعنها ناهيا وواقفا
أخبرنا أبو الفرج بن بكر قال سمعت همام بن الحارث يقول سمعت أبا سعيد القرشي يقول قلوب أهل الهوى سجون أهل البلاء فإذا أراد الله أن يعذب البلاء حبسه في قلوب أهل الهوى فيضج إلى الله بالاستعاثة والخروج منها من حر أجواف أهل الهوى قال وسمعت أبا سعيد يقول الحرص موصول بالطمع والطمع موصول بالأمل والأمل موصول بالشهوة والشهوة موصولة بالشبهة والشبهة موصولة بالحرام والحرام موصول بالنار قال تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين 617
أبو يعقوب الزيات
ومنهم أبو يعقوب الزيات خلع الراحة والسبات احترازا من الفجيعة بالبيات
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه قال سمعت الجنيد بن محمد يقول قصدت أبا يعقوب الزيات في جماعة من أصحابنا فاستأذنا عليه فقال من فقلت الجنيد وجماعة ففتح لنا وقال لم يكن لكم من الشغل بالحق ما يقطعكم عن المجيء إلي فقلت له إذا كان قصدنا إليك من شغلنا بالحق نكون عنه منقطعين فسألته في التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني وأعطى المسألة حقها ثم قال كان الحياء يحجزني عن الجواب وعندي شيء فقلت ما قولك في رجل يرجع إلى فنون من العلم يحسن أن يصف صفات الحق وصفات الخلق للخلق ترى له مجالسة الناس قال إن كنت أنت فنعم وإلا فلا

وحكى عنه أبو سعيد الخزاز قال حضرت أبا يعقوب الزيات وقال لمريد تحفظ القرآن فقال لا فقال واغوثاه بالله مريد لا يحفظ القرآن كأترجة لا ريح لها فبم يتنغم فبم يترنم فبم يناجي ربه أما علمت أن عيش العارفين سماع النغم من أنفسهم ومن غيرهم 618
أبو جعفر الكتاني
ومنهم أبو جعفر الكتاني كان بذكره متنعما ولساعاته مغتنما جاور الحرم سنين ومكن من الخدمة للمقام المكين
سمعت عبدالواحد بن أحمد الهاشمي يحكي عن أبي عبدالله بن خفيف وأخبرنيه في كتابه قال سألت أبا جعفر الكتاني كم مرة رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال كثيرا فقلت يكون ألف مرة فقال لا فقلت فتسعمائة فقال لا قلت فثمانمائة مرة فقال لا قلت فسبعمائة مرة فقال بيده هكذا أي قريبا منه وكان له كل يوم ختمة يختمها مع الزوال والمؤذنون يؤذنون للظهر إذا ختم فصعد غرفته يوما للتطهر وكان قد كف بصره فوقع في المستحم وانكسر رجله ولم يكن بالقوي فيصيح فتأخر رجوعه إلى المسجد حتى كادت الصلاة يفوت وقتها فتعرف المؤذنون والمجاورون حاله فصعدوا غرفته فوجدوه قد انكسر رجله فأصلحوا من شأنه ونظفوه ونزلوا به حتى صلى فمنعته علته عن زيارة الرسول صلى الله عليه و سلم في تلك السنة فخرج بعض أصحابه زائرا فدفع إليه رقعة وأمره أن يلقيها في القبر فافتقد صاحبه الرقعة من جيبه فرأى من ليلته النبي صلى الله عليه و سلم في نومه فقال يا أبا جعفر وصلت الرقعة وقد عذرناك
وحدثني عبدالواحد بن بكر قال سمعت همام بن الحارث يقول سمعت الكتاني يقول إني لأعرف من اشتكت عينه فاعتقد فيما بينه وبين الله أن لا ترجع إلي شيء من منافع نفسه ومصالحه أو تبرأ عنه فعوفي فهتف به هاتف فقال يا هذا لو عقدت هذا العقد في المذنبين الموحدين أن لا يعذبوا لعفى عنهم ورحموا فانتبه فإذا عينه صحيحة ليس بها علة

أبو بكر الزقاق
ومنهم أبو بكر الزقاق كان مؤيدا بالألطاف والأرفاق
سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت محمد بن داود الرقي يقول سمعت أبا بكر الزقاق يقول كان سبب ذهاب بصري أني خرجت في وسط السنة أريد مكة وفي وسطي نصف جل وعلى كتفي نصف جل فرمدت إحدى عيني فمسحت الدموع بالجل فقرح المكان فكانت الدموع والدم يسيلان من عيني وقرحتي وأنا من سكر إرادتي لم أحس به وإذا أثرت الشمس في يدي قلبتها ووضعتها على عيني رضاء مني بالبلاء وكنت في التيه وحدي فخطر بقلبي أن علم الشريعة يباين علم الحقيقة فهتف بي هاتف من شجر البادية يا أبا بكر كل حقيقة لا تتبعها شريعة فهي كفر
سمعت أبا سعيد القلانسي يقول قال أبو علي الروذباري يحكي عن أبي بكر الزقاق قال بقيت بمكة عشرين سنة وكنت أشتهي اللبن فغلبتني نفسي فخرجت إلى عسفان واستضفت حيا من أحياء العرب فوقفت علي جارية حسناء فنظرت إليها بعيني اليمنى فأخذت بقلبي فقلت لها قد أخذ كلي كلك فما في لغيرك فضل فقالت يا شيخ بك تقبح الدعاوي العالية لو كنت صادقا لذهبت عنك شهوة اللبن فقلعت عيني التي نظرت بها إليها فقالت مثلك من نظر الله فرجعت إلى مكة فطفت سبعا فأريت في منامي يوسف الصديق عليه السلام فقلت له يا نبي الله أقر الله عينك بسلامتك من زليخا فقال يا مبارك بل يقر الله عينك بسلامتك من العسفانية ثم تلا يوسف ولمن خاف مقام ربه جنتان فصحت من رخامة صوت يوسف وقراءته فأفقت وإذا عيني المقلوعة صحيحة وكان يقول ليس السخاء عطية الواجد للمعدوم إنما السخاء عطية المعدوم للواجد وكان يقول منذ ثلاثين سنة ما عقدت عقدة واحدة مع الله خوف أن لا أفي به فيكذبني على لساني 620
أبو عبدالله الحضرمي
ومنهم أبو عبدالله الحضرمي كان للعلائق مفارقا وبالحقائق ناطقا

سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت المرتعش يقول سألت أبا عبدالله الحضرمي عن التصوف وكان منذ عشرين سنة صمت عن الكلام فأجابني من القرآن فقال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقلت فكيف صفتهم فقال لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء قلت فأين محلهم من الأحوال قال في مقعد صدق عند مليك مقتدر قلت زدني قال إن السمع والبصر الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا 621
عبدالله الحداد
ومنهم أبو محمد عبدالله بن محمد الرازي يعرف بالحداد كان عن حظه حائدا ولمشهوده شاهدا
سمعت نصر بن أبي نصر العطار الصوفي يقول سمعت محمد بن داود الدينوري يقول قال عبدالله بن ا لحداد العبودية ظاهرا والحرية باطنا من أخلاق الكرام وقال العبادة يعرفها العلماء والإشارة يعرفها الحكماء واللطائف يقف عليها السادة من النبلاء وكان يقول علامة ا لصبر ترك الشكوى وكتمان الضر والبلوى ومن علامة الإقبال على الله صيانة الأسرار عن الالتفات إلى الأغيار وأحسن العبيد حالا من رأى نعم الله عليه بأن أهله لمعرفته وأذن له في قربه وأباح له سبيل مناجاته وخاطبه على لسان أعز السفراء محمد صلى الله عليه و سلم وعرف تقصيره عن القيام بواجب أداء شكره إذ شكره يستوجب شكرا إلى مالا نهاية وأحسن العبيد من عد تسبيحه وصلاته ويرى أنه لا يستحق به على ربه شيئا فلولا فضله ورحمته لعاينت الأنبياء عليهم السلام في مقام الإفلاس كيف وأجلهم حالا وأرفعهم منزلة والقائم بمقام الصدق كيف عجز عنه الرسل كلهم يقول ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل فمن رأى لنفسه بعد هذا حالا أو مقاما فهو لبعده عن طرقات المعارف 1

أبو عمرو الدمشقي
ومنهم أبو عمرو الدمشقي مكن في الولاية واتصلت له الرعاية كان للمكارم فاعلا وعليها حافظا أعرض عن المستروحين إلى الأرواح ونظر إلى صنع مالك الأجسام والأشباح
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول قال أبو عمرو الدمشقي التصوف رؤية الكون بعين النقص بل غض الطرف عن كل ناقص ليشاهد من هو منزه عن كل نقص
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول وسئل عن قوله صلى الله عليه و سلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته قال إشارة إلى استواء الأحوال أي لا ترجعوا عن الحق بإفطار ولا تقبلوا عليه بصوم ليكن صومكم كإفطاركم وإفطاركم كصومكم عند دوام حضوركم وكان يقول الأشخاص بظلمتها كائنة والأرواح بأنوارها مشرقة فمن لاحظ الأشخاص بظلمتها أظلم عليه وقته ومن شاهد الأرواح بأنوارها دلته على منورها
سمعت أبا القاسم عبدالسلام بن محمد المخزومي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول خواص خصال العارفين أربعة أشياء السياسة والرياضة والحراسة والرعاية فالسياسة والرياضة ظاهران والحراسة والرعاية باطنان فبالسياسة الوصول إلى التطهير وبالرياضة الوصول إلى التحقيق والسياسة حفظ النفس ومعرفتها والرياضة مخالفة النفس ومعاداتها والحراسة معاينة بر الله في الضمائر والرعاية مراعاة حقوق المولى بالسرائر وميراث السياسة القيام على وفاء العبودية وميراث الرياضة الرضاء عند الحكم وميراث الحراسة الصفوة والمشاهدة وميراث الرعاية المحبة والهيبة ثم الوفاء متصل بالصفاء والرضا متصل بالمحبة علمه من علمه وجهله من جهله
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن عبدالله الرازي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول كما فرض الله على الأنبياء إظهار الآيات

والمعجزات ليؤمنوا بها كذلك فرض على الأولياء كتمان الكرامات حتى لا يفتنوا بها 623
أبو نصر المحب
ومنهم أبو نصر المحب بغدادي كان للعروض بذولا وعن العوائق محمولا
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول كان أبو نصر المحب ذا فتوة وسخاء ومروءة وحياء
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أبو الحسن بن مقسم قال سمعت أبا العباس بن مسروق يقول اجتزت أنا وأبو نصر المحب بالكرخ وعلى أبي نصر إزار له قيمة فإذا نحن بسائل يسأل ويقول شفيعي إليكم محمد صلى الله عليه و سلم فشق أبو نصر إزاره وأعطاه النصف فمشى خطوتين فانصرف وأعطاه النصف الآخر وقال هذا ندا له 624
أبو سالم الدباغ
ومنهم أبو سالم الدباغ كان من المتحققين والمجتهدين صحب الكبار وكان يعد من الأبرار
سمعت جعفر بن محمد بن نصر في كتابه قال سمعت أبا سالم الدباغ يقول رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت أقرأ عليك يا رسول الله فقال نعم فاستفتحت واستعذت وقرأت عليه فاتحة الكتاب وعشرين آية من أول سورة البقرة فلم يرد علي شيئا فقلت يا رسول الله لم ترد علي شيئا أحب أن تأخذ علي كما أنزل فقال لو أخذت عليك كما أنزل لرجمك الناس بالحجارة 625
أبو محمد الجريري
ومنهم أبو محمد الجريري كان للأثقال حمولا وعن القواطع ذبولا وكان للحكمة عن غير أهلها صائنا وللمدعين والمكتسبين بها شائنا
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا محمد الراسبي يقول سمعت أبا

محمد الجريري يقول رأيت في النوم كأن قائلا يقول لي لكل شيء عند الله حق ومن أعظم الحقوق عند الله حق الحكمة فمن وضع الحكمة في غير أهلها طالبه الله بحقها ومن طالبه الله بحقها خصم
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت علي بن سعيد يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول قيل لأبي محمد الجريري متى يسقط عن العبد ثقل المعاملة فقال هيهات ما منها بد ولكن يقع الحمل فيها وكان يقول أدل الأشياء على الله ثلاثة ملكه الظاهر ثم تدبيره في ملكه ثم كلامه الذي يستوفي كل شيء
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول قوام الأديان ودوام الإيمان وصلاح الأبدان في خلال ثلاث الاكتفاء والاتقاء والاحتماء فمن اكتفى بالله صلحت سريرته ومن اتقى ما نهي عنه استقامت سيرته ومن احتمى مالم يوافقه ارتاضت طبيعته فثمرة الاكتفاء صفو المعرفة وعاقبة الاتقاء حسن الخليقة وغاية الاحتماء اعتدال الطبيعة وقال أبو محمد الجريري من توهم أن عملا من أعماله يوصله إلى مأموله الأعلى والأدنى فقد ضل عن طريقه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لن ينجي أحدا منكم عمله فمالا ينجى من المخوف كيف يبلغ إلى المأمول ومن صح اعتماده على فضل الله فذلك الذي يرجى له الوصول
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله الطبري يقول قال رجل لأبي محمد الجريري كنت على بساط الأنس ففتح لي الطريق إلى البسط فزللت زلة فحجبت عن مقامي فكيف السبيل إليه دلني على الوصول إلى ما كنت عليه فبكى أبو محمد وقال يا أخي الكل في قهر هذه لحظة لكن أنشدك أبياتا لبعضهم فأنشأ يقول ... قف بالديار فهذه آثارهم ... تبكي الأحبة حسرة وتشوقا ... كم قد وقفت بها أسائل مخبرا ... عن أهلها أو صادقا أو مشفقا ... فأجابني داعي الهوى في رمسها ... فارقت من تهوى فعز الملتقى

ابن الفرغاني
ومنهم الواسطي محمد بن موسى أبو بكر المعروف بابن الفرغاني صحب الجنيد والنوري وانتقل إلى خراسان سكن مرو عالم بالأصول والفروع ألفاظه بديعة وإشاراته رفيعة كان يقول ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ولا أخلاق الجاهلية ولا أحلام ذوي المروءة
سمعت محمد الحسين يقول سمعت محمد بن عبدالله الواعظ يقول سمعت أبا بكر محمد بن موسى بن الفرغاني الواسطي بمرو يقول شاهد بمشاهدة الحق إياك ولا تشهده بمشاهدتك له قال وسمعته يقول الأسر على وجوه أسير نفسه وشهوته وأسير شيطانه وهواه وأسير مالا معنى له لحظه أو لفظه هم الفساق وما دام للشواهد على الأسرار أثر وللإعراض على القلب خطر فهو محجوب بعيد من عين الحقيقة وما تورع المتورعون ولا تزهد المتزهدون إلا لعظم الإعراض في سرائرهم فمن أعرض عنها أدبا أو تورع عنها ظرفا فذلك الصادق في ورعه والحكيم في آدابه وقال أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه عنه وقال الحب يوجب شوقا والشوق يوجب أنسا فمن فقد الشوق والأنس فليعلم أنه غير محب
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت عبدالواحد بن علي السياري يقول سمعت خالي أبا العباس السياري يقول سمعت أبا بكر الواسطي يقول كائنات محتومة بأسباب معروفة وأوقات معلومة اعتراض السريرة لها رعونة قال وسمعت الواسطي يقول الرضا والسخط نعتان من نعوت الحق يجريان على الأبد بما جريا في الأزل يظهران الوسمين على المقبولين والمطرودين فقد بانت شواهد المقبولين بضيائها عليهم كما بانت شواهد المطرودين بظلمتها عليهم فإنى تنفع مع ذلك الألوان المصفرة والأكمام المقصرة والأقدام المنتفخة وقال كيف يرى للفضل فضلا من لا يأمن أن يكون ذلك مكرا
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا عبدالله الحضرمي يقول سمعت أبا العباس السياري يقول سمعت أبا بكر الواسطي يقول الذاكرون في ذكره

أكثر غفلة من الناسين لذكره لأن ذكره سواه وكان يقول مطالعة الأعواض على الطاعات من نسيان الفضل وحياة القلوب بالله بل بإبقاء القلوب مع الله بل الغيبة عن الله بالله قال وسمعت أبا أحمد الحسنوني يقول قال أبو بكر الواسطي الناس على ثلاث طبقات الطبقة الأولى من الله عليهم بأنوار الهداية فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاق والطبقة الثانية من الله عليهم بأنوار العناية فهم معصومون عن الكبائر والصغائر والطبقة الثالثة من الله عليهم بالكفاية فهم معصومون عن الخواطر الفاسدة وحركات أهل الغفلة 627
أبو علي الجورجاني
ومنهم الحبر الرباني الحسن بن علي أبو علي الجورجاني له البيان الشافي والكلام الوافي
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا علي الجورجاني يقول ثلاثة أشياء من عقد التوحيد الخوف والرجاء والمحبة فزيادة الخوف من كثرة الذنوب لرؤية الوعيد وزيادة الرجاء من اكتساب الخير لرؤية الوعد وزيادة المحبة من كثرة الذكر لرؤية المنة فالخائف لا يستريح من ذكر المحبوب فالخوف نار منور والرجاء نور منور والمحبة نور الأنوار
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن الرازي يقول سمعت أبا علي الجورجاني يقول في البخل هو على ثلاثة أحرف الباء وهو البلاء والخاء وهو الخسران واللام وهو اللوم فالبخيل بلاء على نفسه وخاسر في سعيه وملوم في بخله 628
أبو عبدالله السجزي
ومنهم أبو عبدالله السجزي المعتبر الفكري
سمعت أبا محمد عبدالله بن محمد المعلم النيسابوري صاحب عبدالله بن

منازل يقول سمعت أبا عبدالله السجزي يقول العبرة أن تجعل كل حاضر غائبا والفكرة أن تجعل كل غائب حاضرا وقيل لأبي عبدالله ما يدفعك عن لبس المرقعة قال من النفاق أن تلبس لباس الفتيان ولا تدخل في حمل أثقال الفتوة فقيل له وما الفتوة قال رؤية أعذار الخلق وتقصيرك وتمامهم ونقصانك والشفقة على الخلق كلهم برهم وفاجرهم وكمال الفتوة هو أن لا يشغلك الخلق عن الله 629
محفوظ بن محمود
ومنهم المذعن للمعبود الواثق بالودود النيسابوري محفوظ بن محمود
سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد بن حمدان يقول سمعت محفوظ بن محمود يقول من أبصر محاسن نفسه ابتلي بمساوي الناس ومن أبصر عيوب نفسه سلم من رؤية مساوي الناس ومن ظن بمسلم فتنة فهو المفتون
سمعت محمد بن الحسين يقول قال محفوظ التائب الذي يتوب من غفلاته وطاعاته وقال لا تزن الخلق بميزانك وزن نفسك بميزان المؤمنين لتعلم فضلهم وإفلاسك وقال أكثر الناس خيرا أسلمهم صدرا للمسلمين 630
ابن طاهر الأبهري
ومنهم الأبهري أبو بكر بن طاهر ظهر من حجابه الساتر وغمر في جنابه العامر رايات الكرام له مرفوعة وطوارق الإياس عنه موضوعة بسط لسانه في وجود الموجود وكرم المنعم المحمود
سمعت أبا نصر النيسابوري يحكي عن عبدالعزيز الأبهري قال قال أبو بكر بن طاهر رفع الله عن العالمين به حجب الأستار وأطلعهم على طويات مخزونات الأسرار وأمدهم بمواد المعارف والأنوار فهم بما ألبسهم من نوره إلى أسراره متطلعون وبما كاشفهم من شواهد حقيقة معرفته على سائر الأمور مشرفون لا يقدح في قلوبهم ريب بل كل ما أطلعهم عليه أثبت عندهم من العيان لأن بصائر الحقيقة لهم لامعة وأعلام الحق لهم مرفوعة لائحة ائتمنهم الحق

على معرفته إلهاما وتفضلا وإكراما أجزل لهم عطاياه وجعل قلوبهم مطاياه فدنا منها بلا مسافة ونزل أسرارهم بلا ممازجة فحماهم من الغفلة والفتور ففنيت صفاتهم بوجود شهوده فليس لهم عنه مغيب وعليهم في كل أحوالهم منه رقيب
سمعت أبا نصر يقول قال عبدالعزيز بن محمد الأبهري كان عبدالله بن طاهر يقول إذا لاحظ كرمه إني لأرجو أن يكون توحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر ولا يعجز عن محق ما بعده من ذنب وكان يقول ما أحببت أن تنجو منه بعملك فإلى حبك له تشير وقال ذنب يظهر به كرمه أحب إلي من عمل يظهر به شرفي وقال قوم سألوا الله بألنسة الأعمال وقوم سألوه بألسنة الرحمة فكم بين من سأل ربه بربه وبين من رجا ربه بعمله وليس من رجا ربه بجوده كمن رجا ربه بنفسه وكان يقول ما قدر طاعة نقابل بها نعمه وما قدر ذنوب نقابل بها كرمه إني لأرجو أن تكون ذنوبنا في كرمه أقل من طاعتنا في نعمه إذ لا يذنب العبد من الذنوب ما يغمر به عفو مولاه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر ابن طاهر يقول في المحن ثلاثة أشياء تطهير وتكفير وتذكير فالتطهير من الكبائر والتكفير من الصغائر والتذكير لأهل الصفا
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالواحد بن أبي بكر يقول سمعت بعض أصحابنا يقول حضرت مع أبي بكر بن طاهر جنازة فرأى بعض إخوان الميت يكثرون البكاء فنظر إلى أصحابه وأنشد ... ويبكي على الموتى ويترك نفسه ... ويزعم أن قد قل عنهم عزاؤه ... ولو كان ذا رأي وعقل وفطنة ... لكان عليه لا عليهم بكاؤه ... وقال أبو بكر بن طاهر من خاف على نفسه شق عليه ركوب الأهوال ومن شق عليه ركوب الأهوال لا يرتقي إلى سمو المعالي في الأحوال 631
أبو بكر الأبهري
ومنهم المطوعي أبو بكر بن عيسى الأبهري كان من المفوضين وتعلو

أحواله على السالكين والسائحين
ذكر لي فيما أرى أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي عن إبراهيم بن أبي حماد الأبهري أن أبا بكر بن طاهر الأبهري حضر أبا بكر بن عيسى الأبهري وهو في النزع فقال له أحسن بربك الظن ففتح عينيه مقبلا عليه فقال لمثلي يقال هذا الكلام إن تركنا عبدناه وإن دعانا أجبناه 632
أبو الحسن الصائغ
ومنهم أبو الحسن الصائغ الدينوري سكن مصر كان في المعاملة مخلصا وعن النظر إلى سوى الحق معرضا
سمعت أبا سعيد القلانسي يقول فيما حكي لنا عن الرقي أن أبا الحسن كان يقول حكم المريد أن يتخلى من الدنيا مرتين أولهما ترك نعيمها ونضرتها ومطاعمها ومشاربها وما فيها من غرورها وفضولها والثاني إذا أقبل الناس عليه مبجلين له مكرمين لتركه للدنيا أن يزهد في الناس المقبلين عليه فيخالط أهل الدنيا وأبناءها فإن إقبال الناس عليه وتبجيلهم له لتركه فضول الدنيا إذا سكن إليهم ولاحظهم ذنب عظيم وفتنة عاجلة وكان يقول من فساد الطبع التمني والأمل وكان يقول المعرفة رؤية المنة في كل الأحوال والعجز عن أداء شكر المنعم من كل الوجوه والتبرؤ من الحول في كل شيء 633
ممشاد الدينوري
ومنهم الدينوري ممشاد حارس همته العالية وغارس خطراته الآتية
سمعت أبي يقول وكان قد لقيه وشاهده قال سمعته يقول الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال وكان يقول أحسن الناس حالا من أسقط عن نفسه رؤية الخلق وكان صافي الخلوات لسره راعيا واعتمد في جميع أموره على من كان له كافيا واثقا بضمانه وكان يقول لو جمعت حكمة الأولين والآخرين وادعيت أحوال السادة من الأولياء والصادقين لن تصل إلى درجات العارفين حتى يسكن سرك إلى الله وتثق به فيما ضمن لك وكان يقول ما أقبح الغفلة

عن طاعة من لا يغفل عن برك وما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك 634
أبو إسحاق القصار
ومنهم الرقي إبراهيم بن داود أبو إسحاق القصار ذوالهم المخزون والبيان الموزون
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت الحسين بن أحمد يقول سمعت إبراهيم القصار الرقي يقول قيمة كل إنسان بقدر همته فإن كانت همته للدنيا فلا قيمة له وإن كانت همته رضاء الله فلا يمكن استدراك غاية قيمته ولا الوقوف عليها
أخبرنا أبو الفضل نصر بن محمد الطوسي قال سمعت إبراهيم بن أحمد بن المولد يقول سأل رجل إبراهيم القصار الرقي فقال هل يبدي المحب حبه أو هل ينطق به أو هل يطيق كتمانه فأنشأ متمثلا يقول ... ظفرتم بكتمان اللسان فمن لكم ... بكتمان عين دمعها الدهر يذرف ... حملتم جبال الحب فوقي وإنني ... لأعجز عن حمل القميص وأضعف ... وكان يقول علامة محبة الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه صلى الله عليه و سلم وكان يقول الأبصار قوية والبصائر ضعيفة وأضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته وأقوى خلقه من قوي على ردها وكان يقول حسبك من الدنيا شيئان خدمة ولي وصحبة فقير 635
أبو عبدالله بن بكر
ومنهم الصبيحي أبو عبدالله الحسين بن عبدالله بن بكر له العقل الرصين والكلام الواضح المبين وصبحه والدي بالبصرة قبل انتقاله إلى السوس له المصنفات في أحوال القوم بعبارات لطيفة وإشارات بديعة وبلغني أنه لزم سريا في داره بالبصرة ثلاثين سنة متعبدا فيها وكان يقول النظر في عواقب الأمور من أحوال العاجزين والهجوم على الموارد من أحوال السائرين والخمود بالرضا تحت موارد القضاء من أفعال العارفين وسئل عن أصول الدين فقال إثبات صدق الافتقار إلى الله

ولزوم الاقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم وفروعه أربعة أشياء الوفاء بالعهود وحفظ الحدود والرضا بالموجود والصبر عن المفقود وكان يقول الربوبية سبقت العبودية وبالربوبية ظهرت العبودية وتمام وفاء العبودية مشاهدة الربوبية وكان يقول ابتلي الخلائق بأسرهم بالدعاوى العريضة في المغيب فإذا أظلتهم هيبة المشهد خرسوا وانقمعوا وصاروا لا شيء ولو صدقوا في دعاويهم لبرزوا عند المشاهدة كما برز نبينا المصطفى صلى الله عليه و سلم وتقدم الخلائق بقدم الصدق حين طلب إليه الشفاعة فقال أنا لها لم ترعه هيبة الموقف لما كان عليه من قدم الصدق وما أشبه هذه الدعاوي الباطلة إلا بقول بعضهم حيث يقول ... ينوي العتاب له من قبل رؤيته ... فإن رآه فدمع العين مسكوب ... لا يستطيع كلاما حين يبصره ... كل اللسان وفي الأحشاء تلهيب ... وليس يخرس الألسنة في المشاهدة إلا بعدها من الصدق فمن صدق في المحبة تكلم عنه الضمير إذا سكت عن النطق باللسان 636
المرتعش
ومنهم عبدالله بن محمد أبو محمد المعروف بالمرتعش كانت المشاهدة باطنة والمثابرة سابقة
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول كان أبو محمدالمرتعش له اللسان الناطق والخاطر الفائق وكان يقول أفضل الأرزاق تصحيح العبودية على المشاهدة ومعانقة الخدمة على موافقة السنة ولا وصول إلى محبة الله إلا ببغض ما أبغضه الله وهي فضول الدنيا وأماني النفس وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ولا سبيل إلى تصحيح المعاملة إلا بالإخلاص فيها والصبر عليها
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت الإمام أبا سهل محمد بن سليمان الفقيه يقول قال رجل للمرتعش أوصني فقال اذهب إلى من هو خير لك مني ودعني إلى من هو خير لي منك وجاءه رجل فقال أي الأعمال أفضل فقال رؤية فضل الله وأنشأ يقول

إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم ... وكان يقول أصول التوحيد ثلاثة معرفة الله بالربوبية والإقرار له بالوحدانية ونفي الأنداد عنه جملة 637
النهرجوري
ومنهم أبو يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري كان ذا نور زاهر وحضور شاهر
سمعت أبا عمرو العثماني يقول سمعت أبا يعقوب النهروجي يقول الذي اجتمع عليه المحققون في حقائقهم أن الله تعالى غير مفقود فيطلب ولا له غاية فيدرك ومن أدرك موجودا فهو بالموجود مغرور والموجود عندنا معرفة حال وكشف علم بلا حال وكان يقول من عرف الله لم يغتر بالله وقال لرجل يا دنيء الهمة فقال الرجل لم تقول هذا أيها الشيخ فقال لان الله يقول قل متاع الدنيا قليل ونصيبك من هذا القليل حقير وما في يديك منه يسير وأنت بها بخيل نزيد أن تكون بإمساكها نبيلا فإن بذلت بذلت قليلا وإن منعت منعت قليلا فلا أنت بالمنع ملوم ولا بالبذل محمود وكان يقول مشاهدة الأرواح تحقيق ومشاهدة القلوب تعريف فإذا اقتضاني ربي بعض حقه قبلي فذاك أوان حزني وإذا أذن في اقتضاء سره فذاك أوأن سروري ونعمتي إذ هو بالجود والوفاء معروف والعبد بالضعف والعجز موصوف 638
أبو علي الروذباري
ومنهم أبو علي الروذباري أحمد بن محمد بن مقسم له اللسان الفصيح والبيان النجيح بغدادي انتقل إلى مصر وتوفي بها
سمعت أبا محمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت أبا عبدالله أحمد بن عطاء الروذباري يقول سئل أبو علي خالي الروذباري عمن يسمع الملاهي ويقول أبيح لي الوصول إلى المنزلة التي لا تؤثر في اختلاف الأحوال فقال نعم قد وصل ولكن وصوله إلى سقر

سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالله بن محمد الدمشقي يقول سمعت أبا علي الروذباري وسئل عن الإشارة قفال الإشارة الابانة عما تضمنه الوجد من المشار إليه لا غير وفي الحقيقة أن الاشارة تصحبها العلل والعلل بعيدة من عين الحقائق 1
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول والأهم قبل أفعالهم وعاداهم قبل أفعالهم ثم جازاهم بأفعالهم قال وسمعت أبا علي يقول من الإعتدال أن تسيء فيحسن إليك فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات وترى أن ذلك في بسط الحق لك وقال تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق فألقيت إليها الأسامي فركنت إليها مشغوفين بها عن الذات إلى أوان التجلي فذلك قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فوقفوا معها عن إدراك الحقائق فأظهر الأسامي وأبداها للخلق لتسكين شوق المحبين له وتأنيس قلوب العارفين به وقال المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر
أخبرني أبو الفضل الطوسي نصر بن أبي نصر قال سمعت أبا سعيد الكازروني يقول قال أبو علي الروذباري لا رضى لمن لا يصبر ولا كمال لمن لا يشكر بالله وصل العارفون إلى محبته وشكروه على نعمته
سمعت عبدالواحد بن بكر يقول سمعت همام بن الحارث يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول إن المشتاقين إلى الله يجدون حلاوة الوقت عند وروده لما كشف لهم من روح الوصول إلى قربه أحلى من الشهد وقال أبو علي من رزق ثلاثة أشياء فقد سلم من الآفات بطن جائع معه قلب خاشع وفقر دائم معه زهد حاضر وصبر كامل معه قناعة دائمة وقال أبو علي في اكتساب الدنيا مذلة النفوس وفي اكتساب الآخرة عزها فيا عجبا لمن يختارالمذلة في طلب ما يفنى على العز في طلب ما يبقى 639
أبو بكر الكتاني
ومنهم أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني بغدادي سكن مكة

يعرف بسراج الحرم صحب الجنيد والخزاز والنوري
سمعت أبا جعفر الخياط الأصبهاني يقول صحبته سنين فكان يزداد على الأيام ارتفاعا وفي نفسه اتضاعا وسمعته يقول روعة عند انتباه من غفلة وانقطاع عن حظ النفس وارتعاد من خوف القطيعة أعود على المريد من عبادة الثقلين وكان يقول إذا سألت الله التوفيق فابتدىء بالعمل وكان يقول وجود العطاء من الحق شهود الحق بالحق لأن الحق دليل على كل شيء ولا يكون شيء دونه دليلا عليه
سمعت محمد بن موسى يقول سمعت أبا الحسن القزويني يقول سمعت أبا بكر الكتاني يقول إذا صح الافتقار إلى الله صحت العناية لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الكتاني يقول الشهوة زمام الشيطان من أخذ بزمامه كان عبده وسئل عن المتقى فقال من اتقى ما لهج به العوام من متابعة الشهوات وركوب المخالفات ولزم باب الموافقة وأنس براحة اليقين واستند إلى ركن التوكل أتته الفوائد في كل أحواله غير غافل عنها
سمعت عبدالرحمن بن أحمد الصائغ الأصبهاني بمكة يقول سمعت الكتاني يقول عيش الغافلين في حلم الله عنهم وعيش الذاكرين في رحمته وعيش العارفين في ألطافه وعيش الصادقين في قربه وكان يقول حقائق الحق إذا تجلت لسر أزالت الظنون والأماني لأن الحق إذا استولى على سر قهره ولا يبقى للغير معه أثر وكان يقول العلم بالله أعلى وأولى من العبادة له 640
ابن فاتك
ومنهم أبو عبدالله بن فاتك من المراقبين لزم الثغور ملتزما للشهود والحضور سئل عن المراقبة فقال إذا كنت فاعلا فانظر نظر الله إليك وإذا كنت قائلا فانظر سمع الله إليك وإذا كنت ساكتا فانظر علم الله فيك قال الله تعالى إنني معكما أسمع وأرى وقال

يعلم ما في أنفسكم فاحذروه وكان يقول الرجال ثلاثة رجل شغل بمعاشه عن معاده فهذا هالك ورجل شغل بمعاده عن معاشه فهذا فائز ورجل اشتغل بهما فهذا مخاطر مرة له ومرة عليه 641
ابن علان
ومنهم أبو عبدالله بن علان محفوظ عن التلوين والنقلان
سمعت عبدالواحد بن بكر يقول سمعت عبدالله بن عبدالعزيز يقول سمعت أبا عبدالله بن علان يقول ما من عبد حفظ جوارحه إلا حفظ الله عليه قلبه وما من عبد حفظ الله عليه قلبه إلا جعله الله أمينا في أرضه وما من عبد جعله الله أمينا في أرضه إلا جعله الله إماما يقتدى به وما من عبد جعله الله إماما يقتدى به إلا جعله حجة على خلقة 642
سهل الأنباري
ومنهم سهل بن وهبان الأنباري من أقران الجنيد
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه قال علان البناء سمعت المثنى الأنباري يقول سمعت سهل بن وهبان يقول لا تكونوا بالمضمون مهتمين فتكونوا للضامن متهمين وبعدته غير واثقين 643
عبدالله بن دينار
ومنهم عبدالله بن دينار واعي الخطرات وراعي اللحظات
أخبرنا محمد بن أحمد بن الفيد في كتابه وقد رأيته وحدثني عنه أبو القاسم الهاشمي قال أخبرني جعفر بن عبدالله الدينوري قال سمعت أبا حمزة يقول قلت لعبد الله بن دينار الجعفي أوصني قال اتق الله في خلواتك وحافظ على أوقات صلواتك وغض طرفك عن لحظاتك تكن عند الله مقربا في حالاتك 644
أبو علي الوراق
ومنهم أبو علي الوراق عارف بالآفات مسلم من الشبهات

أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت أبا علي الوراق يقول من جهل قدر نفسه عدل على نفسه وعدل على غيره وآفة الناس من قلة معرفتهم بأنفسهم 645
ابن الكاتب
ومنهم الحسن بن أحمد بن أبي علي المعروف بابن الكاتب من شيوخ المصريين
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت أبا علي الكاتب يقول إذا انقطع العبد إلى الله بالكلية أول ما يفيده الله الاستغناء به عمن سواه وكان يقول قال الله من صبر علينا وصل إلينا وكان يقول إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا القاسم المصري يقول قيل لأبي علي بن الكاتب إلى أي الجانبين أنت أميل إلى الفقر أو إلى الغنى فقال إلى أعلاهما رتبة وأسناهما قدرا ثم أنشأ يقول ... ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر ... وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر ... وكان يقول الهمة مقدمة في الأشياء فمن صحح همته بالصدق أتت توابعها على الصحة والصدق فإن الفروع تتبع الأصول ومن أهمل همته أتت عليه توابعها مهملة والمهمل من الأفعال والأحوال لا يصلح لبساط الحق وقال إن الله يرزق العبد حلاوة ذكره فإن فرح به وشكره آنسه بقربه وإن قصر في الشكر أجرى الذكر على لسانه وسلبه حلاوته به 646
القرميسيني
ومنهم القرميسيني مظفر له اللفظ المحبر أحد مشايخ الجبل عرف العلل واحترز من الزلل
سمعت أبا بكر الدينوري الطرسوسي شيخ الحرمة يقول قال مظفر

القرميسيني وسئل ما خير ما أعطى العبد قال فراغ القلب عما لا يعنيه ليتفرغ إلى ما يعنيه
سمعت أبا عبدالله محمد بن أحمد بن دينار الدينوري بمكة يقول سمعت مظفر القرميسيني يقول أفضل أعمال العبد حفظ أوقاتهم وهو أن لا يقصروا في أمره ولا يتجاوزوا عن حده وقال العارف من جعل قلبه لمولاه وجسده لخلقه وأفضل ما يلقى به العبد ربه نصيحة من قلبه وتوبة من ذنوبه
سمعت محمد بن الحسين يقول قالمظفر القرميسيني من أفقره إليه أغناه ليعرفه بالفقر عبوديته وبالغنى ربوبيته وقال من قتله الحب أحياه القرب 1
سمعت محمد بن الحسين يقول قال مظفر الجوع إذا ساعدته القناعة مزرعة الفكرة وينبوع الحكمة وحياة الفطنة ومصباح القلب وقال يحاسب الله المؤمنين يوم القيامة بالمنة والفضل ويحاس ب الكفار بالحجة والعدل
سمعت محمد بن الحسين يقول قال مظفر ليس لك من عمرك إلا نفس واحدة فان لم تفنها فيما لك فلا تفنها فيما عليك 647
إبراهيم بن شيبان
ومنهم القرميسيني إبراهيم بن شيبان أيد باليقين والايقان وحفظ من التصنع والتزين بالعرفان كان من المتمسكين بالقرآن والبيان
سمعت أبا عبدالله بن دينار الدينوري بمكة يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول المتعطل من لزم ا لرخص معتنقا للملاذ والملاهي وأخلى قلبه من الخوف والحذر لأن الخوف يدفع عن الشهوات ويقطع عن السلو والغفلات
سمعت أبا بكر بن أحمد الطرسوسي بمكة يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول من أراد أن يكون معدودا في الأحرار مذكورا عند الأبرار فليخلص عبادة ربه فان المتحقق في العبودية مسلم من الأغيار وكان يقول الفناء والبقاء مداره على إخلاص الوحدانية والتحقق بالعبودية وكل علم يعدو هذا ويخالفه فمرجعه إلى الأغاليط والأباطيل ومن تكلم في الاخلاص ولم يقتض من نفسه

حقيقته ابتلاه الله بهتك ستره وافتضاحه عند أقرانه وإخوانه
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا علي القصير سمعت إسحاق بن إبراهيم بن شيبان يقول قال لي أبي يا بني تعلم العلم لآداب الظاهر واستعمل الورع لآداب الباطن وإياك أن يشغلك عن الله شاغل فقل من أعرض عنه فأقبل عليه 648
أبو الحسين بن بنان
ومنهم الواله السكران أبو الحسين بن بنان شيخ مصر مات في التيه والها صحب أبا سعيد الخزاز
سمعت أبا عثمان سعيد بن سلام ا لمغربي بمكة ونيسابور يقول قال أبو الحسين بن بنان الناس يعطشون في المفاوز السحيقة والبوادي المتلفة وأنا عطشان وأنا على شط النيل والفرات قال وسمعته يقول آثار المحبة إذا بدت ورياحها إذا هاجت تميت قوما وتحى آحرين وأفنت أسرارا وأبقت آثارا تؤثر أثارا مختلفة وتثير أسرارا مكنونة وتكشف أحولا كامنة
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله يقول سمعت الزقاق يقول سمعت أبا الحسين بن بنان يقول كل صوفي يكون هم الرزق في قلبه فلزوم العمل أقرب له إلى الله وعلامة سكون القلب والركون إلى الله أن يكون قويا عند زوال الدنيا وإدبارها عنه ويكون بما في يد الله أقوى وأوثق منه بما في يده وكان يقول ذكر الله باللسان يورث الدرجات وذكره بالقلب يورث البركات 649
علي الفارسي
ومنهم الحاضر الفارسي أبو الحسين علي بن هند الفارسي صحب عمرا المكي والجنيد وجعفر الحذاء
سمعت أبا القاسم الهاشمي يقول قال أبو الحسين بن هند الفارسي القلوب أوعية وظروف وكل وعاء وظرف لنوع من المحمولات فقلوب الأولياء أوعية المعرفة وقلوب العارفين أوعية المحبة وقلوب المحبين أوعية الشوق

وقلوب المشتاقين أوعية الأنس ولهذه الأحوال آداب من لم يستعملها في أوقاتها هلك من حيث يرجو به النجاة
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا الحسين بن هند يقول استرح مع الله ولا تسترح عن الله فإن من استراح مع الله نجا ومن استراح عن الله هلك والإستراحة مع الله تروح القلوب بذكره والإستراحة عن الله مداومة الغفلة
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت أبا الحسين ابن هند يقول المتمسك بكتاب الله هو الملاحظ للحق على دوام الأوقات والمتمسك بكتاب الله لا يخفى عليه شيء من أمر دينه ودنياه بل يجري في أوقاته على المشاهدة لا على الغفلة فيأخذ الأشياء من معدنها ويضعها في معدنها وكان يقول اجتهد أن لا تفارق باب سيدك بحال فانه ملجأ الكل فان من فارق تلك السدة لا يرى بعدها لقدميه قرارا ولا مقاما وقال ... كنت من كربتى أفر إليهم ... فهم كربتي فأين المفر ... 650
الحسن بن علي بن يزدانيار
ومنهم المتمسك بالتنصل والإعتذار أبو بكر الحسين بن علي بن يزدانيار له لسان في لزوم الظواهر وتحقق بمناجاته ما يعرض من الخواظر في السواتر
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن شاذان الرازي يقول سمعت أبا بكر بن يزدانيار يقول إياك والطمع في المنزلة عند الله وكنت تحب المنزلة عند الناس
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر بن شاذان يقول سمعت ابن يزدانيار يقول الروح مزرعة الخير لأنه معدن الرحمة والجسد مزرعة الشر لأنه معدن الشهوة والروح مطبوع بالخير والنفس مطبوعة بإرادة الشر والهوى مدبر الجسد والعقل مدبر الروح والمعرفة خاطرة فيما بين العقل والهوى والمعرفة في القلب والعقل والهوى يتنازعان ويتحاربان والهوى

صاحب جيش النفس والعقل صاحب جيش القلب والتوفيق من الله مدد العقل والخذلان مدد الهوى والظفر لمن أراد الله سعادته أو شقاوته ومن استغفر وهو ملازم للذنب محجوب عن التوبة والأنابة والمعرفة صحة العلم بالله واليقين النظر بعين القلب إلى ما وعد الله وادخره
أسند الحديث الكثير ومن مسانيد حديثه
ما أخبرني محمد بن عبدالله بن شاذان الرازي في كتابه وقد رأيته قال حدثني الحسين بن علي بن يزدانيار الصوفي ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال المؤمن يأكل في معاء واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء 651
إبراهيم بن أحمد المولد
ومنهم المثبت المؤيد إبراهيم بن أحمد المولد صحب أبا عبدالله الجلاء وإبراهيم بن داود القصار الرقى وكان يقول حلاوة الطاعات للمخلص مذهبة لوحشة العجب
سمعت عمرو بن واضح يقول سمعت إبراهيم بن المولد يقول عجبت لمن عرف الطريق إلى ربه كيف يعيش مع غيره وهو تعالى يقول وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له وكان يقول من قال بالله أفناه عنه ومن قال عنه أبقاه له وكان يقول من قام بلى الأوامر لله كان بين قبول ورد ومن قام إليها بالله كان مقبولا بلا شك وكان يقول نفسك سائرة بك وقلبك طائر بك فكن مع أقربهما وصولا
سمعت محمد بن الحسين يقول أنشدني منصور بن عبدالله قال أنشدني إبراهيم بن المولد لبعضهم ... لولا مدامع عشاق ولوعتهم ... لبان في الناس عز الماء والنار ... فكل نار فمن أنفاسهم قدحت ... وكل ماء فمن عين لهم جار ... وكان يقول ثمن التصوف الفناء فيه فاذا فنى فيه بقى بقاء الأبد لأن الفاني عن محبوبه باق بمشاهدة المطلوب وذلك بقاء الأبد

حدثنا أبو الفضل الطوسي نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار قدم نيسابور وكتبت عنه حديث إبراهيم بن أحمد بن المولد الصوفي ثنا محمد ابن يوسف بدمشق ثنا سالم بن العباس الوليد الحمصي ثنا عبدالرحمن بن أيوب بن سعيد عن أيوب السكوني ثنا العطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أذن الله لأهل الجنة بالتجارة لأتجروا بالبز والعطر تفرد به العطاف عن نافع
حدثناه عاليا محمد بن المظفر ثنا محمد بن سليمان ثنا عبدالرحمن بن أيوب الحمصي ثنا العطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أن الله أذن لأهل الجنة في التجارة بينهم لتبايعوا البز والعطر
حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن محمد المصري قدم علينا رفيق ابن مندة ثنا أبو الفتح أحمد بن إبراهيم بن برهان المقرىء ثنا إبراهيم ابن المولد الصوفي ثنا أحمد بن عبدالله بن علي الناقد بمصر ثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا محمد بن حازم عن أبي رجاء عن أبي سنان عن واثلة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كن ورعا تكن أعبد الناس تفرد به أبو رجاء وإسمه محرز بن عبدالله عن يزيد ابن سنان
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا عبدالرحمن بن سلم ثنا سهل بن عثمان ثنا المحاربي عن أبي رجاء محرز بن عبدالله عن يزيد بن سنان عن مكحول عن واثلة ابن الأسقع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قانعا تكن أشكرالناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب

علي بن عبدالحميد
ومنهم علي بن عبدالحميد العطائري المجتهد الزائري له الأحوال البديعة والأعمال الرفيعة
سمعت محمد بن الحسين اليقطيني ومحمد بن إبراهيم يقولان سمعنا علي بن عبدالحميد العطائري يقول دققت على أبي الحسن السرى بن المغلس السقطي بابه فسمعته يقول اللهم من شغلني عنك فأشغله بك عني فكان من بركة دعائه أني حججت من حلب ماشيا على قدمي أربعين حجة وكان يعد من الأبدال
حدثنا محمد بن علي بن عاصم ثنا علي بن عبدالحميد العطائري وكان من الأبدال ثنا سوار بن عبدالله ثنا معتمر بن سليمان ثنا سفيان الثوري عن معاوية بن صالح عن محمد بن ربيعة عن عبدالله بن عامر قال سمعت معاوية يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين 653
سعيد بن عبدالعزيز
ومنهم سعيد بن عبدالعزيز الحلبي سكن دمشق صحب سريا السقطي أحد الأوتاد من علماء العباد تخرج له عدة من الأعلام إبراهيم بن المولد وطبقته ملازم للشرع متبع له
حدثنا محمد بن المظفر ثنا سعيد بن عبدالعزيز بن مروان أبو عثمان بدمشق ثنا أبو نعيم عبيد بن هشام ثنا حفص بن عمران الواسطي ثنا عمرو ابن كثير عن عبدالرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من أولى رجلا من بني عبدالمطلب معروفا في الدنيا فلم يقدر المطلبي على مكافأته فأنا أكافئه عنه يوم القيامة 654
أبو بكر الشبلي
ومهم المجتذب الولهان المستلب السكران الوارد العطشان اجتذب

عن الكدور والأغيار واستلب إلى الحضور والأنوار وسقى بالدنان وارتهن ممتلأ ريان أبو بكر الشهير بالشبلي
سمعت عمر البناء المزوق البغدادي بمكة يقول سمعت الشبلي يقول ليس من احتجب بالخلق عن الحق كمن احتجب بالحق عن الخلق وليس من جذبته أنوار قدسه إلى أنسه كمن جذبته أنوار رحمته إلى مغفرته
سمعت محمد بن علي بن حبيش يقول أدخل الشبلي دار المرضى ليعالج فدخل عليه علي بن عيسى الوزير عائدا فأقبل على الوزير فقال ما فعل ربك فقال الوزير في السماء يقضي ويمضي فقال سألتك عن الرب الذي تعبده لا عن الرب الذي لا تعبده يريد الخليفة المقتدر فقال علي لبعض حاضريه ناطره فقال الرجل يا أبا بكر سمعتك تقول في حال صحتك كل صديق بلا معجزة كذاب وأنت صديق فما معجزتك قال معجزتي أن تعرض خاطري في حال صحوي على خاطري في حال سكري فلا يخرجان عن موافقة الله تعالى
سمعت أبا نصر النيسابوري يقول سمعت أبا زرعة الطبري يحكي عن خير النساج قال كنا في المسجد فجاءنا الشبلي وهو سكران فنظرنا ولم يكلمنا فانهجم على الجنيد في بيته وهو جالس مع امرأته مكشوفة الرأس فهمت أن تغطي رأسها فقال لها الجنيد لا عليك ليس هو هناك قال فصفق على رأس الجنيد وأنشأيقول ... عودوني الوصال والوصل عذب ... ورموني بالصد والصد صعب ... زعموا حين عاتبوا أن جرمي ... فرط حبي لهم وما ذاك ذنب ... لا وحسن الخضوع عند التلاقي ... ما جزى من يحب إلا يحب ... ثم ولى الشبلي فضرب الجنيد رجليه وقال هو ذاك وخر مغشيا عليه
أنشدنا محمد إبراهيم بن أحمد قال أنشدني أبو محمد عبدالله بن محمد الحربي قال سمعت الشبلي كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين ... والهجر لو سكن الجنان تحولت ... نعم الجنان على العبيد جحيما ... والوصل لو سكن الحجيم تحولت ... حر السعير على العباد نعيما

سمعت محمد بن إبراهيم قال سمعت أبا الحسن المالكي بطرسوس يقول اعتل الشبلي علة شديدة فأرجفوا بموته فبادرنا إلى داره فاتفق عنده ابن عطاء وجعفر الخلدي وجماعة من كبار أصحاب الجنيد قال فرفع رأسه فقال لهم مالكم إيش القصة قال فقلت وكنت أجرأهم عليه مالنا جئنا إلى جنازتك فاستوى جالسا فقال الجوار الجوار أموات جاؤا إلى جنازة حي ثم قال لهم ويحكم أحسب أني قد مت فيكم من يقدر أن يحمل هيكلي
سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت الشبلي يقول وقفت بعرفة فطالبت الوقت فما رأيت أحدا له في التوحيد نفس ثم رحمتهم فقلت يا سيدي إن منعتهم إرادتك فيهم فلا تمنعهم مناهم منك
سمعت محمد بن أحمد بن يعقوب الوراق يقول سمعت الشبلي يقول ليس للمريد فترة ولا للعارف معرفة ولا للمعرفة علاقة ولا للمحب سكون ولا للصادق دعوى ولا للخائف قرار ولا للخلق من الله فرار قال وسمعته يقول اللحظة كفر والخطرة شرك والإشارة مكر واللحظة حرمان والخطرة خذلان والإشارة هجران
سمعت عثمان بن محمد العثماني يقول قال الشبلي من انقطع اتصل ومن اتصل انفصل
سمعت أبا القاسم عبدالسلام بن محمد المخرمي يقول سمعت الشبلي وسئل عن قول الله ادعوني أستجب لكم قال ادعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة
سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت الشبلي يقول اشتغل الناس بالحروف واشتغل أهل الحق بالحدود فمن اشتغل بالحروف اشتغل بها خشية الغلبة ومن اشتغل بالحدود اشتغل بها خشية الفضيحة
سمعت أبا نصر النيسابوري يقول سمعت أبا علي أحمد بن محمد يقول سمعت الشبلي يقول قوم أصحاء جئتم إلى مجنون أي فائدة لكم في أدخلت المارستان كذا وكذا مرة وأسقيت من الدواء كذا وكذا دواء فلم أزدد إلا جنونا

سمعت محمد بن أحمد بن يعقوب الوراق يقول سمعت الشبلي وسئل عن المحبة فقال المحبة الفراغ للحبيب وترك الإعتراض على الرقيب قال وسمعته يقول إذا ظننت أني فقدت فحينئذ قد وجدت وإذا ظننت أني وجدت فهناك فقدت قال وسمعته يقول صراط الأولياء المحبة وقال المحبة الكاملة أن تحبه من قبله وقال من أحب الله من قبل بر الله فهو مشرك
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن يعقوب الوراق يقول سمعت أبا بكر الشبلي يقول صاحب الهمة لا يشتغل بشيء وصاحب الإرادة يشتغل بشيء وقال الهمة لله وما دونه ليس بهمة قال وسمعته يقول ما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مردود إليكم محدث مصنوع وقال من قال الله بالعادة فهو أحمق ومن قال بالعرض فهو أخرق ومن قال بالإخلاص فالشرك وطنه ومن قال الله على أنها حقيقة للحق جهل بالله ظنه ومن قال الله معتصما بها فقد جهل أوليته حتى يقول الله بالله قال وسمعته ينشد في مجلسه ... الغيب رطب ينادي ... يا غافلين الصبوح ... فقلت أهلا وسهلا ... ما دام في الجسم روح ...
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن عبدالله الرازي يقول سمعت الشبلي يقول الأرواح تلطفت فتعلقت عند لدغات الحقيقة فلم تر غير الحق معبودا يستحق العبادة فأيقنت أن المحدث لا يدرك القديم بصفات معلولة فإذا صفاه الحق أوصله إليه لا وصل هو
سمعت محمد بن إبراهيم أبا طاهر يقول سمعت الشبلي يقول تاهت الخليقة في العلم وتاه العلم في الاسم وتاه الاسم في الذات وسمعته كثيرا ينشد ... ودادكم هجر وحبكم قلي ... ووصلكم صرم وسلمكم حرب ... وسمعته ينشد كثيرا ... لما بدا طالعا غابت لهيبته ... شمس النهار ولم يطلع لنا قمر ...
سمعت أبا نصر النيسابوري يقول سمعت أحمد بن محمد الخطيب يقول سمعت

بكيرا تلميذ الشبلي يقول له يا أستاذ أين أبغيه فقال له ثكلتك أمك وهل يبغي من يأخذ السموات على أصبع والأرضين على أصبع فيهزهما ويقول أنا الملك أين الملوك إن الله لم يحتجب عن خلقه إنما الخلق احتجبوا عنه بحب الدنيا
سمعت أبا نصر يقول سمعت أحمد بن محمد النهاوندي يقول مات للشبلي ابن كان اسمه غالبا فجزت أمه شعرها عليه وكان للشبلي لحية كبيرة فأمر بحلق الجميع فقيل له يا أستاذ ما حملك على هذا فقال جزت هذه شعرها على مفقود فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود
سمعت أبا نصر النيسابوري يقول سمعت أحمد بن محمد الخطيب يقول سمعت الشبلي يقول من اطلع على ذرة من علم التوحيد حمل السموات والأرضين على شعرة من جفن عينيه
سمعت أبا نصر يقول سمعت أحمد يقول حضرت الشبلي وسئل عن قول بعضهم لا تغرنكم هذه القبور وهدوها فكم من فرح مسرور وداع بالويل والثبور فقال أيما هي القبور عندك قال قبور الأموات فقال لا بل أنتم القبور كل واحد منكم مدفون فالمعرض عن الله داع بالويل والثبور والمقبل على الله الفرح المسرور ثم أنشأ يقول ... قبور الورى تحت التراب وللهوى ... رجال لهم تحت الثياب قبور ... فقلت له يا سيدي ونعد في الموتى فقال ... يحبك قلبي ما حييت فإن أمت ... يحبك عظم في التراب رميم ...
سمعت أبا سعيد عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب الرازي بنيسابور يقول سمعت الشبلي وسئل عن الزهد فقال تحويل القلب من الأشياء إلى رب الأشياء وقال من عرف الله خضع له كل شيء لأنه عاين أثر ملكه فيه قال وسمعته يقول وقال له رجل ادع الله لي فأنشأ يقول ... مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلي الغداة شفيع ... وقال له رجل يا أبا بكر نراك جسيما بدينا والمحبة تضني فأنشأ يقول

أحب قلبي وما درى بدني ... ولو درى ما أقام في السمن ...
سمعت أبا طاهر محمد بن إبراهيم يقول سمعت أبا بكر الشبلي يقول إن الله تعالى موجود عند الناظرين في صنعه مفقود عند الناظرين في ذاته
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال سمعت أبا بكر الشبلي يقول التصوف لا حال يقل ولا سماء يظل
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد المفيد يقول سمعت الجنيد بن محمد وأقبل يوما على الشبلي يقول حرام عليك يا أبا بكر إن كلمت أحدا فإن الخلق غرقى عن الله وأنت غرق في الله
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت الشبلي يقول في قول الله يمحو الله ما يشاء ويثبت قال يمحو ما يشاء من شهود العبودية وأوصافها ويثبت ما يشاء من شواهد الربوبية ودلائلها وسئل عن قوله تعالى والذين هم عن اللغو معرضون فقال كل ما دون الله لغو وكان يقول حفظ الأسرار صونها عن رؤية الأغيار وكان يقول الغيرة غيرتان غيرة البشرية وغيره الإلهية على الوقت أن يضيع فيما سوى الله
أخبرني جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه محمد بن إبراهيم قال حضرة وفاة الشبلي فأمسك لسانه عرق جبينه فأشار إلى وضوء الصلاة فوضأته ونسيت التخليل تخليل لحيته فقبض على يدي وأدخل أصابعي في لحيته يخللها فبكيت وقلت أي شيء يتهيأ أن يقال لرجل لم يذهب عليه تخليل لحيته في الوضوء عند نزوع روحه وإمساك لسانه وعرق جبينه
سمعت عبدالواحد بن محمد بن عمرو يقول سمعت بندار بن الحسين يقول سمعت الشبلي يقول وكان أكثر اقتراح الجنيد على القوالين هذه الأبيات ... فلو أن لي في كل يوم وليلة ... ثمانين بحرا من دموع تدفق ... لأفنيتها حتى ابتدأت بغيرها ... وهذا قليل للفتى حين يعشق ... أهيم به حتى الممات لشقوتي ... وحولي من الحب المبرح خندق ... وفوقي سحاب تمطر الشوق والهوى ... وتحتي عيون للهوى تتدفق

سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت الشبلي يقول ما أحوج الناس إلى سكرة فقلت يا سيدي أي سكرة فقال سكرة تغنيهم عن ملاحظة أنفسهم وأفعالهم وأحوالهم وأنشأ يقول ... وتحسبني حيا وإني لميت ... وبعضي من الهجران يبكي على بعض ...
سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا بكر الشبلي يقول والله ما أعطيت فيه الرشوة قط ولا رضيت بسواه ولقد تاه عقلي فيه وربما قال غلبت ثماني وعشرين مرة حتى قيل لي مجنون ليلى فرضيت ثم أنشد ... قالوا جننت على ليلى فقلت لهم ... الحب أيسره ما بالمجانين ... ثم أنشد وقال ... جننا على ليلى وجنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها ... ثم أنشد ... ولو قلت طأ في النار بادرت نحوها ... سرورا لأني قد خطرت ببالكا ... ثم أنشد سألبس للصبر ثوبا جميلا ... وأدرج ليلى ليلا طويلا ... وأصبر بالرغم لا بالرضا ... أعلل نفسي قليلا قليلا ... ثم أنشد وقال ... تنقب وزر فقلت لهم ... أشهر ما كنت حين أتنقب ... إن عرفوني وأثبتوا صفتي ... أصبحت درا والدر ينتهب ...
سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول حضرت أبا بكر الشبلي وسئل عن قوله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب فقال لمن كان الله قلبه وأشند ... ليس مني قلب إليك معنى ... كل عضو مني إليك قلوب ... وتلا قوله تعالى فإذا برق البصر وخسف القمر إلى قوله إلى ربك يومئذ المستقر فلحقوا فهم ما أشار إليهم فقال بعضهم متى ما يصح ذا قال إذا كانت الدنيا والآخرة حلما والله تعالى يقظة وأنشد ... دع الأقمار تغرب أو تنير ... لنا بدر تذل له البدور ... لنا من نوره في كل وقت ... ضياء ما تغيره الدهور ...
أنشدني منصور بن محمد المفري قال أنشدني أحمد بن نصر بن منصور

الشاذابي المقري قال قيل لأبي بكر الشبلي مزقت وأبليت كل ملبوسك والعيد قد أقبل والناس يتزينون وأنت هكذا فأنشأ يقول ... قالوا أتى العيد ماذا أنت لابسه ... فقلت خلعة ساق حبه جزعا ... فقر وصبر هما ثوباي تحتهما ... قلب يرى إلفه الأعياد والجمعا ... الدهر لي مأتم إن غبت يا أملي ... والعيد ما كنت لي مرء أو مستمعا ... أحرى الملابس ما تلقى الحبيب به ... يوم التزاور في الثوب الذي خلعا ...
سمعت منصور بن محمد يقول دخل أبو الفتح بن شفيع عليه عائدا في دار المرضى قال فسمعت صياحه يقول ... صح عند الناس أني عاشق ... غير أن لم يعلموا عشقي لمن ...
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا القاسم عبدالله بن محمد الدمشقي يقول وقفت يوما على حلقة أبي بكر الشبلي فوقف سائل على حلقته وجعل يقول يا الله يا جواد فتأوه الشبلي وصاح وقال كيف يمكنني أن أصف الحق بالجود ومخلوق يقول في شكله ... تعود بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبض لم تجبه أنامله ... تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت آمله ... ولو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله ... هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله ... ثم بكى وقال بلى يا جواد فإنك أوجدت تلك الجوارح وبسطت تلك الهمم ثم مننت بعد ذلك على أقوام بالاستغناء عنهم وعما في أيديهم بك فإنك الجواد كل الجواد فإنهم يعطون عن محدود وعطاؤك لا حد له ولا صفة فيا جواد يعلو كل جواد وبه جاد من جاد
سمعت منصور بن محمد يقول سمعت أحمد بن منصور بن نصر يقول جاء ذات يوم الشبلي إلى أبي بكر بن مجاهد وكان في مسجده غائبا فسأل عنه فقيل له هو عند علي بن عيسى فقصد دار علي فاستأذن فقيل أبو بكر الشبلي يستأذنك فقال أبو بكر بن مجاهد لعلي بن عيسى اليوم أريك من

الشبلي عجبا فلما دخل وقعد قال له أبو بكر بن مجاهد يا أبا بكر أخبرت أنك تحرق الثياب والخبز والأطعمة وما ينتفع به الناس من منافعهم ومصالحهم أين هذا من العلم والشرع فقال له قول الله فطفق مسحا بالسوق والأعناق أين هذا من العلم فسكت أبو بكر بن مجاهد وقال لعلي كأني لم أقرأها قط وبلغني عن غيره أنهم عاتبوه في مثله فتلا هذه الآية إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وتلا إنني بريء مما تعبدون هذه الأطعمة وهذه الشهوات حقيقة الخلق ومعبودهم أبرأ منهم وأحرقه
سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا بكر الشبلي يقول نظرت في ذل كل ذي ذل فزاد ذلي عليهم ونظرت في عز كل ذي عز فزاد عزي عليهم فإذا عزهم ذل في عزي وتلا في أثره من كان يريد العزة فلله العزة جميعا وكان يقول من اعتز بذي العز فذوالعز له عز وقال ... أظلت علينا منك يوما غمامة ... أضاء لها برق وأبطأ رشاشها ... فلا غيمها يجلو فييأس طامع ... ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها ... فقال له رجل يا أبا بكر أخبرني عن توحيد مجرد بلسان حق مفرد فقال ويحك من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد ومن أشار إليه فهو ثنوي ومن أومأإليه فهو عابد وثن ومن نطق فيه فهو غافل ومن سكت عنه فهو جاهل ومن أرى أنه عتيد فهو بعيد ومن تواجد فهو فاقد وسأله رجل عن مقام التوبة فقال له يطرق سمعي من كتاب الله ما يحدوني على ترك الأشياء والأعراض عن الدنيا ثم أرد إلى نفسي وإلى أحوالي وإلى الناس ثم لا أبقى على هذا ولا على هذا وأرجع إلى الوطن الأول مما كنت عليه من سماعي القرآن فقال له يقول الله ما طرق سمعك من القرآن فاجتذبك به إلي فهو عطف مني عليك ولطف مني بك وما أردك به إلى نفسك فهو شفقة مني لك لأنك لم يصح لك التبرؤ من الحول والقوة في التوجه إلي وسئل عن حقيقة الذكر فقال نسيان القوي وسئل عن التوكل فقال أن يحملك فيما حملك وسئل عن الخوف فقال أن تخاف أن يسلمك إليك وسئل عن الرجاء فقال

ترجو أن لا يقطع بك دونه وسئل عن قول النبي صلى الله عليه و سلم جعل رزقي تحت سيفي فقال سيفه الله فأما ذو الفقار فهو قطعة حديد
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الخشاب يقول سمعت بعض أصحاب الشبلي يقول رأيت الشبلي في المنام فقلت له يا أبا بكر من أسعد أصحابك بصحبتك فقال أعظمهم لحرمات الله وألهجهم بذكر الله وأقومهم بحق الله وأسرعهم مبادرة في مرضات الله وأعرفهم بنقصانه وأكثرهم تعظيما لما عظم الله من حرمة عباده قال الشيخ ذكر جماعة من أعلام العارفين أدركنا أيامهم انتشرت في العالم أحوالهم لاعتصامهم بالشرع المتين فكانوا به عالمين وعاملين وبمعالي الأحوال عارفين قائمين وبمكارم الأخلاق متمسكين آخذين ذكرت عن كل واحد منهم نبذا مما نقل إلينا من أقوالهم الحميدة وأحوالهم الشديدة 655
ابن الأعرابي
فمنهم الأغر الأبلج أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي بصري نزيل مكة توفي سنة إحدى وأربعين وثلثمائة له التصانيف المشهورة
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي بمكة ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن فضيل عن الحسن بن صالح عن أبي جناب الكلبي عن طلحة بن مصرف عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أمسح على الخفين يا رسول الله فقال نعم ثلاثة للمسافر ولا تنزع من غائط ولا بول ولا نوم ويوما للمقيم غريب من حديث طلحة لا أعلم رواه عنه إلا أبو جناب
سمعت عبدالمنعم بن عمر يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول إن الله طيب الدنيا للعارفين بالخروج منها وطيب الجنة بالخلود فيها فلو قيل للعارف إنك تبقى في الدنيا لمات كمدا ولو قيل لأهل الجنة إنكم تخرجون

منها لماتوا كمدا فطابت الدنيا بذكر الخروج منها وطابت الجنة بذكر الخلود فيها قال وسئل أبو سعيد ما الذي ترضى من الأوقات قال الأوقات كلها لله فأحسن الأوقات وقت يجري الحق فيه على ما يرضيه عني وقال إن الله أعار بعض أخلاق أوليائه أعداءه يستعطفهم بها على أوليائه 656
أبو عمرو الزجاجي
ومنهم أبو عمرو الزجاجي محمد بن إبراهيم نيسابوري الأصل سكن مكة حج قريبا من ستين حجة لم يتغوط في الحرم أربعين سنة وهو مقيم بها توفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
سمعت أبا بكر الرازي ببغداد يقول قدم مع أبي إسحاق المزكي من مكة فسمعته يقول سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول كان الناس في الجاهلية يتبعون ما تستحسنه العقول والطبائع فردهم النبي صلى الله عليه و سلم إلى اتباع الشرائع فالعقل الصحيح ما يستحسن محاسن الشريعة ويستقبح ما تستقبحه وسئل أبو عمرو عن الحمية فقال الحمية في القلب تصحيح الإخلاص وملازمته والحمية في النفوس ترك الدعوى ومجانبته وكان يقول قسم الله الرحمة لمن اهتم لأمر دينه 657
محمد بن عليان
ومنهم محمد بن علي النسوي يعرف بمحمد بن عليان رفيع الهمة له الكرامات الظاهرة
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت محمد بن أحمد الفراء يقول سمعت محمد بن عليان يقول الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة وكان يقول آيات الأولياء وكراماتهم رضاهم بما يسخط العوام من مجاري المقدور وكان يقول المروءة حفظ الدين وصيانة النفس وحفظ حرمات المؤمنين والجود بالموجود وقصور الرؤية عنك وعن جميع أفعالك وكان يقول كيف لا تحب من لا تنفك عن بره طرفة عين وكيف تدعي محبة من لا توافقه طرفة عين

أحمد بن أبي سعدان
ومنهم أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي سعدان بغدادي الأصل كان ذا لسان وبيان كان في علوم الشرع أحد الأعلام ينتحل للشافعي وله في علم العمال والعباد اللسان الشافي أقام بطرسوس مدة فبعث رسولا إلى الروم لكمال حاله وبيانه
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أبا القاسم الرازي يقول سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول من عمل بعلم الرواية ورث علم الدراية ومن عمل بعلم الدراية ورث علم الرعاية ومن عمل بعلم الرعاية هدي إلى سبيل الحق
سمعت محمد بن إبراهيم بن أحمد يقول سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول الصابر على رجائه لا يقنط من فضله ومن سمع بأذنه حكى ومن سمع بقلبه وعظ ومن عمل بما علم هدى واهتدى وقال أول قسمة قسمت للنفس من الخيرات الروح ليتروح به من مساكنة الاغترار ثم العلم ليدله على رشده ثم العقل ليكون مشيرا للعلم إلى درجات المعارف ومشيرا للنفس إلى قبول العلم وصاحبا للروح في الجولان في الملكوت 659
أبو الخير الأقطع
ومنهم أبو الخير الأقطع التيتاني له الآيات توفي بعد الأربعين كانت السباع والهوام يأنسون بمجالسته ويأوون إليه كان ينسخ الخوص بإحدى يديه
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت أحمد بن الحسين الرازي يقول سمعت أبا الخير يقول من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مرائي ومن أحب أن يطلع الناس على حاله فهو كذاب قال وسمعت جدي إسماعيل ابن نجيد يقول دخل على أبي الخير جماعة من البغداديين يتكلمون بشطحهم بحضرته فضاق صدره من كلامهم فخرج فجاء السبع فدخل البيت فانضم بعضهم إلى بعض ساكتين وتغيرت ألوانهم فدخل أبو الخير فقال يا سادتي

أين تلك الدعاوى وكان يقول ما بلغ أحد حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفريضة ومحبة الصالحين وخدمة الفقراء الصادقين وكان يقول القلوب ظروف فقلب مملوء إيمانا وعلامته الشفقة على جميع المسلمين والإهتمام بما يهمهم ومعاونتهم على مصالحهم وقلب مملوء نفاقا وعلامته الحقد والغل والغش والحسد
سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي يقول سمعت منصور بن عبدالله يقول سمعت أبا الخير الأقطع يقول إن الذاكر لا يقوم له في ذكره عوض فإذا قام له العوض خرج من ذكره
سمعت من غير واحد ممن لقي أبا الخير أن سبب قطع يده أنه كان قد عاهد الله أ لا يتناول بشهوة نفسه شيئا مشتهيا فرأى يوما بجبل الكام شجرة زعرور فاستحسنها فقطع منها غصنا فتناول منها شيئا من الزعرور فذكر عهده وتركه ثم كان يقول قطعت غصنا فقطع مني عضو 660
أبو عبدالله البصري
ومنهم أبو عبدالله محمد بن أحمد بن سالم البصري صاحب سهل بن عبدالله التستري وحفظ كلامه سلك مسلك أستاذه سهل وابنه أبي الحسن أدركته وله أصحاب ينتسبون إليه كان أبو عبدالله يقول من عامل الله على رؤية السبق ظهرت عليه الكرامات وكان يقول تزال عن القلب ظلم الرياء بالإخلاص وظلم الكذب بنور الصدق ومن صبر على مخالفة نفسه أوصله الله إلى مقام أنسه
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبدالله الرازي يقول سأل رجل أبا عبدالله بن سالم وأنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أو بالتوكل فقال التوكل حال رسول الله صلى الله عليه و سلم والكسب سنته واستن الكسب للضعفاء عن حال التوكل ونزل عن درجة الكمال التي هي حاله فمن أطاق التوكل فغير مباح له كسب يعتمد عليه ومن ضعف عن التوكل أبيح له طلب المعاش في كسبه لئلا يسقط عن درجة سنته حيث سقط عن

درجة حاله وكان يقول رؤية المنة مفتاح التودد وقال يستر عورات المرء عقله وحلمه وسخاؤه ويقومه في كل أحواله الصدق 661
أبو الحسن البوسنجي
ومنهم أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسين البوسنجي سكن نيسابور له البيان الشافي في المعارف والتوحيد وله الفتوة والتجريد توفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
حدثت عن محمد بن عبدالرحمن الشامي قال حدثني إسماعيل بن أبي إدريس ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمنا من الأوجاع كلها أن نقول بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر عرق نفار ومن شر حرق النار حدثناه سليمان بن أحمد ثنا علي بن المبارك الصنعاني ثنا إسماعيل بن أبي أويس به
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا العباس محمد بن الحسين الخشاب البغدادي يقول سمعت أبا الحسن البوسنجي وسألته عن السنة فقال البيعة تحت الشجرة وما وافق ذلك من الأفعال والأقوال وسألته عن التصوف فقال اسم ولا حقيقة وقد كان قبل حقيقة ولا اسما قال وسألته عن المروءة فقال ترك استعمال ما هو محرم عليك مع إكرام الكاتبين
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا الحسن البوسنجي يقول الناس على ثلاثة منازل الأولياء وهم الذين باطنهم أفضل من ظاهرهم والعلماء وهم الذين سرهم وعلانيتهم سواء والجهال وهم الذين علانيتهم تخالف أسرارهم ولا ينصفون من أنفسهم ويطلبون الإنصاف من غيرهم وسئل عن المحبة فقال بذل مجهودك مع معرفة محبوبك لأن محبوبك مع بذل مجهودك يفعل ما يشاء وقال التوحيد حقيقة معرفته كما عرف نفسه إلى عباده ثم الاستغناء به عن كل ما سواه وقال أول الإيمان منوط بآخره ألا ترى أن عقد الإيمان لا إله إلا الله والإسلام منوط

بأداء الشريعة بالإخلاص قال الله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت محمد بن عبدالله الحافظ يقول سمعت أبا الحسن البوسنجي يقول الخير منازلة والشر لنا صفة وسئل عن الفتوة فقال حسن المراعاة ودوام المراقبة وأن لا ترى من نفسك ظاهرا يخالفه باطنك 662
القاسم السياري
ومنهم أبو العباس القاسم السياري الملقن تحف الباري شيخ المراوزة ومحدثهم وفقيههم توفي سنة اثنين وأربعين
حدثنا محمد بن أبي يعقوب ثنا القاسم بن القاسم السياري المروزي ثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بغير حديث وحدثنا محمد بن الحسين بن موسى ثنا عبدالواحد بن علي السياري ثنا خالي أبو العباس القاسم بن القاسم السياري ثنا أحمد بن عباد بن سلم وكان من الزهاد ثنا محمد بن عبيدة النافقاني ثنا عبدالله بن عبيدة العامري ثنا سورة بن شداد الزاهد عن سفيان النوري ! عن إبراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أويس القرني عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام إلى قوله الرشيد الصبور مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه وحديث الثوري عن إبراهيم فيه نظر لا صحة له
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبدالواحد يقول سمعت خالي القاسم بن القاسم يقول كيف السبيل إلى ترك ذنب كان عليك في اللوح المحفوظ محفوظا وإلى صرف قضاء كان به العبد مربوطا وكان يقول حقيقة المعرفة الخروج عن المعارف وأن لا يخطر بقلبه ما دونه وكان يقول

المعرفة حياة القلب بالله وحياة القلب مع الله ومن عرف الله خضع له كل شيء لأنه عاين أثر ملكه فيه ومن حفظ قلبه مع الله بالصدق أجرى الله على لسانه الحكمة وكان يقول ظلم الأطماع تمنع أنوار المشاهدات وكان يقول الربوبية نفاذ الأمر والمشيئة والتقدير والقضية والعبودية معرفة المعبود والقيام بالعهود وكان يقول قيل لبعض الحكماء من أين معاشك فقال من عند من ضيق المعاش على من شاء من غير علة وكان يقول ما أظهر الله شيئا إلا تحت ستره وستر شيئية الأشياء حتى لا يستوي علمان ولا معرفتان ولا قدرتان 663
جعفر الخلدي
ومنهم جعفر بن محمد بن نصير الخلدي أبو محمد الخواص السائح اللامح القوام المزين بالأخلاق الحميدة والآخذ بالوثائق الأكيدة كتب الآثار وصحب الأخيار الجنيد والثوري ورويما حج سنين توفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير فيما كتب إلى سنة ثلاث وأربعين ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عبدالله بن بكر السهمي ثنا حميد عن أنس أن الرجل كان يسأل النبي صلى الله عليه و سلم فيسلم لذلك ثم لا يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه ثنا موسى بن هارون ثنا عقبة بن مكرم ثنا يونس بن بكير عن خالد بن يسار عن المسيب بن دارم قال قام الذي قتل عثمان في قتال العدو يستشعر المعركة رجاء أن يقتل فقتل من حوله ولم يقتل حتى مات على فراشه قال جعفر رجاء أن يقتل فيكفر عنه قتل عثمان ولو قتل ألف مرة ما كفر عنه ذلك وأخبرني جعفر قال لا يجد العبد لذة المعاملة مع لذة النفس لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق التي تقطعهم عن الحق قبل أن تقطعهم العلائق وقال جعفر الفرق بين الرياء والإخلاص أن المرائي يعمل ليرى والمخلص يعمل ليصل وقال جعفر الفتوة احتقار النفس وتعظيم

حرمة المسلمين وقال جعفر لبعض أصحابه اجتنب الدعاوى والتزم الأوامر فكثيرا ما كنت أسمع سيدنا الجنيد يقول من لزم طريق المعاملة على الإخلاص أراحه الله عن الدعاوى الكاذبة وسئل جعفر عن العقل فقال ما يبعدك عن مراتع الهلاك وسئل عن قوله تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله قال من لا يجتهد في معرفته لا تقبل خدمته 664
أبو بكر الطمستاني
ومنهم أبو بكر الطمستاني العالم الرباني صحب الأعلام والأكابر ونبه به الأعلام والأصاغر قدم أصبهان وخرج منها إلى نيسابور وتوفي بها سنة أربعين وثلثمائة
سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن رسته الجمال الصوفي يقول إنه قدم فكان نازلا عليه فذكر من أحواله الرفيعة واستصغاره الفانية الوضيعة وكان يقول جالسوا الله كثيرا وجالسوا الناس قليلا وكان يقول الطريق واضح والكتاب والسنة قائمة بين أظهرنا فمن صحب الكتاب والسنة وعزف عن نفسه والخلق والدنيا وهاجر إلى الله بقلبه فهو الصادق المصيب المتبع لآثار الصحابة لأنهم سموا السابقين لمفارقتهم الآباء والأبناء المخالفين وتركوا الأوطان والإخوان وهاجروا وآثروا الغربة والهجرة على الدنيا والرخاء والسعة وكانوا غرباء فمن سلك مسلكهم واختار اختيارهم كان منهم ولهم تبعا وكان يقول لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وإنما يمكن الخروج من النفس بالله وبصحة الإرادة لله وكان يقول من استعمل الصدق بينه وبين ربه حماه صدقه مع الله عن رؤية الخلق والأنس بهم وكان يقول من لم يكن الصدق وطنه فهو في فضول الدنيا وإن كان ساكنا وكان يقول العلم قطعك عن الجهل فاجتهد أن لا يقطعك عن الله وكان يقول النفس كالنار إذا أطفئ من موضع تأجج من موضع كذلك النفس إذا هدأت من جانب ثارت من جانب وكان يقول كيف أصنع والكون كله لي عدو وإياك والاغترار بلعل وعسى وعليك بالهمة فإنها مقدمة الأشياء وعليها مدارها وإليها رجوعها

أبو العباس أحمد الدينوري
ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد الدينوري صحب يوسف بن الحسين ولقي رويما وأبا العباس بن عطاء
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول سمعت عبدالله بن علي الطوسي يقول قال أبو العباس الدينوري مكاشفات الأعيان بالأبصار ومكاشفات القلوب بالاتصال وكان يقول إن أدنى الذكر أن ينفي ما دونه ونهاية الذكر أن يغيب الذاكر في الذكر عن الذكر ويستغرق بمذكوره عن الرجوع إلى مقام الذكر وهذا حال فناء الفناء وكان يقول لله عباد لم يستصلحهم لمعرفته فشغلهم بخدمته وله عباد لم يستصلحهم لخدمته فأهملهم وكان يقول لا بلاغ إلى مراتب الأخيار إلا بالصدق وكل وقت وحال خلا عن الصدق فباطل وكان يقول المحب اختار المكروه والأثقال لرضا محبوبه يبتغي لذلك رضاه وهو غاية المنى وأنشدوا ... رأيتك يدنيني إليك تباعدى ... فباعدت نفسي لابتغاء التقرب ... 666
أحمد بن عطاء
ومنهم أبو عبدالله أحمد بن عطاء بن أحمد الروذباري له من فنون العلم الحظ الجزيل توفي بصور سنة تسع وخمسين وثلثمائة ورد علينا نعيه وأنا مقيم بمكة
سمعت أبا الفضل الهروي يقول حضرت أحمد بن عطاء وسئل عن القبض والبسط وحال من قبض ونعته وحال من بسط ونعته فقال القبض أول أسباب الفناء والبسط أول أسباب البقاء فحال من قبض الغيبة وحال من بسط الحضور ونعت من قبض الحزن ونعت من بسط السرور وكان يقول الذوق أول المواجيد فأهل الغيبة إذا شربوا طاشوا وأهل الحضور إذا شربوا عاشوا
سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا

عبدالله الروذباري يقول رأيت في المنام كأن قائلا يقول لي أي شيء أصح في الصلاة فقلت صحة القصد فسمعت هاتفا يقول رؤية المقصود بإسقاط رؤيةالقصد أتم وكان يقول مجالسة الأضداد ذوبان الروح ومجالسة الأشكال تلقيح للعقول وليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة وليس كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار ولا يؤمن على الأسرار إلا الأمناء فقط وكان يقول الخشوع في الصلاة علامة الفلاح قال الله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون 667
بندار بن الحسن
ومنهم أبو الحسين بندار بن الحسن بن محمد بن المهلب كان بعلم الأصول مهذبا وفي الحقائق مقربا كان له القلب العقول واللسان السئول وكان للمخلصين عضدا وللمريدين مسددا توفي سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة وحضر مجلسه أبو زرعة الطبري شرازي المولد سكن أرجان أسند الحديث
أخبرنا محمد بن الحسين في كتابه ثنا علي بن عبدالله بن مبشر الواسطي ثنا محمد بن سنان ثنا عبدالرحمن بن مهدي ثنا مالك بن أنس عن سعيد المقبري عن أبي سلمة قال سألت عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا مثلهن ثم يصلي ثلاثا قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي
حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا محمد بن غالب ثنا القعنبي عن مالك به
سمعت عبدالواحد بن محمد بن بندار يقول سألت بندار بن الحسن عن الفرق بين المتصوفة والمنقرئة فقال إن الصوفي من اختاره الحق لنفسه فصافاه وعن نفسه عافاه ومن التكلف برأه والصوفي على زنة عوفي أي

عافاه وكوفي أي كافاه وجوزي أي جازاه الله ففعل الله ظاهر في اسمه وأما المنقري فهو المتكلف بنفسه المظهر لزهده مع كمون رغبته وترئية بشريته واسمه مضمر في فعله لرؤيته نفسه ودعواه وسئل أيضا عن الفرق بين التقري والتصوف فقال القارئ هو الحافظ لربه من صفات أوامره والصوفي الناظر إلى الحق فيما حفظ عليه من حاله وقال الصوفي حروفه ثلاثة كل حرف لثلاث معان فالصاد دلالة صدقه وصبره وصفائه والواو دلالة وده ووروده ووفائه والفاء دلالة فقره وفقده وفنائه والياء للإضافة للإضافة والنسبة وأهل الحروف والإشارات يقيمون حرف الياء في الابتداء والانتها ففي الابتداء النداء وفي الانتهاء النسبة والإضافة ففي الابتداء يا عبد وفي الانتهاء يا عبدي ففي الأول للنداء وفي الانتهاء للإضافة والنسبة وكان يقول الجمع ما كان بالحق والتفرقة ما كان للحق وكان يقول لا تخاصم لنفسك فإنها ليست لك دعها لمالكها يفعل بها ما يشاء وكان يقول دع ما تهوى لما تؤمل وقال القلب مضغة وهو محل الأنوار وموارد الزوائد من الجبار وبها يصح الاعتبار جعل الله القلب أميرا فقال إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ثم جعله لديه أسيرا فقال يحول بين المرء وقلبه 668
ابن خفيف
ومنهم أبو عبدالله محمد بن خفيف الحنيف الظريف له الفصول في النصول والتحقق والتثبت في الوصول لقي الأكابر والأعلام صحب رؤيما وأبا العباس بن عطاء وطاهر المقدسي وأبا عمرو الدمشقي وكان شيخ الوقت حالا وعلما توفي سنة إحدى وسبعين وثلثمائة
ومن مفاريد ما سمع منه ما أخبرنا في إجازته وكتابه إلي قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن شاذهرمز ثنا زيد بن أخرم عن أبي داود عن شعبة عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما عرج بي إلى السماء سمعت تذمرا فقلت يا جبريل من هذا قال موسى

يتذمر على ربه فقلت ولم ذلك قال عرف ذلك منه فاحتمله هذا من حديث شعبة متكرر أبو داود وزيد ثبتان لا يحتملان هذا ولعل أدخل لابن شاذهرمز حديثا في حديث عبدالله بن مسعود
حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا شعيب بن أحمد الدارعي ثنا الخليل أبو عمرو وعيسى بن المساور قالا ثنا مروان بن معاوية ثنا قنان بن عبدالله النهمي عن ابن ظبيان عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سمعت كلاما في السماء فقلت يا جبريل من هذا قال هذا موسى قلت ومن يناجي قال ربه قلت ويرفع صوته على ربه قال إنه قد عرف له حدته ومن أجوبته فيما سئل عن السكر فقال غليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب وقال الخوف اضطراب القلب مما علم من سطوة المعبود وسئل عن الرياضة فقال كسر النفوس بالخدمة ومنعها عن الفترة وقال التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله وقال التوكل الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه وقال اليقين تحقيق الأسرار بأحكام المغيبات وقال المشاهدة اطلاع القلوب بصفاء اليقين إلى ما أخبر الحق من الغيوب وقال المعرفة مطالعة القلوب لإفراده عن مطالعة تعريفه وقال التوحيد تحقق القلوب بإثبات الموحد بكمال أسمائه وصفاته ووجود التوحيد مطالعة الأحدية على أرضات السرمدية والإيمان تصديق القلوب بما أعلمه الحق من الغيوب ومواهب الإيمان بوادي أنواره والملبس لأسراره وظاهر الإيمان النطق بألوهيته على تعظيم أحديته وأفعال الإيمان التزام عبوديته والانقياد لقوله والإنابة التزام الخدمة وبذل المهجة والرجاء ارتياح القلوب لرؤية كرم الموحد وحقيقة الرجاء الاستبشار لوجود فضله وصحة وعده والزهد سلو القلب عن الأسباب ونفض الأيدي عن الأملاك وحقيقة الزهد التبرم بالدنيا ووجود الراحة في الخروج منها والقناعة الاكتفاء بالبلغة وحقيقة القناعة ترك التشوف إلى المفقود والاستغناء بالموجود وسئل عن الذكر فقال اعلم أن المذكور واحد والذكر مختلف

ومحل قلوب الذاكرين متفاوتة فأصل الذكر إجابة الحق من حيث اللوازم لقوله عليه السلام من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته ثم ينقسم الذكر قسمين ظاهر وباطن فأما الظاهر فالتهليل والتحميد والتمجيد وتلاوة القرآن وأما الباطن فتنبيه القلوب على شرائط التيقظ على معرفة الله وأسمائه وصفاته وعلى أفعاله ونشر إحسانه وإمضاء تدبيره ونفاذ تقديره على جميع خلقه ثم يقع ترتيب الأذكار على مقدار الذاكرين فيكون ذكر الخائفين على مقدار قوارع الوعيد وذكر الراجين على ما استبان لهم من موعده وذكر المجتنبين على قدر تصفح النقباء وذكر المراقبين على قدر العلم باطلاع الله إليهم وذكر المتوكلين على قدر ما انكشف لهم من كفاية الكافي لهم وذلك مما يطول ذكره ويكثر شرحه فذكر الله منفرد وهو ذكر المذكور بانفراد أحديته على كل مذكور سواه لقوله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي والثاني إفراد النطق بألوهيته لقوله عليه السلام أفضل الذكر لا إله إلا الله
قال الشيخ سألتم عن أيداع ذكر جماعة من نساك بلدنا وعبادهم ليكون الكتاب مختوما بذكرهم ونشر أحوالهم واعلموا أن طريقة المتقدمين من نساك بلدنا القدوة والاتباع لمتقدميهم من العمال والعلماء الذين لحقوا الأئمة والأعلام وقد ذكرت جماعة منهم في كتابنا بطبقات المحدثين من الرواة من أهل بلدنا منهم محمد بن يوسف المعداني المعروف بعروس الزهاد ومن ينحو نحوه في التنسك والتعبد والغالب من أحوالهم اغتنام الوقت وعنايتهم بجمع الهم ومحافظة الأوراد والتشمر للارتياد والتسارع إلى الاستباق فأما بسط الكلام في الأحوال والمقامات قولا بلا فعل فيرونه دعاوي لا حقيقة لها يحترزون منها غاية التحرز لا يريدون عما حواليهم بدلا ولا يبغون عنها حولا كانوا كما وصفهم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من أحوال المختارين من الصحابة والسالكين طريقتهم من التابعين فيما رواه عنه نوف البكالي وكميل

ابن زياد وغيرهما وهو
ما حدثناه إبراهيم بن إسحاق ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا علي ابن حجر ثنا يوسف بن زياد عن يوسف بن أبي المتيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال قال علي بن أبي طالب كونوا لقبول العمل أشد اهتماما بالعمل فإنه لن يقبل عمل إلا مع التقوى وكيف يقل عمل يتقبل كانوا بالله عالمين ولعباده ناصحين كما حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ثنا علي بن هاشم ابن اليزيد عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع عن عمر بن علي عن حسين عن أبيه عن علي قال أنصح الناس وأعلمهم بالله أشد الناس حبا وتعظيما لحرمة أهل لا إله إلا الله وكما رواه عبد خير عن علي وهو ما حدثناه عمر بن محمد بن عبدالصمد ثنا الحسين بن محمد بن غفير ثنا الحسن بن علي السيسري ثنا خلف ابن تميم ثنا عمر الرحال عن العلاء بن المسيب عن عبد خير عن علي قال ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك وأن يعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت الله ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنبا فهو يدارك ذلك الذنب بتوبة أو رجل يسارع في الخيرات ولا يقل عمل في تقوى وكيف يقل عمل يتقبل كانوا بالصحابة مقتدين ولصعالكهم مشبعين يصبحون شعثا غبرا صفرا بين أعينهم مثل ركب المعزى باتوا يتلون كتاب الله يميدون عند ذكر الله كما تميد الشجرة في يوم ريح كانوا مصابيح الهدى لم يكونوا بالجفاة المرائين خلق الثياب جدد القلوب في الدنيا زاهدين وفي الآخرة راغبين وعن الله فهمين وفي قراءة كلامه متدبرين وبمواعظه متعظين وبضنائعه معتبرين تخذوا الأرض بساطا ورمالها فراشا والقرآن والدعاء دثارا وشعارا عبدوه في بيوت بالقلوب الطاهرة والأبصار الخاشعة هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فقاموا لله بحجته وتبيانه فاستلانوا ما استوعره المترفون

وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى فهذه نعوت الأصفياء من الأولياء والنجباء من الأتقياء من سلك مسلكهم مقتديا بأفعالهم مراعيا لأحوالهم المنتفع برؤيته والمغبوط بمحبته وصحبته
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبدالرزاق عن معمر عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن شمر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أيها الناس ألا أنبئكم بخياركم قالوا بلى قال الذين إذا رؤا ذكر الله إذا تكلموا كان كلامهم لعز الإسلام ونجاة النفوس وصلاحها لا لعز النفوس وطلب الدنيا وقبول الخلق وكانوا لعلمهم مستعملين ولرأيهم متهمين ولسبيل أسلافهم متبعين وبكتاب الله وسنة نبيه متمسكين الخشوع لباسهم والورع زينتهم والخشية حليتهم كلامهم الذكر وصمتهم الفكر نصيحتهم للناس مبذولة وشرورهم عنهم مخزونة وعيوب الناس عندهم مدفونة ورثوا جلاسهم الزهد في الدنيا لإعراضهم وإدبارهم عنها ورغبوهم في الآخرة لإقبالهم وحرصهم عليها 669
النعمان بن عبدالسلام فمن المتقدمين الذين ذكرناهم في كتاب طبقات المحدثين والرواة من أهل أصبهان النعمان بن عبدالسلام أبو المنذر كان عبدالسلام والده يلي أمر السلطان ومات عن ضيعة نفيسة ومال جم فترك ذلك كله ورغب عنها زهدا فيها صحب سفيان الثوري ومالك بن أنس
سمعت أبا محمد بن حيان يحكي عن أبي عبدالله الكسائي قال بلغني أن رجلا رأى في المنام كأن ملكا يقول لآخر وهو على سور المدينة اقلب قال كيف أقلب والنعمان بن عبدالسلام قائم يصلي 670
ابن معدان
ويليه في الفضل والعلم والعبادة محمد بن يوسف بن معدان بن سليم

عروس الزهاد وقد تقدم ذكره وكذلك أخواه عبدالرحمن وعبدالعزيز وتوفي محمد بن يوسف بالمصيصة ودفن إلى جنب مخلد بن الحسين فارق ضياعه زاهدا فيها وكان يقول لقد خاب من كان حظه من الله الدنيا وكان يتمثل كثيرا بهذا البيت ... إذا كنت في دار الهوان فإنما ... ينجيك من دار الهوان اجتنابها ... 671
عامر بن حمدويه
ومنهم عامر بن حمدويه الزاهد سكن مسيلة صحب سفيان الثوري وسمعته يروي عنه مسائل 672
عصام بن يزيد
ومنهم عصام بن يزيد بن عجلان أبو سعيد الملقب بخير صحب سفيان الثوري ثلاث عشرة سنة وكان رسوله إلى أمير المؤمنين المهدي فعرض عليه المهدي برا ومالا فلم يقبل ثم رجع من عنده إلى سفيان فقال لسفيان لو أتيتهم فقال سفيان أتراني أخاف هوانهم إنما أخاف كرامتهم فلما مات سفيان رجع إلى أصبهان وسكنها 673
موسى بن مساور
ومنهم موسى بن مساور أبو الهيثم الضبي روى عن سفيان بن عيينة ووكيع وكان جيدا فاضلا ترك ما ورثه عن أبيه لإخوته تورعا ولم يتناول منه شيئا لأن أباه كان يتولى للسطان له الآثار المشهورة في بناء الرباطات وإصلاح الطرق
سمعت أبا محمد بن حيان يقول بلغني أنه رؤي في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي مررت يوما بامرأة تحمل جرابا ثقل عليها حمله فحملته معها فشكر الله لي ذلك فغفر لي 674
محمد بن الوليد
ومنهم محمد بن الوليد الأموي من أهل المدينة سمع سفيان بن عيينة

يعد من الأبدال له الدعوة المجابة 675
محمد بن النعمان
ومنهم محمد بن النعمان بن عبدالسلام صحب وكيعا وسفيان بن عيينة وأبا بكر بن عياش له الورع الثخين والعقل الرصين كان زيد بن أخرم يسميه عابد أهل أصبهان كان دأبه المجاهدة والمكابدة الدائمة حتى ضعف وخيف على عقله ثم رجع إلى الميسور وترك خشونة المطعم والملبس
سمعت أبا محمد بن حيان يقول سمعت أحمد بن محمد بن صبيح يقول سمعت محمد بن النعمان يقول دانقا تدفعه في مظلمة أحب إلي من مائة ألف تتصدق بها
سمعت أبا محمد بن حيان يقول حدثني محمد بن الحسين بن المهلب ثنا محمد بن عاصم قال سمعت محمد بن النعمان يقول المصر لا يقبل له عمل 676
صالح بن مهران
ومنهم أبو سفيان صالح بن مهران كان يقال له الحكيم يكتب كلامه قال سليمان الشاذكوني ما رأيت أورع من أبي سفيان
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أحمد بن علي بن الجارود ثنا محمد بن عاصم قال سمعت أبا سفيان يقول ليستيقن الناس أنهم لا يرون في الإسلام فرحا وكان يقول كل صاحب صناعة لا يقدر أن يعمل في صناعة إلا بآلة وآلة الإسلام العلم وإذا رأيت العالم لا يتورع في علمه فليس لك أن تأخذ عنه وكان يقول وضعوا مفاتح الدنيا على الدنيا فلم تنفتح فوضعوا عليها مفاتح الآخرة فانفتحت
سمعت أبا محمد بن حيان يقول ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا محمد بن عاصم قال سمعت أبا سفيان يقول الورع ورعان ورع صواب وورع أحمق فالصواب أن تقول للرجل من أين جئت فيقول من السوق والورع الأحمق أن تقول للرجل من أين جئت فيقول من المسجد إن شاء الله وكان يقول كل عمل يعمل لغير الله فهو ذنب على عامله والإخلاص اليقين

عبدالله بن خالد
ومنهم عبدالله بن خالد كان من التعبد والورع بالمحل الرفيع فأكره على قضاء البلد لقي سفيان بن عيينة وشعيب بن حرب وإبراهيم بن بكر الشيباني
سمعت أبا محمد بن حيان يحكي عن ابي عبدالله السليمي الفقيه قال سمعت يحيى بن مطرف يقول مر عبدالله بن خالد يوما يريد مجلس الحكم وجونته على عنق غلام له فوقع لرجل حمله عن حمار له فقال أعينوني على حمل هذا فقال عبدالله لغلامه ضع الجونة ووضع عبدالله كساءه على عاتقه فحمل مع غلامه على حمار الرجل ثم لبس كساءه وتوجه إلى المجلس وجلس يوما بالمدينة للقضاء فحكم بشيء فقال المحكوم عليه أيها القاضي حدا بترس قال فوضع يده على رأسه وجعل يضرب بيده على رأسه ويقول قاضي خاكس بسرقاضي خاكس بسر فختم جونته وديوانه وهرب فلم ير بعده إلا يوما في الثغر حارسا 678
رجاء بن صهيب
ومنهم أبو غسان رجاء بن صهيب الجرواني أحد المعرضين عن الدنيا الراحلين عنها وكان يقول نعم الدار الدنيا طريقا إلى الجنة ومن اتخذ الدنيا طريقا لم يعرج على ما فيها فالدنيا طريق الأكياس غنموا فيها النفوس ورحلوا بها عنها 679
عبدالله بن داود
ومنهم عبدالله بن داود سنديله كان من المتعبدين خيرا فاضلا مجاب الدعوة أسند الكثير يحدث عن الحسين بن حفص
سمعت والدي يحكي عن محمد بن يحيى بن منده أنه سمع عبدالله بن داود يقول من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى يعني بأصحاب الهوى الذين عدلوا عن الآثار وتبعوا الآراء

إبراهيم بن عيسى
ومنهم إبراهيم بن عيسى الزاهد صحب معروف الكرخي وسمع من أبي داود الطيالسي ومحمد ابن المقرئ
سمعت أبا محمد بن حيان يقول ثنا حيوة بن أبي شداد بنهاوند حدثني أبو جعفر الداني قال كنت في دار إبراهيم بن عيسى وكان إذا فرغ من صلاته وقت السحر يدعو لليهود والنصارى والمجوس ويقول اللهم اهدهم فإذا فرغ من دعائه يرفع يديه يقول اللهم إن كنت مدخلي النار فعظم خلقتي حتى لا يكون لأمة محمد صلى الله عليه و سلم فيها موضع ومن كلامه المؤمن حسن بالله ظنه واثق بوعده اتخذ التقوى رقيبا والقرآن دليلا والخوف محجة والشوق مطية والوجل شعارا والصلاة كنزا والصبر وزيرا والحياء أميرا لا يزداد لله برا وصلاحا إلا ازداد الله عليه خوفا أحسن الظن بالله فأحسن العمل
حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر إملاء ثنا العباس أحمد بن محمد البزاز المدني ثنا إبراهيم بن عيسى الزاهد ثنا أحمد الدينوري ثنا عبدالعزيز ابن يحيى ثنا إسماعيل بن عياش عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاوية ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاية 681
عبدالوهاب الضبي
ومنهم عبدالوهاب بن المنذر الضبي فقيه عابد صوام قوام كان له كل يوم ختمة كان هذا دأبه إلى أن مات روى عن معتمر بن سليمان
سمعت أبي يقول حكي لي عنه أنه قال لكل شيء أول وأول الخير الاستغفار قال تعالى استغفروا ربكم إنه كان غفارا يعني لا يزال يغفر للمستغفرين

حامد شاذة
ومنهم حامد بن المسبور بن الحسين المؤذن مؤذن الجامع يعرف بشاذة كان يعرف بالدعاء المجاب من الأمناء والنصحاء حدث عن سليمان ابن حرب وأزهر بن سعيد
حدثنا أبي ثنا محمد بن أحمد بن أبي يحيى ثنا حامد بن المسبور ثنا أزهر ابن سعيد عن محمد بن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف 683
أسيد بن عاصم
ومنهم أبو الحسين أسيد بن عاصم بن محمد كان هو وأخوه محمد بن علي ممن سلكوا مسلك أصحاب سفيان الثوري في العلم والعبادة ومكارم الأخلاق وفواضل الأعمال يفزع إلى أدعيتهم عند نزول المحن والأعلال فترى الإجابة في الوقت يقصدون من الديار والنواحي البعيدة يسألون الدعاء في عوارضهم فيدعون فيرون الإجابة
حدثنا عبدالله بن الحسين بن بندار ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص ثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن شعيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها
حدثنا عبدالله بن محمد ثنا أبو علي بن إبراهيم ثنا أسيد بن عاصم ثنا إسماعيل بن عمر ثنا قيس بن عمار الذهني عن عطية عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يا أيها الناس إنه لا دين لمن دان بجحود آية من كتاب الله يا أيها الناس إنه لا دين لمن دان بفرية باطل ادعاها على الله يا أيها الناس إنه لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله 684
أبو جعفر الفرياني
ومنهم أحمد بن معاوية بن الهذيل أبو جعفر الفرياني وأخوه الهذيل

ابن معاوية كان سمتهما في التعبد والاتباع والاقتداء سمت البدلاء والأولياء سمعا الحديث من أصحاب الثوري والحسين بن حفص وغيره
حدثنا أبي ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا أحمد بن معاوية ثنا حسين بن حفص ثنا إبراهيم يعني ابن طهمان عن ابن سعيد وهو عمر بن سعيد عن الأعمش عن عمرو بن مرة الحمصي عن أبي البختري قال جاء أعرابي فبال في المسجد فأخذوه فسبوه فأمر النبي صلى الله عليه و سلم فصب على مكان البول الماء ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم إنكم بعثتم هداة ولم تبعثوا مضلين كونوا معلمين ولا تكونوا معاندين أرشدوا الرجل قال ثم جاء من الغد فقال اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد غيرنا قال ففعلوا به مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنكم بعثتم هداة ولم تبعثوا مضلين كونوا معلمين ولا تكونوا معاندين أرشدوا الرجل عمرو بن سعيد هو أخو سفيان بن سعيد لا أعلم رواه عن الأعمش بهذا اللفظ غيره
حدثنا أبي ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا أحمد بن معاوية ثنا الحسين ابن حفص ثنا أبو هانئ بن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال إني ليأتي علي الشهر والشهران لا أطعم شيئا
حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان قالا ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا الهذيل بن معاوية ثنا إبراهيم بن أيوب ثنا النعمان بن سفيان عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة قالت إن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن سب الأموات وقال طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير
حدثنا عبدالله بن محمد بن يحيى بن مندة ثنا الهذيل بن معاوية ثنا إبراهيم بن أيوب عن ابن هانئ عن محمد بن الربيع عن الثوري عن حماد بن يحيى الأجج عن محمد بن واسع عن مطرف بن الشخير قال من صفى صفي له ومن خلط خلط له
حدثنا أبي ثنا محمد بن يحيى ثنا الهذيل بن معاوية ثنا إبراهيم بن أيوب ثنا النعمان عن سفيان عن يحيى بن أبي سعيد قال ما أخوان في الإسلام أحدهما

يعرف والآخر لا يعرف وهو في مثل حاله إلا كان أفضلهما الذي لا يعرف 685
أحمد بن محمد بن إسحاق
ومنهم المقرون تعبده وتقشفه بالبذل والسخاء أبو عثمان أحمد بن محمد بن إسحاق بن يزيد بن عجلان ختن ابن رجاء بن صهيب كانت العبادة عنه مشهورة والكرم عنه مأثور ومذكور كان كثير الحديث
حدثنا أبي ثنا محمد بن أحمد بن يزيد الزهري ثنا أبو عيسى ثنا الأصمعي عن أبي طلحة عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت لا تمر فيه جياع أهله 686
موسى الخزاز
ومنهم الناسك النبيه ذو الفضل الكثير أبو عبدالرحمن موسى بن عبدالرحمن الخراز
سمعت أبا محمد بن حيان يقول كان له الفضل والعبادة والنسك الكثير وكان تخلى في داره مستأنسا بذكره ومشاهدته أسند الكثير
حدثنا عبدالله محمد بن جعفر ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا موسى بن عبدالرحمن عن أبيه عن النعمان عن سفيان عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأي ولا يدعها للشيطان ولا يمسحن أحدكم يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها فإنه لا يدري في اي طعامه البركة 667
أحمد بن مهدي
ومنهم ذو الدين المتين والمحدث الأمين أنفق على العلم المال الكثير المنور المنير آثار الرسول البشير النذير كان ذا سخاء وكرم راقب المعبود وخدم حليف العبادة والسهر أليف السنة والأثر أبو جعفر أحمد بن مهدي ابن رستم أسمعت أعلي أحمد بن محمد بن إبراهيم يقول قال أحمد بن مهدي جاءتني امرأة ببغداد ليلة من الليالي فذكرت أنها من بنات الناس

وأنها امتحنت بمحنة وقالت لي أسألك بالله أن تسترني فقلت وما محنتك وقالت أكرهت على نفسي وأنا حبلى وذكرت للناس أنك زوجي أن وما بي من الحمل فمنك فلا تفضحني واسترني سترك الله فسكت عنها ومضت فلم أشعر حتى وضعت وجاء إمام المحلة في جماعة الجيران يهنئوني بالولد الميمون النجيب فأظهرت التهلل ووزنت في اليوم التالي دينارين ودفعتهما إلى الإمام فقلت أبلغ هذا إلى تلك المرأة لتنفقها على المولود فإنه سبق ما فرق بيني وبينها فكنت أدفع في كل شهر دينارين أوصلهما إليها بيد الإمام وأقول هذا نفقة المولود إلى أن أتى على ذلك سنتان ثم توفي المولود فجاءني الناس يعزونني فكنت أظهر لهم التسليم والرضا فجاءتني المرأة بعد ذلك ليلة من الليالي ومعها تلك الدنانير التي كنت أبعث بها إليها بيد الإمام فردتها وقالت سترك الله كما سترتني فقلت لها هذه الدنانير كانت صلة مني للمولود وهي لك لأنك ترثينه فاعملي فيها ما تريدين
سمعت أبا محمد بن حيان يقول كان أحمد بن مهدي ذا مال كثير فأنفقه كله على العلم نحو ثلثمائة ألف درهم وذكر أنه لم يعرف له فراش أربعين سنة
حدثنا أحمد بن جعفر بن سعيد ثنا أحمد بن مهدي ثنا عمر بن خالد المصري ثنا عيسى بن يونس عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن الأغر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنة يوما من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه
حدثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أحمد بن مهدي ثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة عن عبيدالله ثنا أبي عن جدي عن موسى ابن طلحة عن أبيه قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحد صعد على المنبر فتلا هذه الآية ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية فسأله رجل يا رسول الله من هؤلاء فأقبلت وعلي ثوبان أخضران فقال أيها السائل هذا منهم

محمد بن معروف العطار
قال الشيخ ومن المشهورين بالنسك والعبادة والورع محمد بن معروف العطار المعروف بمؤملة كان إمام الجامع سمع من يحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون وهو الذي ينسب إليه المسجد مسجد مؤملة بن معروف
حدثنا أبو عمر محمد بن عبدالله بن محمد بن معروف ثنا أبي ثنا يحيى ابن سعيد ثنا الهيثم بن حكيم قال سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله أو قال لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة 689
هارون الراعي
ومنهم أبو عبدالرحمن الراعي هارون بن سعيد كان من الزاهدين والسائحين لقي بالشام أبا سليمان الداراني ومحمد بن المبارك الصوري وأحمد ابن عاصم الأنطاكي حدث عنه أبو مسعود الرازي في مسنده سمع من عبدالرحمن بن إبراهيم بن دحيم ومحمد بن أبي السري العسقلاني وطبقتهم
حدثنا أبو محمد بن حيان من أصله ثنا عبدالله بن محمد بن العباس ثنا أبو عبدالرحمن الراعي ثنا دحيم ثنا ابن قديد ثنا يحيى بن أبي خالد عن ابن أبي سعيد الأنصاري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال الندم توبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن عبيدة بن الوليد ثنا أبو عبدالرحمن الراعي ثنا هارون بن سعيد ثنا عبدالعزيز بن عمران ثنا عبدالله بن صالح ثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة 690
العباس بن إسماعيل
ومنهم أبو الفضل العباس بن إسماعيل الطامدي كان من العبادة

والخلوة بالمحل المكين مع ما كان يرجع إليه من العلم الواسع النافع
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانئ يقول سمعت محمد بن يوسف يقول سمعت عباس الطامدي وقد اعتل أياما فوجدته متأسفا فسألته فقال أعقبتني هذه العلة ضعفا نقص من ختماتي في الشهر ثلاثين ختمة
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبدالله بن كوثة الأصبهاني بمكة قال سمعت عباس الطامدي يقول سمعت حسين بن الفرج يقول سمعت ابن المبارك يقول إن كان الفضل في الجماعة فالسلامة في الوحدة
حدثنا أبي ثنا أحمد بن عبدالله بن خلة الصفار ثنا محمد بن يوسف الصوفي ثنا العباس بن إسماعيل الطامدي ثنا مكي بن إبراهيم بن موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي قال قرأت في التوراة أو قال في صحف إبراهيم الخليل فوجدت فيها يقول الله ياابن آدم ما أنصفتني خلقتك ولم تك شيئا وجعلتك بشرا سويا خلقتك من سلالة من طين فجعلتك نطفة في قرار مكين ثم خلقت النطفة علقة فخلقت العلقة مضغة فخلقت المضغة عظاما فكسوت العظام لحما ثم أنشأتك خلقا آخر يا ابن آدم هل يقدر على ذلك غيري ثم خففت ثقلك على أمك حتى لا تتبرم بك ولا تتأذى ثم أوحيت إلى الأمعاء أن اتسعي وإلى الجوارح أن تفرقي فاتسعت الأمعاء من بعد ضيقها وتفرقت الجوارح من بعد تشبكها ثم أوحيت إلى الملك الموكل بالأرحام أن يخرجك من بطن أمك فاستخلصك على ريشة من جناحه فاطلعت عليك فإذا أنت خلق ضعيف ليس لك سن يقطع ولا ضرس يطحن فاستخلصت لك في صدر أمك عرقا يدر لبنا باردا في الصيف حارا في الشتاء واستخلصته لك من بين جلد ولحم ودم وعروق ثم قذفت لك في قلب والدك الرحمة وفي قلب أمك التحنن فهما يكدان عليك ويجهدان ويربيانك ويغذيانك ولا ينامان حتى ينومانك يا ابن آدم أنا فعلت ذلك بك لا لشيء استأهلت به مني ولا لحاجة استعنت بك على قضائها يا ابن آدم فلما قطع سنك وطحن ضرسك أطعمتك فاكهة الصيف في أوانها وفاكهة الشتاء في أوانها فلما أن عرفت أني ربك

عصيتني فادعني فإني قريب مجيب واستغفرني فإني غفور رحيم 691
زكريا بن الصلت
ومنهم زكريا بن الصلت له الورع الوثيق والقلب الرفيق مشهور بالتعبد والاجتهاد والتوجد والإنفراد وكان يقول ما شافع أشفع للرجل المذنب من الخدمة لرب العالمين وكان يقول من نظر إلى مبتدع بعينه فقد أعان النظر على العمى ألا فجنبوا أشفار العيون بالإغماض عن نظر المبتدعين
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا زكريا بن الصلت ثنا عبدالسلام بن صالح ثنا عباد بن العوام ثنا عبدالغفار المدني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لله عند كل بدعة تكيد الإسلام وأهله من يذب عنه ويتكلم بعلاماته فاغتنموا تلك المجالس بالذب عن الضعفاء وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا تفرد به عبدالغفار عن سعيد وعنه عباد 692
الأخوان عبدالله وهمام
ومنهم الأخوان أبو بكر عبدالله وأبو عمرو همام ابنا محمد بن النعمان ابن عبدالسلام ورثا العلم والعبادة عن أسلافهما المشهورين الغالب على أبي بكر القدوة والرواية وعلى أبي عمر والعبادة والرعاية حالهما في العلم والنسك مشهور وفضلهما في الناس منشور
حدثنا جعفر بن معبد ثنا عبدالله بن محمد بن النعمان ثنا فروة بن أبي العراء ثنا علي بن مسهر عن يوسف بن ميمون عن عطاء عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحب أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب غريب تفرد به يوسف عن عطاء
حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن عمر القرظي ثنا همام بن محمد بن النعمان ثنا العباس بن يزيد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمتان خفيفتان على اللسان

ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 693
محمد بن الفرج الودنكاني
ومنهم المعد في الأبدال المثبت في الأحوال كانت دعوته مجابة صحب أبا عثمان الرازي سعيد بن العباس أبو بكر محمد بن الفرج الودنكاني كان الجهاد والرباط ميسرا له كان من دعائه اللهم اقبضني في أحب المواطن إليك فخرج إلى طرسوس ثلاث مرات فمات بها سنة أربع وثمانين ومائتين
حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ثنا أبو بكر محمد بن الفرج ثنا محمد بن عاصم بن عمرو أبو الأزهر الصواف البصري ثنا أبو عاصم عمرو بن عثمان بن مقسم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما عمل أحب إلى الله من جهاد في سبيله وحجة مبرورة متقبلة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال حديث غريب من حديث نافع لا أعلم رواه عنه إلا عثمان
حدثنا أبو بكر محمد بن عبدالله عن ممشاد ثنا أبو بكر محمد بن الفرج ثنا عبد الجبار يعني ابن العلاء ثنا مروان يعني ابن معاوية عن أبي يعقوب عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو عن عبدالله بن مسعود قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أقرب إلى الجنة قال الصلاة على مواقيتها ثم قلت وماذا يا نبي الله قال بر الوالدين قلت وماذا يا رسول الله قال الجهاد في سبيل الله
سمعت أبا محمد بن حيان يقول حدثنا جدي محمود بن الفرج قال أملاه علي ثنا أبو حجر ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال مرض أبي بن كعب مرضا فبعث النبي صلى الله عليه و سلم طبيبا فكواه على أكحله
سمعت أبا محمد يقول وحكى عن جده محمود قال سمعت أبا عثمان سعيد بن العباس يقول إذا تواضعت فقد أدركت جميع الفضائل وإذا حفظت لسانك فقد حفظت جميع جوارحك وإذا أخلصت الأعمال فقد أحكمت جميع عملك

ابن معدان
ومنهم ذو القلب الرجيف واللب الثاقب الخصيف والنفس الذائب النحيف عرف مالكه عظيما فخنع وخضع وراقبه عليما فخشي وخشع ولاحظه كريما فرضي وقنع فابتهل إليه مستغفرا ومفتقرا ولامح صنائعه معتبرا وتنصل إليه من زلله وهفواته معتذرا موقنا أنه على قبوله مقتدرا أبو عبدالله محمد بن يوسف بن معدان المعروف بالبناء كان للآثار حافظا ومتبعا له التصانيف في نسك العارفين ومعاملة العاملين
سمعت أبا محمد بن حيان يقول كان محمد بن يوسف ممن يقال إنه مستجاب الدعوة وكان رئيسا في علم التصوف صنف في هذا المعنى كتبا حسانا رأيته وسمعت من كلامه قال اعلم أن قلوب العمال من أهل المعرفة بالله على أربع منازل قلب مع الله وقلب في ملك الله وقلب في التمييز وقلب في المكابدة فأما القلب الذي مع الله فعلامته المناجاة والإشتغال بالله وأما القلب الذي في ملك الله فمرة يجول في الجنة ومرة يجول في النار والصراط والحساب والميزان والعرض وأما القلب الذي في المكابدة فهو الذي يرد على الشيطان خوف الفقر وهو مشغول بتصحيح الكبيرة فهذه الأربع المنازل منازل العقلاء والخامس قلب النقمة الشيطان
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانئ يقول سمعت محمد بن يوسف يقول أسباب المعرفة أربعة خصافة العقل وكرم الفطنة ومجالسة أهل الخبرة وشدة العناية وبسبب هذه الأمور الأربعة الرحمة ومن أقرب الأمور إلى الرحمة التبرؤ من الحول والقوة والمعرفة بأن التبرؤ منه والمعرفة أيضا هبة ومن أفضل الأشياء العلم والمبتغى من العلم نفعه فإذا لم ينفعك فحمل تمرة خير لك من حمل ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعاذ منه فقال أعوذ بك من علم لا ينفع وقال خير العلم ما نفع والعلم يصاب من عند المخلوقين والنفع لا يصاب إلا بالله ومن عنده ومنفعة العلم طاعته وطاعته منفعته والعلم النافع هو الذي به أطعته والذي

لا ينفع هو الذي به عصيته وكان يقول قلوب العارفين مساكن الذكر وأفضل الأعمال رعاية القلب والذكر غذاء القلب وقال همم العارفين تعالت عما فيه لذة نفوسهم واتصلت همومهم بما فيه المحبة لسيدهم لأن الله تعالى معناهم ولدى الله مثواهم وكان يقول من آمن بالقدوم على معطي الخزائن والهدايا قبل ملاقاته وقال إذا كسى الله القلب نور المعرفة قلده قلائد الحكمة ومن كان الصدق وسيلته كان الرضا من الله جائزته وقال إن من التوفيق ترك التأسف على ما فات والاهتمام بما هو آت ومن أراد تعجيل النعم فليكثر من مناجاة الخلوة
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا محمد بن يوسف بن معدان الصوفي ثنا عبدالله ابن محمد السندي الأسدي بطرسوس ثنا عبدالله بن نمير عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده
حدثنا أحمد ثنا محمد بن يوسف ثنا عبدالله ثنا ابن نمير عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نصح العبد لسيده وأحسن عبادة ربه كان له الأجر مرتين
حدثنا أحمد ثنا محمد ثنا إبراهيم بن سلام ثنا يحيى بن سليم عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت
د ثنا أبو مسلم عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الواعظ ثنا أبو عبدالله محمد بن يوسف بن معدان ثنا أبو صالح محمد بن زنبور ثنا الحارث بن عمير عن حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار
حدثنا أبو مسلم عبدالرحمن بن محمد ثنا محمد بن يوسف بن معدان ثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا النعمان بن عبدالله ثنا أبو ظلال عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بخل الناس قالوا يا رسول الله بم بخل الناس

قال بالسلام 695
أبو الحسن بن سهل
ومنهم المحبر بالوصل المحفوظ في الفضل أبو الحسن علي بن سهل كان للحق مجيبا واصلا وعن النفس مغيبا راحلا
سمعت أبا حامد أحمد بن رستم يقول كان علي بن سهل ممن أيد على مخالفة النفس فارتاض نفسه رياضة هذبها بعد أن كان منشؤه نشء المترفين أبناء النعمة والرفاهة فكان ربما يحبسه عن الأكل عشرين يوما يبيت فيها قائما هائما عن الخلق مشغولا وفيما يعانيه محمولا
سمعت أبا عبدالله أحمد بن إسحاق الشعار يقول سمعت علي بن سهل يقول ما احتكمت قط إلا بولي وشاهدين وسمعت أبا حامد وأبا جعفر المحلاوي يقولان وكانا من أصحابه قالا قال علي بن سهل استولى علي الشوق فألهاني عن الأكل وقطعني عن العمل في ابتداء أمري فرأيت في بعض الليالي في غفوتي أني دخلت الجنة فرأيت قصرا عظيما رفيعا فقلت لمن هذا القصر فقيل لمحمد بن يوسف ثم أفضيت إلى قصر آخر مثله فقلت لمن هذا فقيل لي لك يا أبا الحسن فاطلعت على لعبة غلب ضوء وجهها كل شيء فنظرت إليها فأدبرت وهي تقول أنت لا ترغب فينا وإذا أنا بصوت ما سمعت نغمة أشجى ولا أحزن منه وهي تقول ... مقيم للجليل بكل قلب ... على الرضراض للخطر العظيم ... فظننت أنها تعنيني وكان رحمه الله له الحال المكين والبيان المبين فقد حدثنا علي بن هارون صاحب أبي القاسم الجنيد بن محمد قال قرأت ما كتب به علي بن سهل إلى الجنيد في خطابه وصدر كتابه توجك الله تاج بهائه وحلاك حلية أهل بلائه وأودعك ودائع أحبائه وجعلك من أخلص خلصائه وأشرف بك على عظيم بنائه وهداك وهدى بك إلى كل حال مع ما يرده عليك من دوام الإقبال وحباك مع ذلك بالوصل والإتصال لتكون يا أخي لديه رضى البال ورفعك بعلوه على كل حال

سمعت أبي وعنده أصحاب علي بن سهل أنه كان يقول ليس موتي كموتكم بالأعلال والأسقام إنما هو دعاء وإجابة أدعى فأجيب فكان كما قال كان يوما قاعدا في جماعة فقال لبيك ووقع ميتا رحمة الله عليه وعلى أموات المسلمين
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن سهل الصوفي الأصبهاني ثنا ابن مهدي ثنا علي بن صالح صاحب المصلى ثنا القاسم بن معن عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما قلت يا رسول الله أنصره مظلوما كيف أنصره ظالما قال ترده عن الظلم فذاك نصرة منك له 696
أحمد بن جعفر بن هاني
ومنهم المملوء من المعاني المكلوء من التواني أحمد بن جعفر بن هاني كان له الأحوال الرفيعة والاستدلال بالأعمدة المنيعة المتفكر في البراهين والآيات والمعتبر بالمنصوب من الأدلة والعلامات كان شأنه السباق والبدار مرتقبا لموارد القلوب من التحف والأنوار
سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر يقول لا يأتي العبد المعونة من مولاه وهو يعتمد على غيره ووالاه وإذا ناصح العبد مولاه في معاملته ألبسه خلعة من خلعه تظهر عليه نوره ومشاهدته ومن لم يحكم فيما بينه وبين مولاه التقوى والمراقبة حجب عن الكشف والمشاهدة ومن آثر مولاه حماه من رجس الدنيا ولم يكله إلى غيره وكان يقول من كانت الدنيا طريقه إلى الجنة نصب له منار الدلالة لئلا يضل عنها وقال إذا سكنت الخشية في القلب رأى علم التوفيق في الجوارح
حدثنا أبي ثنا أحمد بن جعفر بن هاني ثنا محمد بن يوسف ثنا عبدالله بن عبدالوهاب عن أبي مسهر عن الحكم بن هشام عن يحيى بن سعيد ثنا أبو قرة عن أبي خلاد وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهدا في الدنيا وقلة منطق فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة

حدثنا أبي ثنا أحمد بن جعفر ثنا محمد بن يوسف ثنا عبدالله بن عبدالوهاب ثنا عبدالله بن سابق ثنا موسى بن طريف قال جاء عيسى بن مريم إلى رجل نائم فقال له عيسى قم فقال له الرجل قد تركت الدنيا لأهلها فقال له عيسى نم مكانك إذا 697
محمد بن الحسين الخشوعي
ومنهم المزين بالخشوع الممكن للخضوع كانت العبادة حرفته والتلذذ بالعبرة شهوته له الكلام البليغ في تأديب النساك والعباد تخرج به جماعة من السباق والرواد منهم أبو الحسن علي بن أحمد بن المرزبان الأسواري وطبقته وسليم بن عبدالله بن المرزبان أبو بكر الواعظ وشيعته وبعدهما من المذكورين والمشهورين عبدالله بن محمد بن صالح وأبو عثمان بن أبي هريرة ومن نحا نحوهم في النسك والعبادة تمسكوا بالشرع المشروع والمنهج المتبوع اقتدوا بالآثار وتخلقوا بأخلاق العباد والأبرار من الصيام الدائم والقيام اللازم والقلب الفارغ الهائم أبو عبدالله بن الحسين الخشوعي
فمما نقل عنه من كلامه أنه كان يقول حياة الصديقين في المراعاة وروح حياتهم القدوة والاقتداء بأوامر الأنبياء وأحوالهم وحياة أرواحهم بالطاعة وذوق تصحيح سلوك سبيل الأئمة وتواتر اللطف والمبار وكان يقول من لزم الخدمة ورث منازل القربة ومنازل القربة تورث حلاوة الأنس
حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الواعظ ثنا أبو عبدالله محمد بن الحسين الخشوعي ثنا جعفر بن أمية ثنا محمد بن أيوب الرازي ثنا الأصمعي ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود قال همان لا بد للمؤمن منهما هم المعاش وهم المعاد
حدثنا أبو مسلم محمد بن إبراهيم الغزال في داره قراءة عليه قال حدثني محمد بن الحسين الخشوعي العابد ثنا الحسين بن عبدالله بن الحسن ثنا أبو بكر ابن خلاد ثنا يحيى ثنا عبيدالله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي عن

النبي صلى الله عليه و سلم قال من أتى عرافا يسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ومن المشهورين بالنسك والعبادة من عباد الشام واقتصرنا على تسميتهم فمنهم عامر بن ناجية والحسن بن محمد بن مزيد لقي ذا النون وأحمد بن أبي الحواري والحسن بن علي بن سعيد أبو علي السنبلاني يعد من الأبدال وزيد بن بندار البجاي أبو جعفر صام هو وابنه وامرأته أربعين سنة ويسار بن مسهر من العباد ومحمد بن جزي العابد ومحمد بن العباس بن خالد وأبو عبدالله المحدث ومحمد بن عيسى بن يزيد السعدي وأبو بكر الطرسوسي ومسعود بن يزيد وأبو عمران موسى بن إبراهيم الصوفي وعمر بن عبدالرحيم بن شبيب المقري وعبيدالله بن أحمد بن عقبة المحدث ومحمد بن الحسين الجوربي صحب سهل بن عبدالله كان من التعبد والاقتداء والاتباع للسلف الماضين بالمحل الرفيع سمعوا الآثار واستعملوها في مدى الأيام والساعات فعمروها عدوا من البدلاء كانت أدعيتهم مجابة ولهم يد في قلوب الولاة مهابة
وبعدهم طائفة تخرجوا بمحمد بن يوسف البنا وإن كانوا اختاروا التجرد والتخلي من فضول الدنيا ورفضها وحذف العلائق والعوائق ونبذها ومداومة التشمير والإستباق
ومنهم أبو عبدالله الصالحاني الفقيه وأحمد بن جعفر القطان وأحمد بن ميمون وأبو جعفر أحمد بن قادة وأبو بكر بن خارج وعبيدالله بن يحيى أبو عبدالرحمن المديني وأحمد بن محمد بن عمر بن أبان العبدي كانوا يرجعون إلى أحوال حميدة وبيان وبصيرة
وممن أدركناهم وأدركنا أيامهم وصحبوا محمد بن يوسف وسمعوا منه محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن سياه المذكور ومحمد بن جعفر بن حفص المعدل المغازلي وأبو بكر محمد بن عبدالله بن ممشاذ المعروف بالقنديل القوال وأحمد بن بندار بن إسحاق الفقيه الشعار وأبو عبدالله محمد بن أحمد

ابن الحسن الكسائي المقري وعبدالرحمن بن محمد بن ششتاه القرطمي المؤذن وسمعت أبا محمد بن حيان يقول وحكي لي عنه حكايات وذكر أنه كان يزوره مع والده محمد بن جعفر في الجمعات وقال سمعته يروي عن سليمان بن شبيب وعبيدالله ابن يزيد أخي رستم وأبي مسعود ولم أكتب عنه فلما رأى في تصانيفه روايته عن حسين المروزي وعبدالجبار بن العلاء كان يتحسر لما فاته من حديثه هؤلاء قد صحبوه ورووا عنه الآثار وأما الذين تخرجوا بعلي بن سهل وأبي عبدالله الصالحاني فجماعة يكثر تعدادهم غير أن المتقدمين الذين لهم الحال المكين أبو بكر عبدالعزيز بن محمد بن الحسن الخفاف الواعظ وأبو بكر عبدالله بن إبراهيم بن واضح وأخوه عمر وأبو جعفر محمد بن الحسين بن منصور وأخوه علي بن الحسين وختم التحقيق بطريقة المتصوفة بأبي الحسن علي بن ما شاذه لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة وسلوكه مسلك الأوائل في البذل والعطاء والإنفاق والتبري والتعدي من التملك والإمساك وكان عارفا بالله عالما وفقيها عاملا عالما بالأصول وبارعا في الفروع له من الأدب الحظ الجزيل والخلق الحسن الجميل رزقنا الله تعالى ما رزقهم من الإقبال عليه والانقطاع إليه وجمعنا وإياهم بطوله في سائر أرضه وبحبوحة جنته إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل قال المؤلف هذا آخر ما أمليته يوم الجمعة سلخ ذي الحجة سنة اثنين وعشرين وأربعمائة والحمد لله وحده أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

عليه السلام ضي الله عنه ضي الله عنه عليه السلام الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد فقد تم بحمد الله طبع هذا السفر الجليل والدليل النابه الأمين والأنيس الذي لا يمل جليسه ولا يسأم من حديثه الذي تحلى به شرفات مكاتب الأسواق وتزين به صدور مكتبات أفاضل العلماء وهو كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم وذلك في غرة شهر رمضان المكرم من سنة سبع وخمسين وثلثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التحية وقد قام بطبعه على نفقتهما حضرتا المحترمان الحاج محمد إسماعيل صاحب مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر ومحمد أمين أفندي الخانجي الكتبي بشارع عبدالعزيز بمصر فعلى كل محب للعلم أن يطلبه من المكانين المذكورين بعد الدعاء لصاحبيهما بالتوفيق والإعانة على نشر مثل هذا 

قلت المدون تم بحمد الله وتوفيقه ثم قلت:

فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني

صحيح السيرة النبوية ت الشيخ الالباني